المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

شيوع الأسباب وفاة الشاهدين على الوحي
2024-10-15
الهدروجين الثقيل heavy hydrogen
5-1-2020
إبراهيم أبو رافع.
25-12-2016
علاقة اقتصاديات السينما بالجوانب الأخرى
30-5-2022
امير المؤمنين والخلفاء
15-11-2019
تعريف نظام المخاصمة وتكييفه القانوني
23-6-2016


تفسير آية (1-4) من سورة التوبة  
  
4317   10:41 صباحاً   التاريخ: 6-8-2019
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

قال تعالى : {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة : 1 - 4] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [التوبة : 1-2] .

 {براءة من الله} : أي هذه براءة من الله .  {ورسوله} : أي انقطاع للعصمة ، ورفع للأمان ، وخروج من العهود .  {إلى الذين عاهدتم من المشركين} :

الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وللمسلمين ، والمعنى : تبرؤوا ممن كان بينكم وبينهم عهد من المشركين ، فإن الله ورسوله بريئان منهم . قال الزجاج معناه : قد برئ الله ورسوله من إعطائهم العهود ، والوفاء لهم بهما ، إذ نكثوا ، وإذا قيل :

كيف يجوز أن ينقض النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، العهد؟ فالقول فيه :

إنه يجوز أن ينقض ذلك على أحد ثلاثة أوجه :

إما أن يكون العهد مشروطا بأن يبقى إلى أن يرفعه الله تعالى بوحي . وإما أن يكون قد ظهر من المشركين خيانة ونقض ، فأمر الله سبحانه بأن ينبذ إليهم عهدهم .
وإما أن يكون مؤجلا إلى مدة ، فتنقضي المدة ، وينتقض العهد . وقد وردت الرواية بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، شرط عليهم ما ذكرناه . وروي أيضا أن المشركين كانوا قد نقضوا العهد أو هموا بذلك ، فأمره الله سبحانه أن ينقض عهودهم .

ثم خاطب الله سبحانه المشركين فقال :  {فسيحوا في الأرض} أي : سيروا في الأرض على وجه المهل ، وتصرفوا في حوائجكم آمنين من السيف  {أربعة أشهر} ، فإذا انقضت هذه المدة ، ولم تسلموا ، انقطعت العصمة عن دمائكم وأموالكم .

 {واعلموا أنكم غير معجزي الله} أي : غير فائتين عن الله ، كما يفوت ما يعجز عنه ، لأنكم حيث كنتم في سلطان الله وملكه .  {وأن الله مخزي الكافرين} أي : مذلهم ومهينهم .

واختلف في هذه الأشهر الأربعة ، فقيل : كان ابتداؤها يوم النحر إلى العاشر من شهر ربيع الآخر ، عن مجاهد ، ومحمد بن كعب القرظي ، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام . وقيل : إنما ابتداء أجلهم الأشهر الأربعة ، من أول شوال إلى آخر المحرم ، لأن هذه الآية نزلت في شوال ، عن ابن عباس ، والزهري . قال الفراء :

كانت المدة إلى آخر المحرم ، لأنه كان فيهم من كانت مدته خمسين ليلة ، وهو من لم يكن له عهد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فجعل الله له ذلك . وقيل : إن من كان له عهد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أكثر من أربعة أشهر ، حط إلى أربعة أشهر ، ومن كان له عهد أقل منها ، رفع إليها ، عن الحسن ، وابن إسحاق ، قيل : كان ابتداء الأشهر الأربعة يوم النحر ، لعشرين من ذي القعد إلى عشرين من شهر ربيع الأول ، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت ، ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة ، وفيها حجة الوداع ، وكان سبب ذلك النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية ، على ما سيأتي بيانه ، إن شاء الله تعالى ، عن الجبائي .

 

- {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة : 3 - 4] .

