أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-9-2016
2224
التاريخ: 22-9-2016
2452
التاريخ: 12-2-2021
1885
التاريخ: 22-12-2020
3335
|
غزوة بني النضير
في ربيع الأول، على رأس سبعةٍ وثلاثين شهراً من مهاجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).
حدثني محمد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر، ومحمد بن صالح، ومحمد بن يحيى بن سهل، وابن أبي حبيبة، ومعمر بن راشد، في رجالٍ ممن لم أسمهم، فكلٌّ قد حدثني ببعض هذا الحديث، وبعض القوم كان أوعى له من بعض، وقد اجتمعت كل الذي حدثوني، قالوا: أقبل عمرو ابن أمية من بئر معونة حتى كان بقناة، فلقي رجلين من بني عامر فنسبهما فانتسبا، فقابلهما حتى إذا ناما وثب عليهما فقتلهما. ثم خرج حتى ورد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من ساعته في قدر حلب شاة، فأخبره خبرهما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): بئس ما صنعت، قد كان لهما منا أمانٌ وعهد! فقال: ما شعرت، كنت أراهما على شركهما، وكان قومهما قد نالوا منا ما نالوا من الغدر بنا. وجاء بسلبهما، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فعزل سلبهما حتى بعث به مع ديتهما. وذلك أن عامر بن الطفيل بعث إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): إن رجلاً من أصحابك قتل رجلين من قومي، ولهما منك أمانٌ وعهد، فابعث بديتهما إلينا. فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى بني النضير يستعين في ديتهما، وكانت بنو النضير حلفاء لبني عامر. فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم السبت فصلى في مسجد قباء ومعه رهطٌ من المهاجرين والأنصار، ثم جاء بني النضير فيجدهم في ناديهم، فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه، فكلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتهما عمرو بن أمية، فقالوا: نفعل، يا أبا القاسم، ما أحببت. قد أني لك أن تزورنا وأن تأتينا اجلس حتى نطعمك! ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مستندٌ إلى بيتٍ من بيوتهم، ثم خلا بعضهم إلى بعضٍ فتناجوا، فقال حيي بن أخطب: يا معشر اليهود، قد جاءكم محمد في نفيرٍ من أصحابه لا يبلغون عشرة ومعه أبو بكر، وعمر، وعلي، والزبير، وطلحة، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وسعد بن عبادة، فاطرحوا عليه حجارةً من فوق هذا البيت الذي تحته فاقتلوه، فلن تجدوه أخلى منه الساعة! فإنه إن قتل تفرق أصحابه، فلحق من كان معه من قريش بحرمهم، وبقي من ها هنا من الأوس والخزرج حلفاؤكم، فما كنتم تريدون أن تصنعوا يوماً من الدهر فمن الآن! فقال عمرو بن جحاش: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة. قال سلام بن مشكم: يا قوم، أطيعوني هذه المرة وخالفوني الدهر! والله إن فعلتم ليخبرن بأنا قد غدرنا به، وإن هذا نقض العهد الذي بيننا وبينه، فلا تفعلوا! ألا فوالله لو فعلتم الذي تريدون ليقومن بهذا الدين منهم قائم إلى يوم القيامة، يستأصل اليهود ويظهر دينه! وقد هيأ الصخرة ليرسلها على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ويحدرها، فلما أشرف بها جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الخبر من السماء بما هموا به، فنهض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سريعاً كأنه يريد حاجة، وتوجه إلى المدينة وجلس أصحابه يتحدثون وهم يظنون أنه قام يقضي حاجة، فلما يئسوا من ذلك قال أبو بكر: ما مقامنا ها هنا بشيءٍ، لقد وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأمر. فقاموا، فقال حيي: عجل أبو القاسم! قد كنا نريد أن نقضي حاجته ونغديه. وندمت اليهود على ما صنعوا، فقال لهم كنانة بن صويراء: هل تدرون لم قام محمد؟ قالوا: لا والله، ما ندري وما تدري أنت! قال: بلى والتوراة، إني لأدري، قد أخبر محمدٌ ما هممتم به من الغدر، فلا تخدعوا أنفسكم، والله إنه لرسول الله، وما قام إلا أنه أخبر بما هممتم به. وإنه لآخر الأنبياء، كنتم تطمعون أن يكون من بني هارون فجعله الله حيث شاء. وإن كتبنا والذي درسنا في التوراة التي لم تغير ولم تبدل أن مولده بمكة ودار هجرته يثرب، وصفته بعينها ما تخالف حرفاً مما في كتابنا، وما يأتيكم به أولى من محاربته إياكم، ولكأني أنظر إليكم ظاعنين، يتضاغى صبيانكم، قد تركتم دوركم خلوفاً وأموالكم، وإنما هي شرفكم، فأطيعوني في خصلتين، والثالثة لا خير فيها! قالوا: ما هما؟ قال: تسلمون وتدخلون مع محمد، فتأمنون على أموالكم وأولادكم، وتكونون من علية أصحابه، وتبقى بأيديكم أموالكم، ولا تخرجون من دياركم. قالوا: لا نفارق التوراة وعهد موسى! قال: فإنه مرسل إليكم: اخرجوا من بلدي، فقولوا نعم فإنه لا يستحل لكم دماً ولا مالاً وتبقى أموالكم، إن شئتم بعتم، وإن شئتم أمسكتم. قالوا: أما هذا فنعم. قال: أما
والله إن الأخرى خيرهن لي. قال: أما والله لولا أني أفضحكم لأسلمت. ولكن والله لا تعير شعثاء بإسلامي أبداً حتى يصيبني ما أصابكم وابنته شعثاء التي كان حسان ينسب بها. فقال سلام بن مشكم: قد كنت لما صنعتم كارهاً، وهو مرسلٌ إلينا أن اخرجوا من داري، فلا تعقب يا حيي كلامه، وأنعم له بالخروج، فاخرج من بلاده! قال: أفعل، أنا أخرج! والله إن الأخرى خيرهن لي. قال: أما والله لولا أني أفضحكم لأسلمت. ولكن والله لا تعير شعثاء بإسلامي أبداً حتى يصيبني ما أصابكم وابنته شعثاء التي كان حسان ينسب بها. فقال سلام بن مشكم: قد كنت لما صنعتم كارهاً، وهو مرسلٌ إلينا أن اخرجوا من داري، فلا تعقب يا حيي كلامه، وأنعم له بالخروج، فاخرج من بلاده! قال: أفعل، أنا أخرج!
فلما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة تبعه أصحابه، فلقوا رجلاً خارجاً من المدينة فسألوه: هل لقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)؟ قال: لقيته بالجسر داخلاً. فلما انتهى أصحابه إليه وجدوه قد أرسل إلى محمد ابن مسلمة يدعوه، فقال أبو بكر: يا رسول الله، قمت ولم نشعر. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): همت اليهود بالغدر بي، فأخبرني الله بذلك فقمت. وجاء محمد بن مسلمة فقال: اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم، إن رسول الله أرسلني إليكم ان اخرجوا من بلده فلما جاءهم قال: إن رسول الله أرسلني برسالة، ولست أذكرها لكم حتى أعرفكم شيئاً تعرفونه. قال: أنشدكم بالتوراة التي أنزل الله على موسى، هل تعلمون أني جئتكم قبل أن يبعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وبينكم التوراة، فقلتم لي في مجلسكم هذا: يا ابن مسلمة، إن شئت أن نغديك غديناك، وإن شئت أن نهودك هودناك. فقلت لكم: غدوني ولا تهودوني، فإني والله لا أتهود