أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-2-2017
1988
التاريخ: 2023-06-25
813
التاريخ: 1-12-2019
1865
التاريخ: 26-7-2019
1911
|
قدوم عروة بن مسعود.
قالوا: كان عروة بن مسعود حين حاصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل الطائف بجرش، يتعلم عمل الدبابات والمنجنيق، ثم رجع إلى الطائف بعد أن ولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعمل الدبابات والنجنيق والعرادات وأعد ذلك حتى قذف الله عز وجل في قلبه الإسلام، فقدم المدينة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسلم، ثم قال: يا رسول الله ايذن لي فآتي قومي فأدعوهم إلى الإسلام، فوالله ما رأيت مثل هذا الدين ذهب عنه ذاهب، فأقدم على أصحابي وقومي بخير قادم، وما قدم وافد قط. على قومه إلا من قدم بمثل ما قدمت به، وقد سبقت يا رسول الله في مواطن كثيرة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنهم إذا قاتلوك! قال: يا رسول الله، لأنا أحب إليهم من أبكار أولادهم. ثم استأذنه الثانية فأعاد عليه الكلام الأول، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنهم إذا قاتلوك. قال: يا رسول الله، لو وجدوني نائماً ما أيقظوني.
واستأذنه الثالثة فقال: إن شئت فاخرج! فخرج إلى الطائف فسار إليها خمساً، فقدم على قومه عشاء فدخل منزله، فأنكر قومه دهوله منزله قبل أن يأتي الربة: ثم قالوا: السفر قد حصره. فجاءوا منزله فحيوه تحية الشرك، فكان أول ما أنكر عليهم تحية الشرك، فقال: عليكم تحية أهل الجنة. ثم دعاهم إلى الإسلام، وقال: يا قوم، أتتهمونني؟ ألستم تعلمون أني وأوسطكم نسباً، وأكثركم مالاً، وأعزكم نفراً؟ فما حملني على الإسلام إلا أني رأيت أمراً لا يذهب عنه ذاهب! فاقبلوا نصحي، ولا تستعصوني، فوالله ما قدم وافد على قومٍ بأفضل مما قدمت به عليكم! فاتهموه، واستغشوه، وقالوا: قد واللات وقع في انفسنا حيث لم تقرب الربة، ولم تحلق رأسك عندها أنك قد صبوت! فآذوه، ونالوا منه، وحلم عليهم؛ فخرجوا من عنده يأتمرون كيف يصنعون به، حتى إذا طلع الفجر أوفى على غرفةٍ له فأذن بالصلاة، فرماه رجل من رهطه من الأحلاف يقال له وهب بن جابر - ويقال: رماه أوس بن عوف من بني مالك، وهذا أثبت عندنا - وكان عروة رجلاً من الأحلاف، فأصاب أكحله فلم يرقأ دمه، وحشد قومه في السلاح، وجمع الآخرون وتجايشوا، فلما رأى عروة ما يصنعون قال: لا تقتتلوا في، فإني قد تصدقت بدمي على صاحبه ليصلح بذلك بينكم، فهي كرامة الله أكرمني الله بها، الشهادة ساقها الله إلى؛ أشهد أن محمداً رسول الله، خبرني عنكم هذا أنكم تقتلونني! ثم قال لرهطه: ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن يرتحل عنكم. قال: فدفنوه معهم. وبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قتله فقال: مثل عروة مثل صاحب ياسين. دعا قومه إلى الله عز وجل فقتلوه. ويقال: إن عروة لم يقدم المدينة. وإنما لحق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين مكة والمدينة فأسلم ثم انصرف، والقول الأول أثبت عندنا. فلما قتل عروة، قال ابنه أبو مليح بن عروة بن مسعود، وابن أخيه قارب بن الأسود بن مسعود لأهل الطائف: لا نجامعكم على شئ أبداً، وقد قتلتم عروة. ثم لحقا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسلما، فقال لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): توليا من شئما. قالا: نتولى الله ورسوله. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): وخالكما أبو سفيان بن حرب، حالفاه. ففعلا، ونزلا على المغيرة بن شعبة، وأقاما بالمدينة حتى قدم وفد ثقيف في رمضان سنة تسع.
