أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-21
824
التاريخ: 2024-04-15
928
التاريخ: 22-12-2014
2005
التاريخ: 17-10-2014
2375
|
تتعدّد المعاني اللّغويّة لمادّة (ن، ص، ص) فهي تدلّ على الرفع بنوعية الحسّي والمجرّد (1) ، وتدلّ كذلك على أقصى الشيء وغايته، ومنه نصّ الناقة أي استخرج أقصى سيرها (2) ، وعلى الاستقصاء أي الإحاطة ، وهو متّصل بالمعنى السابق ، ومنه (نصّ الرجل نصّا إذا سأله عن شيء حتّى يستقصي كلّ ما عنده) (3).
ومن دلالاتها كذلك الإظهار (4)، ولعلّه الجامع الذي ينتظم هذه الدلالات المتنوّعة كلّها. واستخدمت لفظة (النصّ) في علم الحديث بمعنى الإسناد والتوقيف والتعيين (5).
ويبدو أنّ الدلالة المركزيّة للكلمة وهي (الظهور والانكشاف) انتقلت إلى المعنى الاصطلاحي، وظلّت تتداول بهذه الدلالة في مجال العلوم الدينيّة كلّها تقريبا؛ فقد استخدم فقهاؤنا وعلماؤنا الأوائل كلمة النصّ بمعنى الكلام الثابت الواضح الذي لا يحتاج إلى تأويل. (6) واستخدموه أحيانا بمعنى المادّة المكتوبة كما نجده عند مكيّ بن أبي طالب في كتابه (الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه) (7)، وفي وقت متأخّر استعملت الكلمة للدلالة على ما اقتبس من كلام الآخرين.
ويمثل مصطلح (النصّ) إشكاليّة معقّدة وكبيرة في النقد الحديث، وذلك بسبب تداخله مع عدد من المصطلحات الأخرى كالخطاب والأثر وغيرها.
وقد حاول لسانيّان فرنسيّان هما " روبير لافون وفرانسواز مادري (R. Lafont) (F. C- Madray) " أن يتتبّعا هذا المصطلح منذ نشأته ، واستعمالاته في العصور المختلفة، فتوقفا عند سوسير ، واستعرضا جهود سبتزر(Spitzer) وريفاتير(Riffaterre) ، وكريستيفا (J. Kristeva) وبارت (Barthes Ronald) وجاكبسون (Jakobson) خاصّة فيما يتعلق بحديثه عن علاقة النصّ بالتواصل، كما أوضحا تطوّر مفهوم هذا المصطلح لدى أولئك الدارسين (8).
وهي دراسة تكشف- لا ريب- أبعادا مختلفة لتطوّر هذا المصطلح وآفاق رؤيته. كما يقدّم المعجم الموسوعي للسيميائيّة مجموعة من التعريفات الخاصّة بهذا المصطلح، (9) ومنها تعريفات عامّة وشاملة، وبعضها الآخر تعريفات خاصّة بهذا الناقد أو ذاك، وكلّ هذه التعريفات في هذا المعجم أو في غيره من المؤلفات تظهر درجة التباين العالية في هذا المجال، ممّا يعكس توجّهات معرفيّة ونظريّة مختلفة.
وإذا ما حاولنا استخلاص المقوّمات الجوهريّة الأساسيّة لمصطلح النص لدى أولئك اللّسانيّين واللّغويّين عبر دراساتهم المختلفة ، فإنّ المظهر الكتابي للنصّ يأتي أوّلا، فالنصّ هو" كلّ خطاب مثبّت بواسطة الكتابة " (10)
كما يعبّر عنه بول ريكور (.P Ricoeur) وقد حاول بعض اللّسانيين تجلية مفهوم النصّ من خلال مظهره الكتابي ، وذلك حين يأخذ النصّ شكل متوالية خطيّة ذات علاقة مرئيّة على الورق (shape graphic)
كما في دراسات شورت وليتش (M.H. Short) (M.G, Leech) (11) .
إنّ تجلّي النصّ في مظهر كتابي يضعنا وجها لوجه أمام السمة اللّغويّة للنصّ ، باعتبار الكتابة جزءا من النظام اللغوي.
وقد أفاض اللّساني " جون لوي هودبين " (J.L. Hood been ) في شرح هذه السمة وعلاقتها بالكتابة في بحوثه المختلفة (12) .
وأمّا المقوّم الثاني للنصّ فهو ظهور المعنى، فيطلق مصطلح (النصّ) على" ما به يظهر المعنى (13) . ولظهور هذا المعنى آليّات متعدّدة تختلف باختلاف الدارسين . ولا ينظر للحجم في تسمية الملفوظ نصّا؛ فكلّ ملفوظ مهما كان حجمه يمكن أن يعدّ نصّا " إذا تركّب من سلسلة من الوحدات اللّغويّة ذات الوظيفة التواصليّة الواضحة " (14) . ومن هنا قد يكون النصّ جملة أو عدّة جمل، أو سلسلة متوالية من الجمل تقصر وتطول بحسب تلبيتها للسياق ؛ ومن هذا المنطلق نفسه يعرّف هاليداي ورقيّة حسن (النصّ) بأنّه " وحدة لغويّة في طور الاستعمال" (15) فهو وحدة دلاليّة تحكمها وظيفة تواصليّة وليس وحدة نحويّة كالجملة مثلا.
