أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2018
2797
التاريخ: 16-11-2016
1227
التاريخ: 16-11-2016
1078
التاريخ: 3-7-2019
3360
|
حوار مع عثمان بن عفان
س1 ـ هل يمكننا أن نتعرّف عليك؟
ج - اسمي عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أُميّة بن عبد شمس ابن عبد مناف، وكنيتي (أبو عمرو)، وأُمّي أروى بنت كريز بن ربيعة ابن حبيب بن عبد شمس (1).
أسلمتُ بعد ستة أو سبعة نفر من الصحابة; لأنّ أبا بكر بعد أن أسلم صحبني إلى الرسول وأسلمت على يديه.
خرجت مع رسول الله في معظم غزواته.
ولم أثبت في معركة!
ولم أكن بالقوّي الذي يذكر في ميدان القتال!
فقد هربت يوم أحد! ويوم حنين، وقد عاتبني رسول الله لأنّي لم أعد إلاّ بعد ثلاثة أيام من انتهاء معركة أحد قائلا: لقد ذهبت بها عريضاً يا عثمان (2).
س2 ـ كيف وصلت إلى الخلافة؟
ج ـ لقد وصلت إلى الخلافة بتدبير من عمر أو قُل: بوصيّة منه ولكن مموهة، وكنت لا أشكّ بأنّي الخليفة الثالث منذ مات أبو عبيدة ابن الجراح; لأنّ المتتبع لأمر السقيفة يعلم أنّ الخطة كانت أن يتولوا الخلافة بالتتالي، وأنا أوّل من بايع من المهاجرين عندما دخل أبو بكر وعمر إلى المسجد، فبايع بنو أُميّة، ثمّ تتابع الناس ولم أعارض أي عمل فعله صاحباي(3).
وقد كنت موضع سرّ أبي بكر، فأنا كاتب وصيته، وقد قال لي أبو بكر عندما كتبت اسم عمر:
"والله لو كتبت نفسك لكنت أهلاً لها"(4).
وكنت موضع سرّ عمر أيضا، فكان الناس إذا أرادوا أن يسألوا عمر شيئاً رموه بي، كنت اُدعى في إمارة عمر بالرديف، والرديف بلسان العرب: الرجل الذي بعد الرجل، والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد زعيمهم.
شورى عمر المعهودة:
س3 ـ ماذا حصل يوم الشورى المعهودة؟
ج - بعد دفن عمر، جمعنا أبو طلحة الأنصاري ووقف على باب البيت في خمسين من الأنصار حاملي السيوف كما أمرهم عمر، ثمّ تكلّمنا وتنازعنا، فأوّل ما عمل طلحة أنّه أشهدنا على نفسه أنّه وهب حقّه من الشورى لي، وذلك لعلمه أنّ الناس لا يعدلون بعلي أو بي أحداً، وأن الخلافة لا تخلص له ونحن موجودان، فأراد تقوية أمري وإضعاف جانب عليّ بهبة أمر لا انتفاع به ولا تمكن له فيه.
وهنا قال الزبير في معارضته: وأنا أشهدكم على نفسي أنّي قد وهبت حقّي من الشورى لعليّ.
وإنّما فعل ذلك لما رأى عليّاً قد ضعف وانخذل بهبة طلحة حقّه لي. دخلته حمية النسب; لأنّه ابن عمّة علي وهي صفية بنت عبد المطلب وأبو طالب خاله. وإنّما مال طلحة لي لانحرافه عن علي، باعتبار أنّه تيمي، وابن عمّ أبي بكر، وقد كان حصل في نفوس بني هاشم من بني تيم شق شديد لأجل الخلافة، وكذلك صار في صدور تيم على بني هاشم، وهذا مركوز في طبيعة البشر، وخصوصاً طينة العرب وطباعها، والتجربة إلى الآن تحقّق ذلك، فبقي من الستّة أربعة.
ـ فقال سعد بن أبي وقاص: وأنا قد وهبت حقّي من الشورى لابن عمّي عبد الرحمن، وذلك لأنهما من بني زهرة، ولعلم سعد أنّ الأمر لا يتمّ له. فلم يبقى إلاّ ثلاثة أنا وعلي وعبد الرحمن.