ثم بين سبحانه أنه يجب إعلام المشركين ببراءة منهم ، لئلا ينسبوا المسلمين إلى الغدر ، فقال  {وأذان من الله ورسوله إلى الناس} معناه : وإعلام ، وفيه معنى الأمر أي : أذنوا ، الناس ، يعني أهل العهد . وقيل : المراد بالناس المؤمن والمشرك ، لأن الكل داخلون في هذا الإعلام . وقوله :  {إلى الناس} أي للناس ، يقال هذا إعلام لك ، وإليك .  {يوم الحج الأكبر} فيه ثلاثة أقوال أحدها : إنه يوم عرفة ، من عمر ، وسعيد بن المسيب ، وعطا ، وطاووس ، ومجاهد ، وروي ذلك عن علي عليه السلام . ورواه المسور بن مخرمة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال عطا : الحج الأكبر : الذي فيه الوقوف ، والحج الأصغر : الذي ليس فيه وقوف ، وهو العمرة وثانيها : إنه يوم النحر ، عن علي ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وابن زيد ، والنخعي ، ومجاهد ، والشعبي ، والسدي ، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام ورواه ابن أبي أوفى ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الحسن : وسمي الحج الأكبر ، لأنه حج فيه المشركون والمسلمون ، ولم يحج بعدها مشرك . وثالثها : إنه جميع أيام الحج ، عن مجاهد أيضا ، وسفيان ، فمعناه أيام الحج كلها ، كما يقال يوم الجمل ، ويوم صفين ويوم بعاث (2) : يراد به الحين والزمان ، لأن كل حرب من هذه الحروب ، دامت أياما .

 {أن الله برئ من المشركين} أي : من عهد المشركين ، فحذف المضاف ،  {ورسوله} معناه : ورسوله أيضا برئ منه . وقيل : إن البراءة الأولى لنقض العهد ، والبراءة الثانية لقطع الموالاة والإحسان ، فليس بتكرار .  {فإن تبتم فهو خير لكم} معناه : فإن تبتم في هذه المدة أيها المشركون ، ورجعتم عن الشرك إلى توحيد الله ، فهو خير لكم من الإقامة على الشرك ، لأنكم تنجون به من خزي الدنيا ، وعذاب الآخرة  {وإن توليتم} عن الإيمان ، وصبرتم على الكفر ،  {فاعلموا أنكم غير معجزي الله} أي : لا تعجزونه عن تعذيبكم ، ولا تفوتون بأنفسكم من أن يحل بكم عذابه في الدنيا ، وفي هذا إعلام بأن الإمهال ليس بعجز ، وإنما هو لإظهار الحجة والمصلحة ، ثم أوعدهم بعذاب الآخرة ، فقال :  {وبشر الذين كفروا بعذاب أليم} أي : أخبرهم مكان البشارة بعذاب موجع ، وهو عذاب النار في الآخرة .

 {إلا الذين عاهدتم من المشركين} قال الفراء : استثنى الله تعالى من براءته ، وبراءة رسوله ، من المشركين قوما من بني كنانة ، وبني ضمرة ، كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر ، أمر بإتمامها لهم ، لأنهم لم يظاهروا على المؤمنين ، ولم ينقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال ابن عباس : عنى به كل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عهد قبل  {براءة} ، وينبغي أن يكون ابن عباس أراد بذلك من كان بينه وبينه عقد هدنة ، ولم يتعرض له بعداوة ، ولا ظاهر عليه عدوا ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، صالح أهل هجر ، وأهل البحرين ، وإيلة ، ودومة الجندل ، وله عهود بالصلح والجزية ، ولم ينبذ إليهم بنقض عهد ، ولا حاربهم بعد ، وكانوا أهل ذمة إلى أن مضى لسبيله صلى الله عليه وآله وسلم ، ووفى لهم بذلك من بعده ،  {ثم لم ينقصوكم شيئا} معناه : لم ينقصوكم من شروط العهد شيئا . وقيل : معناه لم يضروكم شيئا ،  {ولم يظاهروا عليكم أحدا} أي لم يعاونوا عليكم أيها المؤمنون أحدا من أعدائكم ،  {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} أي : إلى انقضاء مدتهم التي وقعت المعاهدة بينكم إليها  {إن الله يحب المتقين} لنقض العهود .

