أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-02-2015
3867
التاريخ: 4-3-2019
2646
التاريخ: 14-10-2015
3407
التاريخ: 14-2-2019
2258
|
قال تعالى مخاطباً نبيّه (صلى الله عليه واله): {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]. فالقرابة تعتبر من الكليات الثابتة في المجتمع الانساني. ولذلك فهي تلعب دوراً مهماً في تنظيم السلوك وفي تشكيل المجاميع البشرية المتميزة في المجتمع. فالقرابة او النسب تعتمد على الاعتراف الاجتماعي بها واقرارها واحترامها. واحترام القرابة - اجتماعياً - يعني احترام العملية الزوجية وآثارها المترتبة على انجاب البنين والبنات من ارحام مترابطة.
ولا شك ان شبكة العلاقات النَسَبية في المجتمعات الصحراوية كمجتمع مكة قبل الاسلام، لها تأثير فعال على مجمل التركيبة الاجتماعية لتلك المدينة العريقة. فشبكة القرابة لعبت دوراً مهماً في تماسك افراد العشيرة وتضامنهم، وكان نظامها يصوغ لوناً من الحقوق والواجبات المشتركة بين اعضائها.
1- مباني انذار العشيرة:
لقد كان الخطاب الالهي لرسول الله (صلى الله عليه واله) بانذار عشيرته الاقربين مبنيّاً على عدّة أُمور:
الاول: ان بني هاشم، كعشيرة، كانت من اشرف عشائر مكة على الاطلاق. فكان فيهم هاشم «عمرو العلا» الذي هشم الطعام وثرد الثريد عندما اصابت مكة السنة الجدباء، وكان فيهم عبد المطلب الذي حفر بئر زمزم فسقى الحجيج الاعظم ووقف بوجه ابرهة عام الفيل من اجل حماية الكعبة، وكان فيهم ساقي الحجيج ابو طالب، وكان فيهم حمزة سيد فرسان العرب وأشرفهم. فدعوتهم الى الرسالة الجديدة كان له تأثير كبير على قبائل العرب وأشرافها. والى ذلك اشير الى ان «السر في الأمر بالانذار للاقربين اولاً، ان الحجة اذا قامت عليهم تعدت الى غيرهم، والا كانوا علّة للابعد في الامتناع».
الثاني: ان قريشاً كانت تعترف ببني هاشم كعشيرة لها جذورها النَسَبية وعلاقاتها الرَحَمية الممتدة الى اعماق التأريخ. فهي العشيرة التي تمتد جذورها الى ابراهيم الخليل (عليه السلام)، وقد اشار تعالى الى نسل رسول الله (صلى الله عليه واله) بقوله{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 218، 219]. فقيل ان معناه هو: وتقلبك في الساجدين الموحدين من نبي الى نبي حتى اخرجك نبياً.
الثالث: ان الاعراف السائدة في تلك البقعة من الارض في ذلك الزمان كانت تقرُّ بأن لافراد العشيرة حقوقاً وإلزامات. وقد اقر الاسلام بعضاً من تلك الاعراف لانها كانت متناغمة مع المباني العقلية. فكان من الازام العرفي الاخلاقي ان يدعو (صلى الله عليه واله) عشيرته الى افضل ما جاء به رجل لقومه وهو الاسلام. ولذلك فانه (صلى الله عليه واله) قال لهم مخاطباً: «يا بني عبد المطلب، اني والله ما اعلم انساناً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، اني قد جئتكم بخير الدنيا والآخ وقد امرني الله ان ادعوكم.... وفي صيغة ثانية انه (صلى الله عليه واله) قال: «... وقد - والله - أنبأني به وسماه لي، ولكن امرني أن أدعوكم، وأنصح لكم، وأعرض عليكم، لئلا يكون لكم الحجة فيما بعد، وانتم عشيرتي وخالص رهطي...».