فقال عبد الرحمن لعلّي ولي: أيكما يخرج نفسه من الخلافة ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين؟
فلم يتكلّم منّا أحد.
فقال عبد الرحمن: أشهدكم أنني أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدكما، فأمسكنا، فبدأ بعليّ وقال له: أُبايعك على كتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر.
فقال: بل على كتاب الله وسنّة رسوله واجتهاد رأيي.
فعدل عنه إليّ فعرض ذلك عليَّ، فقلت: نعم.
فعاد إلى عليّ فأعاد قوله، فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثاً، فلمّا رأى أنّ عليّاً غير راجع عمّا قاله وأنّي أنعم له بالإجابة، صفق على يدي وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين.
فقال عليّ: والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دقّ الله بينكما عطر منشم.
(منشم: اسم امرأة كانت بمكّة عطّارة، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم، فكان يقال أشأم من عطر منشم) (5).
قيل: ففسد بعد ذلك بين عثمان وعبد الرحمن، فلم يكلّم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن.
س4 ـ يقول الحسن البصري: إنّه شهدك تخطب على المنبر بعد أن تولّيت الخلافة تقول: أيّها الناس، اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافية، أيها الناس اغدوا على كسوتكم فيغدون، فيجاء بالحلل فتقسم بينهم، حتى والله سمعت إذناي: يا معشر المسلمين اغدوا على السمن والعسل فيغدون فيقسمون بينهم السمن والعسل، ثمّ يقول: يا معشر المسلمين اغدوا على الطيب وما على الطيب والمسك والعنبر، و العدوان والله متّقي، والأعطيات دارّة والخير كثير، وما على الأرض مؤمن يخاف مؤمناً... فماذا حصل بعد ذلك، ولماذا أنكر عليك الناس ما يعدّ أشرا وبطرا؟(6)
معارضة الصحابة:
ج ـ عند وصولي إلى الخلافة وتوزيعي الأعطيات سُرّ الناس، لأنّهم كانوا يعيشون شظف العيش على عهد أبي بكر وعمر، ودخل السرور إلى قلوب قريش وفي مقدّمتهم بني أُميّة; لأنّها وصلت أخيراً إلى ما كانت تطمح له من قبل الرسالة، وهو شرف قيادة العرب وإقصاء بني هاشم عن هذا الشرف، وممّا يؤكد ذلك أنّ أبا سفيان دخل علىّ مرة وكان قد كفّ بصره، فقال: هل هنا أحد.
فقالوا له: لا.
فقال: صارت إليك بعد تيم وعدي، فأدرها كالكرة، فإنّما هو الملك، ولا أدري ما جنّة ولا نار!!
وقال بعبارة أُخرى: "تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار"(7).
"يا بني أُميّة تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة"(8).
وقال بعبارة أُخرى: "اللهمّ اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أُميّة"(9).
وهذه كانت البداية، وقد كان أبو سفيان مستشاري، وقد استمعت لنصيحته فولّيت بني أُميّة الولايات فأعطيتهم الأعطيات فمثلا:
ـ وهبت خمس أفريقيا لمروان بن الحكم.
ـ وأدخلت الوليد بن عقبة الفاسق بنصّ الآية {اِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ} (10)، وولّيته على الكوفة.
ـ وقربت بني عمومتي، أنشأت لهم العمل والولايات وهم أحداث غلمة لا صحبة لهم مع رسول الله.
ـ وتركت المهاجرين والأنصار لا أستعملهم على شيء ولا أستشيرهم واستغني برأيي عن رأيهم.
وما كان من الحمى حول المدينة، ومن إدارة القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبيّ ولا يغزون ولا يذبون (11).
وقد كان هذا لصلة رحمي، وأني كنت كبير السنّ وقد قرّبتهم منّي لمشاورتي، وليكن الأمر لهم من يحركون الأمور دون الرجوع إليّ، وهذا لم يرق لكثير من الصحابة الذين هضم حقّهم ورأوا أنّني قد بدلّت ما كان من سيرة أبي بكر وعمر وبدأوا بالطعن عليَّ.
