أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1907
التاريخ: 1-07-2015
2561
التاريخ: 11-08-2015
2033
التاريخ: 1-07-2015
1773
|
قال : ( وهي جوهر مجرّد لتجرّد عارضها ).
أقول : اختلف الناس في ماهيّة النفس (1) ،
وأنّها هل هي جوهر أم لا بكونها عرضا حالاّ في البدن غير الأعراض المشهورة؟
والقائلون بأنّها جوهر اختلفوا في أنّها هل
هي جوهر مجرّد أم لا بكونها جسما مجاورا للبدن كالروح البخاري؟
والمشهور عند الأوائل وجماعة من المتكلّمين
من الإماميّة كالمفيد (2) منهم والغزالي (3) من الأشاعرة ـ على ما حكي ـ أنّها
جوهر مجرّد ليس بجسم ولا جسمانيّ ، وهو الذي اختاره المصنّف ، واستدلّ على تجرّدها
بوجوه :
الأوّل : تجرّد عارضها وهو العلم.
وتقرير هذا الوجه : أنّ هاهنا معلومات
مجرّدة عن الموادّ كالواجب والكلّيّات ، فالعلم المتعلّق بها يكون لا محالة مطابقا
لها ؛ فيكون مجرّدا لتجرّدها ، فمحلّه ـ وهو النفس ـ يجب أن يكون مجرّدا ،
لاستحالة حلول المجرّد في المادّي.
أو يقال : إنّ الصورة المنطبعة في العقل
مجرّدة ؛ لأنّها لا تقبل الإشارة الحسّيّة بالضرورة ، وهي خالية عن لواحق المادّة
من الكمّ والكيف ونحوهما ، كما عن « الشفاء » (4) حتّى لا يتوجّه منع مساواة
الصورة مع المعلوم في الماهيّة كما قيل ، فتكون النفس الناطقة التي هي محلّها
مجرّدة ، وإلاّ يلزم كون الصورة العقليّة الحالّة فيها غير مجرّدة ؛ لأنّ اختصاص
المحلّ بالمقدار المعيّن والأين المعيّن والوضع المعيّن يوجب اختصاص الحالّ به.
واعترض عليه بجواز كون العلم بانكشاف
الأشياء على النفس من دون ارتسام ، وعدم مساواة الصورة للمعلوم في تمام الماهيّة ،
ومنع اقتضاء اتّصاف المحلّ بصفة اتّصاف الحالّ بها ، كما أنّ الجسم يتّصف بالبياض
دون الحركة الحالّة فيه ، مع أنّ المادّيّة العرضيّة لا تنافي التجرّد الذاتي ،
فتدبّر. (5)
قال : ( وعدم انقسامه ).
أقول : هذا هو الوجه الثاني ، وهو أنّ
العارض للنفس ـ أعني العلم ـ غير منقسم ، فمحلّه ـ أعني المعروض ـ كذلك.
وتقرير هذا الدليل يتوقّف على مقدّمات :
إحداها : أنّ هاهنا معلومات غير منقسمة ،
وهو ظاهر ؛ فإنّ واجب الوجود غير منقسم ، وكذا الحقائق البسيطة كالنقطة والوحدة.
الثانية : أنّ العلم بها غير منقسم ؛ لأنّه
لو انقسم ، لكان كلّ واحد من جزأيه إمّا أن يكون علما أولا ، والثاني باطل ؛ لأنّه
عند الاجتماع إمّا أن يحصل أمر زائد أولا ، فإن كان الثاني لم يكن ما فرضناه علما
بعلم ، هذا خلف.
وإن كان الأوّل فذاك الزائد إمّا أن يكون
منقسما فيعود البحث ، أو لا يكون فيكون العلم غير منقسم ، وهو المطلوب.
وإن كان كلّ جزء علما فإمّا أن يكون علما
بكلّ ذلك المعلوم ، فيكون الجزء مساويا للكلّ ، وهذا خلف ، أو ببعضه فيكون ما
فرضناه غير منقسم منقسما ، وهذا خلف.
الثالثة : أنّ محلّ العلم غير منقسم ؛
لأنّه لو انقسم لانقسم العلم ؛ لأنّه إن لم يحلّ في شيء من أجزائه لم يحلّ في ذلك
المحلّ ، وإن حلّ فإمّا أن يكون في جزء غير منقسم ، وهو المطلوب ، أو في أكثر
فإمّا أن يكون الحالّ في أحدها عين الحالّ في الآخر ، وهو محال بالضرورة ، أو غيره
فيلزم الانقسام.
الرابعة : أنّ كلّ جسم وكلّ جسمانيّ فهو
منقسم ؛ لأنّا قد بيّنّا أن لا وجود لوضعيّ غير منقسم.
وإذا ثبتت هذه المقدّمات ثبت تجرّد النفس.
وفيه نظر ؛ للمنع من كون العلم بطريق
الارتسام ، ومن مساواة الصورة للمعلوم سيّما في الانقسام ، ومن استلزام انقسام
المحلّ انقسام الحالّ إذا لم يكن الحلول سريانيّا بأن كان طريانيّا ، ومن كون كلّ
مادّيّ منقسما ، فإنّ النقطة مادّيّة غير منقسمة.
قال : ( وقوّتها على ما تعجز المقارنات عنه
).
أقول : هذا هو الوجه الثالث.
وتقريره أنّ النفس البشريّة تقوى على ما لا
تقوى عليه المقارنات للمادّة فلا تكون مادّيّة ؛ لأنّها تقوى على ما لا يتناهى ؛
لأنّها تقوى على تعقّلات الأعداد غير المتناهية ـ وقد بيّنّا أنّ القوّة الجسمانيّة
لا تقوى على ما لا يتناهى ـ فتكون مجرّدة.
وفيه نظر ؛ لأنّ التعقّل قبول وانفعال لا
فعل ، وقبول ما لا يتناهى للجسمانيّات ممكن ، كما في الموادّ العنصريّة.
ولو سلّم أنّه فعل ، فالتعقّل لغير
المتناهي بالقوّة مشترك فيه بين النفس والقوى الجسمانيّة ، والفعليّ ممنوع.
قال : ( ولحصول عارضها بالنسبة الى ما يعقل
محلاّ منقطعا ).
أقول : هذا هو الوجه الرابع.
وتقريره : أنّ النفس لو حلّت في جسم من قلب
أو دماغ لكانت دائمة التعقّل ، أو كانت لا تعقله أصلا ، والتالي باطل بقسميه ،
فكذا المقدّم.
بيان الشرطيّة : أنّ القوّة العاقلة إذا
حلّت في قلب أو دماغ ، لم يخل إمّا أن تكفي صورة ذلك المحلّ أو حضوره في التعقّل ،
أو لا تكفي ، فإن كفت لزم حصول التعقّل دائما ؛ لدوام تلك الصورة للمحلّ ، وإن لم
تكف لا تعقله أصلا ؛ لاستحالة أن يكون تعقّلها مشروطا بحصول صورة أخرى لمحلّها
فيها ، وإلاّ لزم اجتماع المثلين.
وأمّا بطلان التالي فظاهر ؛ لأنّ النفس
تعقل القلب والدماغ في وقت دون وقت.
والحاصل أنّه يحصل العلم ـ الذي هو عارض
للنفس الناطقة بالنسبة إلى ما يفرض محلاّ لها ـ منقطعا في وقت دون وقت لا دائما ،
فلا تكون حالّة فيه ؛ لاستلزام الحلول دوام التعقّل أو عدمه رأسا ...
وأورد عليه : بإمكان توقّف التعقّل على أمر آخر
كتوجّه النفس ونحو ذلك (6).
قال : ( ولاستلزام استغناء العارض استغناء
المعروض ).
أقول : هذا وجه خامس يدلّ على تجرّد النفس
العاقلة.
وتقريره : أنّ النفس تستغني في عارضها ـ
وهو التعقّل ـ عن المحلّ ، فتكون في ذاتها مستغنية ؛ لأنّ استغناء العارض يستلزم
استغناء المعروض ؛ لأنّ العارض محتاج إلى المعروض ، فلو كان المعروض محتاجا إلى
شيء لكان العارض أولى بالاحتياج إليه ، فإذا استغنى العارض وجب استغناء المعروض.
وبيان استغناء التعقّل عن المحلّ أنّ النفس
تدرك ذاتها لذاتها لا لآلة ، وكذا تدرك آلتها وتدرك إدراكها لذاتها ولآلتها ، كلّ
ذلك من غير آلة تتوسّط بينها وبين هذه المدركات. فإذن هي مستغنية في إدراكها
لذاتها ولآلتها ولإدراكها عن الآلة ، فتكون في ذاتها مستغنية عن الآلة أيضا.
فقوله ; : « ولاستلزام استغناء العارض »
عنى بالعارض هاهنا التعقّل.
وقوله : « استغناء المعروض » عنى به النفس
التي يعرض لها التعقّل.
فاعترض عليه بأنّه عين الوجه الأوّل (7).
قال : ( ولانتفاء التبعيّة ).
أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أنّ هذا
وجه آخر دالّ على تجرّد النفس.
وتقريره : أنّ القوّة المنطبعة في الجسم
تابعة له في الضعف والكلال ، فإنّها تضعف بضعف ذلك الجسم الذي هو شرط فيها ،
والنفس بالضدّ من ذلك فإنّها حال ضعف الجسم ـ كما في وقت الشيخوخة ـ تقوى وتكثر
تعقّلا ، فلو كانت جسمانيّة لضعفت بضعف محلّها وليس كذلك ، فلمّا انتفت تبعيّة النفس
للجسم في حال ضعفه دلّ ذلك على أنّها ليست جسمانيّة.
والإيراد باقتضاء حصول الخرافة في أواخر
سنّ الشيخوخة كون النفس جسمانيّة مدفوع بأنّ ذلك لاستغراق النفس في تدبير البدن
المشرف تركيبه إلى الانحلال ، فإنّه مانع عن التعقّل المحتاج إلى الالتفات.
وقد يقال : يجوز أن تضعف القوّة العاقلة
لضعف البدن ، وكان ما يرى من ازدياد التعقّل بسبب اجتماع علوم كثيرة والتمرّن
والاعتياد ، وفي آخر سنّ الشيخوخة يستولي الضعف بحيث لا يبقى أثر للتمرّن
والامتحان فتعرض الخرافة.
وأيضا يجوز أن يكون المزاج الحاصل في زمان
الكهولة أوفق للقوّة العاقلة من سائر الأمزجة وبذلك تحصل القوّة (8).
قال : ( ولحصول الضدّ ).
أقول : هذا وجه سابع يدلّ على تجرّد النفس.
وتقريره : أنّ القوّة الجسمانيّة عند توارد
الأفعال عليها وكثرتها تضعف وتكلّ ؛ لأنّها تنفعل عنها؛ فإنّ من نظر طويلا إلى قرص
الشمس لا يدرك في الحال غيرها إدراكا تامّا ، وكذا السامعة فإنّها بعد سماع الرعد
الشديد لا تسمع الصوت الضعيف ، وهكذا حال الشامّة والذائقة واللامسة. والقوّة
النفسانيّة بالضدّ من ذلك ؛ فإنّها تقوى عند كثرة التعقّلات ، فالحاصل لها عند
كثرة الأفعال هو ضدّ ما يحصل للقوّة الجسمانيّة عند كثرة الانفعال. فهذا ما خطر
لنا في معنى قوله;: « ولحصول الضدّ ».
وأورد عليه بأنّه يجوز أن تكون العاقلة
مخالفة بالنوع لسائر القوى مع كون الجميع جسمانيّة (9) مع أنّ القياس لا عبرة به
في المسائل العلميّة وكذا الاستقراء الناقص.
وبالجملة ، فللتوقّف في المسألة مجال ،
ولهذا ورد : « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » (10) بناء على حمله على أنّ عرفانها
محال.
__________________
(1) لمزيد الاطّلاع
حول الأقوال في النفس انظر : « الشفاء » كتاب النفس 2 : 14 وما بعدها؛ « المطالب العالية
» 7 : 35 وما بعدها ؛ « شرح المواقف » 7 : 247 ـ 250 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 298 وما
بعدها.
(2) نقل عنه ذلك في كلّ من « المطالب العالية » 7 : 38 ؛ « كشف المراد
» : 184.
(3) نقل ذلك عنه أيضا في « المطالب العالية » 7
: 38 ؛ « كشف المراد » : 184 ؛ «اللوامع الإلهيّة » : 104.
(4) « الشفاء » كتاب النفس 2 : 212.
(5) إشارة إلى أنّ ذلك غير مندفع بالقول بالوجود
الذهني ، بناء على عدم كونه بارتسام الصور. ( منه ; ).
(6) هذا الإيراد ذكره القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 199.
(7) الاعتراض للقوشجي في « شرح تجريد العقائد »
: 200.
(8) القائل هو القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 200 ـ 201.
(9) أورده القوشجي في « شرح تجريد العقائد » :
201.
(10) « غوالي اللآلئ » 4 : 102 / 149 ؛ « بحار الأنوار » 2 : 32 /
22 عن النبيّ صلى الله عليه وآله ؛ وفي « المناقب » : 375 / 392 نقله الخوارزمي عن
عليّ عليه السلام.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|