ولكنهم، في تلك الواقعة، لم يراعوا حقوق العشيرة بالاستجابة له عدا علياً (عليه السلام) وأبا طالب (رض). بل تنكروا له وخرجوا مستخفين بدعوته اليهم. ولكنهم خضعوا له - بعد سنين - مذعنين مستسلمين. فكان (صلى الله عليه واله) في ضوء اعراف العرب هو المتفضل عليهم.
الرابع: ان عمه ابا طالب الذي رعاه في الصغر وحماه بعد نزول الوحي، يمكن أن يُعدّ بمثابة ابيه من الزاوية الاجتماعية بعد وفاة ابيه عبد الله وجده عبد المطلب (رضوان الله تعالى عليهم). والفرق بين الاب الفسلجي او البيولوجي والاب الاجتماعي هو ان الاب الاجتماعي يتحمل مسؤوليات اجتماعية ويتوقع منه الزامات معينة. فاليتيم الذي حُرِمَ من الابوة البيولوجية يحتاج خلال خروجه الى المجتمع الى ابوة اجتماعية يقوم بها ولي امره الموكَّل بتربيته.
يقول تعالى واصفاً موقف ابراهيم (عليه السلام) من «آزر»: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً} [الأنعام: 74]، ({وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 41، 42]. وقيل ان هذا الذي كان يخاطبه ابراهيم (عليه السلام) بقوله: (يا أبَتِ) لم يكن والده، وانما كان عمه او جده لأمّهِ أو زوج أمّه بعد وفاة والده. ذلك ان والده كان موحداً غير مشرك، لما تضافر من الروايات على ان آباء النبي محمد (صلى الله عليه واله) كانوا جميعاً موحدين غير مشركين.
وعندما يعبر القرآن الكريم عن «آزر» عم ابراهيم (عليه السلام) بالاب، فانه ربما يقصد - والله اعلم - بالاب الاجتماعي لانه راعيه ومربيه. وهنا، فيما نحن فيه، كان ابو طالب (رض) الاب الاجتماعي لرسول الله (صلى الله عليه واله) لانه وقف امام المجتمع الجاهلي كما يقف الاب مع ابنه حامياً ومدافعاً ومنافحاً عنه. فكان من ثمرات انذار العشيرة هو ايمان ابي طالب وتثبيت ولاية علي (عليه السلام). وهذا بحد ذاته انجازٌ ضخم.
ولا شك ان سلوك الافراد الذي يسيطر على تركيبة العشيرة يكشف عن تكامل النظام العشائري المحدود بحدودها. فللعشيرة رئيسها واشرافها واعضائها الذين يساهمون جميعاً في حفظ تلك الرابطة التي تجمعهم وتجعلهم كتلة واحدة امام الصراعات الاجتماعية.
ولا شك ان العشيرة المؤلفة من عوائل، تهتمّ كل منها بأفرادها ايضاً. ولكن العائلة تذوب في محيط العشيرة الواسع. فالعائلة، وهي اصغر وحدة في العشيرة، تقوم بالاهتمام بأعضائها عن طريق منحهم الحب والعناية اللازمة التي يحتاجونها. وتعلمهم ايضاً طرق الادارة الاجتماعية والسلطة المحدودة، بالتدريج. اما العشيرة فتبقى الاسم الكلي الذي يربط مجموعة كبيرة من الافراد تحت عنوان وحدة النسب وتضافر العوامل الوراثية الطبيعية.
2- الاسلام وتفكيك جاهلية العشيرة:
وإذا كان ابو طالب رئيس بني هاشم وزعيمهم، فهو مكلّف _ حسب العرف العربي _ بقيادة العشيرة. وعلى باقي الافراد فيها الطاعة والاذعان. واذا حصل خلاف في العشيرة، فان حلّه يرجع الى سيدها وزعيمها، حيث ان له القول الفصل في تسوية المشكلة. وفي ضوء تلك الافكار نلمس:
أولاً: مشقة الدور الذي قام به رسول الله (صلى الله عليه واله) وشاركه علي (عليه السلام) يوم نزول آية {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] فقد كانت دعوة العشيرة بسادتها الى مأدبة طعام، ثم دعوتهم الى الايمان بعقيدة جديدة فيه خروج عن العرف العشائري الذي كان يقرر بأن زعيم العشيرة هو الذي يدعوها الى مناسبة كتلك. ولكن نور النبوة وجلالها وجمالها الذي كان طاغياً على رسول الله (صلى الله عليه واله) هو الذي جبر تلك العملية الشاقة.