قالوا: وكان عمرو بن أمية أحد بني علاج، وكان من أدهى العرب، وأنكرهم، وكان مهاجراً لعبد يا ليل بن عمرو، وتمشى إلى عبد يا ليل ظهراً حتى دخل داره، ثم أرسل إليه: إن عمراً بقول: اخرج إلى! فلما جاء الرسول إلى عبد يا ليل قال: ويحك! عمرو أرسلك؟ قال: نعم، وهو واقف في الدار. وكان عبد يا ليل يجب صلحه ويكره أن يمشي إليه، فقال عبد يا ليل: إن هذا لشئ ما كنت أظنه بعمرو، وما هو إلا عن أمرٍ قد حدث وكان أمراً سوءًا، ما لم يكن من ناحية محمد. فخرج إليه عبد يا ليل، فلما رآه رحب به، فقال عمرو: قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة، إنه قد كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت، وقد أسلمت العرب كلها وليست لكم بهم طاقة؛ وإنما نحن في حصننا هذا، ما بقاؤنا فيه وهذه أطرافنا تصاب! ولا نأمن من أحدٍ منا يخرج شبراً واحداً من حصننا هذا، فانظروا في أمركم! قال عبد يا ليل: قد والله رأيت ما رأيت، فما استطعت أن أتقدم بالذي تقدمت به، وإن الحزم والرأي الذي في يديك. قال: فائتمرت ثقيف بينها، واقل بعضهم لبعض: ألا ترون أنه لا يأمن لكم سرب، ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع؟ فائتمروا بينهم، فأرادوا أن يرسلوا رسولاً إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما خرج عروة بن مسعود إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). قال: فابعثوا رأسكم عبد يا ليل. فكلموا عبد يا ليل بن عمرو بن حبيب، وكان سن عروة، فأبى أن يفعل، وخشى إن رجع إلى قومه مسلماً أن يصنع به إذا رجع من عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما صنع بعروة حتى يبعثوا معه رجالاً. فأجمعوا على رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك، فبعثوا مع بد يا ليل الحكن بن عمرو بن وهب بن معتب، وشر حبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب، وهؤلاء الأحلاف رهط. عروة. وبعثوا في بني مالك: عثمان بن أبي العاص، وأوس بن عوف، ونمير بن خرشة، ستة. ويقال: إن الوفد كانوا بضعة عشر رجلاً، فيهم سفيان بن عبد الله.
قالوا: فخرج بهم عبد يا ليل وهو رأسهم وصاحب أمرهم، ولكنه أحب إن رجعوا أن يسهل كل رجل رهطه، فلما كانوا بوادي قناة مما يلي دار حرض نزلوا، فيجدون نشراً من الإبل، فقال قائلهم: لو سألنا صاحب الإبل لمن الإبل، وخبرنا من خبر محمد. فبعثوا عثمان بن أبي العاص، فإذا هو المغيرة بن شعبة يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت رعيتها نوباً على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما رآهم سلم عليهم وترك الركاب عندهم، وخرج يشتد، يبشر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقدومهم: حتى انتهى إلى باب المسجد فيلقى أبا بكر الصديق رضي الله عنه فأخبره خبر قومه، فقال أبو بكر: أقسمت بالله عليك لا تسبقني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخبرهم حتى أكون أنا أخبره - وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ذكرهم ببعض الذكر - فأبشره بمقدمهم. فدخل أبو بكر رضي الله عنه على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره والمغيرة على الباب، ثم خرج إلى المغيرة فدخل المغيرة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مسرور، فقال: يا رسول الله، قد قدم قومي يريدون الدخول في الإسلام بأن تشرط لهم شروطاً، ويكتبون كتاباص على من وراءهم من قومهم وبلادهم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يسألون شرطاً ولا كتاباً أعطيته أحداً من الناس إلا أعطيتهم، فبشرهم! فخرج المغيرة راجعاً فخبرهم ما قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبشرهم وعلمهم كيف يحيون روسل الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكل ما أمرهم المغيرة فعلوا إلا التحية، فإنهم قالوا: أنعم صباحاً! ودخلوا المسجد فقال الناس: يا رسول الله، يدخلون المسجد وهم مشركون؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الأرض لا ينجسها شئ! وقال المغيرة بن شعبة: يا رسول الله، أنزل قومي على، وأكرمهم، فإني حديث الجرم فيهم. فقال: لا آمنك أن تكرم قومك.
وكان جرم المغيرة أنه خرج في ثلاثة عشر رجلاً من بني مالك، فقدموا على المقوقس فحيا بني مالك وجفاه وهو من الأحلاف، وكان معه رجلان الشريد ودمون؛ فلما كانوا بسباق وضعوا شراباً لهم فسقاهم المغيرة بيده، فجعل يخفف عن نفسه وينزع لبني مالك حتى ثملوا وناموا، فلما ناموا وثب إليهم ليقتلهم، فشرد الشريد منهم ليلتئذ؛ وفرق دمون أن يكون هذا سكراً منه فتغيب، فجعل يصيح: يا دمون! يا دمون! فلا دمون، فجعل يبكي، وخاف أن يكون قتله بعضهم، فطلع دمون فقال: أين كنت؟ قال: تغيبت حين رأيتك صنعت ببني مالك ما صنعت، فخشيت أن يكون ذلك ذهاب عقل. قال: إنما صنعت ذلك بهم لما حياهم المقوقس وجفاني. ثم أقبل بأموالهم حتى أتبى بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخبره الخبر، فقال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أخمس هذه الأموال. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لسنا نغدر، ولا ينبغي لنا الغدر! فأبى أن يخمس أموالهم.
وأنزل المغيرة ثقيفاً في داره بالبقيع، وهي خطة خطها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له، فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيمات ثلاثٍ من جريدٍ فضربت في المسجد، فكانوا يسمعون القراءة بالليل وتهجد أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وينظرون إلى الصفوف في الصلاة المكتوبة، ويرجعون إلى منزل المغيرة فيطعمون ويتوضأون، ويكونون فيه ما أرادوا، وهم يختلفون إلى المسجد. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجري لهم الضيافة في دار المغيرة، وكانوا يسمعون خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يسمعونه يذكر نفسه، فقالوا: أمرنا بالتشهد أنه رسول الله ولا يشهد به في خطبته! فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قولهم قال: أنا أول من شهد أني رسول الله! ثم قام فخطب وشهد أنه رسول الله في خطبته. فمكثوا على هذا أياماً يغدون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كل يوم، يخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم، وكان أصغرهم، فكان إذا رجعوا إليه وناموا بالهاجرة خرج فعمد إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله عن الدين واستقرأه القرآن، وأسلم سراً من أصحابه، فاختلف إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مراراً حتى فقه، وسمع القرآن، وقرأ من القرآن سوراً من في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا وجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نائماً عمد إلى أبي بكر رضي الله عنه فسأله واستقرأه - ويقال: إذا وجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نائماً جاء إلى أبي بن كعب فاستقرأه - فبايع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الإسلام قبل الوفد القضية، وكم ذلك عثمان من أصحابه، وأعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) به، وأحبه. فمكث الوفد أياماً يختلفون إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والنبي يدعوهم إلى الإسلام، فقال له عبد يا ليل: هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى أهلنا وقومنا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بين وبينكم! قال عبد يا ليل: أرأيت الزنا؟ فإنا قوم عزاب بغربٍ، لا بد لنا منه، ولا يصبر أحدنا على العزبة. قال: هو مما حرم الله على المسلمين؛ يقول الله تعإلى: " ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً " .قال: أرأيت الربا؟ قال: الربا حرام! قال: فإن أموالنا كلها رباً. قال: لكم رءوس أموالكم؛ يقول الله تعإلى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين " . قال: أفرأيت الخمر؟ فإنها عصير أعنابنا، لابد لنا منها. قال: فإن الله قد حرمها! ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الاية: " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام.. " الآية. قال: فارتفع القوم، وخلا بعضهم ببعض، فقال عبد يا ليل: ويحكم! نرجع إلى قومنا بتحريم هذه الخصال الثلاث! والله، لا تصبر ثقيف عن الخمر أبداً، ولا عن الزنا أبداً. قال سفيان ابن عبد الله: أبها الرجل، إن يرد الله بها خيراً تصبر عنها! قد كان هؤلاء الذين معه على مثل هذا، فصبروا وتركوا ما كانوا عليه؛ مع أنا نخاف هذا الرجل، قد أوطأ الأرض غلبة ونحن في حصنٍ في ناحية من الأرض، والإسلام حولنا فاش، والله لو قام على حصننا شهراً لمتنا جوعاً؛ وما أرى إلا الإسلام، وأنا أخاف يوماً مثل يوم مكة!
وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى كتبوا الكتاب، كان خالد هو الذي كتبه. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرسل إليهم بالطعام، فلا يأكلون منه شيئاً حتى يأكل منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أسلموا. قالوا: أرأيت الربة، ما ترى فيها؟ قال: هدمها. قالوا: هيهات! لو تعلم الربة أنا أوضعنا في هدمها قتلت أهلنا. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ويحك يا عبد يا ليل! إن الربة حجر لا يدري من عبده ممن لا يعبده. قال عبد يا ليل: إنا لم نأتك يا عمر! فأسلموا، وكمل الصلح، وكتب ذلك الكتاب خالد بن سعيد. فلما كمل الصلح كلموا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدع الربة ثلاث سنين لا يهدمها، فأبى. قالوا: سنتين! فأبى. قالوا: سنة! فأبى. قالوا: شهراً واحداً! فأبى أن يوقت لهم وقتاً. وإنما يريدون بترك الربة لما يخافون من سفهائهم والنساء والصبيان، وكرهوا أن يروعوا قومهم بهدمها، فسألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعفيهم من هدمها. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم، أنا أبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمانها. واستعفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكسروا أصنامهم بأيديهم. وقال: أنا آمر أصحابي أن يكسروها. وسألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعفيهم من الصلاة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا خير في دينٍ لا صلاة فيه. فقالوا: يا محمد، أما الصلاة فسنصلى، وأما الصيام فسنصوم. وتعلموا فرائض الإسلام وشرائعه، وأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصرموا ما بقي من الشهر، وكان بلال يأتيهم بفطرهم. ويخيل إليهم أن الشمس لم تغب فيقولون: يا بلال، ما غاب الشمس بعد. فيقول بلال: ما جئتكم حتى أفطر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فكان الوفد يحفظون هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من تعجيل فطره. وكان بلال يأتيهم بسحورهم، قال: فأسترهم من الفجر، فلما أرادوا الخروج قالوا: يا رسول الله، أمر علينا رجلاً منا يؤمنا. فأمر عليهم عثمان بن أبي العاص، وهو أصغرهم، لما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حرصه على الإسلام. قال عثمان: وكان آخر عهدٍ عهده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن اتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً، وإذا أممت قوما فاقدرهم بأضعفهم، وإذا صليت لنفسك فأنت وذاك. ثم خرج الوفد عامدين إلى الطائف، فلما دنوا من ثقيف قال عبد يا ليل: أنا أعلم الناس بثقيف فاكتموها القضية، وخرفوهم بالحرب والقتال، وأخبروهم أن محمداً سألنا أموراً عظمناها فأبيناها عليه، يسألنا تحريم الزنا والخمر، وأن نبطل أموالنا في الربا، وأن نهدم الربة. وخرجت ثقيف حين دنا الوفد، فلما رآهم الوفد ساروا العنق وقطروا الإبل، وتغشوا بثيابهم كهيئة القوم قد حزنوا وكربوا، فلم يرجعوا بخيرٍ. فلما رأت ثقيف ما في وجوه القوم حزنوا وكربوا، فقال بعضهم: ما جاء وفدكم بخير! ودخل الوفد، فكان أول ما بدأوا به على اللات، فقال القوم حين نزل الوفد إليها، وكانوا كذلك يفعلون، فدخل القوم وهم مسلمون فنظروا فيما خرجوا يدرأون به عن أنفسهم، وقالت ثقيف: كأنهم لم يكن لهم بها عهد ولا برؤيتها! ثم رجع كل واحد منهم إلى أهله، وأتى رجالاً منهم جماعة من ثقيف فسألوهم: ماذا رجعتم به؟ وقد كان والوفد قد استأذنوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينالوا منه فرخص لهم، فقالوا: جئناكم من عند رجلٍ فظ غليظ، يأخذ من أمره ما شاء، قد ظهر بالسيف، وأداخ العرب، ودان له الناس، ورعبت منه بنو الأصفر في حصونهم، والناس فيه؛ إما راغب في دينه، وإما خائف من السيف، فعرض علينا أموراً شديدة أعظمناها، فتركناها عليه؛ حرم علينا الزنا، والخمر، والربا، وأن نهدم الربة. فقالت ثقيف: لا نفعل هذا أبداً. فقال الوفد: لعمري قد كرهنا ذلك وأعظمناه، ورأينا أنه لم ينصفنا؛ فأصلحوا سلاحكم، ورموا حصنكم، وانصبوا العرادات عليه والمنجنيق، وأدخلوا طعام سنة أو سنتين في حصنكم، لا يحاصركم أكثر من سنتين، واحفروا خندقاً من وراء حصنكم، وعاجلوا ذلك فإن أمره قد ظل لا نأمنه. فمكثوا بذلك يوماً أو يومين يريدون القتال، ثم أدخل الله تبارك وتعإلى في قلوبهم الرعب فقالوا: ما لنا به طاقة، قد لداخ العرب كلها، فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل وصالحوه، واكتبوا بينكم وبينه كتاباً قبل أن يسير إلينا ويبعث الجيوش. فلما رأى الوفد أن قد سلموا بالقضية، ورعبوا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورغبوا في الإسلام، واختاروا الأمن على الخوف، قال الوفد: فإنا قد قاضيناه، وأعطانا ما أحببناه، وشرط لنا ما أردنا،ووجدناه أتقى الناس، وأبر الناس، وأوصل الناس، وأوفى الناس، وأصدق الناس، وأرحم الناس، وقد تركنا من هدم الربة وأبينا أن نهدمها، وقال: أبعث من يهدمها، وهو يبعث من يهدمها. قال: يقول شيخ من ثقيف قد بقي في قلبه من الشرك بعد بقية: فذاك والله مصداق ما بيننا وبينه؛ إن قدر على هدمها فهو محق ونحن مبطلون، وإن امتنعت ففي النفس من هذا بعد شئ! فقال عثمان بن العاص: منتك نفسك. الباطل وغرتك الغرور! وما الربة؟ وما تدري الربة من عبدها ومن لم يعبدها؟ كما كانت العزى ما تدري من عبدها ومن لم يعبدها؛ جاءها خالد بن الوليد وحده فهدمها؛ وكذلك إساف، ونائلة، وهبل، ومناة، خرج إليها رجل واحد فهدمها؛ وسواع، خرج إليه رجل واحد فهدمه! فهل امتنع شئ منهم؟ قال الثقفي: إن الربة لا تشبه شيئاً مما ذكرت. قال عثمان: سترى!
وأقام أبو سفيان والمغيرة بن شعبة يومين أو ثلاثة، ثم خرجوا وقد تحكم أبو مليح بن عروة، وقارب بن الأسود، وهما يريدان يسيران مع أبي سفيان، والمغيرة إلى هدم الربة، فقال أبو مليح: يا رسول الله، إن أبي قتل وعليه دين، مائتا مثقال ذهب، فإن رأيت أن تقضيه من حلى الربة فعلت. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم فقال قارب بن الأسود: يا رسول الله، وعن الأسود بن مسعود أبي، فإنه قد ترك ديناً مثل دين عروة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الأسود مات وهو كافر. فقال قارب: تصل به قرابة، إنما الدين على وأنا مطلوب به. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا أفعل. فقضي عن عروة، والأسود، دينهما من مال الطاغية. وخرج أبو سفيان والمغيرة وأصحابهما لهدم الربة، فلما دنوا من الطائف قال لأبي سفيان: تقدم فادخل لأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال أبو سفيان بماله ذي الهرم، ودخل المغيرة في بضعة عشر رجلاً يهدمونها. فقال المغيرة لأصحابه الذين قدموا معه: لأضحكنكم اليوم من ثقيف. فأخذ المعول واستوى على رأس الربة ومعه المعول، وقام قومه بنو معتب دونه، معهم السلاح مخافة أن يصاب كما فعل بعمه عروة بن مسعود. وجاء أبو سفيان وهو على ذلك فقال: كلا! زعمت تقدمني أنت إلى الطاغية، تراني لو قمت أهدمها كانت بنو معتب تقوم دوني؟ قال المغيرة: إن القوم قد واضعوهم هذا قبل أن تقدم، فأحبوا الأمن على الخوف. وقد خرج نساء ثقيف حسرا يبكين على الطاغية، والعبيد، والصبيان، والرجال منكشفون، والأبكار خرجن. فلما ضرب المغيرة ضربة بالمعول سقط مغشياً عليه يرتكض، فصاح أهل الطائف صيحة واحدة: كلا! زعمتم أن الربة لا تمتنع؛ بلى والله لتمتنعن! وأقام المغيرة مليا وهو على حاله تلك، ثم استوى جالساً فقال: يا معشر ثقيف، كانت العرب تقول: ما من حي من أحياء العرب أعقل من ثقيف، وما من حي من أحياء العرب أحمق منكم! ويحكم، وما اللات والعزى، وما الربة؟ حجر مثل هذا الحجر، لا يدرى من عبده ومن لم يعبده! ويحكم، أتسمع اللات أو تبصر أو تنفع أو تضر؟ ثم هدمها وهدم الناس معه، فجعل السادن يقول وكانت سدنة اللات من ثقيف بنو العجلان بن عتاب بن مالك، وصاحبها منهم عتاب بن مالك بن كعب ثم بنوه بعده - يقول: سترون إذا انتهى إلى أساسها، يغضب الأساس غضباً يخسف بهم. فلما سمع بذلك المغيرة ولى حفر الأساس حتى بلغ نصف قامة، وانتهى إلى الغبغب خزانتها، وانتزعوا حليتها وكسوتها وما فيها من طيب ومن ذهب أو فضة. قال: تقول عجوز منهم: أسلمها الرضاع، وتركوا المصاع! وأعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما وجد فيها أبا مليح، وقارباً وناساً، وجعل في سبيل الله وفي السلاح منها، ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتب لثقيف: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من النبي رسول الله إلى المؤمنين؛ إن عضاه وج وصيده لا يعضد، ومن وجد يفعل ذلك يجلد وتنزع ثيابه، فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ محمداً، فإن هذا أمر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وكتب خالد بن سعيد بأمر النبي الرسول محمد ابن عبد الله. فلا يتعداه أحد، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ونهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قطع عضاه وج وعن صيده، وكان الرجل يوجد يفعل ذلك فتنزع ثيابه. واستعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حمى وج سعد بن أبي وقاص.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|