والنصّ " سلسلة من العلامات المنتظمة في نسق من العلاقات تنتج معنى كليّا يحمل رسالة " (16) ؛ ودراسة تسلسل هذه العلامات وتناسقها يفضي بنا عادة إلى تحليل النصّ، كما أنّ طريقة توالي الجمل المترابطة يحدّد إيقاع القراءة ؛ وبذلك يدخل في تشكيل النصّ تقسيمه إلى فقرات وفصول وصفحات. وإنّ اختيار الكاتب لجنس أدبي ما أو لاتجاه فني هو اختيار للغة التبليغ التي ينوي الاتّصال بقارئه من خلالها. ويبدو مهمّا هنا جميع التفاصيل المتعلّقة بتوزيع هذه المتواليات وترتيبها وطولها، والروابط المعنويّة والشكليّة فيما بينها، وهيئة تركيبها، وهذا المقوّم يمكن أن نطلق عليه شكل النصّ. وقد تتبّع اللساني المغربي (محمد الماكري) أثر هذا الشكل في بناء النصّ وتحليله في دراسته (الشكل والخطاب) (17) . والنصّ " شكل مغلق له بداية ونهاية " (18) ؛ فهو يعالج موضوعا كاملا ولكنّه يمتدّ في رؤى القارئ والناقد شرحا أو تعليقا أو تأويلا. وتماسك النصّ وترابطه عنصر آخر من العناصر البارزة التي يقوم عليها مفهوم النصّ، ويقصد بهما توافر مجموعة من العلاقات التي تساعد على ربط أجزاء النصّ بعضها ببعض " لتحيل الجمل المتعدّدة إلى ما يشبه أن يكون جملة واحدة متّصلة الأقسام" (19) . وتختلف اللّغات بشكل ملحوظ في درجة السماح لمستخدميها أو حملهم على ربط وحدات النصّ مع بعضها بعضا في سلسلة عن طريق الروابط النحويّة؛ كالضمائر، وأدوات العطف، والروابط الزمنيّة، والدلاليّة كالترتيب المنطقي، والتكرار، والحذف.
ومن المقوّمات الأخرى الانسجام أو الاتّساق بين النص والسياقات التي يظهر فيها؛ فالنصّ يتّسق مع سياق ثقافي عام يتّصل بالتاريخ والقانون والدين والأدب ؛ ولذلك تقترح كريستيفا دراسة الأشكال النصيّة ضمن منظومة الثقافة والتاريخ التي يتشكّل منها وفيها النص (20) ، كما ينسجم مع سياق خاص يمكن أن نطلق عليه (المقام) يشتمل على مجموعة الظروف والملابسات التي اكتنفت كتابة النص. وتقاس درجة التماسك والترابط في ذلك النصّ بالنسبة إلى السياق الذي يظهر فيه. (21) وعنصر الانسجام من العناصر الرئيسة التي يشير إليها (فان ديك) (Van DIJK) في دراسته للعلاقة بين النص والسياق (22). كما يفترض لاينز نوعا من الانسجام أسماه الانسجام الدلالي، ويقصد به أن تكون المكوّنات الدلاليّة والعناصر المعجميّة في النصّ مولّدة ضمن توافق نحوي معيّن (23) . ويستعمل باحثون آخرون مصطلح التشاكل بدلا من مصطلح الانسجام، ويدرسون صورا مختلفة له، وقد استفاد د. محمد مفتاح (24) من مفهوم التشاكل لدى اللّغويين وحلّل في ضوئه قصيدة كاملة، توقف فيها عند التشاكل الصوتي والتركيبي والدلالي وربط ذلك كلّه بالقواعد التداوليّة.
ويلحّ الذين درسوا (نحو النصّ) على الفعل التواصلي للنصّ ومنهم (بيوجراند ودرسلر)، فالتواصل يربط بين خصائص النصّ المختلفة والقارئ (25)، بل إنّ آخرين يتجاوزون ذلك إلى القول إنّ " النصّ عمليّة يخلقها القارئ (26) . "ويتحقّق هذا التواصل من خلال انسجام النصّ مع سياقه، وانسجام عناصره المختلفة. ويشرح (رولان بارت) آليّة هذا التواصل بقوله : " إنّ النصّ هو ذلك الشيء الذي يتحقّق لدى القارئ من تفاعله بالعلامات التي يتألّف منها المنطوق الإبداعي" (27)؛ وبذا يصبح القارئ جزءا لا يتجزّأ من تعريف النصّ عند بارت. والباحثون في محاولتهم خلق نظريّة تطبيقية لعملية التوصيل ، يتّجهون إلى منهج تحليلي للرسالة اللّغوية طبقا للعناصر الدلاليّة والجماليّة للغتها.
والأساس اللّغوي لهذا التحليل عن جاكبسون أنّ كلّ حدث لغوي يتضمّن رسالة وأربعة عناصر مرتبطة بها هي : المرسل، والمتلقّي، ومحتوى الرسالة، والكود أو الشيفرة المستعملة فيها (28)، ومن المألوف أن تعمل هذه العناصر متماسكة متآلفة، ويتمّ الاتّصال بين الناس من خلال نظام العلامات الذي يتّفق عليه بين أفراد البيئة اللّغوية المحدّدة.
أمّا المقوّم الأخير الذي يشيرون إليه فهو (جامع النص)، وهو من مصطلحات الناقد جيرار جينت (29) (G. Genette). ويفترض كثير من الدارسين وجود بنية نصيّة كبرى يغترف الكاتب منها، ويعود إليها، ويتصارع معها، ففي لا وعيه تتمثّل هذه البنية الكبرى (جامع النصّ) مزيجا من آلاف النصوص المتداخلة، ويوظّفها الكاتب في سعيه إلى إنتاج الدلالة وفقا لعلاقة معيّنة بين كاتب وقارئ في إطار ثقافي واجتماعي محدّد (30). ويطلق عيها بعض الدارسين مصطلح (المتعاليات النصيّة) ويمكن من خلالها فهم ألوان عديدة من التناصّ (31) .
وهذه البنية الكبرى تشابه طبيعة النصّ وهي زمنيّا سابقة عليه، وتتعاون مع البنية الثقافيّة والاجتماعيّة المزامنة له، والتي ينتج النصّ في إطارها.
ونخلص من هذه العناصر جميعا إلى أنّ النصّ هو كلّ كلام متّصل ذو وحدة جليّة تنطوي على بداية ونهاية، ويتّسم بالتماسك والترابط، ويتّسق مع سياق ثقافي عام أنتج فيه، وينسجم مع سياق خاصّ أو مقام يتعلّق بالعلاقات القائمة بين القارئ والواقع من خلال اللّغة، وبين بداية النصّ وخاتمته مراحل من النموّ القائم على التفاعل الداخلي، وهذا التفاعل يؤدّي بالنصّ إلى إحداث وظيفته التي تتمثّل في خلق التواصل بين منتج النصّ ومتلّقيه.
___________________
(1) لسان العرب ، مادة نصص.
(2) نفسه.
(3) نفسه.
(4) نفسه.
(5) الشريف الجرجاني ، التعريفات، مادة (نصّ).
(6) نفسه ، مادة (نصّ) .
(7) مكّي بن أبي طالب القيسي، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، ص 6.
(8) سعيد يقطين ، انفتاح النصّ الروائي، ص 15.
(9) Thomas editor General Semiotics of dictionary Encyclopedic 2 " Tom 1986 Mouton sebeok. 1080. P
(10) صلاح فضل ، بلاغة الخطاب وعلم النصّ ، ص 297.
(11) سعيد يقطين ، انفتاح النصّ الروائي ، ص 12.
(12) عبد الرحمن أبو علي ، عناصر أوّليّة لمقاربة سيميولوجية ، مجلّة العرب والفكر العالمي ، بيروت ، العدد الأوّل ، شتاء عام 1988، ص 74.
(13) الأزهر الزناد ، نسيج النصّ، ص 14.
(14) نفسه ، ص 15.
(15) (Ruqaiya Hasan Language Context And Text , Halliday M. A. K aspects of languag einsocialsemioti cprespective 1989 p. 37.)
(16) OX -R -Fowler Linguistics And Novel First Edition London 54.P ، 1985
(17) محمّد الماكري ، الشكل والخطاب : مدخل لتحليل ظاهراتي ، ط 1، 1991، المركز الثقافي العربي ، بيروت / الدار البيضاء.
(18) عبد الملك مرتاض ، النصّ الأدبي من أين وإلى أين ، ص 18.
(19) (Cristal . D tionary Linguistics and Phonetics Text)
(20) جوليا كريستيفا ، علم النصّ ، ترجمة فريد الزاهي ، 1997، ص : 29.
(21) جون لاينز، اللغة والمعنى والسياق ، ص 221
(22).VanDIJK T .A .(1977) Text And Context London P .16 .
(23) جون لاينز، علم الدلالة ، ترجمة مجيد عبد الحليم الماشطة، ص 119.
(24) محمد مفتاح ، تحليل الخطاب الشعري ، ص 20.
(25) Dressler An Introduction text linguistics ,London 16:08:56 Beaugrand . 1984 P. 33
(26) سعيد يقطين ، انفتاح النصّ الروائي ، ص 17.
(27) رولان بارت ، درس السيميولوجيا ، ص 37.
(28) صلاح فضل ، نظرية البنائيّة في النقد الأدبي ، 1987، ص 383.
(29) جيرار جينت ، مدخل لجامع النصّ ، ترجمة عبد الرحمن أيوب ، ص 92.
(30) اندريه جاك ديشين ، استيعاب النصوص وتأليفها ، ترجمة هيثم لمع ، ص 15.
(31) محمد مفتاح ، استراتيجيّة التناصّ ، ص 360.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|