أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-10-2021
2001
التاريخ: 2024-10-24
94
التاريخ: 13-1-2019
10820
التاريخ: 1-6-2016
2422
|
اختلفت التعريفات للقوة القاهرة بين الفقهاء ، والقضاء ، ولكنها تنتهي إلى مفهوم واحد ، بأنها هي تعرقل تنفيذ العقد بعد إبرامه دون دخل لإرادة المدين وقد عرفها بعضهم بأنها كل ما يستعصي توقعه بوسائل الإدراك الإنساني ، وحتى أن أمكن توقعه فانه يستعصي المقاومة .(1) ويختصر بعضهم في تعريفها بقوله " هي ظروف تسمح للمتعرض لها أن يعدل عن تنفيذ التزاماته في حالة وجودها " فهي تشكل عقبة أمام مسؤولية الطرف المتخلف عن تنفيذ الالتزامات وتعلق تنفيذ الالتزام المعني به.(2)
وفي تعريف أخر بأنها حادث مفاجئ بعد إبرام العقد وغير منسوب إلى المدين ينشا عنه استحالة تنفيذ الالتزام .(3) وقد أشار بعضهم إلى أن القوة القاهرة ، تختلف عن الحادث المفاجئ ، ويرى أن الحادث الذي لا يمكن مقاومته بعد قوة قاهرة كما أن القوة القاهرة ينتج عنها استحالة تنفيذ الالتزام استحالة مطلقة أما الحادث المفاجئ فينتج عنه استحالة تنفيذ الالتزام استحالة نسبية .(4) كما ذهب البعض إلى أن الحادث المفاجئ مرده أمرا داخليا كامنا في الشيء ذاته كانفجار آلة في مصنع وخروج قطار عن الشريط ، أما أذا كان الأمر خارجا عن الشيء ذاته فيعد قوة قاهرة.(5)
والسبب الأجنبي الذي يمكن أن يترتب عليه إعفاء المدين يجب أن يتوافر فيه شرطان الأول أن يكون أمرا غير ممكن التوقع كما يلزم ثانياً أن يكون مستحيل الدفع.
وبذلك هجر فقه القانون الخاص فصلاً قديماً بين تعبيري الحادث المفاجئ والقوة القاهرة حيث كان ينظر إلى الأول على انه الحدث الذي لا يمكن توقعه ، والى الثاني على انه الحدث الذي لا يمكن دفعه ليستقر على النظر إليهما بحسبانهما تعبيرين متكاملين ، ولا فرق بين القوة القاهرة والحادث الفجائي لأنهما تعبيران لمعنى واحد مستمدان من الشروط الواجب توفرها في القوة القاهرة فتعبير القوة القاهرة يعني الأمر الذي يقع فيحدث ضرراً لا يمكن تلافيه ، وتعبير الحادث الفجائي يعني الأمر الذي يحصل بصورة غير متوقعة ولم يكن في الحسبان وإذا كان هناك اتجاه في الفقه الفرنسي ذهب إلى القول بان القوة القاهرة غير الحادث الفجائي ألا أن هذا الاتجاه عارضه الرأي الغالب (6) الذي رأى انه لا فرق بينهما من حيث المعنى والأثر .
فالتعبيران أذن يدلان على شروط القوة القاهرة التي تستلزم أن تكون غير متوقعة ولا يمكن درء ما ينشا عنها ولا دخل لإرادة الملتزم في وقوعها بحيث تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً . وقد جاء نص المادة (211) من القانون المدني العراقي قاطعاً في وحدة إثرهما . بما يأتي ( أذا ثبت الشخص بأن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لأيد له فيه كآفة سماوية أو حادث فجائي أو قوة قاهرة أو فعل الغير أو خطأ المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يوجد نص أو اتفاق على خلاف ذلك ) .
