أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-3-2018
829
التاريخ: 11-4-2017
1085
التاريخ: 30-07-2015
1263
التاريخ: 11-4-2017
1392
|
يجب أن يعتقد أنّ الإمام الحقّ من بعده بلا فصل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، لأنّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نصّ عليه نصّا متواترا بالخلافة، و لأنّ الإمام يجب أن يكون معصوما، لأنّ الإمامة لطف، لأنّ النّاس إذا كان لهم رئيس مرشد، كانوا إلى الصّلاح أقرب، و من الفساد أبعد، واللّطف واجب على اللّه تعالى، فتعيّن عليه نصب الإمام.
وذلك الإمام لا يجوز أن يكون جائز الخطأ، و إلّا لافتقر إلى إمام آخر، و يتسلسل، فثبت أنّه معصوم، [و] غير علي بن أبي طالب عليه السّلام ممّن ادّعي [فيه] الإمامة بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليس بمعصوم، بالإجماع، و الأدلّة في ذلك أكثر من أن تحصى.
أقول: هذا هو الرّكن الرّابع من أركان الإيمان، وهو ركن الإمامة.
والإمامة: رئاسة عامّة لشخص من الأشخاص في أمور الدّين و الدّنيا بحقّ الأصالة، وهي واجبة على اللّه تعالى، لما يأتي .
والإمام الحقّ بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بلا فصل هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، والدّليل عليه من وجوه [1]:
الأوّل: النّصّ عليه من النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالخلافة، كقوله عليه السّلام: (أنت الخليفة من بعدي [2]) و قد نقل ذلك الشّيعة نقلا متواترا.
وقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للحسين بن عليّ عليهما السّلام: (أنت إمام، ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمّة تسعة؛ تاسعهم قائمهم، يملأ الأرض قسطا و عدلا، كما ملئت ظلما و جورا) [3].
الثّاني: أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما، و لا معصوم سواه، فيجب أن يكون هو الإمام دون غيره، وإنما قلنا: إنّ الإمام يجب أن يكون معصوما، لأنّ الإمامة لطف، لأنّ معنى اللّطف: ما يكون المكلّف معه أقرب إلى [فعل] الطّاعة، و أبعد عن [فعل] المعصية، و الإمامة كذلك، لأنّ النّاس إذا كان لهم رئيس قاهر يحثّ النّاس إلى فعل الطّاعات و يأمرهم بفعل الواجبات، ويزجرهم عن تركها، ويتوعّدهم على فعل القبائح، ويزجرهم عنها، ويرغّبهم في تركها، وينتصف للمظلوم من الظّالم، كانوا إلى الطّاعة أقرب وعن المعصية أبعد، و لا معنى للّطف إلّا ذلك.
فثبت أنّ نصب الإمام لطف، و كلّ لطف واجب على اللّه تعالى.
وإنّما قلنا: انّ اللطف واجب على اللّه تعالى، لأنّه تعالى لمّا أراد من المكلّفين وقوع ما كلّفهم [به]، و علم أنّهم لا يختارون ذلك إلّا إذا فعل فعلا يختارون معه ذلك الفعل الّذي كلّفهم به، و لا مشقّة عليه: [فيجب في حكمته] فعل ذلك الفعل، و إلّا لكان ناقضا لغرضه، و نقض الغرض سفه قبيح- تعالى اللّه عن ذلك- و جرى ذلك مجرى من صنع وليمة و أراد حضور شخص [إلى] تلك الوليمة، و علم أنّه لا يحضرها إلّا إذا مشى إليه، أو أرسل إليه رسولا، فلو لم يفعل ذلك مع إرادته لحضوره، كان ناقضا لغرضه. فثبت أنّ نصب الإمام واجب على اللّه تعالى.
فنقول : ذلك الإمام الّذي يجب على اللّه [تعالى] نصبه، لا يجوز أن يكون ممّن يجوز وقوع الخطأ منه، و إلّا لاحتاج إلى إمام آخر يردّه عن خطئه، لأنّ علّة احتياج النّاس إلى الإمام هي جواز الخطأ عليهم، فإذا كان جائز الخطأ، احتاج إلى إمام كما احتاجت الامّة إلى الإمام ، لمشاركته لهم في علّة الاحتياج إلى الإمام، و يحتاج الإمام الثّاني إلى الثّالث ، وهكذا، و يلزم التّسلسل، و هو محال.
وإذا لزم المحال من فرض كون الإمام غير معصوم، فيجب أن يكون معصوما، و هو المطلوب.
فنقول: ذلك الإمام المعصوم لا يخلو من أحد الأشخاص الثّلاثة [الّذين] ادّعيت لهم الإمامة بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وهم: عليّ عليه السّلام، والعبّاس رضي اللّه عنه، وأبو بكر، لا يجوز أن يكون كلّ واحد من العبّاس وأبي بكر إماما، للاتّفاق على عدم عصمتها، فيكون القول بإمامتهما قولا بإمامة غير المعصوم، وهو مخالف لما دلّ عليه الدّليل من وجوب عصمة الإمام، فيكون باطلا.
فيجب أن يكون قول من ادّعى الإمامة لعليّ عليه السّلام حقّا، لاعتقادهم وجوب عصمته ، لأنّه لو لم يكن قولهم حقّا للزم أن يكون هناك قول بإمامة إمام معصوم غير عليّ، و هو قول خارق للإجماع.
والأدلّة في ذلك كثيرة [4].
منها: قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } [المائدة: 55] والوليّ المراد به: الأولى [5]، لاستعمال ذلك في اللّغة، و عطف سبحانه ولاية رسوله على ولاية اللّه، و عطف ولاية الّذين آمنوا على ولاية الرّسول، فيجب طاعة الّذين آمنوا كما وجب طاعة اللّه و طاعة رسوله، لأنّ حكم المعطوف حكم المعطوف عليه. و المراد بالّذين آمنوا: بعض المؤمنين، و هو عليّ عليه السّلام، لأنّه وصف بصفة لم تحصل لغيره، و هو إيتاء الزكاة في حال ركوعه، فيجب أن يكون هو الأولى بالتّصرّف في الأمّة، و ذلك صفة الإمام.
أقول: إنّ مسألة نزول هذه الآية الكريمة في حقّ مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) ممّا دلّت عليه الرّوايات المتواترة من الفريقين في مختلف الكتب و المصادر الحديثيّة و التّفسيريّة و الكلاميّة و الفقهيّة و التّأريخية، وقد نصّ على صحّة هذه الرّوايات والوثوق بها والتّعويل عليها: أعاظم علماء السّنّة بمختلف مذاهبهم ومدارسهم، وقد ذكر العلّامة الأميني «رحمه اللّه» منهم جمعا غفيرا مع ذكر كتبهم، فليراجع.
ومنها: قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم الغدير: (من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أدر الحقّ معه حيث ما دار) [6] و المولى المراد به: الأولى أيضا، لاستعمال ذلك في اللّغة.
ومنها: قوله [عليه السّلام] : (سلّموا [على عليّ] بإمرة المؤمنين) [7].
ومنها: قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا النّبوّة) [8] ومن جملتها: كونه خليفة له، فيجب أن يكون عليّ خليفة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
_________________
[1] أورد العلّامة «قدس اللّه روحه» في كتابه: نهج الحق و كشف الصّدق: 172- 231، فصلين ممتعين في طريق تعيين إمامة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقرآن و السّنّة، مع إيراد روايات مختلفة من كتب السّنّة و مصادرهم المعتبرة، في كونها كلّها في بيان إمامته و أفضليّته بعد رسول اللّه (صلى الله عليه واله)، فليراجع.
[2] الخصال 2: 555 باختلاف يسير، و كذا رواه الخوارزميّ في مقتل الحسين (عليه السلام): 94، والعلّامة المجلسي في بحار الأنوار 36: 270.
[3] الخصال 2: 469، 475، عيون أخبار الرّضا 1: 52.
[4] من أراد استقصاءها، فليرجع إلى كتاب: الألفين في إمامة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، للمصنّف «قدّس اللّه روحه»، فقد ذكر فيه بحوثا وافية في الإمامة بأدلّة كافية، لم يسبقه إليها غيره من علمائنا على كثرة مصنّفاتهم في الإمامة، حيث يقول فيه: أوردت فيه من الأدلّة اليقينيّة، والبراهين العقليّة و النّقلية ألف دليل على إمامة سيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وألف دليل على إبطال شبه الطّاعنين.
