أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-03-2015
3971
التاريخ: 23-03-2015
4471
التاريخ: 22-03-2015
13370
التاريخ: 23-03-2015
2864
|
حين نتجه إلى لوحة الشكوى من الشيب، نجد حواراً مما يقتضيه مجرى الحديث عن الذكريات الراحلة، وأيام الشباب الزائلة، والمتع المنحسرة، ليعوض الشاعر بذلك عن إعراض المرأة عنه، حين اشتعل رأسه شيباً، وتربعت الشيخوخة على زهو أيامه التي ذهب رونقها.
من هنا فالشاعر يتمرد على واقع شيخوخته، ويرفض الاستسلام لها تارة، ويفتح كوة ليطل منها على الفخر، مستذكراً ومذكّراً ما حفلت به حياته من مغامرات تارة ثانية، هادفاً إلى تحقيق معادلة الحالة السلبية التي يعيش فيها، لينتهي إلى تقرير حقيقة، أو حكمة يستدعيها موقفه من الحياة، أو ما يوحي به الباعث الآني، والغرض الأساس الذي يتوخاه الشاعر، فضلاً عن أن مسوغات الماضي في الصورة السمعية كونه صدى لذلك الصوت القديم.
وحين تستدعي الحالة الشكوى من الشيب والكبر، نجد تعدد الصورة السمعية لدى الشعراء، فقد يتعالى صوت الشكوى، وينتشر القول في مفاصل لوحته، مشيّعاً همومه عبر القول، والسؤال، والتعجب، والشكوى الصريحة من كبره(1)، والذِّكر، والسؤال، والدعوة، والكلام(2)، حيث عبّر عنها جميعاً، الأسودُ بن يعفر:
صَحا سُكُرٌ منهُ طويلٌ بزينبا ... تَعاقَبَهُ لما استبانَ وجَرّبا
وأحكمَهُ شيبُ القَذالِ عن الصِّبا ... فكيف تصابيه وقد صارَ أشيبا؟
وكان له فيما أفادَ حلائلٌ ... عجلنَ إذ لاقينه قلنَ مرحبا
فأصبحنَ لا يسألنه عن بما بِهِ ... أَصَعدَّ في عُلْوِ الهوى أمْ تصّوبا؟ (3)
في تأملنا لهذا النص نجد ابتداءً الاستفهام (كيف)، وانتهاء بـ (أَصَعَّدَ) مع لفظة السؤال الصريحة، فضلاً عن الدلالة السمعية (القول)، ذلك كله يشكل منافذ الأداء السمعي الذي يقود إلى الصورة السمعية.
كما نجد التشكيلات الصوتية في الأحرف المختلفة مثل (الصاد) في (صحا، الصبا، تصابيه، صار، فأصبحن، أصعد، تصوبا)، والصاد مهموس مطبق صغيري يؤدي إلى التفخيم مما ينسجم والموضوع مثل (الصحوة، والتصابي، وغيرهما)، في حين انتشر حرف السين في بعض الأبيات مثل: سكر، واستبان، يسألنه، علماً أن السين صوت صغيري مهموس غير مطبق، قد تجانس مع الصاد في الأطباق وعدمه، فالأطباق يتساوق مع (الصحوة) وعدم الإطباق ينسجم مع (السكر) وتأثيراته.
كما نجد ضمن التشكيلات الصوتية عبر الأحرف صوت القاف في (تعاقبه، القذال، وقد، لا قينه، قلن، وتكرر صوت القاف وهو (مهموس فمي) ساعد على تصاعد الجرس الموسيقي، وتقوية الصورة المعنوية، في حين أن حروف اللين المنتشرة بين الأبيات والقافية، ساعدت على المد ليأخذ قسطاً من الراحة لكبر سنه، وعدم انقطاع نفسه.