س5 ـ هذا يعني أنّهم لم يطعنوا عليك لتغييرك سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل لانحرافك عن سنّة الشيخين، وبسبب تصرّفك في الأعطيات والمنح في بني عمومتك ومنعها عن الصحابة؟!
ج ـ هذا صحيح; لأنّي لم أُخالف صاحبي في أمر سنّة رسول الله، فقد كنت منعت كتابتها كما منعاها، ولم تكن هناك سنّة مكتوبة على عهدي لكي أحرقها; لأنّ من كان قبلي قد سبقني إلى حرقها، ولكن كنت قد خالفتهم في اجتهاداتهم، ولكن طعنهم عليّ في أُمور قد فعلها عمر من قبلي، ولكن لم يقفوا في وجهه; لأنّه كان يسكتهم، فقد أعطى ومنع وحمل عليهم بالدرة.
وقد قمت خطيباً بعدما طعنوا عليّ فقلت: أمّا بعد أيّها الناس، فإنّ لكلّ شيء آفة ولكل نعمة عاهة، وإنّ آفة هذا الدين وعاهة هذا الملّة قوم عيّابون طعّانون، يرونكم ما تحبون، ويسرون ما تكرهون، أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار، لقد عبتم عليَّ أشياء ونقمتم أموراً قد أقررتم لابن الخطّاب مثلها، ولكنّه وقمكم وقمعكم.
(وفي الطبري: ولكنّه وطأكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه، فدفعتم له على ما أحببتم أو تكرهون).
ولم يجترئ أحد يملأ بصره منه ولا يشير بطرفه إليه، أما والله لأنا أكثر من ابن الخطاب عدداً، وأقرب ناصراً وأجدر... أتفقدون من حقوقكم شيئاً؟
فما لي لا أفعل في الفضل ما أريد، فلم كنت إماماً إذاً؟
أما والله ما عاب عليَّ من عاب منكم أمراً أجهله، ولا أتيت الذي أتيت إلاّ وأنا أعرفه (12).
يعني أنّي كنت قد أعطيتهم ما كان يعطيهم عمر وأكثر، وما بقي كنت أعطيه لقرابتي، وهذا صلة لرحمي واجتهاد منّي.
س6 ـ هل تقصد أنّك لم تجتهد برأيك في مقابل النصوص، وأنّ كلّ من وقف ضدّك كان من أجل توزيعك المال على أقربائك فقط؟
ج ـ بلى، كنت قد خالفت السنن المعروفة باجتهادات من عندي، ولكن لم يقف في وجهي لمخالفتي هذه السنن إلاّ عليّ ومن شايعه; لأنّه كان يعلم بالسنن، أمّا بقية الصحابة فلم يكترثوا باجتهاداتي; لأنّهم ألفوها على عهد أبي بكر وعمر، وإنّما طعنوا بي لأنّي عزلتهم عن الأُمور السياسية وولّيت بني عمومتي.
والدليل على ذلك أنّ هؤلاء الصحابة حضروا كثيراً من المواقف التي أحدثت فيها:
(كإتمام صلاة السفر، ومنعي من التلبية، وتركي للتكبير في الصلاة، ومنعي من التمتع في الحجّ) فلم ينكر عليَّ غير عليّ بن أبي طالب (13).
ـ واعتللت وأنا بمنى، فأتى عليّ، فقيل له: صلّ بالناس.
فقال علي: إن شئتم، ولكن أُصلّي لكم صلاة رسول الله، يعني ركعتين!
فقالوا: لا، إلاّ صلاة أمير المؤمنين عثمان أربعاً، فأبى عليّ أن يصلي بهم(14).
ـ واجتمعت أنا وعليّ في مكّة والمدينة، وأنا أنهى عن المتعة وأن يجمع بينهم (أي الحجّ والعمرة)، فلمّا رأى ذلك عليّ أهلّ بهما جميعاً قائلا: لبيك عمرة وحجّة معاً.
فقلت له: تراني أنهى الناس عن شيء وتفعله أنت؟
فقال عليّ: لم أكن لأدع سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقول أحد (15).
لذلك ترى أن من وقف ضدّي من الصحابة غير عليّ لم يقفوا لتغييري في سنّة رسول الله كما قلت، ولكن لتقصيري عليهم في المنح وعزلي لهم عن المناصب.