أبداً! فغديتموني في صحفةٍ لكم، والله لكأني انظر إليها كانها جزعة، فقلتم لي: ما يمنعك من ديننا إلا أنه دين يهود. كأنك تريد الحنيفية التي سمعت بها، أما إن أبا عامر قد سخطها وليس عليها، أتاكم صاحبها الضحوك القتال، في عينيه حمرة، يأتي من قبل اليمن، يكرب البعير ويلبس الشملة، ويجتزي بالكسرة، سيفه على عاتقه، ليست معه آية، هو ينطق بالحكمة، كأنه وشيجتكم هذه، والله ليكونن بقريتكم هذه سلب وقتل ومثل! قالوا: اللهم نعم، قد قلناه لك ولكن ليس به. قال: قد فرغت، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أرسلني إليكم يقول لكم: قد نقضتم العهد الذي جعلت لكم بما هممتم به من الغدر بي! وأخبرهم بما كانوا ارتأوا من الرأي وظهور عمرو بن جحاش على البيت يطرح الصخرة، فأسكتوا فلم يقولوا حرفاً. ويقول: اخرجوا من بلدي، فقد أجلتكم عشراً فمن رئى بعد ذلك ضربت عنقه! قالوا: يا محمد، ما كنا نرى أن يأتي بهذا رجلٌ من الأوس. قال محمد: تغيرت القلوب. فمكثوا على ذلك أياماً يتجهزون وأرسلوا إلى ظهرٍ لهم بذى الجدر تجلب، وتكاروا من ناسٍ من أشجع إبلاً وأخذوا في الجهاز. فبينما هم على ذلك إذ جاءهم رسول ابن أبي، أتاهم سويد وداعس فقالا: يقول عبد الله بن أبي: لا تخرجوا من دياركم وأموالكم، وأقيموا في حصونكم، فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب، يدخلون معكم حصنكم فيموتون من آخرهم قبل أن يوصل إليكم، وتمدكم قريظة فإنهم لن يخذلوكم، ويمدكم حلفاؤكم من غطفان. وأرسل ابن أبي إلى كعب بن أسد يكلمه أن يمد أصحابه فقال: لا ينقض من بني قريظة رجلٌ واحدٌ العهد. فيئس ابن أبي من قريظة وأراد أن يلحم الأمر فيما بين بني النضير ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فلم يزل يرسل إلى حيي حتى قال حيي: أنا أرسل إلى محمدٍ أعلمه أنا لا نخرج من دارنا وأموالنا، فليصنع ما بدا له. وطمع حيي فما قال ابن أبي، وقال حيي: نرم حصوننا، ثم ندخل ماشيتنا، وندرب أزقتنا، وننقل الحجارة إلى حصوننا، وعندنا من الطعام ما يكفينا سنة، وماءنا واتن في حصوننا لا نخاف قطعه. فترى محمداً يحصرنا سنة؟ لا نرى هذا. قال سلام بن مشكم: منتك نفسك والله يا حيي الباطل، إني والله لولا أن يسفه رأيك أو يزرى بك لاعتزلتك بمن أطاعني من اليهود، فلا تفعل يا حيي، فوالله إنك لتعمل ونعلم معك أنه لرسول الله وأن صفته عندنا، فإن لم نتبعه وحسدناه حيث خرجت النبوة من بني هارون! فتعال فنقبل ما أعطانا من الأمن ونخرج من بلاده، فقد عرفت أنك خالفتني في الغدر به، فإذا كان أوان الثمر جئنا أو جاء من جاء منا إلى ثمره فباع أو صنع ما بدا له، ثم انصرف إلينا فكأنا لم نخرج من بلادنا إذا كانت أموالنا بأيدينا، إنا إنما شرفنا على قومنا بأموالنا وفعالنا، فإذا ذهبت أموالنا من أيدينا كنا كغيرنا من اليهود في الذلة والإعدام. وإن محمداً إن سار إلينا فحصرنا في هذه الصياصي يوماً واحداً، ثم عرضنا عليه ما أرسل به إلينا، لم يقبله وأبى علينا. قال حيي: إن محمداً لا يحصرنا إلا إن أصاب منا نهزة، وإلا انصرف، وقد وعدني ابن أبي ما قد رأيت. فقال سلام: ليس قول ابن أبي بشيءٍ، إنما يريد ابن أبي أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمداً، ثم يجلس في بيته ويتركك. قد أراد من كعب بن أسد النصر فأبى كعب وقال: لا ينقض العهد رجلٌ من بني قريظة وأنا حيٌّ.