واثبات القوة القاهرة لا ينفي خطأ المقاول أو المهندس وإنما تنتفي مسؤوليتهما بسبب قطع علاقة السببية ما بين نشاطهما وبين الضرر اللاحق برب العمل طبقاً لما تقضي به القواعد العامة . أما أذا كان في البناء عيب ثم تهدم هذا البناء بقوة قاهرة دون أن يكون عيب البناء سبباً في تهدمه فلا يجوز لرب العمل رفع دعوى على المقاول والمهندس عن الأضرار التي أصابته من جراء التهدم ، لأن العيب في البناء لم يشارك القوة في أحداث التهدم فالبناء كان سيتهدم بفعل القوة القاهرة حتى ولو لم يكن فيه عيب في الأصل أما أذا شارك العيب القوة القاهرة في جسامة الضرر الحادث بأن جعل الضرر يزيد عما لو كان البناء غير معيب او تسبب في تعويض اقل يتقاضاه رب العمل كأن تحتج شركة التأمين بعيب البناء فتدفع لرب العمل تعويضاً اقل فيجوز لرب العمل الرجوع على المقاول والمهندس بمقدار الضرر الذي أصابه جراء العيب أما في مصر فقد كان المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري ينص في المادة 899 منه ( يسقط عن المهندس المعماري والمقاول الضمان المقرر في المادتين السابقتين أذا تبين من الظروف التي أدت إلى كشف عيوب البناء أن هذه العيوب قد تنشأ عن قوة قاهرة كما لو حصل خلل في استقرار الأرض التي أقيم عليها البناء أن هذا الخلل قد تنشأ لا عن موقع الأرض أو عن حركتها الذاتية بل عن أسباب خارجة لم يكن بالإمكان توقعها وقت البناء ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ما يلي ( يؤيد هذا النص ما جرى عليه قضاء المحاكم المصرية وعلى الأخص محكمة الاستئناف المختلطة ويستند هذا القضاء على مبدأين أساسين :
الخلل في البناء أذا حصل في خلال عشر سنوات لا يكفي وحده لتقرير المسؤولية بالنسبة للمقاول أذا كان من الثابت أن هذا الخلل لا يرجع لخطئه (7) .
تهدم البناء الذي لم يثبت سببه بوجه قاطع يفترض انه راجع لعيب في الصنعة يسال عنه المقاول (8) .
وهكذا تكون المادة( 499) من التقنين المصري المالي والمادة(500) من التقنين السابق قد أقامت قرائن على افتراض الخطأ من بينها واحدة ليس من السهل دفعها وهي قرينة افتراض خطا أو إهمال من جانب المقاول أذا كان الخلل راجعا إلى طبيعة الأرض ، بل لا يجوز أن نستهل دفع هذه القرينة عن طريق الالتجاء لرأي الخبراء لإثبات أن المقاول لم يرتكب أي خطأ فني في كشف طبيعة الأرض والتعرف على عيوبها أذا يخشى أن يحابي الخبراء أبناء مهنتهم فتفوت بذلك الحماية التي قصدها المشرع ولذلك قيد المشروع الحالات قبول القوة القاهرة كسبب لنفي المسؤولية ، وجعلها قاصرة على الحالة التي يكون ثبوتها قاطعا دون حاجة لأهل الخبرة . ويمتاز هذا النص بميزة التوفيق بين الحلول التي قررتها محكمة الاستئناف المختلطة في بعض الحالات العملية ، من ذلك استبعاد مسؤولية المقاول المكلف بتغطية الطريق بالإسفلت أذا كان العيب الحادث في غطاء الإسفلت ناجما عن هبوط الشارع بسبب خلل في مجاري المياه الممتدة في باطن الأرض( 9) وكذلك استبعاد مسؤولية المقاول الذي استعمل مواد وأدوات انعقد الإجماع على جودتها أذا كان من الثابت أن الخلل الحادث بسببها راجع إلى الأحوال الجوية بالقطر المصري (10).وفي طائفة أخرى من الأحكام ، قررت محكمة الاستئناف إلغاء مسؤولية تهدم البناء تحت ضغط مياه الإمطار على عاتق المقاول ، حتى لو كانت هذه الإمطار وافرة لدرجة غير عادية ، ولاسيما أذا كان البناء منخفضاً بجوار الشارع(11) كما أن محكمة الاستئناف رفضت تمسك المقاول بالقوة القاهرة للتخلص من المسؤولية بسبب هبوط أرصفة مقامة على جانب النيل وقد قصد المشروع بالذات هذه الطائفة الأخيرة من الأحكام فذكر إلى جانب موقع الأرض حركتها الذاتية ، وفي لجنة المراجعة عدل النص على الوجه الأتي (يسقط عن المهندس المعماري والمقاول أذا اثبتا أن تهدم البناء أو العيب الذي ظهر ، يرجع إلى سبب أجنبي لابد لهما فيه) ووافق مجلس النواب على النص لكن لجنة مجلس الشيوخ حذفته اكتفاء بالرجوع إلى القواعد العامة )(12) ويقول الأستاذ محمد لبيب شنب انه مادام النص المحذوف لم يكن ألا تطبيقا للقواعد العامة ، لذلك فان حذفه لا يمنعنا من الأخذ بحكمه .(13)
ويتضح من النص الوارد في المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري وما ورد بشأنه في المذكرة الإيضاحية الخاصة به انه قصر قبول القوة القاهرة بوصفهما سببا من أسباب انتفاء المسؤولية على الحالة التي تثبت فيها ثبوتا قاطعا دون تدخل أهل الخبرة مخافة محاباة أبناء مهنتهم فتفوت الحماية التي قصدها المشروع من وراء وضع النص ، كما يتضح منه انه يشترط لعد سبب التهدم أو ظهور العيوب قوة قاهرة أن لا يكون راجعا إلى المقاول أو المهندس حتى لو كانا قد اتخذا الاحتياطات جميعا ومهما بذلا من عناية حتى لو فاقت عناية الرجل المعتاد ، سواء في وضع التصميم أو بالإشراف على العمل ، أو في القيام بعملية البناء ذاتها ، وذلك لان التزامهما التزام بتحقيق غاية وليس التزاما ببذل عناية ، كما يشترط فيه الدفع مرتبة افتراض الخطأ والإهمال من جانب المقاول أن لا يرجع إلى موقع الأرض أو حركتها الذاتية . ولذلك استبعدت محكمة الاستئناف المختلطة في مصر مسؤولية المقاول المكلف بتغطية الطريق بالإسفلت لان الضرر لم يكن راجعا إلى موقع الأرض ولا إلى حركتها الذاتية وإنما كان السبب في مجاري المياه الممتدة في باطن الأرض التي انفجرت فأحدثت هبوط الشارع الذي أدى إلى تواجد العيب في غطاء الإسفلت وقد عدت المحكمة المذكورة ذلك قوة قاهرة تنفي مسؤولية المقاول عن هذا العيب ، كما ذهبت هذه المحكمة إلى تحميل المقاول مسؤولية هبوط أرصفة مقامة على جوانب النيل ، فكان على المقاول أن يتخذ ما يلزم لمنع وقوع الضرر ليفلت من المسؤولية عن تعويضه ، وفضت أيضا بان تقلب الجو تقلبا معتادا من شانه أحداث تمدد أو تقلص في البناء لا تعد قوة قاهرة تنفي مسؤولية المقاول (14). ويشترط كذلك لعده قوة قاهرة أن يكون من المستحيل كشفه وفقا للقواعد الفنية أذا كان راجعا إلى عيب في الأرض وقد أيد الفقه المصري هذا الاتجاه(15)
أما في العراق فان المادة 425 من القانون المدني العراقي التي وردت في الباب المعقود لانقضاء الالتزام نصت على ما يلي (( ينقضي الالتزام أذا اثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلا عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه )) . وعليه وحيث أن الالتزام المقصود في نص المادة المذكورة هو أي التزام سواء نشأ عن عقد أو عن إرادة منفردة أو فعل غير مشروع أو كسب بلا سبب أو نص في القانون فانه ينقضي باستحالة تنفيذه بسبب أجنبي لابد للملتزم فيه ، وكذلك يمكن القول انه بالاستناد إلى النص المادة المشار أليها . فان أيا من المقاول أو المهندس أذا استطاعا أن يثبتا أن التهدم الحاصل في المباني التي ينشا عنها أو المنشات الثابتة التي يقيمانها أو العيوب التي تظهر في هذه المباني والمنشات الثابتة قد نشأت عن سبب أجنبي كقوة قاهرة أدت إلى حصول التهدم في البناء أو ظهور العيب فيه ، فان المقاول أو المهندس لا يكونان مسؤولين عن ضمان أعادة بناء ما تهدم من البناء أو إصلاح ما ظهر فيه من العيب .
