أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2019
17772
التاريخ: 6-8-2019
4592
التاريخ: 7-8-2019
9262
التاريخ: 11-8-2019
13909
|
قال تعالى : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة : 71 - 72] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
لما ذكر الله تعالى المنافقين ، ووصفهم بقبيح خصالهم . اقتضت الحكمة أن يذكر المؤمنين ، ويصفهم بضد أوصافهم ، ليتصل الكلام بما قبله اتصال النقيض بالنقيض ، فقال : {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} أي : بعضهم أنصار بعض ، يلزم كل واحد منهم نصرة صاحبه وموالاته ، حتى أن المرأة تهيء أسباب السفر لزوجها إذا خرج . وتحفظ غيبة زوجها ، وهم يد واحدة على من سواهم {يأمرون بالمعروف} وهو ما أوجب الله فعله ، أو رغب فيه عقلا أو شرعا {وينهون عن المنكر} وهو ما نهى الله عن فعله ، وزهد فيه ، عقلا أو شرعا .
{ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله} أي : يداومون على فعل الصلاة ، وإخراج الزكاة من أموالهم ، ووضعها حيث أمر الله تعالى بوضعها فيه ، ويمتثلون طاعة الله ورسوله ، ويتبعون إراداتهما ورضاهما {أولئك سيرحمهم الله} أي : الذين هذه صفتهم يرحمهم الله في الآخرة {إن الله عزيز حكيم} أي : قادر على الرحمة والعذاب ، واضع كل واحد منهما موضعه .
وفي الآية دلالة على أن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، من فروض الأعيان ، لأنه جعلهما من صفات جميع المؤمنين ، ولم يخص قوما منهم دون قوم {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} أي : من تحت أشجارها الأنهار ، والماء فيها {خالدين فيها ومساكن طيبة} يطيب العيش فيها ، بناها الله تعالى من اللآلئ ، والياقوت الأحمر ، والزبرجد الأخضر ، لا أذى فيها ، ولا وصب (2) ، ولا نصب ، عن الحسن {في جنات عدن} أي : في جنات إقامة وخلد .
وقيل : هي بطنان الجنة ، أي : وسطها ، عن ابن مسعود . وقيل : هي مدينة في الجنة ، وفيها الرسل ، والأنبياء ، والشهداء ، وأئمة الهدى ، والناس حولهم ، والجنان حولها ، عن الضحاك . وقيل : إن عدنا أعلى درجة في الجنة . وفيها عين التسنيم ، والجنان حولها محدقة بها ، وهي مغطاة من يوم خلقها الله ، عز وجل ، حتى ينزلها أهلها الأنبياء ، والصديقون ، والشهداء ، والصالحون ، ومن شاء الله .
وفيها قصور الدر ، واليواقيت ، والذهب ، فتهب ريح طيبة من تحت العرش ، فتدخل عليهم كثبان المسك الأبيض ، عن مقاتل ، والكلبي .
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : عدن دار الله التي لم ترها عين ، ولم تخطر على قلب بشر ، لا يسكنها غير ثلاثة : النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، يقول الله ، عز وجل : طوبى لمن دخلك {ورضوان من الله أكبر} رفع على الابتداء ، أي : ورضا الله تعالى عنهم أكبر من ذلك كله . قال الجبائي : إنما صار الرضوان أكبر من الثواب ، لأنه لا يوجد شيء منه إلا بالرضوان ، وهو الداعي إليه ، الموجب له . وقال الحسن : لأن ما يصل إلى القلب من السرور برضوان الله ، أكبر من جميع ذلك ، وإنما رفع رضوان لأنه استأنفه للتعظيم ، كما يقول القائل أعطيتك ووصلتك ، ثم يقول وحسن رأيي فيك ، ورضاي عنك ، خير من جميع ذلك .
{ذلك هو الفوز العظيم} أي : ذلك النعيم الذي وصفت ، هو النجاح العظيم الذي لا شيء أعظم منه .
_____________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 87-88 .
2 . الوصب : المرض ، والتعب ، والوجع الدائم .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هاتين الآيتين (1) :
{ والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ } المراد بالولاية هنا النصرة ، بعد ان ذكر سبحانه المنافقين برذائلهم ذكر المؤمنين بفضائلهم ، وان بعضهم يناصر بعضا ، ومن ادعى الايمان باللَّه ورسوله ، ولم يناصر إخوانه في هذا الايمان فهو منافق ، تشمله الآيات السابقة التي نزلت في المنافقين { يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } على عكس المنافقين الذين يأمرون بالمنكر ، وينهون عن المعروف { ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ } حقيقة لا رياء كالمنافقين { ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ } ولا يبخلون بها كما يبخل المنافقون { ويُطِيعُونَ اللَّهً ورَسُولَهُ } ويستمرون على هذه الطاعة مهما كانت النتائج { أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ } أما المنافقون فقد لعنهم وأعد لهم نار جهنم خالدين فيها { إِنَّ اللَّهً عَزِيزٌ حَكِيمٌ } قادر على إعزاز المؤمنين ، وإذلال الكافرين والمنافقين .
{ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ومَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ } وعدن الإقامة ، وكل من أرضى اللَّه في أعماله ومقاصده فاللَّه يرضى عنه { ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ذلك إشارة إلى الجنات والمساكن الطيبة والرضوان . وتقدم نظيره في ج 2 ص 23 عند تفسير الآية 15 من سورة آل عمران .
_______________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 69 -70.
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
قوله تعالى : ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض﴾ إلى آخر الآية .
ثم وصف الله سبحانه حال المؤمنين عامة محاذاة لما وصف به المنافقين فقال : ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض﴾ ليدل بذلك على أنهم مع كثرتهم وتفرقهم من حيث العدد ومن الذكورة والأنوثة ذوو كينونة واحدة متفقة لا تشعب فيها ولذلك يتولى بعضهم أمر بعض ويدبره .
ولذلك كان يأمر بعضهم بعضا بالمعروف وينهى بعضهم بعضا عن المنكر فلولاية بعض المجتمع على بعض ولاية سارية في جميع الأبعاض دخل في تصديهم الأمر بالمعروفة والنهي عن المنكر فيما بينهم أنفسهم .
ثم وصفهم بقوله : ﴿ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة﴾ وهما الركنان الوثيقان في الشريعة فالصلاة ركن العبادات التي هن الرابطة بين الله وبين خلقه ، والزكاة في المعاملات التي هي رابطة بين الناس أنفسهم .
ثم وصفهم بقوله : ﴿ويطيعون الله ورسوله﴾ فجمع في إطاعة الله جميع الأحكام الشرعية الإلهية وجمع في إطاعة رسوله جميع الأحكام الولائية التي يصدرها رسوله في إدارة أمور الأمة وإصلاح شئونهم كفرامينه في الغزوات ، وأحكامه في القضايا وإجراء الحدود وغير ذلك .
على أن إطاعة شرائع الله النازلة من السماء من جهة أخرى منطوية في إطاعة الرسول فإن الرسول هو الصادع بالحق القائم بالدعوة إلى أصول الدين وفروعه .
وقوله : ﴿أولئك سيرحمهم الله﴾ إخبار عما في القضاء الإلهي من شمول الرحمة الإلهية لهؤلاء القوم الموصوفين بما ذكر ، وكان في هذه الجملة محاذاة لما سرد في المنافقين من قوله تعالى : ﴿نسوا الله فنسيهم﴾ والظاهر أيضا أن قوله : ﴿إن الله عزيز حكيم﴾ تعليل لما ذكر من الرحمة فلا مانع من رحمته لعزته ، ولا اختلال أو وهنا وجزافا في حكمته .
قوله تعالى : ﴿وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ إلى آخر الآية ، العدن مصدر بمعنى الإقامة والاستقرار يقال : عدن بالمكان أي أقام فيه واستقر ومنه المعدن للأرض التي تستقر فيه الجواهر والفلزات المعدنية ، وعلى هذا فمعنى جنات عدن جنات إقامة واستقرار وخلود .
وقوله : ﴿ورضوان من الله أكبر﴾ أي رضى الله سبحانه عنهم أكبر من ذلك كله - على ما يفيده السياق - وقد نكر ﴿رضوان﴾ إيماء إلى أنه لا يقدر بقدر ولا يحيط به وهم بشر أو لأن رضوانا ما منه ولو كان يسيرا أكبر من ذلك كله لا لأن ذلك كله مما يتفرع على رضاه تعالى ويترشح منه وإن كان كذلك في نفسه - بل لأن حقيقة العبودية التي يندب إليها كتاب الله هي عبوديته تعالى حبا له : لا طمعا في جنة ، أو خوفا من نار ، وأعظم السعادة والفوز عند المحب أن يستجلب رضى محبوبه دون أن يسعى لإرضاء نفسه .
وكأنه للإشارة إلى ذلك ختم الآية بقوله : ﴿ذلك هو الفوز العظيم﴾ وتكون في الجملة دلالة على معنى الحصر أي إن هذا الرضوان هو حقيقة كل فوز عظيم حتى الفوز العظيم بالجنة الخالدة إذ لو لا شيء من حقيقة الرضى الإلهي في نعيم الجنة كان نقمة لا نعمة .
_____________________________
1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 282-283 .
تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
صفات المؤمنين الحقيقيين :
مرّ في الآيات السابقة ذكر بعض الصفات المشتركة بين المنافقين ، الرجال منهم والنساء ، وتلخصت في خمس صفات: الأمر بالمنكر ، والنهي عن المعروف ، والبخل وعدم الإنفاق ، ونسيان اللّه سبحانه وتعالى ، ومخالفة وعصيان أوامر اللّه .
وتذكر هذه الآيات صفات وعلامات المؤمنين والمؤمنات ، وتتخلص في خمس صفات أيضا ، فتقابل كل صفة منها صفة من صفات المنافقين ، واحدة بواحدة ، لكنّها في الاتجاه المعاكس .
وتشرع الآية بذكر صفات المؤمنين والمؤمنات ، وتبدأ ببيان أنّ بعضهم لبعض ولي وصديق {والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} .
إنّ أوّل ما يلفت النظر أن كلمة (أولياء) لم تذكر أثناء الكلام عن المنافقين ، بل ورد (بعضهم من بعض) التي توحي بوحدة الأهداف والصفات والأعمال ، ولكنّها تشير ضمنا إلى أن هؤلاء المنافقين وإن كانوا في صف واحد ظاهرا ويشتركون في البرامج والصفات ، إلّا أنهم يفتقدون روح المودة والولاية لبعضهم البعض ، بل إنّهم إذا شعروا في أي وقت بأنّ منافعهم ومصالحهم الشخصية قد تعرضت للخطر فلا مانع لديهم من خيانة حتى أصدقائهم فضلا عن الغرباء ، وإلى هذه الحالة تشير الآية (14) من سورة الحشر: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وقُلُوبُهُمْ شَتَّى} .
وبعد بيان هذه القاعدة الكلية ، تشرع ببيان الصفات الجزئية للمؤمنين :
1- ففي البداية تبيّن أن هؤلاء قوم يدعون الناس إلى الخيرات {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} .
2- إنّهم ينهون الناس عن الرذائل والمنكرات {ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} .
3- إنّهم بعكس المنافقين الذين كانوا قد نسوا اللّه ، فإنّهم يقيمون الصلاة ، ويذكرون اللّه فتحيا قلوبهم وتشرف عقولهم {ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ} .
4- إنّهم- على عكس المنافقين والذين كانوا يبخلون بأموالهم- ينفقون أموالهم في سبيل اللّه وفي مساعدة عباد اللّه وبناء المجتمع وإصلاح شؤونه ، ويؤدون زكاة أموالهم {ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ} .
5- إنّ المنافقين فسّاق ومتمردون ، وخارجون من دائرة الطاعة لأوامر اللّه ، أمّا المؤمنون فهم على عكسهم تماما ، إذ {ويُطِيعُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ} .
أمّا ختام الآية فإنّه يتحدث عن امتيازات المؤمنين ، والمكافأة والثواب الذي ينتظرهم ، وأوّل ما تعرضت لبيانه هو الرحمة الإلهية التي تنتظرهم ف {أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} .
إنّ كلمة (الرحمة) التي ذكرت هنا لها مفهوم واسع ، ويدخل ضمنه كل خير وبركة وسعادة ، سواء في هذه الحياة أو في العالم الآخر ، وهذه الجملة في الواقع جاءت مقابلة لحال المنافقين الذين لعنهم اللّه وأبعدهم عن رحمته .
ولا شك أنّ وعد اللّه للمؤمنين قطعي ويقيني لأنّ اللّه قادر وحكيم ، ولا يمكن للحكيم أن يعد بدون سبب ، وليس اللّه القادر بعاجز عن الوفاء بوعده حين وعد {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
الآية الثّانية شرحت جانبا من هذه الرحمة الإلهية الواسعة التي تعم المؤمنين في بعديها المادي والمعنوي . فهي أوّلا تقول : {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} ، ومن خصائص هذه النعمة الكبيرة أنّها لا زوال لها ولا فناء ، بل الخلود الأبدي ، لذا فإن المؤمنين والمؤمنات سيكونون {خالِدِينَ فِيها} .
ومن المواهب الإلهية الأخرى التي سوف ينعمون بها هي المساكن الجميلة ، والمنازل المرفهة التي أعدها اللّه لهم وسط الجنان {ومَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} .
(عدن) في اللغة تعني الإقامة والبقاء في مكان ما ، ولهذا يطلق على المكان الذي توجد فيه مواد خاصّة اصطلاح (معدن) ، وعلى هذا المعنى فإنّ هناك شبها بين الخلود وعدن ، لكن لما أشارت الجملة السابقة إلى مسألة الخلود ، يفهم من هذه الجملة أن جنات عدن محل خاص في الجنّة يمتاز على سائر حدائق الجنّة .