وإلا فإن ابن أبي قد وعد حلفاءه من بني قينقاع مثل ما وعدك حتى حاربوا ونقضوا العهد، وحصروا أنفسهم في صياصيهم وانتظروا نصرة ابن أبي، فجلس في بيته وسار محمد إليهم، فحصرهم حتى نزلوا على حكمه، فابن أبي لا ينصر حلفاءه ومن كان يمنعه من الناس كلهم، ونحن لم نزل نضربه بسيوفنا مع الأوس في حربهم كلها، إلى أن تقطعت حربهم فقدم محمد فحجز بينهم. وابن أبي لا يهودي على دين يهود، ولا على دين محمد، ولا هو على دين قومه، فكيف تقبل منه قولاً قاله؟ قال حيي: تأبى نفسي إلا عداوة محمدا وإلا قتاله. فإن ابن أبي قد وعد حلفاءه من بني قينقاع مثل ما وعدك حتى حاربوا ونقضوا العهد، وحصروا أنفسهم في صياصيهم وانتظروا نصرة ابن أبي، فجلس في بيته وسار محمد إليهم، فحصرهم حتى نزلوا على حكمه، فابن أبي لا ينصر حلفاءه ومن كان يمنعه من الناس كلهم، ونحن لم نزل نضربه بسيوفنا مع الأوس في حربهم كلها، إلى أن تقطعت حربهم فقدم محمد فحجز بينهم. وابن أبي لا يهودي على دين يهود، ولا على دين محمد، ولا هو على دين قومه، فكيف تقبل منه قولاً قاله؟ قال حيي: تأبى نفسي إلا عداوة محمدا وإلا قتاله.
قال سلام: فهو والله جلاونا من أرضنا، وذهاب أموالنا، وذهاب شرفنا، أو سباء ذرارينا مع قتل مقاتلينا. فأبى حيي إلا محاربة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال له ساروك بن أبي الحقيق وكان ضعيفاً عندهم في عقله كأن به جنة يل حيي، أنت رجل مشئوم، تهلك بني النضير! فغضب حيي وقال: كل بني النضير قد كلمني حتى هذا المجنون. فضربه إخوته وقالوا لحيي: أمرنا لأمرك تبعٌ، لن نخالفك.
فأرسل حيي أخاه بن أخطب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): إنا لا نبرح من دارنا وأموالنا، فاصنع ما أنت صانع. وأمره أن يأتي ابن أبي فيخبره برسالته إلى محمد، ويأمره بتعجيل ما وعد من النصر. فذهب جدي بن أخطب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالذي أرسله حيي، فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو جالسٌ في أصحابه فأخبره، فأظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) التكبير، وكبر المسلمون لتكبيره، وقال: حاربت اليهود! وخرج جدي حتى دخل على ابن أبي وهو جالسٌ في بيته مع نفيرٍ من حلفائه، وقد نادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يأمرهم بالمسير إلى بني النضير، فيدخل عبد الله بن عبد الله بن أبي على عبد الله أبيه وعلى النفر معه، وعنده جدي بن أخطب، فلبس درعه وأخذ سيفه فخرج يعدو، فقال جدي: لما رأيت ابن أبي جالساً في ناحية البيت وابنه عليه السلاح، يئست من نصره فخرجت أعدو إلى حيي، فقال: ما وراءك؟ قلت: الشر! ساعة أخبرت محمداً بما أرسلت به إليه أظهر التكبير وقال حاربت اليهود. فقال: هذه مكيدة منه. قال: وجئت ابن أبي فأعلمته، ونادى منادي محمد بالمسير إلى بني النضير. قال: وما رد عليك ابن أبي؟ فقال جدي: لم أر عنده خيراً. قال: أنا أرسل إلى حلفائي فيدخلون معكم. وسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أصحابه فصلى العصر بفضاء بني النضير، فلما رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه قاموا على جدر حصونهم، معهم النبل والحجارة. واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم بسلاحٍ ولا رجال ولم يقربوهم. وجعلوا يرمون ذلك اليوم بالنبل والحجارة حتى أظلموا، وجعل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقدمون، من كان تخلف في حاجته، حتى تتاموا عند صلاة العشاء، فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) العشاء رجع إلى بيته في عشرة من أصحابه، عليه الدرع وهو على فرسٍ. وقد استعمل علياً عليه السلام على العسكر، ويقال أبا بكر رضي الله عنه. وبات المسلمون يحاصرونهم، يكبرون حتى أصبحوا، ثم أذن بلالٌ بالمدينة، فغدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أصحابه الذين كانوا معه، فصلى بالناس بفضاء بني خطمة. واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وحملت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبةٌ من أدم.