إن الصورة السمعية في هذه اللوحة بالرغم من وجود صورٍ أُخَر، قد برزت من خلال الاستفهام وما قاده هذا المنفذ السمعي إلى تصوير حالته في اللهو والمرح وصخب الحياة، والترحيب به في كل وقت، أو في مرحلة الشيب التي فقد فيها حتى السؤال عنه، فضلاً عن تشكيلات الصورة السمعية في الإيقاع الداخلي عبر الأصوات المختلفة التي تعرضنا لها.
ونسمع بالمالكية التي ذكرها النابغة عبر القول، وقلة المنطق، والذكر، والصمت، والضحك من خلال الألفاظ ذات الدلالة السمعية، وذات الدلالة الإيقاعية، حيث قال:
عَلِقْتَ بذكْرِ المالكيةِ بعدما ... علاكَ مشيبٌ في قذالٍ ومَفرِقِ
على أنَ حجليها وإن قلتَ أوسعا ... صموتان منْ ملءِ وقلّةِ منطقِ
وإن ضَحكتْ للعُصْمِ ظلّتْ روانياً ... إليها وإنْ تبسَمْ إلى المُزْنِ يَبْرُقِ(4)
فضلاً عما ذكرنا فقد تكررت الحروف لتقوية النغم مثل: (الميم) المجهور في (المالكية، بعدما، مشيب، مفرق، صموتان، من، ملء، منطق، العصم، تبسم، المزن)، على أن حرف القاف الفني المهموس في (علقت، قذال، مفرق، قلت، قلة، منطق، يبرق) قد شكل نغماً داخل الأبيات.
وقد تميزت الصورة السمعية عند النابغة من خلال الدلالة السمعية في الحجلين، وحفز السمع لصوتهما ضمن الدلالتين السمعية والإيقاعية، ومن هنا فقد تمكن الشاعر من أن يشكل صورة سمعية بارزة تفوقت على الصور الأخر التي شكلتها بعض المدركات الحسية، ويعود السبب إلى قدرة الشاعر على استثارة الماضي وأصوات أنسه ولهوه، وما يحدثه من وقع على النفس.
قال زهير بن أبي سلمى:
صحا القلبُ عنْ سلمى وأَقْصَر باطلُه ... وعُرّيَ أفراسُ الصِّبا ورواحِلُهْ
وأقصرتُ عمّا تعلمين وسُدِّدتْ ... عليّ سوى قَصْدِ السبيل معادِلُهْ
وقال العذارى: إنّما أنتَ عمّنُا ... وكان الشبابُ كالخليطِ نزايلُهْ
فأصبحتُ ما يعرفنَ إلاّ خليقتي ... وإلاّ سوادَ الرأسِ والشيبُ شامِلُهْ(5)
يعزف زهير على وتر حزين، وألم ممض لذهاب الشباب، بيد أنه تخفى وراء الصحوة التي فاجأنا بها في أول البيت، ويخبرنا أنه ترك الصبا، بعد أن ذهب شبابه، وكفّ عما عهدته منه سلمى، وعدل عن قصده، وقد دعته العذارى بالعم لكبره، فاستخدم الألفاظ السمعية في الأداء الشعري، في حين انتشرت الأفعال المختلفة في لوحته.
بيد أننا وجدنا الشاعر قد صبّ مشاعره في البحر الطويل الذي احتواها، وقد تشبث بحرف (الصاد) الذي أشاع في تلك الأبيات، لما لهذا الحرف من جرس يتردد فيها، ليمنح الألفاظ قوة الصحوة، وقوة الصبا، وقوة الكف في (أقصر)، وصرامة الاستقامة في (قصد) حتى أصبح لا يعرف إلاّ بخليقته، وهو حكم واقع لأمراء فيه.