__________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 7-13 .

2 . قال القلقشندي : يوم بعاث كان بين الأوس والخزرج (إنتهى) وقيل : سمي بذلك ، لأن الأوس طلبوا من الخزرج أن يوقفوا الحرب ، فطلب الخزرج منهم رهائن ، فبعثوا بأربعين غلاما منهم ، ففرقهم الخزرج في دورهم . وقال الحموي : بعاث موضع في نواحي المدينة ، كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

في العام الثامن للهجرة فتح النبي ( صلى الله عليه وآله ) مكة ، وفي التاسع نزلت هذه السورة ، وفي العاشر حج النبي حجة الوداع ، وفي الحادي عشر توفي صلى اللَّه عليه وآله .

فهذه السورة ليست آخر سورة نزلت من القرآن ، ولكنها من الأواخر ، ولذا تضمنت أحكاما نهائية في العلاقات بين المسلمين والمشركين . . قال طه حسين في كتاب « مرآة الإسلام » : « زاد اقبال العرب على الإسلام بعد الحجة التي حجها أبو بكر سنة تسع ، ففي هذه الحجة أرسل النبي عليا ليلحق بأبي بكر ، ويتلو على الناس قرآنا ، فكان فصلا بين عهدين : عهد كان يقوى الإسلام فيه شيئا فشيئا ، وكان للشرك مع ذلك بقاء في بعض قبائل العرب ، وعهد آخر خلصت فيه الجزيرة كلها للإسلام . . وهذا القرآن - أي الذي تلاه عليّ على الناس والذي فرّق اللَّه به بين هذين العهدين - هو هذه الآيات الكريمة من سورة التوبة ، فأعلن فيها براءة اللَّه ورسوله من المشركين وحرم فيها أن يقرب المشركون البيت ، أو يلموا به ، أو يطوف به عريان » .

{ بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } . قدمنا ان هذه السورة نزلت في العام التالي للفتح ، حيث عظم أمر الإسلام ، وانتشر في الجزيرة العربية كلها ، وكانت له الكلمة العليا ، ومع ذلك بقي للشرك جيوب في بعض قبائل العرب ، وكيلا تكون هذه الجيوب طابورا خامسا في المجتمع الاسلامي أمر اللَّه نبيه - في هذه السورة - أن يعلن البراءة من المشركين ، وبالأصح أن ينذر بالحرب كل مشرك يقيم في الجزيرة العربية ، حتى يقول : لا إله إلا اللَّه ، ويدخل فيما دخل فيه الناس . ويشمل هذا الانذار جميع المشركين ، حتى الذين عاهدهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) على الهدنة والمسالمة إلا في حال واحدة أشار إليها سبحانه بقوله : { إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً } ويأتي التفسير .

{ فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ واعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وأَنَّ اللَّهً مُخْزِي الْكافِرِينَ } . فسيحوا أي قولوا أيها المسلمون للمشركين : سيروا في الأرض آمنين طوال هذه المدة . . بعد إعلان الحرب على المشركين أمهلهم اللَّه سبحانه أربعة أشهر يتنقلون فيها آمنين ، حيث يشاؤن لا يمسهم أحد بسوء ، فإن أسلموا بعدها فقد سلموا ، وفازوا دنيا وآخرة ، وان أصروا على الشرك فجزاؤهم القتل في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة ، ولن يجدوا من ذلك مهربا .

وتسأل : ان قتال المشرك ، حتى ينطق بكلمة التوحيد لا يتفق مع قوله تعالى في الآية 256 من سورة البقرة : { لا إِكْراهً فِي الدِّينِ } وقوله في الآية 99 من سورة يونس : { أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } . . ان الإسلام دين السلم لا دين الحرب ؟ .

