أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-7-2016
15125
التاريخ: 26-7-2017
4593
التاريخ: 14-08-2015
3722
التاريخ: 23-3-2018
2438
|
لعلّ هذه القضية أبرز القضايا التي كانت المناقشة تدور حولها بين طرفي النزاع. فالبحتري أشعر من أبي تمام لأنه " أقوم بعمود الشعر " (1)، أي لأنه على مذهب القدماء. أما أبو تمام، فهو أشعر في نظر أنصاره، لأنه خرج على عمود الشعر.
إن معيار الصراع بين الفريقين، إذا، هو طريقة الأوائل، أو ما يسمّى بعمود الشعر. ومدى اقتراب الشاعر من هذه الطريقة أو ابتعاده عنها، هو مقياس الحكم عليه بالتقديم أو التأخير. والمفارقة الطريفة في هذا المجال، هي أن ما يُعدّ سبباً في تقدم الشاعر عند طرف، هو نفسه سببُ تأخيره عند الطرف الآخر، والعكس صحيح. (2) .
لقد احتجّ أنصار أبي تمام، في تقديم صاحبهم، بأنه عنه " أخذ البحتري وعلى حذوه احتذى، ومن معانيه استقى " (3) وقد اعترف البحتري نفسه " بأن جيّد أبي تمام خير من جيّده " (4).
والحجة الثانية لأنصار أبي تمام، هي أن صاحبهم انفرد بمذهب ابتدعه، وليس كذلك البحتري. يقول أدونيس: " والنقطة الثانية التي يحتج بها أنصار أبي تمام، هي انفراده بمذهب أخترعه وتأثر به جميع الشعراء الذين أتوا بعده، فكان لهم إماماً وكانوا له تابعين (5) وليس للبحتري مثل هذا التفرّد وهذا التأثير". (6)
ويناقش أنصار البحتري هذا الكلام، فيردّون على الحجة الأولى، بأن البحتري " ما صحب أبا تمام ولا تتلمذ له ولا روى ذلك أحدٌ عنه، ولا نقله، ولا رأى قط أنه محتاج إليه " (7). وإذا كان البحتري قد استعار بعض معاني أبي تمام، فهذا يعود إلى " قرب البلدين، وكثرة ما كان يطرق سمع البحتري من شعر أبي تمام، فيُعلّق شيئاً من معانيه، معتمداً للأخذ أو غير معتمد. وليس ذلك بمانع من أن يكون البحتري أشعر منه. فهذا كثيرّ قد أخذ عن جميل، وتَلْمَذَ له، واستقى من معانيه، فما رأينا أحداً أطلق على كثيّر أن جميلاً أشعر منه، بل هو أشعر من جميل " (8).
ويتابع أنصار البحتري ردّهم على الحجة الأولى، بقولهم: " وأمّا قول البحتري: " جيده خير من جيدي ورديئي خير من رديئه "... فهو للبحتري، لا عليه؛ لأن قوله هذا يدلّ على أن شعر أبي تمام شديد الاختلاف، وشعره شديد الاستواء، والمستوي الشعر أولى بالتقدمة من المختلِف الشعر... " (9).
أما الحجة الثانية التي تقول بانفراد أبي تمام بمذهب اخترعه، فيردّ عليها خصومه، بأنه ليس " أولاً فيه، ولا سابقاً إليه، بل سلك في ذلك سبيل مسلم بن الوليد، واحتذى حذوه، وأفرط وأسرف وزال عن النهج المعروف والسنن المألوف " (10). وأصول هذا المذهب " منثورة متفرقة في أشعار المتقدمين... وفي كتاب الله عزّ وجلّ " (11). وكلّ ما فعله أبو تمام، هو أنه تبع هذا المذهب وأكثر منه " وأحبّ أن يجعل كل بيت من شعره غير خال من بعض هذه الأصناف، فسلك طريقاً وَعْراً، واستكره الألفاظ والمعاني، ففسد شعره، وذهبت طلاوته، ونشف ماؤه "(12).