أبرز معارضي عثمان:
س7 ـ من كان أبرز معارضيك، ولماذا وقفوا ضدّك؟
ج ـ 1 ـ عائشة بنت أبي بكر: لقد كانت عائشة على عهد أبيها وصاحبه شريكتهم في المشاورة بأمر السياسة والحكم، فكلّ ما يقومان به لديها حديث يؤكّده أو تأويل يدعمه، لذلك برزت في أيامهم وخبا نجم باقي نساء الرسول، وقد زاد عمر في عطائها عن جميع نساء النبيّ، فقسّم لكلّ واحدة بعشرة آلاف دينار وهي باثني عشر ألف دينار، وأيضاً كانت في أوّل أمري تساعدني وتدافع عنّي وتتأوّل لي، مثل إتمامها صلاة السفر (16).
حتى جاء يوم وأتتني طالبة إرثها من رسول الله وقد كنت مستلقياً في داري، وعندما قالت: أنّها تريد إرثها من رسول الله، عدلت جلستي وضربت على ركبتي وقلت: فلتعلمن فاطمة أي ابن عمّ أنا لها اليوم؟
وقلت لها: إنّ فاطمة أتت أباك وطالبته فقال: إن رسول الله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، وقد أيدتِ ما فعلاه وكنت معهم فيه، والآن تطلبين مني هذا؟ لا والله.
فخرجت وأخرجت من دارها قميص رسول الله وقالت: لقد بدلّ عثمان وأبلى سنّة رسول الله قبل أن يبلى قميصه، اقتلوا نعثلاً فقد كفر!(17)
2 ـ طلحة بن عبد الله: لقد انضم طلحة إليَّ وبايعني بالخلافة، وقد أغدقت عليه بالأعطيات والمنح بدون حساب، فكثرت أمواله ومواشيه وعبيده، حتى بلغ غلته من العراق وحده كلّ يوم ألف دينار(18).
لكلّ ذلك طغى طلحة وتجبّر وبدأ يؤلّب الناس ليطيح بي ويأخذ مكاني، وقد كان من أشدّ المحرّضين عليّ، حتى منعني من شرب الماء أيام الحصار وقد قلت في ذلك: "ويلي على ابن الحضرميّة (طلحة) أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً وهو يروم دمي ويحرض على نفسي، اللهمّ لا تمتّعه به واقب بغيه"(19).
وقد كانت عائشة عندما بلغها مقتل عثمان وأنّ الناس قد بايعوا طلحة فرحت فرحاً شديداً.
وقالت: "بعداً لنعثل وسحقاً، إيه ذا الإصبع، إيه أبا شبل، إيه ابن عمّ، لله أبوك، أما إنّهم وجدوا طلحة لها كفؤاً"(20).
3 ـ الزبير بن العوّام: لن أتكلم عنه كثيراً، ولكن كان مرتبطاً مع طلحة، فلا يُذكر طلحة إلاّ والزبير معه ولا الزبير إلاّ وطلحة معه، وهو أيضاً ممّن تنافسوا في الدنيا وملؤوا منها البطون، فقد بلغت تركته ألف دينار وألف فرس وألف عبد، وضياعاً كثيرة في البصرة والكوفة وفي مصر، ويروي البخاري أنّه خلّف في تركته خمسين ألف ألف ومائتي ألف دينار(21).
وقد كان مع طلحة في إمالة الناس عنّي.
4 ـ عمرو بن العاص: وكان والياً لمصر بعهد عمر، فأقريته كما أقريت غيره من عمّال عمر وقتاً ما، ولكن العام الأوّل من ولايتي لم يكد ينتهي حتى جعلت قرابتي تنظر إلى مصر نظرة لا تخلو من طمع فيها وطموح إليها، فقد أغار عمرو على إفريقية فأصاب شيئاً من غنيمة ثمّ رجع، فكففت يده عن هذا الغزو وأرسلت إلى إفريقية جيشا لا يذعن لسلطان عمرو في مصر وإنّما يتصل مباشرة بالمدينة، متخطياً عمراً على غير المألوف، وأمرّت على هذا الجيش عبد الله ابن أبي سرح، وقلت له: إن فتحت إفريقية فلك خمس الخمس من الغنيمة، ولذلك غضب عمرو بن العاص، لأنّي خسيت به عن نظرائه من العمال.
وممّا أجج الموضوع أكثر توليتي لعبد الله بن سعد بن أبي سرح لخراج مصر وتركي لعمرو صلاتها وحربها، وعندما نشب الخلاف بين الاثنين عزلت عمرو وجمعت لعبد الله صلاة مصر وحربها إلى ما كان عليه من الخراج، لذلك أصبح عمرو بن العاص عدوا لدودا وممّن كان له الباع الأكبر في قتلي.
وكان يحرّض الناس على قتلي والتشنيع عليَّ وكان يقول: والله إنّي كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان.
وعندما علم بقتلي قال: أنا أبو عبد الله، ما حككت قرحة إلاّ أدميتها (22).
على أي حال، فإنّ من وقف ضدّي كان ممّن أغدقت عليه بالمنح والعطايا، حتى معاوية الذي بسطت يده على بلاد الشام وما حولها وأطلقت يده فيها، فعند علمه بمحاصرتي بعث بجيشه إلى المدينة وأمرهم ألاّ يدخلوا، بل أن يعسكروا خارج المدينة، وعندما علموا بموتي رجعوا إلى الشام، فهو كان يريد موتي ليخلوا له الأمر من بعدي، وإلاّ كان باستطاعته أن يدخل ويفكّ الحصار عنّي ويخلّصني(23).
ابن السوداء:
س8 ـ من هو ابن السوداء، والذي يقولون إنّه كان من المؤلّبين عليك؟
ج - أطلق اسم: العبد الأسود أو ابن السوداء على عمّار بن ياسر، وأوّل من أطلقه هو مروان بن الحكم، وذلك عندما اجتمع الناس من أصحاب الرسول وكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما أنكر الناس عليَّ من الأُمور التالية:
1 ـ هبتي خمس إفريقية لمروان بن الحكم، وفيه حقّ الله والرسول، وفيهم ذوو القربى واليتامى والمساكين.
2 ـ التطاول في البنيان حتى عدوا سبع دور بنيتها في المدينة، داراً لنائلة، وداراً لعائشة وغيرهم من أهلي وبناتي.
3 ـ بنيان مروان القصور بذي الخشب (موضع بالمدينة).
4 ـ عمارة الأموال بها من الخمس الواجب لله ورسوله.
5 ـ وما كان من إفشاء العمل والولاية في أهلي وبني عمومتي من بني أُميّة وهم غلمة لا صحبة لهم مع الرسول.
6 ـ وما كان من الوليد بن عقبة إذ صلّى بهم الصبح وهو سكران أربع ركعات، ثمّ قال لهم: إن شئتم أزيدكم صلاة زدتكم، وإنّي لم أقم عليه الحدّ.
7 ـ تركي المهاجرين والأنصار لا أستعملهم على شيء ولا أستشيرهم.
8 ـ وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة..
9 ـ إدرار القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة
ليست لهم صحبة من رسول الله، ثمّ لا يغزون و لا يذبّون.
10 ـ مجاوزتي الخيزران إلى السوط، وإنّي أوّل من ضرب بالسياط ظهور الناس.
ثمّ تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يدي، وكان ممّن حضر عمّار ابن ياسر، والمقداد بن الأسود، وكانوا عشرة، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه لي والكتاب بيد عمّار، جعلوا يتسللون عن عمّار حتى بقي وحده.
فمضى حتى جاء إلى داري فأستأذن عليَّ فأذنت له في يوم شات، فدخل عليَّ وعندي مروان بن الحكم وأهلي من بني أُميّة، فدفع الكتاب فقرأته.
فقلت له: أنت كتبت هذا.
قال: نعم.
قلت: ومن كان معك؟
قال: كان معي نفر تفرّقوا خوفاً منك.
قلت: من هم؟
قال: لا أخبرك بهم.
قلت: فلم اجترأت عليَّ من بينهم؟
فقال مروان: يا أمير، إنّ هذا العبد الأسود قد جرأ عليك، وإنّك إن قتلته نكلت به من ورائه.
