نماذج من كتابات المستشرقين وأعمالهم حول سيرة الرسول وأهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم) |
8891
10:03 صباحاً
التاريخ: 23-1-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1866
التاريخ: 1-07-2015
8036
التاريخ: 2-08-2015
1838
التاريخ: 1-07-2015
1648
|
لمّا كان الثقل الثاني من الدين الإسلامي بعد القرآن الكريم هُم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وأصلُهم البارز ومبدأهم الأوّل وعمود نورهم المقوّم ، هو الرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، كان ثاني ما اهتمّ به المُستشرقون من موضوعات هذا الدين [بعد القرآن الكريم] .
فتناول الكثير منهم شخصيّاتهم وسيرتهم بطريقةٍ مليئةٍ بالشيطَنة والخبث والتزوير ، مُستترين بستار البحث والنقد العلميّين ، خصوصاً أنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأهل بيته ( عليهم السلام ) رسموا تاريخ هذا الدين وترجموه في الواقع، حركةً تغييريّةً شاملة عملت على استئصال جذور الجاهليّة والظلم والانحراف ، وأماطت اللثام عنها ، وكشفت مواطن الحق مِن الباطن ، وما هو لله منه وما هو للشيطان...لتُميّز البشريّة طريق الهُدى مِن طريق الضلال ، لا من خلال المفاهيم والنظريّات فحسب ؛ لأنّها قد لا تسلم من التحريف والتلبيس عند التطبيق ، بل من خلال المصاديق المعصومة التي تكشف عن الإرادة الحقيقيّة لله سبحانه وتعالى في خطابه للبشريّة وتشريعاته لنُظم حياتهم وترشيد مسيرتهم نحو السعادة والكمال المطلق .
وكان محور محاولات المُستشرقين في تناول السيرة النبويّة هو إسقاط هذا الثقل في واقع المسلمين ، منضمّاً إلى الثقل الأوّل وهو القرآن الكريم ، وبذلك ينهار البناء الإسلامي بكلّ أبعاده الفكريّة والسياسيّة... ومن أجل ذلك راحوا يتتبّعون مفردات التاريخ الإسلامي ؛ لاستقصاء موارد الشذوذ ومواطن التزوير في السيرة النبويّة ، التي أحدثها وعّاظ السلاطين ومرتزق الحكام المنحرفين ، كخلفاء بني أُميّة وخلفاء بني العبّاس ، وتسليط الضوء عليها إظهارها على أنّها السيرة الفعليّة للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، ثمّ يبدأ استثمار ذلك عند تأسيس بحثٍ نقدي لشخصيّة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لتحقيق هدفين :
الأوّل : إبراز تهافت وتناقض في سيرته وصولاً لنفي نبوّته وعالميّته ، وتقرير أنّه ليس إلاّ رجلُ إصلاحٍ قومي ، استثمر النصرانيّة واليهوديّة وأمثالهما وأضاف إليها من عنده ؛ لتنسجم مع مجتمعه وظرفه الزماني والمكاني .
والثاني : وصمُ السنّة النبويّة بالاختلاق والوضع ، ومِن ثمّ الدعوة إلى عدم حجّيتها كمصدر أساسي من مصادر التشريع في الإسلام ، ولم تكن هذه المُعطيات جزافاً ، بل هي إفراز طبيعي للصراع المُحتدم بين الإسلام والصليبيّة ، وقد كان للنتائج التي تمخّضت عنها الحروب الصليبيّة طعم العلقم في حلوق الأوربيّين لا ينسونه أبداً .
