المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

مضاعِفُ إلكتروناتٍ electron multiplier
27-12-2018
تفسير سورة آل عمران من آية (99 - 153)
2024-01-02
نشأة الانهار واطوارها
8/9/2022
رذيلة الجبن واثرها
2-2-2017
عاقبة الغش
19-11-2017
التعديل الوراثي على المحاصيل
1-10-2018


الوضوح والغموض بين أبي تمام والبحتري  
  
23301   05:04 مساءاً   التاريخ: 25-03-2015
المؤلف : وحيد صبحي كبابة
الكتاب أو المصدر : الخصومة بين الطّائِيّيْن وعمود الشعر العربي
الجزء والصفحة : ص22-27
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /

يميل أصحاب البحتري إلى " حلاوة اللفظ، وحسن التخلص، ووضع الكلام في مواضعه، وصحة العبارة، وقرب المأتى، وانكشاف المعاني" (1). أمّا أصحاب أبي تمام فيميلون " إلى غموض المعاني ودقتها.. مما يحتاج إلى استنباط وشرح واستخراج (2).

لهذا، عاب أصحاب أبي تمام مَن أعرض عن شعر صاحبهم، بعدم الفهم وقصور العلم، وقد " فهمته العلماء وأهل النفاذ في علم الشعر " (3) ويستشهدون على دعواهم بابن الأعرابي، الذي " كان يردّ على (أبي تمام) من معانيه ما لا يفهمه، ولا يعلمه، فكان إذا سُئل عن شيء منها، يأنف أن يقول: لا أدري، فيعدل إلى الطعن عليه " (4).

وأصحاب أبي تمام يعترفون بأن صاحبهم قد " أتى في شعره بمعان فلسفية، وألفاظ عربية، فإذا سمع بعض شعره الأعرابيّ لم يفهمه.... فإذا فسّر له فهمه واستحسنه " (5).

فأبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب (-291)، أحد الطاعنين على أبي تمام، استحسن شعر الشاعر، بعدما شرحه له بنو نوبخت (6).

وينبري أصحاب البحتري ليردّوا على خصومهم دعاواهم، فالعلماء الذين يقصر أنصار الحداثة عليهم فهم شعر صاحبهم، هاجموا أبا تمام شرّ هجوم (7). أما قصور فهم ابن الأعرابي عن شعر ابي تمام، " فالعيب والنقص في ذلك يلحقان أبا تمام، إذ عدل عن المحجة إلى طريقة يجهلها ابن الأعرابي وأمثاله " (8). هذا، على حين " تعمّد (البحتري) حذف الغريب والوحشي من شعره، ليقرّبه على فهم من يمدحه " (9) لهذا، " وقع الإجماع على استحسانه واستجادته، وروى شعره واستحسنه سائر الرواة، على طبقاتهم واختلاف مذاهبهم. فمن نفق على الناس جميعاً، أولى بالفضل، وأحقّ بالتقدمة " (10).

ويردّ أصحاب البحتري على الدعوى الأخيرة، في أنّ ما غمض من شعر أبي تمام على الأعراب ممكن فهمه إذا ما فسّر، بأنّ " هذه دعاوٍ من (أصحاب الشاعر) على الأعراب في استحسان شعر صاحبهم، إذا فهموه. ولا يصحّ ذلك إلاّ بالامتحان " (11).

إن الوقوف على الحجج التي تقدّم بها الطرفان المتخاصمان، يضعنا أمام قضايا هامة في النقد العربي القديم. فالحكم على جودة الشعر -في نظر أنصار القديم -مقترن بمقدار سيرورته بين الناس، فمن قبل الناسُ شعرَه هو دون شك أفضل. هذا يعني بالتالي أنه على الشاعر، تحقيقاً لتلك السيرورة، أن يتفق شعره وذوق المتلقين. وحتى يتم ذلك، ينبغي أن يكون واضحاً مفهوماً، وهذا ما فعله البحتري "حين تعمّد حذف الغريب والوحشي من شعره ". وأثر الرواة واضح في هذا المقياس النقدي. غير أن نظرة أنصار الجديد تختلف، فالشعر عندهم " لا يقيّم بمدى انتشاره بين الناس، بل يقيّم بمدى عمقه، وفهم ذوي الثقافة الشعرية العالية " (12) فيصبح، بالتالي، الحكم على الشعر بحسب النص لا بحسب المتلقي. وهكذا، يرتقي الجمهور إلى الشاعر، بدل أن ينزل هو إليهم. ولا يعود الشاعر مضطراً لأن يقول ما يُفهم، بل على الجمهور أن يفهم ما يُقال (13). بهذه النظرة الجديدة إلى الشعر تعود حقوق الإبداع إلى المبدع وحده، لا إلى الجمهور كما كان يريد أنصار القديم... وبهذه النظرة لا يعود همّ الشاعر إرضاء ذوق المتلقّين، وقول ما ألفوه أو ما يتوقعّونه... وإنما يصير متحرّراً يقول ما في نفسه، خالقاً بأسلوبه لغته وصوره المميزّة. لكن هذا الكلام لا يلغي أبداً دور الجمهور، فهو أيضاً مُبدع للنص بالقراءة.. وفعل الإبداع يعني أن يتجاوز القارئ المألوف، فيرتقي مع الشاعر إلى خلق عوالم جديدة، ما كان يعرفها.

