الأسباب التي ادت الى قيام المدرسة التجارية

هناك الكثير من الاسباب منها المهمة والجوهرية ومنها الأقل أهمية التي أدت الى انهاء دور الكنيسة والاقطاع وظهور الفكر المركنتالي ومن أهمها مايلي :

1ـ انتهاء دور النظام الاقطاعي بالانهيار  

لعل من اهم الأسباب التي جعلت النظام الاقطاعي ينهار هو ندرة العبيد القامين الى اوربا وهروب رقيق الارض بسبب المنازعات التي حصلت في اوربا بين الطبقات العليا في المجتمع والتي استوجبت زيادة عدد الجنود مما استوجب زيادة ساعات العمل لتأمين المواد الغذائية للجنود كما ازدادت اعمال السخرة وزادوا في استغلالهم لرقيق الارض وأجبروهم على العمل يوم ضوئي ويكلف بالحراسات المسائية وبسبب اكتشاف البارود لكل هذه الاسباب فضل رقيق الارض الهروب من ارض السيد واللجوء الى المدينة ، ومن المعروف ان النظام الاقطاعي يستند بالاساس على العمل الزراعي وان الدعامة الرئيسية لهذا العمل هم رقيق الارض لذلك فان هروبهم سبب ضعف النظام وعدم امكانية الاستمرار .

2ـ ضعف دور الكنيسة  

استمر الصراع على البقاء بين البابا ورجال الدين المسيحيين (والذين يطلقون عليهم تسمية المدرسين في مجال الفكر الاقتصادي) فترة طويلة وحصل انشقاق بين رجالات الكنيسة الانكليز وانشتقت الكنيسة بين الكاثولويك والبروتستانت وحصلت في اوربا مظاهر جديدة هدفها تغير حالة المجتمع الذي تسلط عليه الاقطاع ورجل الدين المسيحي الذي كان ينظر للكنيسة نظرة روحية ايمانية لا يجوز لاحد المساس بها فكان البروتستانتي الرافض للقديم والطامح بما هوجديد هو القائد لعمليات الاصلاح من الجانب الديني وحصلت مستجدات كثيرة أدت الى تكوين شعور لدى المجتمع الاوربي بعدم صلاحية الكنيسة وحكمها .

3ـ مصادرة الثروات الطائلة للكنيسة :

صادرت الحكومات الجديدة الاموال الكثيرة لدى الكنيسة وإعادة توزيع الدخول التي يحصل عليها من الثروات حيث كانت الكنيسة البابوية في انكلترا تملك نسبة كبيرة من موارد انكلترا الاقتصادية وتستلم الهدايا والهبات والتي تمثل جانب كبير لا يقل اهمية عن الدخول التي تحصل عليها انكلترا من ثرواتها خاصة بعد الاصلاح وانقسام الكنيسة الى كاثوليك وبروتستانت ومثلها بقية الدول الاوربية مما اعطى التجاريين دفعة قوية ومتسارعة لزيادة النشاط التجاري .  

4ـ استبعاد حكم الكنيسة والاقطاع :

بعد سيطرة الجيل الصاعد وطبق فكرة الدولة الجديدة بمفاهيمها التجارية بدأ ينتقي من هو كفء ومواكب لمسيرة التطور الحديثة ونبذ كل من لا يرنو للحداثة وبذلك ابعد الإقطاع والكنيسة عن دائرة المسؤولية الحديثة لعدم مواكبتهم لطموحات العصر ⁽¹⁾، حيث الاهتمام بالفرد والمسؤولية الفردية والحرية الفردية وتحويل الولاء من الكنيسة الى الولاء للدولة .

5ـ اكتشاف العالم الجديد :

تم اكتشاف طرق بحرية جديدة واتصال اوربا بالشرق الاسلامي ضمن فترة الحروب الصليبية أدت الى ازدياد النشاط التجاري في العالم الخارجي وهذا ادى الى التفكير بالتغيير من النظام الزراعي المتعثر بسبب الجور الى النظام التجاري الجديد والتي لمست اوربا من خلاله الفرق الكبير نحو التطور والحداثة .

