كلام لأمير المؤمنين عليه السلام مع أصحابه المشتمل على التوبيخ على تثاقلهم عن قتال معاوية متضمنا اللوم والوعيد |
1576
04:37 مساءً
التاريخ: 8-7-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1450
التاريخ: 12-5-2020
3205
التاريخ: 1-07-2015
1557
التاريخ: 2-08-2015
2279
|
أيها الناس إني استنفرتكم لجهاد هؤلاء فلم تنفروا وأسمعتكم فلم تجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، شهودا بالغيب اتلوا عليكم الحكمة فتعرضون عنها، وأعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون عنها، كأنكم حمر مستنفرة فرت من قسورة، وأحثكم على جهاد أهل الجور فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا، ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا، تضربون الأمثال وتنشدون الأشعار، وتجسسون الأخبار، حتى إذا تفرقتم تسألون عن الأخبار جهلا من غير علم، وغفلة من غير ورع، وتتبعا من غير خوف، ونسيتم الحرب والاستعداد لها، فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأعاليل والأضاليل، فالعجب كل العجب، وكيف لا أعجب من اجتماع قوم على باطلهم، وتخاذلكم عن حقكم يا أهل الكوفة أنتم كأم مخالد حملت فأملصت فمات قيمها وطال أيمها وورثها أبعدها، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إن من ورائكم الأغبر الأدبر جهنم الدنيا لا تبقي ولا تذر، ومن بعده النهاش الفراس، الجموع المنوع ثم ليتوارثنكم من بني أمية عدة ما الآخر منهم بارق بكم من الأول، ما خلا واحد (1) بلاء قضاه الله على هذه الأمة لا محالة كائن، يقتلون أخياركم، ويستعبدون أرذالكم، ويستخرجون كنوزكم وذخايركم في جوف حجالكم، نقمة بما صنعتم من أموركم، وصلاح أنفسكم ودينكم.
يا أهل الكوفة أخبركم بما يكون قبل أن يكون، لتكونوا منه على حذر ولتنذروا به اتعظ واعتبر، كأني بكم تقولون: إن عليا يكذب، كما قالت قريش لنبيها صلى الله عليه وآله وسيدها نبي الرحمة، " محمد بن عبد الله " فيا ويلكم فعلى من أكذب أعلى الله فأنا أول من عبده ووحده؟! أم على رسوله فأنا أول من آمن به وصدقه ونصره؟! كلا ولكنها لهجة خدعة! كنتم عنها أغنياء، والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لتعلمن نبأها بعد حين، وذلك إذا صيركم إليها جهلكم، ولا ينفعكم عندها علمكم، فقبحا لكم يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال (2)، أما والله أيها الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهوائهم (3) ما أعز الله نصر من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم (4) ولا قرت عين من آواكم، كلامكم يوهن الصم الصلاب (5) وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب، ويحكم أي دار بعد داركم تمتعون ومع أي إمام بعدي تقاتلون المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحت لا أطمع في نصرتكم، ولا أصدقكم قولكم، فرق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من هو خيرا لي منكم، وأعقبكم بي من هو شرا لكم مني، إمامكم يطيع الله وأنتم تعصونه وإمام أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، والله لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني واحدا منهم، والله لوددت أني لم أعرفكم، ولم تعرفوني، فإنها معرفة جرت ندما لقد ورثتم صدري غيظا، وأفسدتم علي أمري بالخذلان والعصيان، حتى لقد قالت قريش إن عليا رجل شجاع لكن لا علم له بالحروب، لله درهم هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا مني وأشد بها مقاساة لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، ثم هاأنا ذا قد ذرفت على الستين، لكن لا أمر لمن لا يطاع، أما والله لوددت أن ربي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه، وإن المنية لترصدني فما يمنع أشقاها أن يخضبها؟ - وترك يده على رأسه ولحيته - عهدا عهده إلي النبي الأمي وقد خاب من افترى، ونجا من اتقى وصدق بالحسنى.
يا أهل الكوفة قد دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلا ونهارا، وسرا وإعلانا، وقلت لكم اغزوهم فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليكم قولي، واستصعب عليكم أمري، واتخذتموه ورائكم ظهريا، حتى شنت عليكم الغارات، وظهرت فيكم الفواحش والمنكرات، تمسيكم وتصبحكم، كما فعل بأهل المثلات من قبلكم، حيث أخبر الله عز وجل عن الجبابرة العتاة الطغاة، المستصعفين الغوات، في قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49] أما والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لقد حل بكم الذي توعدون.
عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم، وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا لي، وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا، ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف، وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي ولكن سيسلط عليك سلطان صعب، لا يوقر كبيركم، ولا يرحم صغيركم، ولا يكرم عالمكم، ولا يقسم الفيئ بالسوية بينكم، وليضربنكم، وليذلنكم، وليجرنكم في المغازي، وليقطعن سبلكم، وليجمعنكم على بابه، حتى يأكل قويكم ضعيفكم ثم لا يبعد الله من ظلم، ولقل ما أدبر شئ فأقبل، وإني لأظنكم على فترة، وما علي إلا النصح لكم.
يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين صم ذووا أسماع، وبكم ذووا ألسن، وعمي ذووا أبصار، لا إخوان صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء.
اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني اللهم لا ترض عنهم أميرا ولا ترضهم عن أمير، وأمث قلوبهم كما يماث الملح بالماء أما والله لو أجد بدا من كلامكم ومراسلتكم ما فعلت، ولقد عاتبتكم في رشدكم حتى لقد سئمت الحياة، كل ذلك تراجعون بالهزء من القول، فرارا من الحق، وإلحادا إلى الباطل الذي لا يعز الله بأهله الدين، وإني لأعلم أنكم لا تزيدونني غير تخسير، كلما أمرتكم بجهاد عدوكم اثاقلتم إلى الأرض وسألتموني التأخير، وفاع ذي الدين المطول، إن قلت لكم في القيظ سيروا، قلتم الحر شديد، وإن قلت لكم في البرد سيروا، قلتم القر شديد كل ذلك فرارا عن الحرب، إذا كنتم عن الحر والبرد تعجزون، فأنتم عن حرارة السيف أعجز، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
يا أهل الكوفة قد أتاني الصريح يخبرني أن ابن عمر قد نزل الأنبار (6) على أهلها ليلا في أربعة آلاف، فأغار عليهم كما يغار على الروم والخزر، فقتل بها عاملي ابن حسان، وقتل معه رجالا صالحين، ذوي فضل وعبادة ونجدة، بوأ الله لهم جنات النعيم، وأنه أباحها، ولقد بلغني أن العصبة من أهل الشام (7) كانوا يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فيه تكون سترها، ويأخذون القناع من رأسها، والخرص من أذنها، والأوضاح من يديها ورجليها وعضديها، والخلخال والميزر عن سوقها، فما تمتنع إلا بالاسترجاع والنداء: " يا للمسلمين! " فلا يغيثها مغيث، ولا ينصرها ناصر، فلو أن مؤمنا مات دون هذا ما كان عندي ملوما، بل كان عندي بارا محسنا، واعجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم، وفشلكم عن حقكم، قد صرتم غرضا يرمى ولا ترمون، وتغزون ولا تغزون ويعصى الله وترضون، فتربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها، كلما اجتمعت من جانب تفرقت من جانب.
___________________
(1) هو عمر بن عبد العزيز.
(2) الحجال - جمع حجلة - وهي: الغرفة وربات الحجال النساء.
(3) الأهواء - جمع هوى - وهو ما تميل إليه النفس محمودا كان أو مذموما ثم غلب في الاستعمال على غير المحمود.
(4) قاساكم: قهركم.
(5) الصم - جمع أصم - وهو من الحجارة: الصلب المصمت. والصلاب - جمع صليب وهو: الشديد.
(6) الأنبار: بلدة على الشاطئ الشرقي للفرات ويقابلها على الجانب الغربي هيت .
(7) العصبة - بضم العين -: جماعة من الرجال نحو العشرة وقيل من العشرة إلى الأربعين.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|