المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
ميعاد زراعة الجزر
2024-11-24
أثر التأثير الاسترجاعي على المناخ The Effects of Feedback on Climate
2024-11-24
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
المناخ في مناطق أخرى
2024-11-24

تـطور السياسـة الماليـة عبر النظريات الاقتصاديـة
12-6-2019
الادراك ليس لمعنى
5-08-2015
السيد حسين بن محسن بن مرتضى بن محمد ابن الأمير
23-6-2017
نصرة المؤمن
2023-03-26
اهتمام امير المؤمنين بالإنتاج الزراعي
9-4-2016
Complex Variable
19-1-2019


مجال التأثير والتأثر في التراث النقدي  
  
3318   01:29 مساءً   التاريخ: 26-7-2017
المؤلف : علي علي مصطفى صبح
الكتاب أو المصدر : في النقد الأدبي
الجزء والصفحة : ص:107-117
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


يُعدّ بشر في نظرنا أول ناقد كتب في بعض قضايا النقد العربي القديم في صحيفته المشهورة؛ لأنه توفي عام [210 هـ] وكان يعاصر صاحب أول كتاب في تاريخ الأدب والنقد لابن سلام الجمحي المتوفى [231 هـ] وكانت نقداته في كتابه "طبقات الشعراء" نظرات عامة، وكل النقاد الذين دوَّنوا نقداتهم أتوا بعد بشر في عصر التدوين، وظهر إنتاجهم النقدي بعد صحيفته التي أشار فيها أبو سهل إلى قيم نقدية، ونظرات واضحة في بعض قضايا النقد الأساسية، ثم تأثر النقاد الذين جاءوا بعده به تأثرًا كبيرًا وخطيرًا، وترسَّموا خطاه، وإن تميَّز بعضهم في بعض الجوانب دون البعض بالإطناب والتخصص والتفصيل.
وأما وصية أبي تمام لتلميذه البحتري الذي عاش ما بين [172 - 231 هـ] فإنني أخرجها عن مجال التأثر والتأثير؛ لأن بشرًا كان يعاصر أبا تمام، يتجاوبان معًا في تيارات الحركة الأدبية والنقدية في هذا العصر، وهما إن كانا متفقين معًا في بعض الآراء، فلا نستطيع بحال، أن نجزم بمن سبق الآخر في رأيه، ولم أقف على دليل بعين السابق منهما في هذا الرأي، والأقرب إلى الإنصاف أن نقول: بأن العصر الذي جمعهما يحمل طابعًا في النقد الأدبي، هو من سمات ذلك العصر، وبشر وأبو تمام من الذين كان لهم دور كبير في هذا البناء النقدي لعصرهم.
ومن هذا المنطلق نقول: إن وصية أبي تمام لتلميذه لم تخضع لمجال التأثر والتأثير الذي يهز كيان بشر في صحيفته، حتى لا نقول بأن بشرًا متأثر بالوصية، ويؤيد رأيي هذا أن شخصية كل منهما متميزة في التعبير عما يقول الآخر، ويظهر ذلك جيدًا حينما أعرض الوصية، ثم ما يتفق معها في الاتجاه من صحيفة بشر.
جاء في وصية أبي تمام لتلميذه: "يا أبا عبادة تخيَّر الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم، واعلم أن العادة في الأوقات أن يقصد الإنسان لتأليف شيء أو ضبطه في وقت السحر، وذلك أن النفس قد أخذت حظها من الراحة، وقسطها من النوم.... وإذا عارضك الضجر، فأرح نفسك، ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب"(1).
أما قول بشر: "خذ من نفسك ساعة نشاطك، وفراغ بالك، وإجابتها إياك، فإن قليل تلك الساعة، أكرم جوهرًا، وأشرف نسبًا، وأحسن في الأسماع، وأحلى في الصدور، وأسلم من فاحش القول، وأجلب لكل عين وغرة من لفظ شريف، ومعنى بديع، واعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطاولة والمجاهدة، وبالتكلف والمعاودة"(2).
والفرق بينهما كبير، وهما في عصر واحد، فأبو تمام في وصيته أديب شاعر وبشر في صحيفته أديب ناقد، وكل منهما يعبر عن رأيه وشخصه في هذا الجانب وليس ببعيد أن يتلقى كل منهما رأي الآخر، ولا يتهمه بالتأثر؛ لأنهما يعيشان معًا في جو أدبي وفكري وثقافي واحد.
وأما ابن سلام الجمحي فله اتجاه في تاريخ الأدب العربي ونظرات في النقد تختلف عن اتجاه بشر في صحيفته، وإن اتفقا في بعض الوجوه، فذلك أيضًا خارج عن مجال التأثر والتأثير؛ لأنهما يعيشان معًا في جو أدبي وفكري وثقافي واحد أيضًا.
لأن مجال التأثر والتأثير الدقيق يكون في عصرين أحدهما سابق والآخر لاحق، ولا مجال للحاضر والمعاصر، وبشر وابن سلام وأبو تمام كانوا جميعًا يعيشون في عصر واحد. فمجال الصحيفة في التأثير والتأثر كان له دور كبير في العصور اللاحقة في البلاغة والنقد، وعند الأدباء والنقاد وعلماء البلاغة، وسنوضح هذا المجال في التأثير عندما نتحدث عن القضايا النقدية التي أثارها بشر في صحيفته.
القريحة والاكتساب:
يعدّ بشر أول ناقد كتب في النقد عن الموهبة والاكتساب والطبع والصنعة في صحيفته، فقد ميز بين الأدب الذي خرج عن طبع وسليقة وبين الأدب الذي صدر عن تعب وجهد، وتأمل وصنعة، فالأدب المطبوع يكون صاحبه ملهمًا، فإذا ما أراد موضوعًا تزاحمت عليه المعاني، وتفتحت موهبته عن مخزونها من أفكار وخواطر، وانقادت له الألفاظ، وتلاحقت على لسانه الكلمات، وانصاعت له الأساليب، وكان عليه أن يتجاوب مع طبعه، فيكتب عن طبع بلا جهد ولا معاناة وينساب مع موضوعه بلا تأمل ولا ضجر، وهذا ما أطلق عليه النقاد فيما بعد "أدب الطبع" فمصدره القريحة الصافية، والطبع الأصيل، والاكتساب يأتي بعد ذلك تبعًا لا أصلًا.
أما الأدب المصنوع فلا يخلو من الموهبة أولًا، لكن صاحبه يعاني أثناء الكتابة والصياغة جهدًا شاقًّا، ووقتًا مضنيًا، يفتش فيه بين جوانب نفسه ليصطاد الخواطر التي تنسجم مع موضوعه، ويبحث خارج ذاته عن أفكار وأساليب وصور، وربما يترك الكتابة وقتًا، ليستعين عليها بوقت آخر، يعاني فيه من المعاودة والتكرار، والتهذيب والصقل والمتابعة، حتى يكتب في النهاية، ويصدر عن صنعة في أدب مصقول مهذب، كان الاكتساب فيه أظهر وأقوى من الطبع والقريحة. أما من لا طبع له، ولا موهبة قادرة على الاكتساب والتهذيب، فالأولى له أن ينصرف عن الأدب إلى صناعة أخرى، تتجاوب معه، وهذا ما أشار إليه بشر في صحيفته:

