أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-4-2016
3318
التاريخ: 14-10-2015
5259
التاريخ: 10-4-2016
2982
التاريخ: 30-4-2022
1910
|
كان المال واقتناؤه ولا يزال، من اعظم الاختبارات التي يختبر الله به عباده. فللذهب والفضة بريق يحرّك في الانسان الشهوة في اقتنائهما وجمعهما وكنـزهما، وكلما كان التسابق نحو جمع الثروة حامياً، كلما بقيت مجموعة من الناس في المؤخرة تُحرم من الحصول على ما يسد حاجاتها ويشبع جوعتها؛ لان كمية المال من النقدين محدودة، والحائز على كمية اكبر، يحرم بالنتيجة الآخرين منهما.
فكان لابد للدين من تدخلٍ في تنظيم الثروة الاجتماعية، عبر فرض حق معلوم للفقراء في اموال الاغنياء، وعبر المساواة في العطاء من بيت المال للفقراء، وعبر تخصيص الفيء او الغنيمة للمقاتلين دون غيرهم. ومن اجل تكوين صورة واضحة عن ذلك، فقد انتخبنا هنا اربع عشرة حكمة وأثراً من آثاره (عليه السلام):
1 _ قال (عليه السلام): ««اضرِب بطرفِكَ حيثُ شئتَ منَ الناسِ، فهل تُبصِرُ إلاّ فقيراً يُكابِدُ فَقراً، أو غنيّاً بدَّلَ نعمةَ اللهِ كُفراً، أو بَخيلاً اتخذَ البُخلَ بِحقِّ اللهِ وَفراً، أو متمرِّداً كأن بأذنُه عن سمعِ المواضِعِ وقراً».
2 _ ومن كتابٍ له (عليه السلام) الى زياد بن ابيه: «فَدَعِ الاسرافَ مُقتصِداً، واذكُر في اليَومِ غَداً، وأمسِك مِنَ المالِ بِقدرِ ضَرورَتِكَ، وقدِّم الفَضلَ ليومِ حاجتكَ. أترجو أن يُعطيكَ اللهُ أجرَ المُتواضِعينَ، وأنتَ عندهُ مِنَ المُتكبِّرينَ! وتطمعُ _ وأنتَ متمرِّغٌ في النعيمِ تمنعُهُ الضعيفَ والارملَةَ _ أن يُوجبَ لَكَ ثَوابَ المتصدقين؟ وانما المرءُ مجزيٌّ بما اسلَفَ، وقادمٌ على ما قدَّمَ، والسلامُ».
3 _ من كتابٍ له (عليه السلام) الى بعض عماله: «...كيفَ تُسيغُ شراباً وطعاماً، وأنتَ تعلَمُ أنّكَ تأكُلُ حراماً، وتشرَبُ حراماً، وتبتاعُ الإماءَ وتنكِحُ النساءَ من اموال اليتامى والمساكينِ والمؤمنين والمجاهدينَ، الذينَ أفاءَ اللهُ عليهم هذهِ الاموالَ، وأحرزَ بهم هذهِ البلادَ».
4_ «إنَّ اللهَ سُبحانهُ فرضَ في أموالِ الاغنياءِ اقواتَ الفقراءِ، فما جاعَ فقيرٌ إلاّ بما مُتِّعَ بهِ غنيٌّ، واللهُ تعالى سائلُهُم عن ذلك».
5 _ وقال (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية: «...وقامَ معهُ (أي عثمان) بنو ابيه (بنو امية) يخضَمُونَ مالَ اللهِ خضمَ الإبِلِ نبتةَ الربيعِ».
6 _ وقال (عليه السلام) فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان: «واللهِ لو وجَدْتُهُ قد تُزُوِّجَ بهِ النساءُ، ومُلِكَ بهِ الاماءُ: لردَدتُهُ، فإنَّ في العدلِ سعةً. ومن ضاقَ عليهِ العدلُ، فالجَورُ عليهِ أضيَقُ».
7 _ «وإنَّ لكَ في هذهِ الصدَقَةِ نصيباً مفروضاً، وحقاً معلوماً، وشُركاءَ اهل مَسكنةٍ، وضعفاءَ ذوي فاقةٍ، وإنا موفُّوكَ حقَّكَ، فوفِّهِم حُقوقَهُم، وإلا تَفعَل فإنَّكَ من أكثرِ الناسِ خُصوماً يومَ القيامةِ، وبؤسا لمن _ خصمُهُ عندَ اللهِ _ الفقراءُ والمساكينُ والسائلُونَ والمدفُوعونَ، والغارمُونَ وابنُ السبيلِ! ومن استهانَ بالأمانةِ، ورتعَ في الخيانَةِ، ولم يُنـزَّهْ نفسَهُ ودينَهُ عنها، فقد أحلَّ بنفسهِ الذِّلَّ والخزيَ في الدنيا، وهو في الآخرةِ أذَلُّ واخزى، وإنَّ أعظمَ الخيانَةِ خيانةُ الامةِ، وأفظَعَ الغِشِّ غِشُّ الائمةِ، والسلامُ».
8 _ «... ولكنني آسى ان يليَ امرَ هذهِ الامةِ سُفهاؤها وفُجّارُها، فيتخذوا مالَ اللهِ دُوَلاً، وعبادَهُ خَوَلاً (أي عبيداً)...».
9 _ ومن كتابٍ له (عليه السلام) الى قثم بن العباس عامله على مكة: «وانظُر الى ما اجتمعَ عندَكَ من مالِ اللهِ فاصرِفهُ الى من قِبَلَكَ من ذوي العيالِ والمجاعةِ، مُصيباً بهِ مواضِعَ الفاقةِ والخلاّتِ. وما فَضَلَ عن ذلكَ فاحمِلهُ إلينا لنقسِمَهُ فيمن قِبَلَنا».
10 _ ومن كلام له (عليه السلام) لما عوتب على التسوية في العطاء: «أتأمُرُني أن أطلُبَ النصرَ بالجَورِ فيمَن وُلِّيتُ عليهِ، واللهِ ما أطُورُ به ما سَمَرَ سميرٌ، وما أمَّ (أي قصد) نجمٌ في السماءِ نجماً! لو كانَ المالُ لي لسويتُ بينهم، فكيفَ وانما المالُ مالُ اللهِ».
11 _ وقال (عليه السلام) لطلحة والزبير: «وأما ما ذكرتما من أمرِ الأُسوةِ (أي التسوية بين المسلمين في قسمة الاموال) فإنَّ ذلكَ أمرٌ لم أحكُم أنا فيهِ برأيي، ولا وليتُهُ هوىً منِّي، بل وجدتُ أنا وانتما ما جاء به رسولُ اللهِ (ص) قد فُرِغَ منه...».
12 _ من كلام له (عليه السلام) كلّم به عبد الله بن زمعة، وهو من شيعته، وذلك انه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالاً، فقال (عليه السلام): «إنَّ هذا المالَ ليسَ لي ولا لكَ، وإنَّما هوَ فيءٌ للمسلمينَ، وجَلبُ اسيافهِم، فإنَّ شرِكتَهُم في حربِهم، كان لك مثلُ حظِّهم، والا فجناةُ أيديهِم لا تكُونُ لغيرِ أفواهِهِم».
13 _ ومن كتاب له (عليه السلام) الى مصقلة بن هبيرة الشيباني عامله على اردشير خُرَّة في بلاد العجم: «بلغني عنك... أنكَ تقسِمُ فيءَ المسلمينَ الذي حازتهُ رماحُهُم وخُيولُهُم، وأريقت عليهِ دماؤُهُم، فيمن اعتامَك (أي اختارك) من أعرابِ قومِكَ... ألا وإنَّ حقَّ من قِبَلَكَ وقِبَلَنا (أي من عندك وعندنا) من المسلمين في قسمةِ هذا الفيءِ سَواءٌ: يرِدُون عندي عليهِ، ويصدُرون عنهُ».
14 _ وقال (عليه السلام) مخاطباً احد عماله: «...والفيءُ فقسِّمهُ على مُستحقِّيهِ...».
نستدل من قراءة تلك النصوص الخالدة على جملة امور، منها:
اولاً: ان القاعدة الاسلامية في المال هي ان الله سبحانه فرض في اموال الاغنياء اقواتَ الفقراء. أي ان الحق الشرعي الذي يدفعه الغني، خُمساً كان او صدقةً، هو حق مفروض بقوة التشريع. وبتعبير ثالث ان الغني لا يستطيع ان يُمنّ على الفقير لمنحه صدقة او خمساً، لان ذلك واجبٌ مفروض عليه، كما قرر الاسلام.
ثانياً: ان المال المجتمع عند الوالي في الولايات النائية يُفترض ان يصرف على اهل الولاية، من الفقراء، وما زاد عن ذلك يُنقل الى الحاكم الشرعي العام، وتلك اللامركزية في توزيع الحقوق تعني ان التوزيع يتم من الاسفل نحو الاعلى لا العكس. بمعنى ان القاعدة ينبغي ان تشبع اولاً ثم ما يفضل من المال يذهب الى الحكومة المركزية.
فهذا صريح قوله (عليه السلام): «وانظر الى ما اجتمعَ عندكَ من مالِ اللهِ فاصرفهُ الى من قبلكَ من ذوي العيال والمجاعة... وما فضلَ عن ذلك فاحمله الينا لنقسمه فيمن قبلنا».
ثالثاً: ورد لفظ الفيء في كلام الامام (عليه السلام) حول المال، ولابد من استيضاح معنى الكلمة:
قال الراغب الاصفهاني: الفَيْءُ: وهي الغنيمة التي لا يَلحَقُ فيها مشقَّةٌ. قال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7].
وقال الطبرسي في «مجمع البيان»: «الفيء رد ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك الله اياهم ذلك على ما شرط فيه...» .
وقوله (عليه السلام) لاحد اتباعه وهو عبد الله بن زمعة عندما طلب منه مالاً: «إنَّ هذا المالَ ليسَ لي ولا لَكَ. وإنَّما هوَ فيءٌ للمسلمينَ، وجَلبُ اسيافهِم، فإنَّ شرِكتَهُم في حربِهم، كان لك مثلُ حظِّهم، والا فجناةُ أيديهِم لا تكُونُ لغيرِ أفواهِهِم»، يدعونا لترتيب بعض الافكار:
أ _ يظهر من كلام الامام (عليه السلام) ان الغنيمة (الفيء) كانت لا توزع الا على المحاربين. ولذلك قال (عليه السلام) له: فإن شركتهم في الحرب، كان لك مثلُ حظِّهم.
أي ان لم تكن مقاتلاً مثلهم او حضرت القتال معهم، لا يعطى لك من هذا المال.
ب _ ان المراد بالفيء في كلام الامام (عليه السلام) هي الغنيمة التي ترد عن طريق السيف والحرب. واصله ما وقع للمؤمنين صلحاً من غير قتال، ولذلك وجدنا تعريف الراغب الاصفهاني يميل الى المعنى الاصلي، ولكن الغالب في كلام الامام (عليه السلام) ان الفيء هو الغنيمة التي وردت عن طريق الحرب، وعبّر (عليه السلام) عنها بمصطلح: «جلبُ اسيافهم».
رابعاً: ان المال الآتي من الغنائم (الفيء) لا يصرف الا على الجنود، المقاتلين ومن حضر القتال ولم يقاتل. قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41].
والقاعدة ان جميع ما يُغنم من بلاد الشرك يُخرج منه الخمس. فيفرق في اهله كما هو معروف. وهي ستة اقسام: سهم لله وسهم لرسوله وسهم لذي القربى، وهذا للنبي (صلى الله عليه واله) او القائم مقامه (عليه السلام)، وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل، كلهم من اهل بيت الرسول (صلى الله عليه واله) لا يشركهم فيها باقي الناس، واباح لفقراء سائر المسلمين ومساكينهم وابن سبيلهم من الصدقات الواجبة المحرمة على اهل بيت النبي (صلى الله عيله واله).
والباقي (اربعة اخماس) على ضربين: فالارضون والعقارات لجميع المسلمين، وما يمكن نقله للمقاتلين ولمن حضر القتال خاصة، وان لم يقاتل، للفارس سهمان وللراجل سهم واحد.
خامساً: يقول تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] يصرف مال الصدقات على الفقراء، بعد ان يقسّم ثمانية اسهم، وهي: الفقراء، والمساكين، والعاملون على جباية الزكاة، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمون، وفي سبيل الله تعالى، وابن السبيل. وسوف نتحدث عن ذلك باسهاب عندما نصل الى بحث الفقر في هذا الفصل، ان شاء الله تعالى.
ولكن ما نريد ان نقوله هنا هو ان طبيعة الضريبة في الاسلام انما جاءت لمعالجة مشاكل الاسر الفقيرة من ذوي العيال والمجاعة، واسر الضعفاء والارامل واليتامى، بالدرجة الاولى. ولكنها لم تنسَ في الوقت نفسه الافراد الاقل حظاً في المجتمع مثل الذين ركبتهم الديون، والذين لا يزالون لم يتمتعوا بحريتهم، والذين انقطعوا في الطريق وهم بعيدون عن اهلهم وذويهم.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|