أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1709
التاريخ: 2-08-2015
1905
التاريخ: 12-08-2015
3179
التاريخ: 20-11-2014
1145
|
الموضوع : الجاهل القاصر في المعارف الاعتقادية.
المؤلف : محمّد
آصف المحسني.
الكتاب : صراط الحق في المعارف الإسلامية
والأُصول الاعتقادية ج1- ص47-51.
___________________________________________________
الحقّ تحقّق الجاهل القاصر في المعارف الدينية ،
فليس كلّ مَن لم يعتقدها مستحقاً للعذاب والعقاب ، بل المعاقب هو المعاند للحق أو
المقصّر فيه ، وأمّا مَن قصر استعداده، وضاق تفكيره ، أو استولى عليه الغفلة
وسلطان البيئة ، فجهل الحق ، فهو معذور عقلاً وشرعاً .
والدليل على وجود القاصر المذكور هو الحس ، فإنّا
نشاهد كثيراً من المسلمين المخالفين لنا في الاعتقاد ـ ولا سيما نسائهم الساكنات
في قعر بيوتهنّ ـ قاصرين عن تحقيق الحقّ وتحصيل الواقع ، وكذا نعلم قطعاً أنّ
عدداً كثيراً من سكان الهند وروسيا وغيرهما قاصرون، في جهلهم بالله العظيم ،
وشؤونه ، ونبوّة نبينا الأعظم ، وأوصيائه الكرام ، وهذا ممّا لا يدخله ريب ولا
احتمال ، بل مزيد العناية في إثباته لغو وعبث ، فإنّ العيان يغني عن البيان .
ولكن مع ذلك اتّفق الجمهور من المسلمين ، على أنّ
المصيب من المجتهدين المختلفين في العقليات التي وقع التكليف بها واحد ، وأنّ
الآخر مخطئ آثم ، وخالف فيه شذوذ من أهل الخلاف كما في المعالم والقوانين (1) .
أقول : هذا الاتفاق على خصوص التخطئة وبطلان
التصويب متين ، وأمّا على استحقاق العقاب فلا ، نعم نُسب إلى الجاحظ والعنبري
معذورية القاصر (2) ، وهو الذي اختاره بعض المتأخّرين من علماء أُصول الفقه أيضاً
، لكن الجمهور من المسلمين على خلافه ، بل عن جماعة من الخاصّة والعامّة الإجماع
على ذلك (3) فتأمّل ، بل ادعى الفقيه الأعظم شيخ المجتهدين صاحب الجواهر الضرورة
المذهبية على ذلك ، حيث قال في ردّ كلام الشهيد الثاني ـ وهو أي كلام الشهيد ـ من
غرائب الكلام المخالف لظاهر الشريعة وباطنها ـ : إذ من ضرورة المذهب عدم المعذورية
في أُصول الدين التي منها الإمامة ... وبالجملة لا يستأهل هذا الكلام ردّاً ؛ إذ
هو مخالف لأُصول الشيعة ... إلخ (4) .
أقول : و... من بعض العامّة أيضاً دعوى الضرورة
على ذلك ، هذا مضافاً إلى وجوه أُخر دلّت على ذلك :
فمنها : أنّ الله كلّف بالعلم ونصب عليه دليلاً
فالمخطئ مقصّر آثم ، نُقل هذا عن جماعة من أصحابنا ، بل نُسب إلى الجمهور .
ومنها : قوله تعالى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
[العنكبوت: 69]، فقد جعل الهداية على تقدير المجاهدة ، فالضالّ لم يجاهد باختياره
فهو مقصّر آثم .
ومنها : ما في المواقف وشرحها (5) من قوله :
واعلم أنّ الكتاب والسُنة والإجماع يبطل ذلك ـ أي معذورية القاصر ـ بل نقول : هو
مخالف لِما عُلم من الدين ضرورة ؛ إذ يعلم قطعاً أنّ كفّار عهد الرسول ( صلى الله
عليه وآله ) ، الذين قتلوا وحكم بخلودهم في النار لم يكونوا عن آخرهم معاندين ، بل
منهم مَن يعتقد الكفر بعد بذل المجهود ، ومنهم مَن بقي على الشك بعد إفراغ الوسع
... إلخ .
ومنها : قوله تعالى : { َمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] أي ليعرفون، فالمعرفة علّة
غائية لخلقة الإنسان ، وفرض وجود القاصر المذكور يوجب تخلّف المعلول عن العلة
المذكورة ؛ لانتفاء إمكان المعرفة في حقّه على الفرض ، وهو لغو ينزّه عنه فعل
الحكيم ، ومثله قوله تعالى في الحديث القدسي : ( كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف
فخلقت الخلقَ لأُعرف ) . نقله المحقّق الآشتياني في شرح الرسائل (6) .
ومنها : قوله تعالى : {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ
الرُّسُلِ} [النساء: 165] ، وللقاصر على الله حجّة فلابدّ من عدمه . نقله في حقائق
الأُصول (7) .
ومنها : العمومات الدالّة على حصر الناس في
المؤمن والكافر ، مع ما دلّ على خلود الكافرين بأجمعهم في النار ، بضميمة حكم
العقل بقبح عقاب الجاهل القاصر ، فيكشف ذلك عن تقصير كلّ غير مؤمن ، وأنّ مَن تراه
قاصراً عاجزاً عن العلم ، قد تمكّن من تحصيل العلم بالحقّ ولو في زمان ما ، والعقل لا يقبّح عقاب مثل هذا الشخص
. نقله الشيخ في رسائله (8) .
ومنها : قوله تعالى : {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } [الروم: 30] والفطرة هي المعرفة والتوحيد كما ورد في
الروايات المفسّرة للآية الكريمة (9) ، ومثله قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( كل
مولود يولد على الفطرة ) ، فيُفهم أنّ المعرفة مرتكزة في النفوس البشرية لا تزول
عنها إلاّ بصارف ، وعليه فكيف يُفرض العجز عنها ؟ نقله المحقّق الآشتياني بلا
تعرّض لذكر الروايات المذكورة ، مع أنّ الاستدلال بالآية الشريفة لا يتمّ إلاّ بها
.
هذه هي الوجوه التي استخدمت لنفي الجاهل القاصر
وأنّه غير متحقّق .
ثمّ إنّه لابدّ أن تعرف أنّ متكلّمي الأشاعرة
وغيرها ، وإن وافقوا الإمامية في عدم معذورية الجاهل ، إلاّ أنّ الإمامية يقولون
به من جهة نفي القاصر في الخارج ، بخلاف الأشعريين فإنّهم قالوا به مع وجوده كما
صرّح به صاحب المواقف وشارحها ، على ما نقلناه في الوجه الثالث ، والسر في ذلك :
أنّ عقاب القاصر قبيح عقلاً ، فإذا ثبت عقاب كلّ جاهل فلابدّ من إنكار القاصر
جمعاً بين الأدلة ، لكن الأشعري لمّا تظاهر بإنكار الأحكام العقلية لم يبالِ
الالتزام بعذاب القاصر ، وكأنّه ما سمع قوله تعالى : {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ
بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] وقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ}
[يونس: 44]وقوله : {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } [فصلت: 46] إلى غير من
الآيات الكريمة الدالة على ذلك ، بل لم يقفوا على ذلك حتى نسبوه إلى المسلمين ،
فقال قائلهم بلا استحياء : ( أجمع المسلمون على أنّ الكفّار مخلّدون في النار
أبداً ، لا ينقطع عذابهم ، سواء بالغوا في الاجتهاد والنظر في معجزة الأنبياء ولم
يهتدوا ، أو علموا نبوّتهم وعاندوا وتكاسلوا ) (10) .
أقول : الإسلام والمسلمون ـ غير الأشعريين ومَن
شابههم ـ بريئون من هذه الأباطيل ، التي تسوّد وجه الإسلام في العالم كلّه ،
وتنافي رحمة الله الواسعة وفضله وعدله وحكمته الشاملة . بل نقل بعضهم (11) أنّ
أطفال الكفار عند أكثرهم أيضاً يدخلون النار ويخلّدون، تعالى الله عمّا يقول
الظالمون علواً كبيراً ، ولصاحب الكفاية قدّس سره أيضاً في المقام كلام ينافي
بظاهره قواعد العدلية (12) فلاحظ .
وكيف ما كان ، الحس يدلّ على تحقّق الجاهل القاصر
، ومعه لا استيحاش من ردّ الإجماعات المنقولة المتقدمة وإن كثر نقلها ، ولضعف
مدركها ... ، وأمّا دعوى الضرورة المذهبية ... عن صاحب الجواهر قدّس سره ، فهي أمر
غريب عن مثل هذا المقام العظيم والعلم الفخيم , ولعلّ العبارة ناظرة إلى غير ما
استظهرناه (13) ، كيف وقد قال به جملة من الأعلام ، كشيخنا البهائي على ما حكي عنه
في قصص العلماء للتنكابني ، وهو ظاهر الشهيد الثاني أيضاً ، والشيخ الأنصاري ،
وصاحب الكفاية ، وجملة من محشّي الرسائل والكفاية ، والمحقّق القمي ، وغيرهم من
أرباب التحقيق والتدقيق من الأُصوليين .
فالعمدة هي هذه الوجوه ، فنقول :
أمّا الوجه الأَوّل : فضعفه ظاهر ؛ لمنع الصغرى
وعدم ثبوت التكليف لجميع آحاد الناس حتى القاصر ، بل التكليف مختصّ بالقادرين من
الأَوّل والقاصر غير قادر ، بل هذا الوجه مصادرة واضحة ، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة: 286].
والوجه الثاني : لو سلّم تفسير المجاهدة
بالاستدلال يرد عليه : أنّ ترتّب الهداية على المجاهدة لا يدلّ على إمكان المجاهدة
لكلّ أحد ، والقاصر إمّا لنقص استعداده أو لعروض الغفلة ونحوها غير متمكن من
المجاهدة .
والثالث : فاسد ، بأنّ جواز قتله ، ونجاسة ، بدنه
، وغير ذلك من الأحكام التكليفية والوضعية التعبدية ، غير مقصودة بالمقام ، ونحن
نلتزم بها ، والمقصود هو استحقاق العقاب والخلود في العذاب ، وادّعاء الإجماع على
ذلك كذب واضح .
والرابع : ضعيف بمنع التفسير المذكور كما تقدّم ،
والحديث مجهول السند ، بل قال المحدّث الكاشاني : إنّه من مجعولات الصوفية مع أنّه
يُنتقض بالمجانين والأطفال الذين يموتون قبل البلوغ ، [ وتحقيق ذلك ] ... في مبحث
تعلّل أفعاله بالأغراض .
وأمّا الخامس : فباطل إذ التكليف غير واجب على
الله تعالى ليكون للقاصر حجة ، نعم إذا أراد الله سبحانه عقابه وعذابه فيكون له
حجّة عليه تعالى ، لكنّا نقول بعدم عقابه وتعذيبه ، مع أنّ النقض المتقدّم جارٍ
هنا أيضاً .
وأمّا السادس : فساقط بما أفاده الشيخ الأنصاري
قدّس سره (14) ، من وجود الأخبار المستفيضة الدالة على ثبوت الواسطة بين المؤمن
والكافر ، ولا يخفى أنّ هذه الواسطة التي تخيّلها واصل بن عطاء الاعتزالي ، ويمكن
أن يقال بانصراف العمومات عن القاصرين فلا نحتاج إلى الاستدلال بالأخبار .
وأمّا السابع : ففيه النقض بالمجانين ، والحلّ
بأنّ الفطرة المذكور لا تنافي فقدان الشرط ، أو طروء المانع كالغفلة ، أو الاعتقاد
الحاصل من البيئة على خلافها .
وربّما ذهب بعضهم إلى التفصيل (15) ، وإليه يميل
المحقّق القمي قدّس سره حيث قال في ضمن كلامه : ( نعم لو فصّل أحد وقال بذلك ـ أي
بإنكار القاصر ـ في وجود الصانع مثلاً ، أو ذلك مع وحدته ، أو ذلك مع أصل النبوة ،
أو ذلك مع أصل الميعاد ، لم يكن بعيداً ؛ إذ الظاهر أنّ الأدلّة المذكورة ممّا
يمكن فيها دعوى لزوم إصابة الحقّ النفس الأمري ، وأمّا مثل تجرّده ، وعينية الصفات
، وحدوث العالم ، ونفي العقول ، وكيفيات الميعاد ، فلا ) (16) .
أقول : وربّما قيل بإنكاره في أصل وجود الصانع
فقط ، لكن كلّ ذلك يلحق بقول الجمهور في مصادمته الحس والعيان ، ووضوح أدلة تلك
الأُصول لا يوجب المكنة في قليل الاستعداد أو عظيم الغفلة ، كما هو أوضح من أن
يخفى .
ولنختم المقال بذكر رواية رواها الكليني قدّس سره
في الكافي بإسناده عن عبد الأعلى بن أعين قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام )
: ( مَن لم يعرف شيئاً هل عليه شيء ؟ قال : لا ) (17) .
______________________
(1) معالم الأُصول / 226، والقوانين 2 / 207.
(2) المواقف وشرحها 3 / 236.
(3) القوانين ( الحاشية ) 2 / 207 ، ورجال
المامقاني ( المدخل ) 1 / 206.
(4) أوائل كتاب الشهادات .
(5) شرح المواقف 3 / 236.
(6) شرح الرسائل / 288.
(7) حقائق الأُصول 2 / 214.
(8) الرسائل 1 / 312.
(9) لاحظ البحار 5 / 277.
(10) حاشية شرح المواقف 3 / 235.
(11) المصدر نفسه.
(12) حقائق الأُصول 2 / 216.
(13) مثل عدم معذوريته في ترتّب الأحكام
التعبّدية عليه .
(14) الرسائل 1 / 313.
(15) روضة المسائل / 5.
(16) القوانين 2 / 159.
(17)
الكافي 1 / 164.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|