أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-02-2015
1231
التاريخ: 22-04-2015
1292
التاريخ: 8-1-2023
1332
التاريخ: 27-08-2015
1809
|
يعتقد الفلاسفة بأنّه ليس للمجتمع أي وجود على الصعيد الخارجيّ ... فليس في الواقع الخارجيّ إلاّ (الأفراد) وما المجتمع سوى صورة تنتزعها عقولنا عن انضمام الفرد إلى الفرد.
وعلى العكس من الفلاسفة ، يعتقد علماء الاجتماع والحقوقيون أنّ للمجتمع وجوداً وحقيقةً قائمةً على الصعيد الخارجيّ ، ولذلك تكون هناك علاقات اجتماعيّة ، وحقوق ، وأحكام خاصّة للمجتمع.
والحقّ أن كلتا الطائفتين على صواب ، وذلك ، لأنّ الفيلسوف الذي يلاحظ الأشياء من زاوية العينيّة الملموسة ، لا يجد واقعاً في عالم التكوين بمعزل عن واقع الفرد التكوينيّ ، ووجوده الخارجيّ فلا يرى مناصاً من إنكار الوجود الخارجيّ للمجتمع وراء وجود الأفراد.
فعندما يجلس خمسة أشخاص حول طاولة فإنّ الفيلسوف لا يعتبر ( الهيئة الاجتماعيّة ) الحاصلة من اجتماع الأشخاص الخمسة ، شيئاً مستقلاً ووجوداً خاصّاً ، ليفترضه سادساً لهم.
ولكن النظر من الزاوية الحقوقيّة التي هي أكثر مساساً بالواقعيّات العرفيّة يهدينا إلى ، أنّ المجتمع البشريّ سواء كان في حجمه الصغير ( القبيلة ) أو الكبير ( الاُمّة ) يتمتّع بواقعيّة عرفيّة ، وله حقوق وواجبات غير ما للفرد ، وكما للفرد من حقوق وواجبات ومسؤوليّات. فهكذا للمجتمع ومن هذه الزاوية تنظر الامم المتحضّرة إلى المجتمع ، وتعترف به وبوجوده ، وتقرّر له الأنظمة ، والحقوق والواجبات.
وعندما ينظر الإسلام إلى الفرد والمجتمع من الزاوية الحقوقيّة ، نجده يعترف بكلّ واحد منهما في موضعه ومحلّه ، ويقرّر لكلّ واحد منهما ما يناسبه من الشخصيّة والحقوق والواجبات سواء بسواء.
فعندما ينظر القرآن الكريم إلى المجتمع من هذه الزاوية الحقوقيّة ، يعتبر للمجتمع وجوداً ، وعدماً وحياةً ونشوراً ، وأجلاً وكتاباً وتقدمّاً وتقهقراً إلى غير ذلك من الآثار التي تكون للفرد. وفي هذا الصدد يكتب العلاّمة الطباطبائيّ في تفسيره قائلاً :
) انّ القرآن اعتبر للمجتمع وجوداً وعدماً ، وأجلاً وكتاباً ، وشعوراً وفهماً وعملاً وطاعةً ومعصيةً وكلُّ ذلك يدلّ على أنّ للمجتمع ـ في مقابل الفرد حقيقةً واقعيّةً في ظرفه المناسب له ، يقول سبحانه : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ } ( الأعراف : 34)
وقال : { كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } ( الجاثية : 28 )
وقال : { كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } ( الأنعام : 108 )
وقال : { مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ } ( المائدة : 66 )
وقال : {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ } ( آل عمران : 113 )
وقال : { وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } ( غافر : 5 )
وقال : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ } ( يونس : 47 )
ومن هنا ، نرى أنّ القرآن يعتني بتواريخ الامم كاعتنائه بقصص الأشخاص بل أكثر ، حينما لم يتداول في التواريخ إلاّ ضبط أحوال المشاهير من الملوك والعظماء ، ولم يشتغل المؤرّخون بتواريخ الامم والمجتمعات إلاّ بعد نزول القرآن ، فاشتغل بها بعض الاشتغال آحاد منهم المسعودي وابن خلدون ، حتّى ظهر التحول الأخير في التأريخ النقليّ ، بتبديل الأشخاص اُمماً وهذا هو الملاك في اهتمام الإسلام بشأن الاجتماع ، ذلك الاهتمام الذي لا نجد ولن نجد نظيره في واحد من الشرائع ولا في سنن الاُمم المتمدِّنة ، فإنّ تربية الأخلاق والغرائز في الفرد وهو الأصل في وجود المجتمع ، لا تكاد تنجح مع كينونة الأخلاق والغرائز المعارضة والمضادةّ القوية القاهرة في المجتمع ، إلاّ يسيراً لا قدر له عند القياس والتقدير.