والحديث عن قضية الغموض في الشعر يقودنا إلى الحديث عن ثقافة الشاعر، فأصحاب أبي تمام يرون أن " الشاعر العالم أفضل من الشاعر غير العالم "(14). وتعليل ذلك أن " الأوّل يضيف إلى القارئ معرفة جديدة، أما الثاني فلا يضيف أي شيء، بل يعكس (كذا) للقارئ معرفته، فكأنه يردّ له بضاعته " (15). لهذا فأبو تمام مُقدّم عند أصحابه، لأنه صاحب ثقافة واسعة في الشعر وروايته، وفي الفلسفة. وقد استطاع أن يوجد في شعره تآلفاً مبتكراً بين المعنى الفلسفي غير العربي، واللفظ العربي (16) وإذا كان الأعرابي لا يفهم بعض شعره، فليس لأنه محال أو مستغلق. والدليل على ذلك أنه " إذا فُسّر له، فهمه واستحسنه " (17). ومعنى ذلك أن عدم فهم الأعرابي لهذا الشعر، يعود إلى قلة إطلاعه وثقافته ودربته، لا إلى قصور في إدراكه، أو غموض في هذا الشعر. يقول أدونيس: " إن عدم فهم الشعر لا يعود إلى إغرابه، بل يعود إلى أن قارئه قليل الدربة والممارسة، ومنذ أن تنكشف له معانيه، بالممارسة والدربة، يزول إغرابه، ويصير واضحاً "(18).

ويرفض أصحاب البحتري هذه المقولة، فشعر العلماء عندهم لا يرقى إلى مستوى شعر الشعراء. يقول الآمدي على لسان صاحب البحتري مُعللاً: " فقد كان الخليل بن أحمد عالماً شاعراً، وكان الأصمعي عالماً شاعراً، وكان الكسائي كذلك، وكان خلف بن حيان الأحمر أشعر العلماء، وما بلغ بهم العلم طبقة مَنْ كان في زمانهم من الشعراء غير العلماء. (19). لهذا وجب تقديم البحتري على أبي تمام؛ " إذ كان معلوماً شائعاً أن شعر العلماء دون شعر الشعراء " (20).

وإذا كان أبو تمام قد أظهر ثقافته في شعره، متعمّداً " أن يدُلَّ على علمه باللغة وبكلام العرب "، فإن هذا جعله يدخل ألفاظاً غريبة في مواضع كثيرة من شعره، وذلك نحو قوله:

هُنَّ البَجَاريُّ يا بُجَيْر ... أَهْدَى لها الأبؤسَ الغُديْرُ "(21)

- هذا، في حين استسلم البحتري لطبعه في اختيار ألفاظه، إذ " كان يتعّمد حذف الغريب الوحشي من شعره ليقربه من فهم من يمتدحه... ويرى أن ذلك أنفق له، فنفق، وبلغ المراد والغرض " (22).

أما ادعاء أصحاب أبي تمام باستحسان الأعراب شعر صاحبهم إذا فهموه، فهذا عند صاحب البحتري كلام " لا يصح إلا بالامتحان" (23).

وخلاصة القول في هذه القضية عند صاحب البحتري، أن " التجويد في الشعر ليست علته العلم، ولو كانت علته العلم لكان مَنْ يتعاطاه من العلماء أشعر ممن ليس بعالم " (24). لذلك، كان البحتري الشاعر غير العالم، خيراً من أبي تمام الشاعر العالم.

إن ما دار من مناقشات حول هذه القضية، يمكن إرجاعه إلى تقصير النقاد في دراسة شعر المحدثين، بالنسبة إلى دراساتهم لشعر القدماء. يقول عبد العزيز سيد الأهل: " إن شعر المحدثين في زمان أبي تمام لم يكن أهل عصره قد درسوه كالقديم، ولم يذّلله أئمّة لهم كالذي ذلّلوه، ولم يجد له رواة يحفظونه ويكثرون من روايته، ولم يعرفوا ما يضبطه وما يقوم به، وقصّروا فيه فعابوه " (25).