ثانياً: قيام علي (عليه السلام) _ وهو أصغر القوم سنّاً _ بالاستجابة لمطالب رسول الله (صلى الله عليه واله) بالايمان والمؤازرة خروج ثانٍ عن عرف العرب، وفيهم أبوه الشيخ الكبير جالس بينهم وأعمامه كبار القوم ومسنّوهم. ولذلك فانهم سرعان ما استنكروا ذلك وسخروا وقالوا لابي طالب: قد أمرك ان تسمع لابنك علي وتطيعه.
ثالثاً: عدم استنكار ابي طالب ذلك _ وهو زعيم العشيرة وسيدها _ له مغزى عظيم، فهو على اقل التقادير سكوت يكشف عن رضاه بالدعوة. ولكننا اذا آمنا بصحة الرواية التي قالت بأنه تكلم في المقام وقال متحدياً أبا لهب: «ما احب الينا معاونتك، واقبالنا لنصيحتك وأشد تصديقنا لحديثك. وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وانما انا احدهم، غير اني اسرعهم الى ما تحب، فامض لما امرت به فوالله لا أزال أحوطك وامنعك...» ، فاننا نكون قد فهمنا اسرار دفاعه المستميت عن محمد (صلى الله عليه واله) امام قريش. وفيها دلالة على انه كان قريباً من الاسلام إن لم يكن قد استجاب فعلاً لنداء رسول الله (صلى الله عليه واله) في تلك المأدبة الكريمة.
وهنا كسر الاسلام بشخصي رسول الله (صلى الله عليه واله) وعلي (عليه السلام) أول حواجز العشيرة في العصر الجاهلي، الا وهو حاجز الطاعة العمياء لسلطة العشيرة. فاصبح علي (عليه السلام)، منذ ذلك اليوم، سيد القوم بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو لا يزال احدثهم سنّاً وارمضهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً. ومنذ ذلك اليوم، اصبحت الطاعة للدين ومن يمثله لا لسادة العشيرة ولا لزعمائها.
وهذا المعنى وضع فكرة العشيرة في الموضع الصحيح. فرابطة الدم والرحم لا غبار عليها، بل ان الدين يؤكدها ويشدد على اخلاقيتها، ولكن لاطاعة ينبغي ان تكون لمن له الشرف والرفعة والمنـزلة في الدين. فلا اثر ديني لزعيم العشيرة اذا كان بعيداً عن الدين. اما اذا كان الزعيم متديناً وشريفاً في دينه، فانه سوف يجمع بين حسنات الدين والدنيا، وهو ما جمعه ابو طالب. ولذلك فقد كان نداً قوياً لجاهلية قريش وعنجهيتها.
ان دعوة رسول الله (صلى الله عليه واله) لعشيرته للايمان بالله سبحانه وبرسالة التوحيد كانت _وبعنوان ثانوي _ من اجل تغيير موقع العشيرة من الواقع العرفي اللاديني الى واقع الضمير الديني. فلابد انه (صلى الله عليه واله) وضعها راسخة في ضمائرهم بأنه لم يهملهم ولم يخرج عن اعرافهم التي بنوا حياتهم عليها. ولكنه، في الوقت نفسه، عرض رسالته السماوية الجديدة وضرب اعرافهم الجاهلية اللادينية عرض الحائط. فالشريف في الدين _ حتى لو كان صغيراً في العمر كعلي (عليه السلام) _ لابد ان يُطاع من قبل عشيرته حتى من قبل سيدها ابي طالب، وغيره من وجهاء العشيرة واكابرها.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|