الجواب : أجل ، ان الإسلام لا يكره أحدا على قول لا إله الا اللَّه ، وانما يدعو إليه بالحكمة والدليل : { وقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف : 29 الكهف ] . ولكن قد تستدعي مصلحة المجتمع الاسلامي في ظروف خاصة ان لا يكون فيه مشركون ، لأنهم يسعون في الأرض فسادا . . وفي هذه الحال يجوز للمسلمين أن يكرهوا المشركين على النطق بكلمة التوحيد . . ومشركو الجزيرة العربية كانوا آنذاك طابورا خامسا في المجتمع الاسلامي الجديد . ومن أجل هذا كان الحكم فيهم القتل أو اظهار الإسلام ، وبه يكون لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما عليهم . وبكلمة ان الحكم خاص بمشركي الجزيرة آنذاك ، لسبب خاص ، وتقدم الكلام عن ذلك في ج 1 ص 396 عند تفسير الآية 256 من سورة البقرة .

{ وأَذانٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهً بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ورَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ } . يوم الحج الأكبر هو يوم النحر ، أي العاشر من ذي الحجة ، وكان ابتداء الأشهر الأربعة بهذا اليوم من سنة تسع للهجرة ، وانتهاؤها في عاشر ربيع الآخر من سنة عشر ، وبعد هذه المهلة تعين مصير المشركين في الجزيرة العربية الإسلام أو القتل ، والخيار لهم بين هذين ، لأن الأوضاع في الجزيرة آنذاك كانت تستدعي ذلك كما أشرنا .

وذكر المفسرون ، ومنهم الطبري والرازي وأبو حيان الأندلسي : انه لما نزلت سورة التوبة أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليا ان يذهب إلى أهل الموسم في مكة ليقرأها عليهم ، فقيل له : لو بعثت بها أبا بكر . فقال : لا يؤدي عني إلا رجل مني . وقام علي يوم النحر عند جمرة العقبة ، وقال : أيها الناس اني رسول اللَّه إليكم ، وتلا الآيات .

{ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً ولَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهً يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } . بعد أن أمر نبيه ان يمهل المشركين أربعة أشهر ، حتى الذين نقضوا عهد المسلمين وغدروا بهم - بعد هذا استثنى سبحانه من المشركين قوما كان بينهم وبين المسلمين عهد المهادنة والمسالمة إلى أمد ، وحافظوا على هذا العهد ، ولم يغدروا ويخونوا ، استثنى هؤلاء ، ولم يمهلهم أربعة أشهر فقط ، بل أمهلهم إلى مدتهم ، مهما بلغت جزاء على وفائهم .

وقال كثير من المفسرين « ان هؤلاء المشركين الأوفياء هم قوم من كنانة ، وكان قد بقي من عهدهم تسعة أشهر ، فأتم النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهم العهد .

وتدل هذه الآية على أن المعاهد لا يجب عليه الوفاء بالعهد إلا إذا وفي به الطرف الآخر نصا وفحوى ، فان أخل بشيء منه يعدّ خائنا وناقضا له ، ولا عهد لمن خان العهد { إِنَّ اللَّهً يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } وهم الذين يتقون نقض العهد وسائر المفاسد .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 8-10 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : ﴿براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين﴾ قال الراغب : أصل البرء والبراء والتبري - التفصي مما يكره مجاورته ، ولذلك قيل : برأت من المرض وبرئت من فلان وتبرأت ، وأبرأته من كذا وبرأته ، ورجل بريء وقوم براء وبريئون قال تعالى : براءة من الله ورسوله .

 والآية بالنسبة إلى الآيات التالية كالعنوان المصدر به الكلام المشير إلى خلاصة القول على نهج سائر السور المفصلة التي تشير الآية والآيتان من أولها على إجمال الغرض المسرود لأجل بيانه آياتها .