لقد وردت هذه الموهبة الإلهية بأشكال وتفسيرات مختلفة في الرّوايات وكلمات المفسّرين ، فنطالع في حديث عن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم : «عدن دار اللّه التي لم ترها عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، لا يسكنها غير ثلاثة: النّبيين ، والصدّيقين ، والشّهداء» «2» .
وفي كتاب الخصال نقل عن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قوله : «من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنتي التي واعدني اللّه ربّي ، جنات عدن . . . فليوال علي بن أبي طالب عليه السّلام وذريته عليهم السّلام من بعده» . «3»
ويتّضح من هذا الحديث أن جنات عدن حدائق خاصّة في الجنّة سيستقر فيها النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وجماعة من خلّص أصحابه وأتباعه .
وهذا المضمون قد ورد في حديث آخر عن علي عليه السّلام ، ويدل على أن جنات عدن مقر إقامة نبي الإسلام صلى اللّه عليه وآله وسلّم .
بعد ذلك تشير الآية إلى الجزاء المعنوي المعد لهؤلاء ، وهو رضى اللّه تعالى عنهم المختص بالمؤمنين الحقيقيين ، وهو أهم وأعظم جزاء ، ويفوق كل النعم والعطايا الأخرى {ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} .
إنّ اللذة المعنوية والإحساس الروحي الذي يحس ويلتذ به الإنسان عند شعوره برضى اللّه سبحانه وتعالى عنه لا يمكن أن يصفه أي بشر ، وعلى قول بعض المفسّرين فإنّ نسمة ولحظة من هذه اللذة الروحية تفوق نعم الجنّة كلها ومواهبها المختلفة والمتنوعة واللامتناهية .
من الطبيعي أنّنا لا نستطيع أن نجسم ونرسم صورة في أفكارنا عن أي نعمة من نعم الحياة الأخرى ونحن في قفص الحياة الدنيا وحياتها المحدودة ، فكيف سنصل إلى إدراك هذه النعمة المعنوية والروحية الكبرى ؟! نعم ، يمكن إيجاد تصور ضعيف عن الاختلافات المادية والمعنوية التي نعيشها في هذه الدنيا ، فمثلا يمكن إدراك الاختلاف في اللذة بين اللقاء بصديق عزيز جدا بعد فراق طويل ولذّة الإحساس الروحي الخاص الذي يعتري الإنسان عند إدراكه أو حلّه لمسألة علمية معقدة صرف في تحصيلها والوصول إلى دقائقها الشهور ، بل السنين ، أو الانشداد الروحي الذي يبعث على النشاط والجد في لحظات خلوص العبادة ، أو النشوة عند توجه القلب وحضوره في مناجاة تمتزج بهذا الحضور ، وبين اللذة التي نحس بها من تناول طعام لذيذ وأمثالها من اللذائذ ، ومن الطبيعي أن هذه اللذائذ المادية لا يمكن مقارنتها باللذائذ المعنوية ، ولا يمكن أن تصل إلى مصافها .
هنا يتّضح التصور الخاطئ لمن يقول بأن القرآن الكريم عند ما يتحدث عن الجزاء والعطاء الإلهي الذي سيناله المؤمنون الصالحون يؤكّد على النعم المادية ، ولا يتطرق إلى النواحي المعنوية ، لأن الجملة أعلاه- أي: رضوان من اللّه أكبر- ذكرت أن رضوان اللّه أكبر من كل النعم ، خاصّة وأنّها وردت بصيغة النكرة ، وهي تدل على أن قسما من رضوان اللّه أفضل من كل النعم المادية الموجودة في الجنّة ، وهذا يبيّن القيمة السامية لهذا العطاء المعنوي .
إن الدليل على أفضلية الجزاء المعنوي واضح أيضا ، لأنّ الروح في الواقع بمثابة (الجوهر) والجسم بمكان (الصدف) ، فالروح كالآمر والقائد ، والجسم كالجندي المطيع والمنفذ ، فالتكامل الروحي هو الهدف ، والجسم وسيلة ولهذا السبب فإن إشعاعات الروح وآفاقها أوسع من الجسم واللذائذ الروحية لا يمكن قياسها ومقارنتها باللذائذ المادية والجسمية ، كما أن الآلام الروحية أشدّ ألما من الآلام الجسمية .
وفي نهاية أشارت الآية إلى جميع هذه النّعم المادية والمعنوية ، وعبرت عنها بأنّ {ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
______________________
1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 289-292 .
2. مجمع البيان ، ذيل الآية .
3. كتاب الخصال ، على ما نقل في نور الثقلين ، ج 2 ، ص 241 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|