ويتحدّث الكاتب المسلم ( ليوبولد فايس ) ـ ( محمّد أسد ) ـ عن التجربة المُرّة التي استحالت مُعضلة في مناهجهم يصعب تجاوزها ، فيقول : ( فيما يتعلّق بالإسلام فإنّ الاحتقار التقليدي أخذ يتسلّل في شكل تحزّبٍ غير معقول على بحوثهم العلميّة ، وبقي هذا الخليج الذي حفره التاريخ بين أوربّا والعالم الإسلامي ـ مُنذ الحروب الصليبيّة ـ غير معقودٍ فوقه جسر ، ثمّ أصبح احتقار الإسلام جزءاً أساسيّاً في التفكير الأوربّي ، والواقع أنّ المستشرقين الأوائل في الأعصر الحديثة كانوا مُبشّرين نصارى يعملون في البلاد الإسلاميّة ، أمّا تحامل المستشرقين على الإسلام فغريزةٌ موروثة ، وخاصّة طبيعيّة تقوم على المؤثّرات التي خلّفتها الحروب الصليبيّة بكلّ ما لها من ذيول في عقول الأوربيّين ) .
لقد كشفت أقلام الكثير من المستشرقين عن الحقد والغريزة العدائيّة الموروثة ، تجاه الإسلام والمسلمين ونبيّهم نبيّ الرحمة محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، حتّى كالوا من الشتائم ما يربأ قلمنا عن تناوله ، لولا أنّنا بصدد تعريتهم وكشف مخطّطاتهم الخبيثة التي تنسج تحت ستار العلم والمعرفة .
فهذا ( المونيسنيور كولي ) يقول في كتابه ( البحث عن الدين الحق ) : ( برَز في الشرق عدوٌّ جديد هو الإسلام ، الذي أُسّس على القوّة وقام على أشدّ أنواع التعصّب ، ولقد وضع محمّدٌ السيف في أيدي الذين تبعوه وتساهل في أقدس قوانين الأخلاق ، ثمّ سمح لأتباعه بالفجور والسلب ، ووعَد الذين يهلكون في القتال بالاستمتاع الدائم بالملذّات في الجنّة ، وبعد قليل أصبحت آسيا الصغرى وإفريقيا واسبانيا فريسةً له ، حتّى ايطاليا هدّدها الخطر وتناول الاجتياح نصف فرنسا ، لقد أُصيبت المدنية...
ولكن انظر : ها هي النصرانيّة تضع بسيف ( شارل مارتل ) سدّاً في وجه سيل الإسلام المُنتصر عند بوابّات ( بواتييه ) ثمّ تعمل الحروب الصليبيّة في مدى قرابة قرنين تقريباً ( 1099 ـ 1254م ) في سبيل الدين ، فتدجّج أوربّا بالسلاح وتنمّي النصرانيّة .
وهكذا تقهقرت قوّة الهلال أمام راية الصليب ، وانتصر الإنجيل على القرآن ، وعلى ما فيه من قوانين الأخلاق الساذجة ) .
أمّا ( المسيو كيمون ) فيقول في كتابه ( ميثولوجيا الإسلام ) : ( إنّ الديانة المحمّديّة جذامٌ نشأ بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعاً ، بل هو مرضٌ مروّع وشللٌ عام ، وجنونٌ ذهولي يبعث الإنسان على الخمول والكسل ، ولا يُوقظهُ منهما إلاّ ليسفك الدماء ويدمن معاقرة الخمور ويجمح في القبائح .
وما قبر محمّد في مكّة [!](1) إلاّ عموٌد كهربائي يبثّ الجنون في رؤوس المسلمين ويُلجئهم إلى الإتيان بمظاهر الصرع [الهستريا] والذهول العقلي ، وتكرار لفظ ( الله... الله...) إلى ما لا نهاية وتعوّد عادات تنقلب إلى طِباع أصيلة ككراهيّة لحم الخنزير ، والنبيذ ، والموسيقى ، وترتيب ما يستنبط من أفكار القسوة والفجور في الملذّات ) .
وتستمرّ أقلام الحقد الاستشراقي المُشبع بالدوافع التبشيريّة والاستعماريّة تسطّر ـ جزافاً ـ أوصافاً ومقولات رخيصة ، بحقّ الرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) دون مراعاةٍ لأيّ حقيقة تاريخيّة ، أو قاعدة من قواعد الطرح العلمي ، فقد كتب الدكتور ( غلاوو ) في نهاية الباب الرابع من كتابه ( تقدّم التبشير العالمي ) الذي نشره في نيويورك سنة 1960م : ( إنّ سيف محمّد والقرآن أشدّ عدوٍّ وأكبرُ معاندٍ للحضارة والحريّة والحق ، ومن العوامل الهدّامة التي اطّلع عليها العالم إلى الآن ) .