[5] قال الشيخ الطّوسي «رحمه اللّه»: وجه الدّلالة من الآية أنّه قد ثبت أنّ الوليّ في الآية بمعنى: الأحقّ، و الأولى، و ثبت أنّ المعنيّ بقوله: «وَ الَّذِينَ آمَنُوا»* أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وإذا ثبت هذان الأصلان دلّ على إمامته (عليه السلام)، لأنّ كلّ من قال: انّ معنى الوليّ في الآية ما ذكرناه قال: إنّها مخصوصة فيه، و من قال: إنّها مخصوصة، قال: إنّ المراد بها الإمامة.
فإن قيل: دلّوا على أنّ الوليّ يستعمل في اللّغة بمعنى: الأولى و الأحقّ، ثمّ على أنّ المراد به في الآية ذلك، ثمّ بيّنوا توجّهها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).
قيل له : أمّا الّذي يدلّ على أنّ الوليّ يستعمل في اللّغة بمعنى: الأولى استعمال أهل اللّغة، لأنّهم يقولون في السّلطان المالك للأمر: فلان وليّ الأمر، وقال الكميت :
ونعم وليّ الأمر بعد وليّه ومنتجع التّقوى و نعم المؤدّب
ويقولون: فلان وليّ العهد، في من استخلف للأمر، لأنّه أولى بمقامه من غيره، و روي عن النّبيّ (صلى الله عليه واله): (أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها، فنكاحها باطل) و إنّما أراد به من يكون أولى بالعقد عليها، و قال اللّه تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي } [مريم: 5، 6] يعني: من يكون أولى بحوز الميراث من بني العمّ. و قال المبرّد في كتابه المعروف بالعبارة عن صفات اللّه: إنّ أصل الوليّ هو: الأولى، و الأحقّ، و كذلك المولى، فجعل الثّلاث عبارات بمعنى واحد. و شواهد ما ذكرنا كثيرة في كتب اللّغة.
فامّا الّذي يدلّ على أنّ المراد به في الآية ما ذكرناه، هو أنّ اللّه تعالى نفى أن يكون لنا وليّ غير اللّه و غير رسوله و الّذين آمنوا بلفظة: «إنّما»، و لو كان المراد به الموالاة في الدّين لما خصّ بها المذكورين، لأنّ الموالاة في الدّين عامّة في المؤمنين كلّهم، قال اللّه تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71].
و الّذي يدلّ على أنّ لفظة «أنّما» تفيد التّخصيص أنّ القائل إذا قال: إنّما لك عندي درهم، فهم منه نفي ما زاد عليه، و جرى مجرى: ليس لك عندي إلّا درهم. و كذلك إذا قالوا: إنّما النّحاة المدقّقون البصريّون، فهم نفي التّدقيق عن غيرهم. وكذلك إذا قالوا: إنّما السّخاء سخاء حاتم، فهم نفي السّخاء عن غيره، و قد قال الأعشى:
و لست بالأكثر منهم حصى وإنّما العزّة للكاثر
وأراد نفي العزّة عمّن ليس بكاثر، و قد روي عن النّبيّ (صلى الله عليه واله): (إنّما الماء من الماء) و احتجّ بذلك الأنصار في نفي الماء من غير الماء، و ادّعى من خالفهم نسخ الخبر، فعلم أنّهم فهموا منه التخصيص، و الّا كانوا يقولون: «إِنَّما»* لا تفيد الاختصاص بوجوب الماء من الماء.
والّذي يدلّ على أنّ الولاية في الآية مختصّة، أنّه قال: «وَلِيُّكُمُ»* فخاطب به جميع المؤمنين جملتهم و دخل في ذلك النّبيّ و غيره، ثمّ قال: «وَ رَسُولُهُ»* فأخرج النّبي- عليه وآله السّلام- من جملتهم، لكونهم مضافين إلى ولايته، فلمّا قال: «وَالَّذِينَ آمَنُوا»* وجب أيضا أنّ الّذي خوطب بالآية غير الّذي جعلت له الولاية، و إلّا أدّى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه، و أدّى إلى أن يكون كلّ واحد منهم وليّ نفسه، و ذلك محال.
وإذا ثبت أنّ المراد في الآية ما ذكرناه، و الّذي يدلّ على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو المختصّ بها أشياء:
منها: أنّ كلّ من قال: إنّ معنى الوليّ في الآية معنى الأحقّ، قال: إنّه هو المخصوص به، و من خالف في اختصاص الآية فجعل الآية عامّة في المؤمنين، و ذلك قد أبطلناه.
و منها: أنّ النّقل حاصل من الطّائفتين المختلفتين و الفرقتين المتباينتين من الشّيعة و أصحاب الحديث انّ الآية خاصّة في أمير المؤمنين (عليه السلام).
و منها: أنّ اللّه تعالى وصف الّذين آمنوا بصفات ليست موجودة إلّا فيه، لأنّه قال: (وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) فبيّن أنّ المعنيّ بالآية هو الّذي آتى الزّكاة في حال الرّكوع، و أجمعت الامّة على أنّه لم يؤت أحد الزّكاة في هذه الحال غير أمير المؤمنين (عليه السلام).
وليس لأحد أن يقول: انّ قوله: (و هم راكعون) ليس هو حالا لإيتاء الزّكاة، بل إنّما المراد به أنّ صفتهم إيتاء الزّكاة، لأنّ ذلك خلاف للّغة، ألا ترى أنّ القائل إذا قال: لقيت فلانا و هو راكب، لم يفهم منه إلّا لقاؤه في حال الرّكوب، و لم يفهم منه أنّ من شأنه الرّكوب. و إذا قال: رأيته و هو جالس، أو جاءني و هو ماش، لم يفهم من ذلك كلّه إلّا موافقة رؤيته في حال الجلوس أو مجيئه ماشيا. و إذا ثبت ذلك، وجب أن يكون حكم الآية أيضا هذا الحكم.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المراد بقوله تعالى: (وَهُمْ راكِعُونَ) أي: يؤتون الزّكاة متواضعين، كما قال الشّاعر:
لا تهين الكريم علّك أن تركع * يوما و الدهر قد رفعه
وإنّما أراد به علّك أن تخضع يوما.
قيل له: الرّكوع هو التّواطؤ المخصوص، وإنّما يقال للخضوع ركوع تشبيها ومجازا، لأنّ فيه ضربا من الانخفاض، والّذي يدلّ على ما قلناه : ما نصّ عليه أهل اللّغة، ذكر صاحب كتاب العين فقال: كلّ شيء ينكبّ لوجهه فيمسّ ركبته الأرض أو لا يمسّ بعد أن يطأطئ رأسه، فهو راكع. و قال ابن دريد: الرّاكع:
الّذي يكبو على وجهه، و منه الرّكوع في الصّلاة ، قال الشّاعر:
وافلت حاجب فوق العوالي * على شقّاء تركع في الظّراب
أي: تكبو على وجهها.
وإذا ثبت أنّ الحقيقة في الرّكوع، ما ذكرناه لم يسع حمله على المجاز من غير ضرورة.
فإن قيل: قوله: «الَّذِينَ آمَنُوا»* لفظه عامّ، كيف يجوز لكم حمله على الواحد، و هل ذلك إلّا ترك للظّاهر؟!
قيل له : قد يعبّر عن الواحد بلفظ الجمع إذا كان عظيم الشّأن عالي الذّكر، قال اللّه تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [الحجر: 9] وهو واحد، وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ} [مريم: 40] وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13]
{ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] ونظائر ذلك كثيرة.
وأجمع المفسّرون على أنّ قوله: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] أنّ المراد بقوله: (النّاس) الأوّل: نعيم بن مسعود الأشجعيّ، وقال تعالى: {أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } [البقرة: 199] يعني: رسول اللّه (صلى الله عليه واله) وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168] نزلت في عبد اللّه بن أبي سلول، وإذا كان ذلك مستعملا على ما قلناه ، فكذلك قوله تعالى : {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [المائدة: 55] نحمله على الواحد الّذي بيّنّاه.
فإن قيل: أليس قد روي أنّ هذه الآية نزلت في عبد اللّه بن سلام و أصحابه فما أنكرتم أن يكون المعنيّ ب: (الّذين آمنوا) هم دون من ذهبتم إليه.
قلنا: أوّلا ما نقول إنّا إذا دللنا على أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) بنقل الطّائفتين المختلفتين، وإنّما ذكرناه من اعتبار الصّفة المذكورة في الآية وأنّها ليست حاصلة في غيره فقد بطل ما روى من هذه الرّواية.
على أنّ الّذي روي من خبر عبد اللّه بن سلام خلاف ما ذهب إليه السّائل، و ذلك أنّه روي أنّ عبد اللّه بن سلام كان بينه و بين اليهود محالفة فلمّا أسلموا قطعت اليهود محالفته و تبرّءوا منهم فاغتمّ بذلك هو و أصحابه، فأنزل اللّه هذه الآية تسلية لعبد اللّه بن سلام و أنّه قد عوّضهم من محالفة اليهود ولاية اللّه و ولاية رسوله و ولاية الّذين آمنوا.
والّذي يكشف عن ذلك أنّه قد روي أنّه لمّا نزلت الآية خرج النّبيّ (صلى الله عليه واله) من البيت فقال لبعض أصحابه: هل أحد أعطى السّائل شيئا؟ فقالوا: نعم يا رسول اللّه، قد أعطى عليّ بن أبي طالب السّائل خاتمه وهو راكع، فقال النّبيّ (صلى الله عليه واله): اللّه أكبر، قد أنزل اللّه فيه قرآنا، ثمّ تلا الآية إلى آخرها، وفي ذلك بطلان ما توهّمه السّائل.
المفصح في إمامة أمير المؤمنين والأئمّة (الرّسائل العشر): 129- 133.
وقد نقل العلّامة الأميني في كتابه الغدير 2: 52، و الإمام شرف الدّين الموسويّ في كتابه المراجعات:
ما ذكره الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النّيسابوريّ الثّعلبيّ عند بلوغه هذه الآية من تفسيره الكبير بالإسناد إلى أبي ذرّ الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه واله) بهاتين و إلّا صمّتا، و رأيته بهاتين و إلّا عميتا، يقول: عليّ قائد البررة، و قاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، أما إنّي صلّيت مع رسول اللّه (صلى الله عليه واله) ذات يوم، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، و كان عليّ راكعا، فأومأ بخنصره إليه و كان يتختّم بها، فأقبل السّائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره، فتضرّع النّبيّ (صلى الله عليه واله) إلى اللّه عزّ وجلّ يدعوه، فقال: اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} [طه: 25 - 35] فأوحيت إليه {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه: 36] للّهمّ وإنّي عبدك ونبيّك، فاشرح لي صدري و يسّر لي أمري، و اجعل لي وزيرا من أهلي عليّا اشدد به ظهري، قال أبو ذرّ: فو اللّه ما استتمّ رسول اللّه (صلى الله عليه واله) الكلمة حتّى هبط عليه الأمين جبرئيل بهذه الآية: (إنّما وليّكم ...).
[6] أخرج هذا الحديث متواترا جمع غفير من علماء الطائفتين: من أئمّة الحديث و التّفسير و الكلام و التّأريخ، فمن طريق العامّة، راجع: شواهد التّنزيل 1: 187، الدّرّ المنثور 2: 298، فتح القدير 3:
57، روح المعاني 6: 168، المنار 6: 463، تفسير الطّبريّ 6: 198، الصّواعق المحرقة: 75، مسند أحمد 4: 281، 368، 370، مجمع الزّوائد 9: 103، كنز العمّال 11: 609.
و من طريق الخاصّة: فقد رواه الشّيخ الصّدوق في أكثر كتبه، راجع: الخصال 2: 479، علل الشّرائع 1: 144، عيون أخبار الرّضا 2: 47، 59، معاني الأخبار 1: 65، 67، التّوحيد: 212، و قد ألّف العلّامة الشّيخ عبد الحسين الأميني في هذا الحديث كتابا أسماه «الغدير» بلغ 11 مجلّدا ضخما، راجع الجزء 1: 11- 152.
[7] أصول الكافي 1: 292.
[8] انظر: صحيح البخاريّ 5: 24، صحيح مسلم 4: 108، سنن أبي داود 1: 29، سنن التّرمذيّ 2:
30، مسند أحمد 1: 17، 173، 175، 185، خصائص النّسائي: 15، 16، كنز العمّال 11: 607، مجمع الزّوائد 9: 109، 110، 111، ذخائر العقبى: 120، أسد الغابة 4: 26، ج: 5: 8.
ومن طريق الخاصّة؛ رواه الشّيخ الصّدوق في: الخصال 1: 211، 2: 455، و علل الشّرائع 1: 222، و عيون أخبار الرّضا 2: 194، و معاني الأخبار 1: 74.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|