هذان الجانبان كانا سبباً مهماً في نشوء قضية السرقات الأدبية. فخصوم أبي تمام، وهم يردّون على حجة أنصاره بسبقه في مذهبه، راحوا يبحثون عن أصول هذا المذهب في القديم، وعن سرقات خصمهم ممن تقدمه. وفي كتاب " الموازنة" نماذج كثيرة لسرقات أبي تمام من غيره (13)، كما أفرد أحمد بن أبي طاهر كتاباً في سرقات أبي تمام، في " الموازنة " نماذج منها (14).
وقد كان على أنصار أبي تمام أيضاً، وهم يصمون البحتري بسرقة معاني صاحبهم، أن يدللوا على دعواهم بالشواهد، مما قادهم إلى البحث عن سرقات البحتري من أبي تمام؛ فألّف أبو الضياء بشر بن يحيى كتاباً في سرقات البحتري من أبي تمام (15) ودراسة سرقات البحتري من أبي تمام قادت أنصار الأخير إلى دراسة سرقات الأول من غيره من الشعراء أيضاً (16).
لقد أكدّ أنصار القديم أنّ " كتابة الشعر، بالنسبة إلى الشعراء اللاحقين، نوعٌ من التفريع على الشعر القديم، والاشتقاق منه. وما النقد إلاّ دراسة هذا التفريع وهذا الاشتقاق قياساً على أصولهما " (17). هذا على حين رفض المجددون " كلّ مالم يَعُدِ القصد منه يتطابق مع الحياة المستجدّة، وأكدوا على (كذا) التفردّ والسبق والكشف في الشعر. وبذلك يصبح النقد إضاءة التفرّد والسبق والكشف، بحيث لايستمدّ أصوله النقدية من نصوص مَضَت، وإنما يستمدّها من النصوص المتفرّدة السبّاقة الكاشفة ذاتها. فكلّ تعبير جديد يفترض معايير جديدة أي نقداً جديداً " (18).
إنّ كلاّ من الفريقين المتخاصمين انطلق في حججه من التشبث بالماضي، وإن بدا الأمر غير ذلك. فأنصار الحديث يريدون أن يثبتوا أن لمذهبهم أصلاً في القديم، أما أنصار القديم فيردّون على خصومهم بأن تجديدهم في البديع مسبوقون إليه، وهو شائع بين الناس قبلهم (19).
وعلينا أن نشير هنا إلى أن الخصومة في بعض جوانبها، لم تعارض المحدثين لحداثتهم، بل تناولت طريقة المحدثين في التجديد. فالبحتري قُبل لأنّ مذهبه وافق مذهب الأوائل، أما أبو تمام فرُفض لأن مذهبه خالف مذهب الأوائل(20).
إن هذه القضية من أهم القضايا التي أثارتها الخصومة، لأنها أساس هذه المعركة. فطريقة الأوائل هي معيار الصراع بين الفريقين، ما شابهها حُكم له، وما خالفها حُكم عليه. فانطلقت المناقشات تحتجّ وتردّ، تهاجم وتصدّ، وثار غبار كثيف كان له فضل على الحركة النقدية الأدبية عند العرب. فالموازنات ومشكلة السرقات، ممّا زخرت به كتب التراث، مظهر بارز من مظاهر تلك الخصومة، إن لم يكن أبرزها. وكلها يبحث عن أصالة الشاعر وتفرّده وتميّزه بالنسبة إلى خصمه من جهة، وإلى المتقدمين من جهة أخرى.
إن عنوان أدبية النص وشاعرية الشاعر، هو التفرّد والأصالة. وكل ما ينقضهما، كالسبق والسرقة والتلمذة، يحطّ من شأن الشاعر، وينقص من أدبية أدبه.