فقلت: اضربوه فضربوه و ضربته معهم حتى فتق بطنه، فغشي عليه، فجروه حتى طرحوه على باب الدار (24).
وهكذا، فإنّ مروان بن الحكم هو أوّل من أطلق هذا الاسم على عمّار بن ياسر.
س9 ـ لكن يقولون إنّ ابن السوداء هذا يهوديّ، ويُدعى عبد الله ابن سبأ، وقد كان يفتن الناس عنك في مصر والشام والعراق وأججّ الناس ثمّ أتى إلى المدينة، فما تقول؟
ج ـ أنا لم أسمع بوجود شخص يحمل هذا الاسم في أيامي، ولو كان موجوداً لأحضره لي معاوية، كما أحضر أبا ذر ونبذته إلى الربذة.
فلن يكون هذا المزعوم أعظم عندي من صاحب رسول الله أو من عمّار بن ياسر الذي ضربته مع القوم حتى فتق بطنه، أو من عبد الله ابن مسعود، وقد قتله عبد الله بن أبي سرح في مصر، فلن يكون هذا اليهودي الذي يزعم به أعزّ عليَّ من محمّد بن أبي بكر أو محمّد ابن أبي حذيفة الذي كان يريد أن يفتك بهما لولا منعي له.
____________
(1) الإصابة لابن حجر 4: 378، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 198.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 21، الاستيعاب لابن عبد البرّ 3: 1074، أسد الغابة لابن الأثير 3: 419، البداية والنهاية لابن كثير 4: 22.
(3) تقدّم التخريج.
(4) كنز العمال للمتقي الهندي 5: 678، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 29: 185، تاريخ المدينة لابن شيبة 2: 667.
(5) لسان العرب 12: 577.
(6) الإمامة والسياسة 1: 31، تاريخ المدينة لابن شيبة 3: 1023، مجمع الزوائد للهيثمي 9:94.
(7) تاريخ الطبري 8: 185، النزاع والتخاصم للمقريزي: 59.
(8) مروج الذهب 1: 440، نقلا عن الغدير للأميني 8: 278.
(9) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 23: 471.
(10) الحجرات: 6.
(11) الإمامة والسياسة 1: 35.
(12) تاريخ الطبري 3: 377.
(13) قال عبد الرحمن بن يزيد: كنّا مع عبد الله بن مسعود، فلمّا دخل مسجد منى قال: كم صلّى أمير المؤمنين عثمان؟ قال أربعاً، فصلى أربعاً. قال: فقلنا: ألم تحدثنا أنّ النبيّ صلّى ركعتين وأبو بكر صلى ركعتين؟! فقال: بلى وأنا أحدّثكم الآن، ولكن عثمان كان إماماً فما أخالفه والخلاف شرّ. السنن الكبرى للبيهقي 3: 144، سنن أبي داود 1: 438.
يا للعجب من هذا الصحابي عبدالله بن مسعود إذ يرى في خلاف عثمان شرّاً، ويرى في خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ الخير.
(14) المحلّى لابن حزم 4: 270.
(15) صحيح البخاري 2: 151، كتاب الحجّ، باب التمتع والأقران.
(16) أخرج البخاري في صحيحه 2: 36، كتاب الكسوف، باب صلاة التطوع عن عائشة أنّها قالت: "الصلاة أوّل ما فرضت ركعتان فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر، قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتمّ؟
قال: تأوّلت كما تأوّل عثمان.
(17) الإمامة والسياسة: 70 ـ 71.
(18) قال ابن سعد في طبقاته 3: 222، كانت قيمة ما ترك طلحة بن عبد اللّه من العقار والأموال وما ترك من الناضح ثلاثين ألف ألف درهم، وترك من العين ألفي ألف ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار، والباقي عروض".
(19) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 35.
(20) أنساب الأشراف للبلاذري: 217، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 215.
(21) صحيح البخاري 4: 52، كتاب الجهاد والسير.
(22) تاريخ الطبري 3: 392 ـ 395.
(23) تاريخ الطبري 3: 402.
(24) الإمامة والسياسة 1: 51.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|