والخطاب في الآية للمؤمنين أو للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولهم على ما يدل عليه قوله : ﴿عاهدتم﴾ وقد أخذ الله تعالى ومنه الخطاب ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الواسطة ، والمشركون وهم الذين أريدت البراءة منهم ، ووجه الخطاب ليبلغ إليهم جميعا في الغيبة ، وهذه الطريقة في الأحكام والفرامين المراد إيصالها إلى الناس نوع تعظيم لصاحب الحكم والأمر .

 والآية تتضمن إنشاء الحكم والقضاء بالبراءة من هؤلاء المشركين وليس بتشريع محض بدليل تشريكه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في البراءة فإن دأب القرآن أن ينسب الحكم التشريعي المحض إلى الله سبحانه وحده ، وقد قال تعالى : ﴿و لا يشرك في حكمه أحدا﴾ [الكهف : 26] ولا ينسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا الحكم بالمعنى الذي في الولاية والسياسة وقطع الخصومة .

فالمراد بالآية القضاء برفع الأمان عن الذين عاهدوهم من المشركين وليس رفعا جزافيا وإبطالا للعهد من غير سبب يبيح ذلك فإن الله تعالى سيذكر بعد عدة آيات أنهم لا وثوق بعهدهم الذي عاهدوه وقد فسق أكثرهم ولم يراعوا حرمة العهد ونقضوا ميثاقهم ، وقد أباح تعالى عند ذلك إبطال العهد بالمقابلة نقضا بنقض حيث قال : ﴿وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين﴾ [الأنفال : 58] فأباح إبطال العهد عند مخافة الخيانة ولم يرض مع ذلك إلا بإبلاغ النقض إليهم لئلا يؤخذوا على الغفلة فيكون ذلك من الخيانة المحظورة .

 ولو كان إبطالا لعهدهم من غير سبب مبيح لذلك من قبل المشركين لم يفرق بين من دام على عهده منهم وبين من لم يدم عليه ، وقد قال تعالى مستثنيا : ﴿إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين﴾ .

ولم يرض تعالى بنقض عهد هؤلاء المعاهدين الناقضين لعهدهم دون أن ضرب لهم أجلا ليفكروا في أمرهم ويرتئوا رأيهم ولا يكونوا مأخوذين بالمباغتة والمفاجأة .

 فمحصل الآية الحكم ببطلان العهد ورفع الأمان عن جماعة من المشركين كانوا قد عاهدوا المسلمين ثم نقضه أكثرهم ولم يبق إلى من بقي منهم وثوق تطمئن به النفس إلى عهدهم وتعتمد على يمينهم وتأمن شرهم وأنواع مكرهم .

قوله تعالى : ﴿فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين﴾ السياحة هي السير في الأرض والجري ولذلك يقال للماء الدائم الجرية في ساحة : السائح .

 

وأمرهم بالسياحة أربعة أشهر كناية عن جعلهم في مأمن في هذه البرهة من الزمان وتركهم بحيث لا يتعرض لهم بشر حتى يختاروا ما يرونه أنفع بحالهم من البقاء أو الفناء مع ما في قوله : ﴿واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين﴾ من إعلامهم أن الأصلح بحالهم رفض الشرك ، والإقبال إلى دين التوحيد ، وموعظتهم أن لا يهلكوا أنفسهم بالاستكبار والتعرض للخزي الإلهي .

 وقد وجه في الآية الخطاب إليهم بالالتفات من الغيبة إلى الخطاب لما في توجيه الخطاب القاطع والإرادة الجازمة إلى الخصم من الدلالة على بسط الاستيلاء والظهور عليه واستذلاله واستحقار ما عنده من قوة وشدة .