"كن في إحدى ثلاث منازل، فإن أولى الثلاث أن يكون لفظك رشيقًا وفخمًا سهلًا ويكون معناك ظاهرًا مكشوفًا وقريبًا معروفًا ... فإن كانت المنزلة الأولى لا تواتيك ولا تعتريك، ولا تسمح لك عند أول نظرك في أول تكلفك ... فإن أنت ابتليت بأن تتكلف القول وتتعاطى الصنعة، ولم تسمح لك الطباع، فلا تعجل ولا تضجر، ودعه بياض يومك أو سواد ليلك، وعاوده عند نشاطك وفراغ بالك، فإنك لا تعدم الإجابة والمواتاة: إن كانت هناك طبيعة أو جريت من الصناعة على عرق ... فإن تمنع عليك.... فالمنزلة الثالثة أن تتحوَّل عن هذه الصناعة إلى أشهى الصناعات إليك وأخفها عليك"(3) .
ثم يتناول أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ "م 255 هـ] الطبع والصنعة بصورة أوسع وأعمق متأثرًا بما سبق من كلام بشر، فيرى أن المعاني مشتركة لكن تميز الأديب يرجع إلى صحة الطبع في الصياغة والتصوير يقول: "والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي ... وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطبع، وجودة السبك، فإنما الشعر صياغة، وضرب من التصوير"(4).
ويقول الجاحظ في الطبع والإلهام عندما تحدث عن الخطابة عند العرب: فكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال، وكأنه إلهام، وليست هناك معاناة ولا مكابدة، ولا إحالة فكرة ولا استعانة، وإنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام ... فتأتيه المعاني أرسالًا وتنثال عليه الألفاظ انثيالًا"(5).
ثم يتحدث الجاحظ عن الصنعة في الأدب لأنه يعرف أن: "من شعراء العرب من كان يدع العقيدة تمكث عنده حولًا كريتًا "كاملًا"، وزمنًا طويلًا، يردَّد فيها نظره، ويقلب فيها رأيه اتهامًا لعقله، وتتبعًا على نفسه، فيجعل عقله ذمامًا على رأيه، ورأيه عيارًا على شعره، إشفاقًا على أدبه، وإحرازًا لما خوله الله من نعمته، وكانوا يسمون تلك القصائد الحوليات والمقلدات، والمنقحات والمحكمات"(6).

وأما ابن قتيبة [م 276 هـ] فيصف الشاعر المطبوع بأنه إذا امتحن لم يتلعثم ... ومن الشعراء المتكلف والمطبوع، فالمتكلف هو الذي قوم شعره بالثقاف، ونقحه بطول التفتيش وأعاد فيه النظر، كزهير والحطيئة، وكان الأصمعي يقول: زهير والحطيئة وأمثالهما من الشعراء عبيد الشعر، لأنهم نقحوه، ولم يذهبوا فيه مذهب المطبوعين"(7) والمقصود بالمتكلف عنده هو المصنوع لأن المتكلف ساقط من باب الأدب الجيد جملة.
ويوضح ابن قتيبة الطبع أكثر حين يقول: والشعراء بالطبع مختلفون فمنهم من يسهل عليه المديح ويتعذَّر عليه الهجاء ... فهذا ذو الرمة أحسن الناس تشبيبًا، وأجودهم تشبيهًا، و أوصفهم لرمل وهاجرة وفلاة وماء وقراد وحية، فإذا صار إلى المديح والهجاء خانه الطبع وذلك الذي أخره عن الفحول" (8).
والذي يدل على أن المتكلف عنده هو أدب الصنعة قوله: "والمتكلف وإن كان جيد الشعر محكمه فليس فيه الشعراء يتفاوتون في شعرهم بالطبع، ثم يعين الطبع أمورًا أخرى كالرواية والذكاء والدربة يقول: "إن الشعر علم من علوم العرب يشترك فيه الطبع والرواية والذكاء، ثم تكون الدربة مادة له، وقوة لكل واحد من أسبابه"(9).
ويوضح التصنع ليفرق بينه وبين المطبوع فيقول: "إن رام أحدهم الأغراب لم يتمكن من بعض ما يرومه إلا بأشدّ تكلف، وأتمّ تصنع، ومع التكلف المقت، وللنفس عن التصنع نفرة، وفي مفارقة الطبع قلة حلاوة، وذهاب الرونق، وإخلاق الديباجة، وربما كان ذلك سببًا لطمس المحاسن فصار هذا الجنس إذا قرع السمع لم يصل إلى القلب، إلا بعد إتعاب الفكر، وكدّ الخاطر، والحمل على القريحة... وهذه جريرة التكلف"(10).
ويفصل ابن رشيق بين المطبوع والمصنوع فيقول: [م 463 هـ] "ومن الشعر مطبوع ومصنوع، فالمطبوع هو الأصل الذي وضع أولًا، وعليه المدار، والمصنوع وإن وقع

عليه هذا الاسم، فليس متكلفًا تكلف أشعار المولدين"(11)
ثم يقرّر ذلك ابن الأثير [م 627هـ] فيقول: "اعلم أن صناعة تأليف الكلام من المنظوم والمنثور تفتقر إلى الآت كثيرة ... وملاك هذه كله الطبع فإنه لا تغنى تلك الآلات شيئًا، ومثال ذلك كمثل النار الكامنة في الزناد والحديدة التي يقدح بها ألا ترى أنه إذا لم يكن في الزناد نار، لا تفيد تلك الحديدة شيئًا" (12).
وغيرهم من النقاد وعلماء البلاغة كثيرون، الذين تأثروا بصحيفة بشر في حديثه عن الطبع والصنعة مثل أبو هلال العسكري [م 395 هـ] وابن طباطبا [م 322 هـ] والآمدي "م 370 هـ .

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 -العمدة: ابن رشيق 2/ 114 تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد.
2- البيان والتبيين: الجاحظ 134.1.

3- البيان والتبيين: الجاحظ 1/ 135.

4- الحيوان 3/ 40.
5-البيان والتبيين: 2/ 15.
6- المرجع السابق: 2/ 21.

7- الشعر والشعراء: 8: 12.
8- المرجع السابق: 14.

9- الوساطة بين المتنبي وخصومه: 21.
10-المرجع السابق: 24.
11- العمدة: 1/ 82.
12- المثل السائر: ص 3

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.