أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2019
486
التاريخ: 17-8-2019
1280
التاريخ: 5-8-2019
1258
التاريخ: 6-8-2019
777
|
الجامعي : في موارد عديدة من القرآن، منها الآية 143 من سورة الأعراف، إذ دعى موسى ربه قائلا: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] ، وخاطبه الله قائلا: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] .
فالسؤال: إن الذات المقدسة لله تعالى، ليست بجسم، ولا مكان لها، وغير قابلة للرؤية، فلماذا سأل النبي موسى (عليه السلام) هذا السؤال، مع أنه كان من أنبياء أولي العزم؟ فضلا عن قبح هذا السؤال لو صدر من إنسان عادي.
عالم الدين: يحتمل أن يكون طلب موسى (عليه السلام)، مشاهدة الله بعين القلب، لا المشاهدة بالعين، وكان الغرض من طلبه هذا، الحضور والشهود الكامل الفكري والروحي، فيعني إلهي اجعل قلبي مملوءا باليقين، حتى كأني أراك، وكثيرا ما يستعمل لفظ الرؤية في هذا السياق، كقولنا: إني أرى في نفسي القدرة على فعل ذلك العمل، مع أن القدرة، ليست قابلة للرؤية، فالمراد أن هذه الحالة واضحة في نفسي.
الجامعي: هذا التفسير خلاف ظاهر الآية، لأن الظاهر من لفظ أرني هو الرؤية بالعين، كما أن جواب الله سبحانه قائلا: *(لن تراني)*، يفهم منه أن طلب موسى (عليه السلام) كان المشاهدة بالعين، ولو كان المشاهدة الباطنية، بالشهود الكامل الروحي والفكري، لما كان جواب الله لطلب موسى (عليه السلام) بالنفي، لأن الله يهدي هذا النوع من الشهود لأوليائه المرسلين.
عالم الدين: لو فرضنا أن طلب موسى (عليه السلام) هو رؤية الذات الإلهية المقدسة، حسب ما يقتضيه ظاهر العبارة، ولو أخذنا بنظر الاعتبار تاريخ هذه الحادثة، لتبين أن طلب موسى (عليه السلام) كان من لسان قومه، بعد أن تعرض للضغوط من قبلهم.
وتوضيحه: أنه بعد هلاك فرعون ومن اتبعه ونجاة بني إسرائيل، ظهرت مواقف أخرى بين موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل، منها أن جماعة من بني إسرائيل أصروا على موسى (عليه السلام) برؤية الله سبحانه، وإلا فلن يؤمنوا به، وأخيرا اضطر موسى أن يختار سبعين نفرا من بني إسرائيل، وأخذهم إلى الوادي المقدس (طور) (1)، وهناك طلب من الحضرة الربوبية هذا الطلب. فأوحى الله إلى موسى (عليه السلام): {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] وبهذا الجواب اتضح لبني إسرائيل كل شيء، لذلك يكون طلب موسى (عليه السلام) من لسان قومه نتيجة لإصرارهم وضغطهم عليه، وحينما أرسل الله الزلزلة والصاعقة إلى المرافقين لموسى والبالغ عددهم سبعين نفرا وهلاكهم، قال موسى (عليه السلام) مخاطبا ربه: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} [الأعراف: 155]. فأجابه الله تعالى: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 143].
فالتجلي الإلهي على الجبل، لأجل رؤية الآثار الإلهية، كأمواج الصاعقة الشديدة، التي أدت إلى تلاشي الجبل، مما أدى إلى دهشة موسى (عليه السلام) وأصحابه، فالله سبحانه بهذه القدرة، أراد أن يفهم أصحاب موسى بعجزهم عن تحمل إحدى آثاره، فكيف النظر إلى الذات الإلهية المقدسة؟ فأنتم أعجز من رؤيته بالعين، التي هي جسم مادي، في حين أن الله مجرد مطلق. وبهذا التجلي الإلهي، رأى أصحاب موسى (عليه السلام) الله تعالى بعين القلب، وأدركوا عدم قابليتهم على رؤيته بالعين المادية، وكانت توبة موسى (عليه السلام)، كطلبه الرؤية نيابة عن قومه، ولأجل رفع الشبهة، كان من اللازم على موسى (عليه السلام) أن يظهر إيمانه ليعلم أصحابه أنه لم يطلب طلبا مخالفا لإيمانه مطلقا، بل عرض هذا الطلب كممثل عنهم.