وقد اختلفت أقوال المفسرين في المراد بقوله : ﴿أربعة أشهر﴾ والذي يدل عليه السياق ويؤيده اعتبار إصدار الحكم وضرب الأجل ليكونوا في فسحة لاختيار ما وجدوه من الحياة أو الموت أنفع بحالهم : أن تبتدأ الأربعة الأشهر من يوم الحج الأكبر الذي يذكره الله تعالى في الآية التالية فإن يوم الحج الأكبر هو يوم الإبلاغ والإيذان والأنسب بضرب الأجل الذي فيه نوع من التوسعة للمحكوم عليهم وإتمام الحجة ، أن تبتدأ من حين الإعلام والإيذان .

وقد اتفقت كلمة أهل النقل أن الآيات نزلت سنة تسع من الهجرة فإذا فرض أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر العاشر من ذي الحجة كانت الأربعة الأشهر هي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشرة أيام من ربيع الآخر .

وعند قوم أن الأربعة الأشهر تبتدأ من يوم العشرين من ذي القعدة وهو يوم الحج الأكبر عندهم فالأربعة الأشهر هي عشرة أيام من ذي القعدة وذو الحجة والمحرم وصفر وعشرون من ربيع الأول ، وسيأتي ما فيه .

وذكر آخرون : أن الآيات نزلت أول شوال سنة تسع من الهجرة فتكون الأربعة الأشهر هي شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم فتنقضي بانقضاء الأشهر الحرم ، وقد حدأهم إلى ذلك القول بأن المراد بقوله تعالى فيما سيأتي : ﴿فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا﴾ الأشهر الحرم المعروفة : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم فيوافي انسلاخ الأشهر الحرم انقضاء الأربعة الأشهر ، وهذا قول بعيد عن الصواب لا يساعد عليه السياق وقرينة المقام كما عرفت .

قوله تعالى : ﴿وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله﴾ الأذان هو الإعلام ، وليست الآية تكرارا لقوله تعالى السابق ﴿براءة من الله ورسوله﴾ فإن الجملتين وإن رجعتا إلى معنى واحد وهو البراءة من المشركين إلا أن الآية الأولى إعلام البراءة وإبلاغه إلى المشركين بدليل قوله في ذيل الآية : ﴿إلى الذين عاهدتم من المشركين﴾ بخلاف الآية الثانية فإن وجه الخطاب فيه إلى الناس ليعلموا براءة الله ورسوله من المشركين ، ويستعدوا ويتهيئوا لإنفاذ أمر الله فيهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم بدليل قوله : ﴿إلى الناس﴾ وقوله تفريعا : ﴿فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾ إلى آخر الآية .

وقد اختلفوا في تعيين المراد بيوم الحج الأكبر على أقوال : منها : أنه يوم النحر من سنة التسع من الهجرة لأنه كان يوما اجتمع فيه المسلمون والمشركون ولم يحج بعد ذلك العام مشرك ، وهو المؤيد بالأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والأنسب بأذان البراءة ، والاعتبار يساعد عليه لأنه كان أكبر يوم اجتمع فيه المسلمون والمشركون من أهل الحج عامة بمنى وقد ورد من طرق أهل السنة روايات في هذا المعنى غير أن مدلول جلها أن الحج الأكبر اسم يوم النحر فيتكرر على هذا كل سنة ولم يثبت من طريق النقل تسمية على هذا النحو .

ومنها : أنه يوم عرفة لأن فيه الوقوف ، والحج الأصغر هو الذي ليس فيه وقوف وهو العمرة ، وهو استحسان لا دليل عليه ، ولا سبيل إلى تشخيص صحته .

ومنها : أنه اليوم الثاني ليوم النحر لأن الإمام يخطب فيه وسقم هذا الوجه ظاهر .

ومنها : أنه جميع أيام الحج كما يقال : يوم الجمل ، ويوم صفين ، ويوم بغاث ، ويراد به الحين والزمان ، وهذا القول لا يقابل سائر الأقوال كل المقابلة فإنه إنما يبين أن المراد باليوم جميع أيام الحج ، وأما وجه تسمية هذا الحج بالحج الأكبر فيمكن أن يوجه ببعض ما في الأقوال السابقة كما في القول الأول .