وتستوقفنا في هذه المناقشة أمور في غاية الأهمية، نذكر منها ملاحظة أنصار البحتري أثر قرب بلدّي الشاعرَيْن في تشابه معانيهما، مما لا يطعن في شاعريتهما، ولا في أدبية شعرهما. كما تستوقفنا مناقشة الطرفين لصلة الشعر بالقديم، مما يدفعنا إلى القول إن أي تجديد شعري، إنما ينبغي أن ينطلق من الجذور، فيكون الجديد جديداً بمقدار ما فيه من تجاوز للقديم، من دون انقطاع عنه. فإذا كانت أدبية شعر البحتري تكمن في تقيّده بعمود الشعر -نسبياً -، فإن أدبية شعر أبي تمام، تكمن في خلقه مذهباً جديداً، أصوله البديعية مبثوثة في شعر القدماء. وإنما تجديده يكمن في تقيده بعمود الشعر -نسبياً -، فإن أديبة شعر أبي تمام، تكمن في خلقه مذهباً جديداً، أصوله البديعية مبثوثة في شعر القدماء. وإنما تجديده يكمن في وقوفه عند هذه النماذج وتطويرها وتركيبها، ممّا جعله خالقاً لمذهب جديد غير مألوف.
ولابدّ من الإشارة، هنا، إلى أن الإغراق في نعت البحتري بالتقليد يغمطه حقه، فهو الآخر كان مجدّداً، وللبديع أثره الواضح في شعره. وإنما شروط الموازنة بينه وبين أبي تمام، جعلته يبدو مقلّداً، فأخمدت بريق صوره وبديعه وتجديده.
ثاني القضايا التي أثارتها الخصومة، ووقف عندها المتخاصمون، هي قضية الوضوح والغموض. فقد شاع أن شعر البحتري واضح، وشعر أبي تمام غامض.. فما حجّتهم؟ وما دفاعهم؟
__________________
(1) الموازنة 1/21، 18.
(2) ينقل التوحيدي عن ابن المعتز قوله في رسالة يذكر فيها محاسن أبي تمام ومساوئه: "سهّل الله عليكم سبيل الطلب، ووقّاكم مكاره الزلل فيما رأيت من تقديم بعضكم الطائي على غيره من الشعراء أمراً ظاهراً، وهو أوكد أسباب تأخير بعضكم إيّاه عن منزلته في الشعر لما يدعو إليه اللجاج... " البصائر والذخائر 2/ 698، تح: إبراهيم الكيلاني، مكتبة أطلس، دمشق، د. ت.
(3) الموازنة 1/ 6، 55
(4) المصدر نفسه 1/6
(5) أنظر الموازنة 1/13، وأخبار أبي تمام 37.
(6) الثابت والمتحول 2/185.
(7) الموازنة 1/7
(8) المصدر نفسه 1/8، 9
(9) المصدر نفسه 1/11
(10) المصدر نفسه 1/14
(11) المصدر نفسه 1/14
(12) المصدر نفسه 1/17-18
(13) المصدر نفسه 1/58 وما بعد
(14) المصدر نفسه 1/112 وما بعد
(15) المصدر نفسه 1/324
(16) المصدر نفسه 1/313
(17) الثابت والمتحول 3/17-18
(18) المرجع نفسه 3/18، وانظر أيضاً 2/179 الفقرة الثالثة.
(19) انظر الأعرجي: الصراع بين القديم والجديد 125-130
(20) المرجع نفسه 57 -ولنا أيضاً في أبي رياش القيسي شاهد على ما نقول. فقد كان هذا الرجل من ألدّ أعداء أبي تمام والبحتري، لكنه حين سمع شعراً للبحتري، استحسنه لأنه مطبوع ورجع عن رأيه. فموقف هذا الراوي يدلنا على أن الخصومة كانت حول المذهب، لا حول أشخاص المحدثين، فهو يقبل البحتري لا لأنه محدث، وإنما لأنه مطبوع على مذهب الأوائل. (انظر خبر أبي رياش في: الوساطة 51-52) هذا في حين نجد أخباراً أخرى عن استهجان العلماء الشعر بعد استحسانهم له، حين يعلمون أنه لأحد المحدثين.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|