الجامعي: أشكرك على توضيحاتك، لقد اقتنعت، وأرجو بهذه التوضيحات المنطقية، أن تحل بقية الشبهات، لدي هناك شبهة أخرى وبعون الله سوف أطرحها عليكم في الجلسة القادمة.
عالم الدين: من اللطيف، أن أغلب مفسري السنة، في ذيل تفسير آية الكرسي 255 من سورة البقرة، قد ذكروا طلبا لموسى (عليه السلام) شبيها بهذا الطلب، وإليك خلاصته: رأى موسى (عليه السلام) الملائكة في عالم النوم، فسألهم، هل الله ينام؟ فأوحى الله لملائكته، بأن لا تجعلوا موسى (عليه السلام) ينام، فأيقظت الملائكة موسى (عليه السلام) ثلاث مرات من نومه وكانوا يراقبوه حتى لا ينام، فحينما أحس موسى بالتعب الشديد والاحتياج المبرم للنوم، أعطي بيد موسى قنينتين مملوءتين بالماء على أن يحمل في كل يد قنينة مملوءة بالماء طبقا للوحي الإلهي، فلما تركوه ولم يراقبوه سقطت القنينتين من يديه وانكسرتا. فأوحى الله إلى موسى (عليه السلام): بقدرتي جعلت السماوات والأرض، فلو أخذني نوم أو نعاس لزالتا (2).
وهنا يطرح هذا السؤال، كيف يسأل موسى (عليه السلام) الملائكة هذا السؤال مع أنه رسول الله، ويعلم أن الله لا يكون في معرض العوارض الجسمية، كالنوم. فأجاب الفخر الرازي عن هذا السؤال: على فرض صحة الرواية، لا بد من القول أن سؤال موسى (عليه السلام) كان من لسان قومه الجهلة (3).
وبعبارة أوضح: تعرض موسى (عليه السلام) تحت ضغط وإصرار قومه الجهلة، وسأل الله هذا السؤال، حتى أظهر الله آثارا أدت إلى هداية قومه، وكسر القناني من يد موسى (عليه السلام)، وإن كانت حادثة بسيطة، ولكن لأجل تفهيم العوام، فهي حادثة عميقة وجالبة وكاملة. ويمكن القول أيضا، عن وجود أفراد من قوم موسى (عليه السلام) أبرزوا هذا النوع من التشكيك والسؤال، وقام موسى (عليه السلام) لأجل هدايتهم، أن يطرح تلك الأسئلة على الله سبحانه وتعالى، ليكون جواب الله سبحانه منقذا قومه من الضلالة. (4)
________________
(1) الطور: جبل بيت المقدس، ممتد ما بين مصر وأيلة، وعن بعض أهل السير أنه: سمي بطور بن إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام)، قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} [القصص: 46] وهو طور سيناء، قال الله سبحانه: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ} [المؤمنون: 20] ، وقال في موضع آخر من كتابه المجيد: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ} [التين: 1، 2] ومعناهما واحد، وقال ابن أبي نجيح: الطور: الجبل، وسيناء: الحجارة أضيف إليها، وقال بعض أهل اللغة: لا يسمى الجبل طورا حتى يكون ذا شجر ولا يقال للأجرد طور، وبالقرب من مصر عند موضع يسمى مدين جبل يسمى الطور، ولا يخلو من الصالحين، وحجارته كيف كسرت خرج منها صورة شجرة العليق، وعليه كان الخطاب الثاني لموسى (عليه السلام) عند خروجه من مصر ببني إسرائيل، والطور أيضا: يسمى عند كورة تشتمل على عدة قرى تعرف بهذا الاسم بأرض مصر القبلية، وبالقرب منها جبل فاران. راجع: معجم ما استعجم للأندلسي: ج 3 ص 897، معجم البلدان للحموي: ج 4 ص 47.
(2) تفسير روح البيان: ج 1 ص 400، الجامع لأحكام القرآن القرطبي: ج 3 ص 273، التفسير الكبير للرازي: ج 7 ص 9.
(3) التفسير الكبير للرازي: ج 7 ص 9 .
(4) أجود المناظرات للاشتهاردي: ص 370 - 374.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|