وكيف كان فالاعتبار لا يساعد على هذا القول لأن وجود يوم بين أيام الحج يجتمع فيه عامة أهل الحج يتمكن فيه من أذان براءة كل التمكن كيوم النحر يصرف قوله : ﴿يوم الحج الأكبر﴾ إلى نفسه ، ويمنع شموله لسائر أيام الحج التي لا يجتمع فيها الناس ذاك الاجتماع .

ثم التفت سبحانه إلى المشركين ثانيا وذكرهم أنهم غير معجزين لله ليكونوا على بصيرة من أمرهم كما ذكرهم بذلك في الآية السابقة بقوله : ﴿واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين﴾ غير أنه زاد عليه في هذه الآية قوله : ﴿فإن تبتم فهو خير لكم﴾ ليكون تصريحا بما لوح إليه في الآية السابقة فإن التذكير بأنهم غير معجزي الله إنما كان بمنزلة العظة وبذل النصح لهم لئلا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة باختيار البقاء على الشرك والتولي عن الدخول في دين التوحيد ففي الترديد تهديد ونصيحة وعظة .

ثم التفت سبحانه إلى رسوله فخاطبه أن يبشر الذين كفروا بعذاب أليم فقال : ﴿وبشر الذين كفروا بعذاب أليم﴾ والوجه في الالتفات الذي في قوله : ﴿فإن تبتم فهو خير لكم﴾ إلخ ما تقدم في قوله : ﴿فسيحوا في الأرض﴾ إلخ ، وفي الالتفات الذي في قوله : ﴿وبشر الذين كفروا﴾ إلخ إنه رسالة لا تتم إلا من جهة مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قوله تعالى : ﴿إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا﴾ إلخ ، استثناء من عموم البراءة من المشركين ، والمستثنون هم المشركون الذين لهم عهد لم ينقضوه لا مستقيما ولا غير مستقيم فمن الواجب الوفاء بميثاقهم وإتمام عهدهم إلى مدتهم .

وقد ظهر بذلك أن المراد من إضافة قوله : ﴿ولم يظاهروا عليكم أحدا﴾ إلى قوله : ﴿لم ينقصوكم شيئا﴾ استيفاء قسمي النقض وهما النقض المستقيم كقتلهم بعض المسلمين ، والنقض غير المستقيم نظير مظاهرتهم بعض أعداء المسلمين عليهم كإمداد مشركي مكة بني بكر على خزاعة بالسلاح ، وكانت بنو بكر في عهد قريش وخزاعة في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فحاربوا فأعانت قريش بني بكر على خزاعة ونقضت بذلك عهد حديبية الذي عقدوه بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان ذلك من أسباب فتح مكة سنة ثمان .

وقوله تعالى : ﴿إن الله يحب المتقين﴾ في مقام التعليل لوجوب الوفاء بالعهد ما لم ينقضه المعاهد المشرك ، وذلك يجعل احترام العهد وحفظ الميثاق أحد مصاديق التقوى المطلق الذي لا يزال يأمر به القرآن وقد صرح به في نظائر هذا المورد كقوله تعالى : ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ [المائدة : 8 ] وقوله : ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله﴾ [المائدة : 2 ] .

وبذلك يظهر ما في قول بعضهم : إن المراد بالمتقين الذين يتقون نقض العهد من غير سبب ، وذلك أن التقوى بمعنى الورع عن محارم الله عامة كالحقيقة الثانية في القرآن فيحتاج إرادة خلافه إلى قرينة صارفة .

 __________________________

1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 120-124 .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [التوبة : 1 - 2] .

إلغاء عهود المشركين :

كانت في المجتمع الإسلامي ومحيطه طوائف شتى ، وكان النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتخذ منها موقفا خاصّا يتناسب وموقفها منه .

فطائفة منها مثلا لم يكن لها أيّ عهد مع النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، والنّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كذلك لم يكن له أيّ عهد معها .