ولأجل ذلك وضع الإسلام أهّم أحكامه كالحجّ والصلاة والجهاد والإنفاق أساس الاجتماع وحافظ على ذلك ، مضافاً إلى قوى الحكومة الإسلاميّة الحافظة لشعائر الدين العامّة وحدودها ، ومضافاً إلى فريضة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشاملة لجميع الاُمّة ، بجعل سعادة المجتمع هي السعادة الحقيقيّة وجعل غرض المجتمع الإسلاميّ هو القرب والمنزلة عند الله.
وهذا هو الذي ذكرناه من أنّ الإسلام تفوق سنّة اهتمامه بشأن الاجتماع سائر السنن والطرق ) (1)
فكما تجب على الفرد ـ في نظام الإسلام ـ اُمور كالصلاة والصيام واحترام الوالدين وما شابه ذلك ، كذلك ، توجّهت الشريعة الإسلاميّة إلى المجتمع بسلسلة من التكاليف والواجبات ويتعيّن على المجتمع الإسلاميّ أن يقوم بها دون تلكؤ أو ابطاء.
فيأمر الإسلام المجتمع مثلاً بأن يقطع يد السارق إذ يقول : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ( المائدة : 38)
ويأمره بجلد الزاني والزانية إذ يقول : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ } ( النور : 2).
كما يأمره بأن يحافظ على حدود الوطن الإسلاميّ ويدافع عن ثغوره بالصبر والمرابطة إذ يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ( آل عمران : 200)
ويأمره بأن يقاتل البغاة والطغاة حتّى يفيئوا إلى الحق ، ويكفّوا عن البغي والطغيان والعدوان إذ يقول : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ } ( الحجرات : 9)
وفي هذا الصدد يكتب العلامة الطباطبائيّ في تفسيره قائلاً :
( انّ عامّة الآيات المتضمنّة لإقامة العبادات والقيام بأمر الجهاد وإجراء الحدود والقصاص وغير ذلك توجّه خطاباتها إلى عامّة المؤمنين دون النبيّ خاصّةً كقوله تعالى : {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ } ( البقرة : 195 )
وقوله : { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ } ( آل عمران : 104)
وقوله : { وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ } ( المائدة : 35)
وقوله : { وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ } ( الحج : 78)
وقوله : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } ( البقرة : 179)
وقوله : { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ } ( الطلاق : 2)
وقوله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا } ( آل عمران : 103)
وقوله : { أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } ( الشورى : 13)
إلى غير ذلك من الآيات التي يستفاد منها أنّ الدين ذو صبغة اجتماعية الشكل وقد حملها الله تعالى على الناس بصفتهم الاجتماعيّة ( كما حمل بعض الاُمور على الافراد بوصفهم الفرديّة ) ولم يرد إقامة الدين إلاّ منهم أجمعهم ، فالمجتمع المتكون منهم هو الذي أمره الله وندبه إلى ذلك من غير مزيّة في ذلك لبعضهم ) (2)
إنّ توجيه الخطاب بهذه التكاليف إلى المجتمع ، إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ المجتمع بما هو مجتمع عليه أن يقوم بها كما يقوم الفرد بواجبه الدينيّ ، وهي على نحو الواجب الكفائّي الذي يجب على الجميع القيام بها أوّلاً وبالذات ، فإن قام بها أحد سقطت عن الآخرين ، وأمّا إذا لم يقم بها أحد كان الجميع عصاةً مسؤولين.