وحدثني يحيى بن عبد العزيز قال: كانت القبة من غربٍ عليها مسوح، أرسل بها سعد بن عبادة، فأمر بلالاً فضربها في موضع المسجد الصغير الذي بفضاءٍ بني خطمة، ودخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) القبة. وكان رجل من اليهود يقال له عزوك، وكان أعسر رامياً، فرمى فبلغ نبله قبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فأمر بقبته فحولت إلى مسجد الفضيخ وتباعدت من النبل.
وأمسوا فلم يقربهم ابن أبي ولا أحدٌ من حلفائه وجلس في بيته، ويئست بنو النضير من نصره، وجعل سلام بن مشكم وكنانة بن صويراء يقولان لحيي: أين نصر ابن أبي كما زعمت؟ قال حيي: فما أصنع؟ هي ملحمة كتبت علينا. ولزم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الدرع وبات، وظل محاصرهم، فلما كان ليلة من الليالي فقد علي بن أبي طالب عليه السلام حين قرب العشاء، فقال الناس: ما نرى علياً يا رسول الله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): دعوه، فإنه في بعض شأنكم! فلم يلبث أن جاء برأس عزوك، فطرحه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا رسول الله، إني كمنت لهذا الخبيث فرأيت رجلاً شجاعاً، فقلت: ما أجرأه أن يخرج إذا أمسينا يطلب منا غرة. فأقبل مصلتاً سيفه في نفرٍ من اليهود، فشددت عليه فقتلته، وأجلى أصحابه ولم يبرحوا قريباً، فإن بعثت معي نفراً رجوت أن أظفر بهم. فبعث معه أبا دجانة، وسهل بن حنيف في عشرة من أصحابه، فأدركوهم قبل أن يدخلوا حصنهم، فقتلوهم وأتوا برءوسهم، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) برءوسهم فطرحت في بعض بئار بني خطمة.
وكان سعد بن عبادة يحمل التمر إلى المسلمين، فأقاموا في حصنهم، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالنخل فقطعت وحرقت. واستعمل على قطعها رجلين من أصحابه: أبا ليلى المازني، وعبد الله بن سلام، فكان أبو ليلى يقطع العجوة، وكان عبد الله بن سلام يقطع اللون، فقيل لهما في ذلك فقال أبو ليلى: كانت العجوة أحرق لهم. وقال ابن سلام: قد عرفت أن الله سيغنمه أموالهم، وكانت العجوة خير أموالهم، فنزل في ذلك رضاءً بما صنعنا جميعاً.. " ما قطعتم من لينةٍ " ألوان النخل، للذي فعل ابن سلام، " أو تركتموها قائمةً على أصولها " يعني العجوة، " فبإذن الله " وقطع أبو ليلى العجوة " وليخزى الفاسقين " يعني بني النضير، رضاءً من الله بما صنع الفريقان جميعاً، فلما قطعت العجوة شق النساء الجيوب، وضربن الخدود، ودعون بالويل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): ما لهن؟ قفيل: يجزعن على قطع العجوة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): إن مثل العجوة جزع عليه. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): العجوة والعتيق الفحل الذي يؤبر به النخل من الجنة، والعجوة شفاءٌ من السم. فلما صحن صاح بهن أبو رافع سلام: إن قطعت العجوة ها هنا، فإن لنا بخيبر عجوة. قالت عجوزٌ منهن: خيبر، يصنع بها مثل هذا! فقال أبو رافع: فض الله فاك! إن حلفائي بخيبر لعشرة آلاف مقاتل. فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قوله فتبسم. وجزعوا على قطع العجوة فجعل سلام بن مشكم يقول: يا حيي، العذق خير من العجوة، يغرس فلا يطعم ثلاثين سنة يقطع! فأرسل حيي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): يا محمد، إنك كنت تنهي عن الفساد، لم تقطع النخل؟ نحن نعطيك الذي سألت؟ ونخرج من بلادك. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها ولكم ما حملت الإبل إلا الحلقة. فقال سلام: اقبل ويحك، قبل أن تقبل شراً من هذا! فقال حيي: ما يكون شراً من هذا؟ قال سلام: يسبى الذرية ويقتل المقاتلة مع الأموال، فالأموال اليوم أهون علينا إذا لحمنا هذا الأمر من القتل والسباء. فأبى حيي أن يقبل يوماً أو يومين، فلما رأى ذلك يامين بن عمير وأبو سعد ابن وهب قال أحدهما لصاحبه: وإنك لتعلم أنه لرسول الله، فما تنتظر أن نسلم فنأمن على دمائنا وأموالنا؟ فنزلا من الليل فأسلما فأحرزا دماءهما وأموالهما.
ثم نزلت اليهود على أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة، فلما أجلاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لابن يامين: ألم تر إلى ابن عمك عمرو ابن جحاش وما هم به من قتلى؟ وهو زوج أخته، كانت الرواع بنت عمير تحت عمرو بن جحاش. فقال ابن يامين: أنا أكفيكه يا رسول الله. فجعل لرجلٍ من قيس عشرة دنانير على أن يقتل عمرو بن جحاش، ويقال خمسة أوسق من تمر. فاغتاله فقلته، ثم جاء ابن يامين إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره بقتله، فسر بذلك.
وحاصرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خمسة عشر يوماً، فأجلاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من المدينة وولى إخراجهم محمد بن مسلمة. فقالوا: إن لنا ديوناً على الناس إلى آجال. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): تعجلوا وضعوا. فكان لأبي رافع سلام بن أبي الحقيق على أسيد ابن حضير عشرون ومائة دينار إلى سنة، فصالحه على أخذ رأس ماله ثمانين ديناراً، وأبطل ما فضل. وكانوا في حصارهم يخربون بيوتهم مما يليهم، وكان المسلمون يخربون ما يليهم ويحرقون حتى وقع الصلح، فتحملوا، فجعلوا يحملون الخشب ونجف الأبواب. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لصفية بنت حيي: لو رأيتني وأنا أشد الرحل لخالك بحرى بن عمرو وأجليه منها! وحملوا النساء والصبيان، فخرجوا على بلحارث بن الخزرج، ثم على الجبلية، ثم على الجسر حتى مروا بالمصلى، ثم شقوا سوق المدينة، والنساء في الهوادج عليهن الحرير والديباج، وقطف الخز الخضر والحمر، وقد صف لهم الناس، فجعلوا يمرون قطاراً في أثر قطار، فحملوا على ستمائة بعير، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش. وقال حسان بن ثابت وهو يراهم وسراة الرجال على الرحال: أما والله إن لقد كان عندكم لنائلٌ للمجتدى وقرى حاضر للضيف، وسقيا للمدام، وحلمٌ على من سفه عليكم، ونجدةٌ إذا استنجدتم. فقال الضحاك بن خليفة: واصباحاه، نفسي فداؤكم! ماذا تحملتم به من السؤدد والبهاء، والنجدة والسخاء؟ قال، يقول نعيم ابن مسعود الأشجعي: فدىً لهذه الوجوه التي كأنها المصابيح ظاعنين من يثرب. من للمجتدى الملهوف؟ ومن للطارق السغبان؟ ومن يسقى العقار؟ ومن يطعم الشحم فوق اللحم؟ ما لنا بيثرب بعدكم مقام. يقول أبو عبس ابن جبر وهو يسمع كلامه، نعم، فالحقهم حتى ندخل معهم البار. قال نعيم: ما هذا جزاؤهم منكم، لقد استنصرتموهم فنصروكم على الخزرج، ولقد استنصرتم سائر العرب فأبوا ذلك عليكم. قال أبو عبس: قطع الإسلام العهود. قال: ومروا يضربون بالدفوف ويزمرون بالمزامير، وعلى النساء المعصفرات وحلى الذهب، مظهرين ذلك تجلداً. قال، يقول جبار بن صخر: ما رأيت زهاءهم لقوم زالوا من دار إلى دار. ونادى أبو رافع سلام بن أبي الحقيق، ورفع مسك الجمل وقال: هذا مما نعده لخفض الأرض ورفعها، فإن يكن النخل قد تركناها فإنا نقدم على نخلٍ بخيبر.
فحدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعدي الخدري، عن أبيه، عن جده، قال: لقد مر يومئذٍ نساءٌ من نسائهم في تلك الهوادج قد سفرن عن الوجوه، لعلى لم أر مثل جمالهن لنساءٍ قط لقد رأيت الشقراء بنت كنانة يومئذٍ كأنها لؤلؤة غواص، والرواع بنت عمير مثل الشمس البازغه، في أيديهن أسورة الذهب، والدر في رقابهن. ولقى المنافقون عليهم يوم خرجوا حزناص شديداً، لقد لقيت زيد بن رفاعة بن التابوت وهو مع عبد الله بن أبي، وهو يناجيه في بني غنم وهو يقول: توحشت بيثرب لفقد بني النضير، ولكنهم يخرجون إلى عز وثروة من حلفائهم، وإلى حصون منيعة شامخة في رءوس الجبال ليست كما ها هنا. قال: فاستمعت عليهما ساعة، وكل واحد منهما غاشٌّ لله ولرسوله.
قالوا: ومرت في الظعن يومئذٍ سلمى صاحبة عروة بن الورد العبسي، وكان من حديثها أنها كانت امرأة من بني غفار، فسباها عروة من قومها فكانت ذات جمال، فولدت له أولاداً ونزلت منه منزلاً، فقالت له، وجعل ولده يعيرون بأمهم يا بني الأخيذة! فقالت: ألا ترى ولدك يعيرون؟ قال: فماذا ترين؟ قالت: تردني إلى قومي حتى يكونوا هم الذين يزوجونك. قال: نعم. فأرسلت إلى قومها أن القوه بالخمر ثم اتركوه حتى يشرب ويثمل، فإنه إذا ثمل لم يسأل شيئاً إلا أعطاه. فلقوه ونزل في بني النضير، فسقوه الخمر، فلما سكر سألوه سلمى فردها عليهم، ثم أنكحوه بعد. ويقال: إنما جاء بها إلى بني النضير وكان صعلوكاً يغير. فسقوه الخمر فلما انتشى منعوه، ولا شيء معه إلا هي، فرهنها فلم يزل يشرب حتى غلقت فلما صحا قال لها: انطلقي. قالوا: لا سبيل إلى ذلك، قد أغلقتها. فبهذا صارت عند بني النضير. قال عروة بن الورد:
سقوني الخمر ثم تكنفوني ... عداة الله من كذبٍ وزور
وقالوا لست بعد فداء سلمى ... بمغنٍ ما لديك ولا فقير
فلا والله لو كاليوم أمرى ... ومن لي بالتدبير في الأمور
إذاً لعصيتهم في أمر سلمى ... ولو ركبوا عضاه المستعور
أنشدينها ابن أبي الزناد.