كما استخدم زهير حرف (العين) الحلقي المجهور الذي له من القوة المضافة للمعنى، لتقوية الجرس الموسيقي، تلك الأحرف بتناسقها وحسن اختيارها قد شاركت في وضوح الإيقاع الداخلي المنسجم مع الإيقاع الخارجي لتشكيل الصورة السمعية التي برزت بفعل العوامل المختلفة التي أوضحناها، وإن كانت الصورة السمعية مترابطة مع الصور الأخر، لكنها كانت مضيئة كما الشيب.
وإذا ما تتبعنا لوحة الشكوى من الشيب عند الأعشى فسنجد الصور السمعية لها الصدارة، فهي النقطة المضيئة، ويعود السبب إلى الشاعر نفسه، وهو إبراز شاعر بلا منازع غلب الصور السمعية على أشعاره، للتعويض عن ضعف بصره، وامتياز شعره بالغناء، وقد لقب بصناجة العرب، قال الأعشى:
أَلَمْ تَنْهَ نَفْسَكَ عمّا بها ... بلى عادَها بعضُ أطرابِها
لجارتنا إذ رأتْ لِمّتي ... تقولُ لكَ الويلُ أنّى بها
فإنْ تعهديني ولي لمّةٌ ... فإنَ الحوادثَ ألوى بها
وقبلكِ ساعيتُ في رَبْرَبٍ ... إذا نام سامرُ رُقابها(6)
يبدأ الأعشى لوحته مستفهماً، ويجيب بـ (بلى) لإبطال النفي، حيث الشوق يعود إليه ثانية بعنفوانه، مما حدا بجارته بعد أن رأت لمته وقد زالت، أن تقول له: لك الويل، للتقبيح، مستفهمة عن هذا الزوال الذي قبحته.
ونجد استمرار الحديث بينهما، وإن خلا من الألفاظ السمعية الصريحة، مجيباً عما استفهمت عنه بأن الحوادث (ألوت) أي ذهبت بتلك اللمة السوداء، فاختصر المواجع التي أحدقت به بلفظة (ألوى) التي لم يقف أمامها شيء، فالحياة بما فيها هشة لينة أمام الأرزاء والحوادث، ولكن الأعشى سرعان ما يتحول إلى تجارب أُخَر قد خاضها في حياته رداً على تقبيحها للشيب أو زوال لمته، وكيف ساعى النساء بعد نوم السّمار الذين كانوا يجتمعون للحديث، مستعيداً ما كان قد فقده اليوم.
وقد احتوى البحر المتقارب حسن اطّراد أفكار الشاعر ورسم صوره، وأن تكررت أجزاء هذا البحر، ولكنها ضمّت البساطة والسهولة بالرغم من أن القول فيه لغرض الموضوع جاء متلاحقاً في إنشاد ينساب بين السرعة والبطء، تبعاً لما يتطلبه المعنى، ولذا فقد استخدم أصوات اللين الطويلة سواءٌ أكانت في القافية أم في الألفاظ لما فيها من راحة للمنشد، وتوكيد للمعنى مثل: بها تعهديني، جارتنا، ساعيت، نام، سامر، رقادها.
وبالرغم من بروز الصورة السمعية بسبب الموضوع، والاستفهام الذي افتتح به لوحته مما قاده إلى الإجابة عبر منافذ الأداء السمعي أو الإيحائي، فإن صوراً أُخر عبر المدركات الحسية قد تلاحمت لتصوير ما أصاب الشاعر من لوعة، وما تعرض له من تقبيح، ولذا فرّ إلى ماضيه ليرسم صورة سمعية، ولفسح المجال أمامنا لعرض جزء من ذلك الماضي وأخباره ليتوازن نفسياً.