وحيث أنّ هذه التكاليف والواجبات المتوجّهة شرعاً إلى المجتمع ممّا لا يمكن القيام بها وأدائها دون جماعة متفرّغة لذلك ، ودون جهاز حكم يتولّى تنفيذها ، توجّب على المجتمع الإسلاميّ أن يقوم بتشكيل دولة يعهد إليها مسؤولية القيام بهذه التكاليف ، وتطبيق النظم الاجتماعيّة الإسلاميّة ، والوظائف المتوجهة إلى المجتمع أساساً ، وذلك صيانةً للمجتمع من الإنهيار ، وحفظاً لمصالحه وشؤونه ، إذ بغير هذه الصورة لن يكون هناك إلاّ الهرج والمرج والفوضى والفساد الذي يأباه الإسلام بشدّة ، وترفضه تعاليم السماء أشدّ الرفض.
من هذا البيان المقتضب ، يمكن لنا أن نستنبط كون الاُمّة والمجتمع هو مصدر السلطات الحكوميّة ، ولكن ليس مصدراً مطلقاً بل مصدراً في إطار الحاكميّة الإلهيّة والقوانين الإسلاميّة ، فالناس في الدين الإسلاميّ هم المكلفون بتشكيل الحكومة والدولة وتعيين الحاكم وانتخابه ـ إن لم يكن هناك حاكم منصوص عليه من جانب الله ـ لقيادة الاُمّة ، وإدارة شؤونها ، وتطبيق الشريعة الإلهيّة في المجالات الاجتماعيّة ، لأنّهم هم المخاطبون بالخطابات المذكورة ... ولمّا لم يكن في مقدورهم جميعاً القيام بذلك بأشخاصهم ، لزم أن يبادروا إلى استنابة من يقوم بها.
أليس المجتمع ـ حسب منطق القرآن ـ هو الذي توجه إليه الأمر بقطع السارق وحدّ الزاني وردّ المعتدي وحفظ الثغور ، وإقامة النظام الدينيّ ؟؟.
أفلا يدلّ ذلك ضمناً على أن الإسلام سمح للمجتمع الإسلاميّ بأن يشكّل الدولة التي تتولّى القيام بهذه الواجبات الاجتماعيّة ، لأنّ الإسلام جعل هذه التكاليف في عهدة المجتمع ، وطلب منه أداءها ؟ وهل يمكن للمجتمع الذي يقوم كلّ صنف من أصنافه بتكفُّل جانب ضروريّ من الجوانب المعيشيّة ، بكلّ تلك الواجبات الاجتماعيّة والإداريّة والسياسيّة ، دون جهاز حكوميّ متفرّغ ينّفذ ويراقب ويضمن إجراء القوانين الإلهيّة في المجالات المذكورة ؟
وهل يمكن أن يريد الإسلام إقامة الاُمور الاجتماعيّة والنظم الاجتماعيّ ... ولا يريد مقدّمة ذلك وهي تشكيل دولة تقوم ... وتتعهّد بتوزيع المسؤوليات وحفظ الحقوق. وحراسة العلاقات ؟
وهكذا تكون الاُمّة ـ في نظر الإسلام ـ مصدر السلطة الذي له أن يختار وينتخب حكّامه ، وتكون الحكومة نابعةً من إرادته.
_________________
(1) الميزان 4 : 96 ـ 97.
(2) الميزان 4 : 122 ـ 123.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|