6ـ ظهور المخترعات واكتشاف البارود :

لم يعد الاقطاعي هو المسيطر على الاوضاع الدفاعية والآمر والناهي في مقاطعته والمعتدي على الآخرين حيث ان اكتشاف البارود والمدافع ادى الى تقويض ملكه وكان ذلك مؤشر سلبي على ديمومة سيطرته كما وان التطور الصناعي الحديث جعل التجاوب والاستجابة لما هو حديث ينبذ القديم الذي كان لدى الاقطاع .

7ـ الرغبة الذاتية في تطور والحداثة :

اتجه رقيق الارض الى المدن وبذات الوقت اتجهت المدن الى نبذ سلطة الاقطاع وتحرير نفسها من سلطات الاقطاعي حيث كان النظام الاقطاعي يفرض جزية على المدينة تتعهد بدفعها الى الاقطاع بمقابل حمايتهم واعفاءهم من العمل في⁽²⁾ السخرة ونتيجة الاحساس بان الرغبة في التخلص من هذا النظام القديم اصبح ضرورة قائمة فحصل التمرد وانتهى بالفوز لصالح الجيل الناشئ .

8ـ افرز العمل التجاري وارتفاع المستوى المعيشي :

زادت كمية النقود في التداول فباع السادة الاقطاع الحقوق العينية مقابل شراء السلع بسبب هروب رقيق الارض ووصول المعادن النفيسة من الامريكتين وازدادت التجارة الخارجية مع الشرق الاوسط والاقصى وتدفقت الثروات اثر ارتفاع في الاسعار وسميت بثورة الاسعار ، فلم يستطع الاقطاعي التواصل في الانتاج بسبب ارتفاع الاسعار مما سبب انتهاء دور الاقطاع . 

9ـ تعاون التجار مع الملوك وحاشية الملك على القضاء على الاقطاع :

استجدّت في اوربا الكثير من الامور التي لم تكن في صالح الاقطاعيين منها موت الكثير منهم في الحروب الصليبية وفر الباقين لعدم وجود مصدر للثروة وتوارد المعدن النفيس الذي رفع الاسعار وجعل الاقطاع لا يستطيع مواكبة الغلاء والاتحاد بين الملك والطبقة الجديدة ضد الاقطاع مما ادى الى ان تصبح سلطة الملك مركزية بعد ان كانت سابقاً دويلات رمزية واضمحل دور الاقطاع لعدم امكانية التواصل في الانتاج دون وجود رقيق الارض واصبح رد الفعل في ممارسة العمل الزراعي الذي يتبعه الاقطاعي وضرورة البحث عن نشاط اقتصادي آخر فوجدوه في التجارة.

10ـ التنافس الحر بين البلدان الاوربية للحصول على الذهب والفضة :

نادى كل بلد من بلدان اوربا باستخدام اسلوب او طريقة تمكنهم بموجبها من الحصول على المعدن النفيس واعتبروها النوع الوحيد للثروة وتحقيق فائض الصادرات ووسيلة لتأمين العملة النادرة .

11ـ خروج العاملين في الريف عن طاعة الاقطاعي والالجاء الى المدينة :

حاول الفقراء التخلص من حكم الاقطاعي الجائر والكنيسة فخرج الناس عن طاعة الاقطاعي الى المدينة وزاولوا العمل التجاري والذي يقترن بالمدينة وليس بالقرية⁽³⁾ ، ونتيجة التطورات السريعة والمتلاحقة للافكار المركنتالية الشابة استطاعوا التغلب على الافكار القديمة والحصول على المردود الايجابي من خلال اتباع النظم المركنتالية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1ـ عبد الجبار السبهاني ، الوجيز في الفكر الاقتصادي ، مصدر سابق ، ص47 .

2ـ عدنان عباس علي ، تاريخ الفكر الاقتصادي ، مصدر سابق ، ص102 . 

3ـ نبيل جعفر ، تطور الفكر الاقتصادي من افلاطون الى فريدمان ، مصدر سابق ، ص91.