قال المزرد بن ضرار:
صحا القلبُ عن سلمى وملَ العواذل ... وما كاد لأياً حُبُّ سلمى يُزايلُ
فؤاديَ حتى طار غّيُّ شبيبتي ... وحتى علا وخْطٌ من الشيب شاملٌ
فلا مرحباً بالشيب من وفدِ زائرٍ ... متى يأتِ لا تُحجبْ عليه المداخلُ
وسقياً لريعان الشبابِ فإنه ... أخو ثقةٍ في الدهر إذْ أنا جاهلُ
إذ اْلهو(7) بسلمى وهي لذٌ حديثُها ... لِطالِبها مسؤولُ خيرٍ فَباذِلُ(8)
إذا ما تأملنا لوحة المزرد فسنسمع جزعه وهو يعلن عزوفه عن صاحبته بلفظة (صحا) التي فرَغت آذاننا بعد أن ودع الشباب، على أن أبياته قد ضمّتِ عدم الترحيب بالشيب، والدعاء للشباب.
وسرعان ما يتخلص الشاعر من ثقل تأثير الشيب، وضيقه منه ومن وفادته، للهرب إلى الماضي، واجتراح مسار آخر في وصف شباب سلمى ولهوه بها، وحديثها الملذ معه، ليبعث صوت الماضي من جديد، بعد أن فقد كل شيء بزوال الشباب، وأن صبّر نفسه بالصحوة، وله من صدى صوت الماضي موقف للشباب القوي بالرغم من تخفيّه وراء الحناء التي تستر شيبه وتخفي شيخوخته، وتبقى أصوات ألفاظه تنبئ عن حالته.
وتتعدد منافذ التعبير السمعية التي تضمنت النداء والدعاء(9)، فضلاً عن القول الصريح نجد صيغاً للألفاظ السمعية مثل العذل والحديث(10) والبكاء على الشباب(11) واللوم والعذل والتصويت(12). ومنهم من يذهب إلى اللوم والعتاب(13).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) امرؤ القيس: ق9/ 262، وق 60/ 265.
(2) علقمة الفحل: ق1/ ب1-8/ 33-35.
(3) الأسود بن يعفر: ق4/ 20-21، وكذلك ق 6/ ب1-4/ 21-22. أصعد: ارتقى، تصوب: نزل.
(4) النابغة الذبياني: 181- 182. قذال: مؤخر الرأس. الحجل: الخلخال، صموتان أي لا صوت لهما. من ملء: من هنا للتعليل أي لأجل ملء رجليها باللحم فلا يتحرك الخلخالان. وقلة منطق: القلة هنا مستعملة في العدم، أي لأنهما لا صوت لهما، مصوغان غير فارغي الوسط.
(5) ديوانه، ق 3/ 45-46. وينظر هامش ص 45 للتعرف على الباعث الآني الذي دفع الشاعر لنظم القصيدة وهو الحرب، والصحوة تشير إلى الاستعداد لخوض الحرب، ينظر: ملامح من صور البناء الفني لقصيدة الحرب (بحث): 107.
عرّى أفراس الصبا: مثل ضربه الشاعر: أي ترك الصبا وركوب الباطل. أقصرت: كفت. سددت علي معادله: أنه كان يعدل عن طريق الصواب إلى طريق الصبا واللهو. الخليط: الصاحب المخالط. المزايلة: المفارقة.
(6) ديوانه: ق 22/ 171.
(7) وردت في المفضليات، المفضلية 17: والهو: وهو أصوب لسلامة الوزن، وإذا ما اعتمدنا رواية الديوان يجب أن نوصل الهمزة ليستقيم الوزن.
(8) ديوانه: ق2/ 32-33. نجد أن الصحوة قادت الشاعر في القصيدة إلى الفخر بشجاعته ووصف سلاحه.
(9) النابغة الذبياني: 184.
(10) طفيل الغنوي: 81-82.
(11) عدي بن زيد: ق 40/ 123.
(12) كعب بن زهير: 41-42.
(13) الحطيئة: ق 14/ 112- 113، ق 28/ 174.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
بالفيديو: لتعريفهم بالاجراءات الخاصة بتحقيق وترميم المخطوطات.. مركز الإمام الحسين (ع) يستقبل مجموعة من طلبة الدراسات العليا في جامعة بابل
|
|
|