حدثني أبو بكر بن عبد الله، عن المسور بن رفاعة قال: وقبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الأموال وقبض الحلقة، فوجد من الحلقة خمسين درعا،ً وخمسين بيضةً، وثلثمائة سيف، وأربعين سيفاً. ويقال غيبوا بعض سلاحهم وخرجوا به.وكان محمد بن مسلمة الذي ولى قبض الأموال والحلقة وكشفهم عنها. فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، ألا تخمس ما أصبت من بني النضير كما خمست ما أصبت من بدر؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): لا أجعل شيئاً جعله الله عز وجل لي دون المؤمنين! بقوله تعالى: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى.. " الآية، كهيئة ما وقع فيه السهمان للمسلمين. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثلاث صفياً، فكانت بنو النضير حبساً لنوائبه، وكانت فدك لابن السبيل، وكانت خيبر قد جزأها ثلاثة أجزاء فجزءان للمهاجرين وجزءٌ كان ينفق منه على أهله، فإن فضل رده على فقراء المهاجرين.
حدثني موسى بن عمر الحارثي، عن أبي عفير، قال: إنما كان ينفق على أهله من بني النضير، كانت له خالصة، فأعطى من أعطى منها وحبس ما حبس. وكان يزرع تحت النخل زرعاً كثيراً، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يدخل له منها قوت أهله سنةً من الشعير والتمر لأزوجه وبني عبد المطلب، فما فضل جعله في الكراع والسلاح، وإنه كان عند أبي بكر وعمر من ذلك السلاح الذي اشترى في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم). وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد استعمل على أموال بني النضير أبا رافع مولاه، وربما جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالباكورة منها، وكانت صدقاته منها ومن أموال مخيريق. وهي سبعة حوائط الميثب، والصافية، والدلال، وحسنى، وبرقة، والأعواف، ومشربة أم إبراهيم، وكانت أم إبراهيم تكون هناك، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يأتيها هناك. وقالوا إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما تحول من بني عمرو بن عوف إلى المدينة تحول أصحابه من المهاجرين، فتنافست فيهم الأنصار أن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم بالسهمان، فما نزل أحدٌ منهم على أحدٍ إلا بقرعة سهم.
فحدثني معمر، عن الزهري، عن خارجة بن زيد، عن أم العلاء، قالت: صار لنا عثمان بن مظعون في القرعة، وكان في منزلنا حتى توفى وكان المهاجرون في دورهم وأموالهم، فلما غنم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بني النضير دعا ثابت بن قيس بن شماس فقال: ادع لي قومك! قال ثابت: الخزرج يا رسول الله ؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): الأنصار كلها! فدا له الأوس والخزرج، فتكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين، وإنزالهم إياهم في منازلهم، وأثرتهم على أنفسهم، ثم قال: إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما أفاء الله علي من بني النضير، وكان المهاجريتن على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم. فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا: يا رسول الله، بل تقسيمه للمهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا. ونادت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول الله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار! فقسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما أفاء الله عليه، وأعطى المهاجرين ولم يعط أحداً من الأنصار من ذلك الفىء شيئا، إلا رجلين كانا محتاجين سهل بن حنيف، وأبا دجانة. وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق، وكان سيفاً له ذكرٌ عندهم. قالوا: وكان ممن أعطى ممن سمى لنا من المهاجرين أبو بكر الصديق رضي الله عنه بئر حجر، وأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بئر جرم، وأعطى عبد الرحمن ابن عوف سوالة وهو الذي يقال له مال سليم. وأعطى صهيب بن سنان الضراطة، وأعطى الزبير بن العوام وأبا سلمة بن عبد الأسد البويلة. وكان مال سهل بن حينف وأبي دجانة معروفاً، يقال له مال ابن خرشة، ووسع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الناس منها.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|