كما أن الرجوع إلى أهل الخبرة في حالة قبول القوة القاهرة كسبب لانتفاء المسؤولية قد ينطوي على فائدة لان محاباتهم أبناء مهنتهم من المقاولين والمهندسين ليست يقينية ويمكن التحرز فيها من لدن المحكمة ، لذلك يمكن القول أن اقتصار قبول القوة القاهرة كسبب مسقط للمسؤولية على الحالة التي يكون فيها ثبوتها قاطعا دون حاجة لأهل الخبرة غير وارد بمقتضى أحكام القانون المدني العراقي ، أما ما اقره الفقه المصري وما استقر عليه القضاء المصري من شروط لعد سبب التهدم آو العيب قوة قاهرة اشرنا أليها قبل قليل ، فلا يوجد حائل قانوني يحول دون الأخذ بها في العراق لرسم حدود تواجد القوة القاهرة .
________________
1- - د. حسن العزاوي ، اثر الظروف الطارئة على الالتزام العقدي ، رسالة دكتوراه جامعة القاهرة ، 1979 ، ص 534 .
2- د. صالح بن بكر الطيار – العقود الدولية لنقل التكنولوجيا ، مركز الدراسات العربي الأوربي ، طبعة 2 ، لسنة 1999 .
3 - د. محسن شفيق ، عقد تسليم مفتاح نموذج من عقود التنمية ، محاضرات على طلبة الدراسات العليا ، 1983 ، ص 86 .
4- د. عبد الرشيد مأمون ، علاقة السببية في المسؤولية المدنية ، دار النهضة ، بيروت ، ص90 .
5 - د. سليمان مرقس ، المسؤولية المدنية في تقنيات البلاد العربية ، طبعة 1970 ، ق1 ، ص 492 .
6- السنهوري في الوجيز في شرح القانون – نظرية الالتزام 1966 ، فقرة 3365 ، ص345 ، وعبد المجيد الحكيم ، مصادر الالتزام ، فقرة 841 ، ص 454 .
7- استئناف مختلط 21 يونيه سنة 1921 بـ 33 ص 371 .
8 - ( استئناف مختلط 24 يونيه سنة 1913 بت 15 ص 359 )
9- استئناف مختلط 28 مارس سنة 1901 ب 13 ص 221.
10- استئناف مختلط 2 يونيه سنة 1921 بـ 33 ص 371.
11- ( استئناف مختلط 24 يونيه سنة 1903 بـ15 ص 358 ، 22 يناير سنة 1914 بـ16 ص 169 ) .
12- مجموعة الأعمال التحضيرية ، ج5 ، ص25-26 في الهامش ، نقلا عن السنهوري في الوسيط ، ج7 فقرة (135-136)
13- محمد لبيب شنب ، شرح أحكام عقد المقاولة ، ط1 ، دار النهضة العربية ، 1962 ، ص835 هامش رقم 1
14- استئناف مختلط 4 نوفمبر سنة 1937 م 50 ص8
15- محمد لبيب شنب – المصدر السابق ، فقرة 113 ص136-137 ويشير في ذلك إلى توفيق حسن فرج ، مصدر سابق ، ص 36 ، و ثروت انيس الاسيوطي ، مسؤولية المهندس المعماري ، دروس على الالة الكاتبة ، ص 17 ، والسنهوري في الوسيط ، ج7 ، ص 114 ، هامش رقم 1 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|