أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-10-2014
1618
التاريخ: 13-02-2015
1660
التاريخ: 22-04-2015
1563
التاريخ: 24-11-2015
1621
|
يأتي النصّ ليخاطب جمهورا من الناس في إطار ثقافتهم، و في إطار منظومة حياتهم، ليصنع بعد ذلك ثقافة جديدة ، ومنظومة جديدة، ويعالج الواقع الاجتماعي لأولئك المخاطبين معالجة تتّفق وخفايا هذا الواقع. فيترفّق حينا ، ويشتدّ حينا ، ويباشر حينا ، ويتدرّج حينا آخر، ويعمّم حينا ، ويخصّص حينا آخر، ويأتي الأمر مقتضبا أحيانا ، ومفصّلا أحيانا أخرى .
إنّ (أسباب النزول) تكشف عن سرّ هذه المعالجات جميعا، و لعلّ جميع روايات النزول تصلح أن تكون مثلا على هذه النقطة من البحث، و لكنّنا سنختار هنا معالجة النصّ القرآني لمسألة (مال اليتامى) و آية (الإنفاق من الطيّبات)؛ فأمّا مسألة (مال اليتامى) فهو قوله تعالى : {قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة : 220].
فتقرأ في سبب نزولها قول سعيد بن جبير : (لمّا نزلت { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً}, عزلوا أموالهم، فنزلت { قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ} فخلطوا أموالهم بأموالهم) «1».
إنّ هذا التدرّج في التشريع، مع تشديد الخطاب في الآيات الأولى، ثم إباحة خلط أموال اليتامى بأموال كافليهم هو لأجل حفظ حقوق اليتيم. و لمّا تمّ الاطمئنان إلى سلامة ذلك جاء التخفيف بعد تركّز أهميّة التقوى في التعامل مع أموال الأيتام، و رفعا للحرج عن الأوصياء و الكافلين، إذ توضّح رواية ابن عباس أنّ بعض أولئك الكفلاء لمّا نزلت الآية (و لا تقربوا مال اليتيم إلّا بالتي هي أحسن) سارع فعزل طعام اليتيم من طعامه، و شرابه من شرابه، و جعل يفضل الشيء من طعامه فيجلس له حتى يأكله أو يفسد، واشتدّ ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلّم- فأنزل اللّه عزّ وجل { يسألونك ...} «2».
و هذا يشرح لنا آليّات التغيير التي اتّبعها النصّ في ذلك المجتمع، و التي يمكن القياس عليها أو الاستئناس بها عند إصدار الأحكام على الحالات المغايرة أو المشابهة. و أمّا آية الإنفاق من الطيّبات، فهي قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة : 267]. فيروي جابر أنّ النبيّ - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - " أمر بزكاة الفطر بصاع من تمر فجاء رجل بتمر رديء فنزل القرآن بالآية" «3».
وعن البراء قال :
نزلت هذه الآية في الأنصار كانت تخرج إذا كان جذاذ النخل من حيطانها أقناء من التمر والبسر، فيعلقّونها على حبل بين أسطوانتين في مسجد رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - فيأكل منه فقراء المهاجرين ، وكان الرجل يعمد فيخرج قنو الحشف ، وهو يظن أنّه جائز عنه في كثرة ما يوضع من الأقناء، فنزل فيمن فعل ذلك" و لا تيمّموا الخبيث منه تنفقون" يعني القنو الذي فيه حشف ، و لو أهدي إليكم ما قبلتموه " «4».
إنّ هذه الرواية تبرز قيمة الإنفاق في سبيل اللّه من جانب، ومن جانب آخر فإنّها تريد لهذا الإنفاق أن يكون على شاكلة بعينها، يأخذ صورة مثلى من الانتقاء و الاختيار و التجديد لمادّة الإنفاق، و هو ما يمكن فهمه فهما سديدا في ضوء ملاحظة الطباع الإنسانيّة التي تتجلّى في هذه الرواية و في سواها، و تقدّر الضعف الإنساني و ترتقي به إلى مراتب عليا في الإنفاق و الاستعلاء. بل تصل بهم إلى المرتبة السامقة حيث تأتي الآيات التالية لتتحدّث عن إبداء الصدقات أو إخفائها، ففي قوله تعالى {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 274] .
والآية السابقة التي تتحدّث عن تضاعف الصدقة وأجرها العظيم .{كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل ..} ثمّ الآيات التي تتحدّث عن إتمام الإنفاق من غير منّ ولا أذى، وهو من كمال الصدقة ، إنّ سبب النزول الذي مرّ بنا في موضوع الإنفاق يرينا أنّ هدف التربية القرآنية ليس الحديث عن القمّة السامقة، و ضرورة الارتقاء إليها، بل هو يعالج الضعف الإنساني كذلك ، وكيفيّة التعامل معه، وتحفيز لكوامن الشحن والاستثارة في هذا الكائن الإنساني الذي يحيط به الضعف من كلّ جانب. إنّ أسباب النزول إذن تمدّنا بروافد عديدة تسهم كثيرا في تحليل النصّ. فهي تصف السياق المقامي للنّص، و تصف طبيعة المخاطبين ووقائع أحوالهم ، وتكشف عن هدف النصّ ، وأثره ، وتكشف عن آليّاته في الخطاب والتغيير، وهو ما يحتاج إليه الباحث والمفسّر والمحلّل الاجتماعي واللغوي الذي يتعامل مع النصّ من وجهته الاجتماعيّة بل العامّة.
_______________________
(1) الواحدي ، أسباب النزول ، ص 47.
(2) الواحدي ، أسباب النزول ، ص 38.
(3) الواحدي ، أسباب النزول ، ص 48.
(4) نفسه ، ص 48.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|