لهذا، كانت الأسس النقدية التي اعتمدها النقاد في نقد شعر أبي تمام، صحيحة بالنسبة إلى الشعر القديم الذي ألفوه، لا بالنسبة إلى ما يمكن أن يُستنبط من شعر أبي تمام من أحكام. يقول عمر فروخ: " إن الأسس التي اتخذها النقاد لنقد شعرأبي تمام.. صحيحة بالإضافة إلى أنفسهم _ أي إلى ما ألفوا وما لم يألفوا -بالإضافة إلى ما يمكن أن يفهم منها بعد إعمال الفكر " (26). وهذا ما يدفع إلى عدم التسليم بكل ما أخذه النقاد " على أبي تمام، أو على غيره، فقد لا يكون المعنى من السوء بحيث يظنون، ولا الاستعارة من البعد بحيث يحسبون " (27). فأبو تمام " يفكّر بطريقة صحيحة، ولكنها بعيدة عن مألوف الرجل العادي ". وما غموضه إلاّ لأنّه رائد نهضة شعرية، و" كل شعر يبدأ نهضة، فهو غامض ".

لقد شغلت قضية غموض شعر أبي تمام كلاً من الخصوم والأنصار، فكلّهم متفقون على وجود هذا الغموض في شعره، ولا نعرف أحداً نفى هذه السمة عنه. لهذا يستوقفنا نص يخالف هؤلاء وأولئك، ويعترف فيه قائله لأبي تمام بالوضوح فقد " كتب الحسن بن وهب إلى أبي تمام:" أنت -حفظك الله -تحتذي من البيان في النظام، مثل ما نقصد نحن في النثر من الإفهام، والفضل لك -أعزك الله -إذ كنت تأتي به في غاية الاقتدار، وعلى غاية الاقتصار، وفي منظوم الأشعار، فتحلّ متعقّده، وتربط متشرّدة، وتضمّ أقطاره، وتجلو أنواره، وتفصّله في حدوده، وتخرجه في قيوده، ثم لا تأتي به مهملاً فيستبهم، ولا مشتركاً فيلتبس، ولا متعقّداً فيطول، ولا متكلّفاً فيحول. فهو منك كالمعجزة، تضرب فيه الأمثال، وتشرح فيه المقال، فلا أعدمنا الله هداياك واردة، وفوائدك وافدة ".

في هذا النص دليل سافر على وجود فئة من الأدباء والنقاد، كانت لا ترى غموضاً في شعر أبي تمام، بل، على العكس، كانت تراه واضحاً، ولا التباس فيه ولا تعقيد. ولئن غمض شعره على بعض الفئات، إنه كان مفهوماً من بعضها الآخر. وهذا يعني أن هذا الشعر ابن عصره، وأنه كانت هناك فئة تتذوّقه ولا ترى فيه غموضاً.

وتبقى قضية الوضوح والغموض نسبية، بحسب ثقافة المتلقي وتفاعله مع الشعر والشاعر. فإذا كان أبو تمام يريد أن يرقى بالمتلقي إلى مستوى فهمه، فإنّ من واجب الشاعر أيضاً أن يسعى ليبلّغ المتلقي رسالته بوضوح وبلاغة فاعلة. وهذا لا يعني الابتذال، فالوضوح شيء والابتذال شيء آخر، كما أن الغموض الموحي الممتع بلّذة الكشف شيء والغموض المبهم المحبط شيء آخر.

ويبقى الشعر لغة الشعور وفسحة التقاء بين روحين، لتبلغا في لحظة صوفية روح الحقيقة المُطلقة.

_____________________

(1) الموازنة 1/4

(2) المصدر نفسه 1/4

(3) المصدر نفسه 1/19

(4) م. ن 1/22، وانظر أخبار أبي تمام 14-15، 175 -176.

(5) الموازنة 1/27

(6) انظر أخبار أبي تمام 15-16

(7) من هؤلاء العلماء: ابن الأعرابي، وأحمد بن يحيى الشيباني، ودعبل بن علي الخزاعي، وحذيفة بن محمد، وإسحاق بن إبراهيم الموصلي، وأبو سعيد الضرير، وأبو العميثل الأعرابي، والمبرّد -انظر الموازنة 1/19 -22.

(8) الموازنة 1/23

(9) المصدر نفسه 1/19

(10) المصدر نفسه 1/27

(11) الموازنة 1/21

(12) الثابت والمتحول 2/186

(13) انظر الموازنة 1/21

(14) الموازنة 1/25

(15) الثابت والمتحول 2/188

(16) يقول الآمدي: " إن أبا تمام أتى في شعره بمعان فلسفية وألفاظ عربية" الموازنة 1/27

(17) الموازنة 1/27، وانظر خبر ثعلب وبني نوبخت في:" أخبار أبي تمام 15-16.

(18) الثابت والمتحول 2/188

(19) الموازنة 1/25

(20) المصدر نفسه 1/26

(21) المصدر نفسه 1/27

(22) عبقرية أبي تمام 63

(23) فروخ: أبو تمام 60

(24) المرجع نفسه 58

(25) المرجع نفسه 53

(26) م. ن 56

(27) زهر الآداب للحصري 3/855، تح: محمد محي الدين عبد الحميد، ط 3، مطبعة السعادة القاهرة 1953؟

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.