وطوائف أخرى عاهدت النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الحديبية- وأمثالها- على ترك المخاصمة والمنازعة ، وكانت عهود بعضهم ذات أجل مسمى ، وبعض العهود لم تكن ذات أجل مسمى .

وقد نقضت بعض تلك الطوائف عهودها من جانب واحد ، وبدون أي سبب يجيز النقض وذلك بمظاهرتها أعداء الإسلام. أو حاولت اغتيال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم‏ كما هو الحال في يهود بني النضير وبني قريظة ، فواجههم النّبي بشدة وطردهم من المدينة ، لكن بعض المعاهدات بقيت سارية المفعول ، سواء كانت ذات أجل مسمى أو لم تكن.

الآية الأولى من الآيتين محل البحث تعلن للمشركين كافة {بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏} .

ثمّ أمهلتهم مدّة أربعة أشهر ليفكروا فيها ويحدّدوا موقفهم من الإسلام ، فإمّا أن يتركوا عبادتهم للأصنام ، أو يتهيئوا للمواجهة والقتال ، فقالت : {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ «2» واعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ} .

 

- { وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة : 3 - 4] .

العهود المحترمة :

نلحظ في هاتين الآيتين البيّنتين مزيد تأكيد على موضوع إلغاء المعاهدات التي كانت بين النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والمشركين ، حتى أنّ تاريخ الإلغاء قد أعلن في هذه الآية إذ نقول : {وأَذانٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِي‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ورَسُولُهُ}‏ «3».

وفي الحقيقة ، أنّ اللّه سبحانه يريد في هذا الإعلان العام في مكّة المكرمة ، وفي ذلك اليوم العظيم ، أن يوصد كل ذريعة يتذرع بها المشركون والأعداء ، ويقطع ألسنة المفسدين ، لئلا يقولوا : إنّهم استغفلوا في الحملة أو الهجوم عليهم ، وإن ذلك ليس من الشّهامة والرجولة.

كما أنّ التّعبير ب «إلى الناس» مكان أن يقال «إلى المشركين» يدل على وجوب إبلاغ هذا «الأذان» والإعلام لجميع الناس الحاضرين في مكّة ذلك اليوم ، ليكون غير المشركين شاهدا على هذا الأمر أيضا.

ثمّ يتوجه الخطاب في الآية إلى المشركين أنفسهم ترغيبا وترهيبا ، لعلهم يهتدون ، إذ تقول الآية : {فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ‏.

أي أنّ الاستجابة لرسالة التوحيد فيها صلاحكم وفيها خير لكم ولمجتمعكم ودنياكم وآخرتكم ، فلو تدبّرتم بجد وصدق لرأيتم أن قبول الدعوة هو البلسم الشافي لكلّ جراحاتكم وليس في الأمر منفعة للّه أو لرسوله.

ثمّ إنّ الآية تحذر المخالفين المعاندين المتعصبين فتقول : {وإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ‏} . فلا يمكنكم الخروج من دائرة قدرته المطلقة بحال.

وأخيرا فإنّ الآية أنذرت المعاندين المتعصبين قائلة : {وبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ} ‏.

وكما أشرنا من قبل فإنّ إلغاء هذه العهود من جانب واحد- ورفض عهد المشركين- يختص بأولئك الذين دلّت القرائن على استعدادهم لنقض عهدهم وبدت بوادره ، لذلك فإنّ الآية استثنت قسما منهم لوفائهم بالعهد ، فقالت‏ {إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً ولَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى‏ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ‏}

___________________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 146 -150 .

2. «سيحوا» فعل أمر مشتق من «السياحة» ومعناها الجولة الهادفة.

3. جملة وأذان إلخ . معطوفة على جملة : براءة من اللّه. وهناك احتمالات أخرى في تركيب الجملة «و نظمها» ، غير أن ما ذكرناه أكثر ظهورا كما يبدوا.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .