أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-10-2014
2332
التاريخ: 5-05-2015
2178
التاريخ: 22-12-2014
3180
التاريخ: 2024-02-08
1100
|
قال السيوطي في الإتقان تحت عنوان " قاعدة في التعريف والتنكير" : " اعلم أنّ لكلّ منهما مقاما لا يليق بالآخر" «1». ثمّ يعدّد أسباب التنكير ومواضعه، وأسباب التعريف ومواضعه، ويسوق مئات الأمثلة من القرآن الكريم جميعه، على كل حالة من حالات التعريف والتنكير، ومن الأمثلة التي يسوقها قوله تعالى : { لا رَيْبَ فِيهِ} " قيل قصد بها العموم حيث جاءت في سياق النفي، ومن أمثلة التعريف التي يذكرونها قصد التحقير بالقرب كقول الكفّار{ ما ذا أراد اللّه بهذا مثلا } أو قصد التعظيم كقوله تعالى : { ذلك الكتاب لا ريب فيه} ذهابا إلى بعد درجته «2». وحين يذكر السيوطي التعريف يقول :" وأمّا التعريف فله أسباب فبالإضمار؛ لأنّ المقام مقام المتكلّم أو الخطاب أو الغيبة، أو بالعلميّة لإحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء أو لتعظيم أو إهانة أو الإشارة لتمييزه أكمل تميّز بإحضاره في ذهن السامع حسّا نحو {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان : 11] . وللتنبيه بعد ذكر المشار إليه بأو صاف قبله على أنّه جدير بما يرد بعده من أجلها نحو { أو لَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأو لَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [البقرة : 5] «3»
وواضح هنا الربط بين التعريف والتنكير وسياق النّص (مقامه). وفي تفسير الزمخشري للآية { وأو لئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } يحأو ل أن يجمع العناصر اللغويّة العديدة التي تضافرت للتنبيه على اختصاص المتّقين بنيل ما لا يناله على طرق شتّى، منها : ذكر اسم الإشارة وتكريره، ومنها كذلك تعريف المفلحين وتوسيط الفصل بينه وبين أو لئك ليبصّرك مراتبهم" «4». إنّ آليات النصّ في التعبير عن الواقع الاجتماعي عديدة، ولذلك فإنّ المفسّر يجهد نفسه في الوصول إلى أكبر عدد من هذه الآليّات، متّكئا على الاتّساق بين النصّ والسياق.
وحول الآية الكريمة { وإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ ...} يقول الرازي : " اللام في (الناس) فيها وجهان، أحدهما أنّها للعهد أي كما آمن رسول اللّه ومن معه، وهم ناس معهو دون أو عبد اللّه بن سلّام وأشياعه لأنّهم من أبناء جنسهم، والثاني أنّها للجنس ثم هاهنا أيضا وجهان : أحدهما أنّ الأو س والخزرج أكثرهم كانوا مسلمين، وهؤلاء المنافقون كانوا منهم، وكانوا ملّتين، ولفظ العموم قد يطلق على الأكثر. والثاني أنّ المؤمنين هم الناس في الحقيقة لأنّهم هم الذين أعطوا الإنسانيّة حقّها لأنّ فضيلة الإنسان على سائر الحيوانات بالعقل المرشد الهادي" «5». وهذا المقطع الأخير ملمح لطيف يربط بين التعريف والمقام الفكري وما هو الفضيلة في ذلك السياق وما هو عكسها. ثم إنّ نوع ال التعريف في هذا النصّ يمكن أن يكون للعهد أو للجنس بحسب المقام المفترض وهو هنا واقع الحال في المدينة المنوّرة.
إنّ اهتمام المفسّرين بتحديد نوع التعريف مربوط غالبا بالمقام، فحين يحدّد الزمخشري نوع التعريف في قوله تعالى : { الَّذِينَ كَفَرُوا } يرى أنّه يجوز أن يكون للعهد وأن يراد بهم ناس بأعيانهم كأبي لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة، وأضرابهم وأن يكون للجنس متنأو لا كلّ من صمّم على كفره تصميما لا يرعوى بعده وغيرهم" «6». ويتساءل الزمخشري عن سرّ تنكير (صيّب) وتعريف (السماء) في قوله تعالى : { أو كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ ورَعْدٌ وبَرْقٌ ...} مع أنّ الصيّب معروف أنّه لا ينزل إلّا من السماء قال : وتنكير صيّب لأنه أريد نوع من المطر شديد هائل، وأمّا السماء فقد جاء بها معرفة فنفى أن يتصوّب من سماء أي من أفق واحد من بين سائر الآفاق لأنّ كلّ أفق من آفاقها سماء ......
والمعنى أنّه غمام مطبق آخذ بآفاق السماء، وفيه مبالغات من جهة التركيب والبناء، والتنكير أمد ذلك بأن جعله مطبقا" «7». إنّ مجرد السؤال عن التنكير والتعريف في سياق دون آخر، هو تصريح بصدور المفسّر عن هذا الأصل. وهو علاقة النصّ اللّغوي بالمقام الاجتماعي. إنّ تخطي القاعدة النحويّة أو إعمالها في سياق دون آخر يجعل الأمر غير مرتبط بالمستوى اللّغوي فقط وإنّما يتجأو زه إلى ما يحيط بممارسة اللغة وهو الظرف الاجتماعي أو المقام.
إن تنكير جنات في الآية (25) ، وتعريف (الأنهار) في هذه الآية مظهر لغوي جدير بالانتباه، لأنّه قد يظنّ تعارضه مع الواقع، فيسارع المفسّر إلى إيضاح هذا بقوله :
" لأنّ الجنّة اسم لدار الثواب كلّها، وهي مشتملة على جنان كثيرة مرتّبة مراتب على حسب استحقاقات العاملين، لكلّ طبقة منهم جنّات من تلك الجنان أمّا تعريف الأنهار فإنّه يراد بها الجنس كما تقول لفلان بستان فيه الماء الجاري والتين والعنب وألوان الفواكه، تشير إلى الأجناس التي في علم المخاطب ..." «8». إنّ الواقع أو المقام اتّصل مباشرة بهذه الظاهرة السياقيّة كما أنّ المعلومات السابقة للمخاطب تتحكّم هنا أيضا كما في هذا المثال الأخير.
وقد اعتبر الرازي موافقة التعريف والتنكير للمقام الاجتماعي إصابة لمحزّ البلاغة في تفسيره للآية { ولَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ} وقال :" كلام فصيح، وهو أن القصاص قتل وتفويت للحياة وقد جعل مكانا وظرفا للحياة، ومن إصابة محزّ البلاغة بتعريف القصاص وتنكير الحياة لأنّ المعنى ..." «9». وقد يكون التعريف لتخريج النّصّ مخرج العموم كما أو رد الرازي في تفسيره للآية { يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}. ثم يعقّب على هذا بقوله : " إنّ لفظ الجمع المعرّف بلام التعريف يفيد العموم، ويرغّبك في طلب ما طلبوا، وينشّطك لتقديم ما قدّموا، ويثبّطك عن الطمع الفارغ، والرجاء الكاذب " «10». فهنا إشارة إلى أنّ التعريف والتنكير من العناصر التي تقوّي غرض الخطاب، ودلالته وهو مثل آخر على دور هذه الظاهرة اللّغوية في تقوية السياق.
وفي تفسير الآية (125) وهي قوله : { وإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وأَمْناً واتَّخِذُوا ...} قال الرازي" أمّا البيت فإنّه يريد البيت الحرام، واكتفى بذكر البيت مطلقا لدخول الألف واللام عليه، إذ كانتا تدخلان لتعريف المعهو د أو الجنس، وقد علم المخاطبون أنّه لم يرد به الجنس فانصرف إلى المعهو د عندهم وهو الكعبة" «11». إنّ ما يدّخره المخاطب في حافظته من علم يبني عليه السياق، ومثله في تفسير الطبري تعليقه على تعريف (السفهاء) «12»، اتكاء على معرفة المخاطب لهؤلاء السفهاء.
ويبدواستقصاء الظاهرة اللّغويّة في سياقين متشابهين مختلفين أمرا غاية في الفائدة، وانظر هذه الأمثلة في مسألة التعريف والتنكير فقد جاء في سورة البقرة قوله تعالى { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة : 61]. وفي سورة آل عمران قال {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ } [آل عمران : 21]، وفي النساء {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران : 181]قيل : " لأنّ ما في البقرة إشارة إلى الحقّ الذي أذن اللّه أن يقتل النفس فيه ، وهو قوله {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام : 151]. وكان الأو لى بالذكر لأنّه من اللّه تعالى ، وما في آل عمران والنساء نكرة أي بغير حقّ في معتقدهم ودينهم ؛ فكان بالتنكير أو لى" «13». إنّ المعتقدات والمعرفة قد تكون جزءا من السياق الثقافي والاجتماعي للمخاطب وتتبدّى جليّة في الخطاب اللغوي.
ومن أمثلته أيضا قوله تعالى في سورة البقرة في الآية (126) { رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً} على التنكير، وفي سورة إبراهيم في الآية (35) { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} على التعريف لوجهين : " الأو ل أنّ الدعوة الأو لى وقعت ولم يكن المكان قد جعل بلدا ، كأنّه قال : اجعل هذا الوادي بلدا آمنا .. والدعوة الثانية وقعت وقد جعل بلدا، فكأنّه قال :
اجعل هذا المكان الذي صيّرته بلدا ذا أمن وسلامة. والثاني أن تكون الدعوتان وقعتا بعد ما صار المكان بلدا. فقوله { بَلَداً آمِناً} تقديره : (اجعل هذا البلد بلدا آمنا) كقولك : كان اليوم يوما حارّا ، وهذا إنّما تذكره للمبالغة في وصفه بالحرارة ، لأنّ التنكير يدلّ على المبالغة؛ فيكون معناه " اجعله من البلدان الكاملة في الأمن ". وأمّا قوله ربّ اجعل هذا البلد آمنا فليس فيه إلّا طلب الأمن لا طلب المبالغة " «14».
______________________
(1) الإتقان في علوم القرآن، 2/ 403.
(2) نفسه، 2/ 403.
(3) نفسه، 2/ 405.
(4) الكشاف، 1/ 45.
(5) تفسير الرازي، 1/ 68.
(6) الكشاف، 1/ 47.
(7) الكشاف، 1/ 82.
(8) نفسه ، 1/ 107.
(9) تفسير الرازي، 3/ 54.
(10) الكشاف، 1/ 49.
(11) تفسير الرازي، 4/ 46.
(12) تفسير الطبري، 1/ 116.
(13) الفيروزآبادي، بصائر ذوي التمييز، 1/ 144.
(14) تفسير الرازي، 3/ 59.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|