ويستمرّ في نقدهِ الوضيع لشخصيّة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيقول : ( كان محمّدٌ حاكماً مطلقاً ، وكان يعتقد أنّ من حقّ الملك على الشعب أنْ يتبع هواه ويفعل ما يشاء ، وكان مجبولاً على هذهِ الفكرة ، فقد كان عازماً على أنْ يقطع عنق كلّ من لا يوافقه في هواه ، أما جيشه العربي فكان يتعطش للتهديم والتغلب ، وقد أرشدهم رسولهم أنْ يقتلوا كلّ من يرفض اتّباعهم ويبعد عن طريقهم ) ! .
أمّا ( سفاري ) الذي ترجم معاني القرآن سنة ( 1752م ) ، فيعتقد ( أنّ محمّداً لجأ إلى السلطة الإلهية لكي يدفع الناس إلى قبول هذهِ العقيدة ، ومن هنا طالب بالإيمان به كرسول الله ، وقد كان هذا اعتقاداً مزيّفاً أملته الحاجة العقليّة...). وبنفس المنطق يقول ( جويليان ) في كتابه ( تاريخ فرنسا ) :
( إنّ محمّداً ، مؤسّس دين المسلمين ، قد أمر أتباعه أنْ يُخضعوا العالم وأنْ يبدلّوا جميع الأديان بدينه هو ،....ماذا كان حال العالم لو أنّ العرب انتصروا علينا ؟ إذن لكنّا مسلمين كالجزائريّين والمراكشيّين ) .
وعلى نفس المنوال كانت كتاباتهم عن أئمّة أهل بيت النبوّة ( عليهم السلام ) ، نذكر أدناه نماذج منها : منها ما أورده المستشرق ( تسترشتين K. V. Zettersteen ) عن ( ابن تيمية ) في دائرة المعارف الإسلاميّة تحت مادّة ( ابن تيمية ) طعناً في عصمة الإمام عليّ ( عليه السلام ) ، من ( أنّ عليّ بن أبي طالب أخطأ ثلثمِئة مرّة )(2) .
وبهدف الانتقاص والنيل من شخصيّة ومقام الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، توالت افتراءات العديد من المستشرقين في اتّهام الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، واختلاق الأكاذيب حول أخلاقه الشخصيّة وسيرته ومواقفه الرساليّة ، وعلى رأسها إبرام الشبهات حول حقيقة صلحه مع معاوية بن أبي سفيان .
وكان في مقدّمة هؤلاء المستشرقين ( بروكلمان ) و( راويت رونلدسن ) و( هوكلي ) و( ساكيس ) .
على أنّ أكثرهم افتراءً ودسّاً وتحاملاً ، حاقداً فيما قال هو المستشرق ( لامنس H. Lammens ) المعروف بعدائه للإسلام وحقده على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) ، ومن مفترياته المليئة بالعبارات التجديفيّة ، الكاشفة عن سقوط منهجه العلمي إلى حضيض السبِّ والشتائم الرخيصة ، ما جاء تحت مادّة ( الحسن ) بن عليّ بن أبي طالب ، الذي خالف فيه بشكلٍ فاضحٍ المعقولَ والمنقولَ من ثوابت التاريخ الإسلامي في حقّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) .
كقوله : (... إنّ الصفات الجوهريّة التي كان يتّصف بها الحسن هي الميل إلى الشهوات ، والافتقار إلى النشاط والذكاء ، ولم يكن الحسن على وفاق مع أبيه وإخوته ، وقد انفق خير سنيّ شبابه في الزواج والطلاق ، فأُحصيَ له حوالي المِئة زيجة عدّاً ، وأُلصِقَت به هذه الأخلاق السائبة لقب المِطلاق ، وأوقعت عليّا في خصومات عنيفة .
وأثبت الحسن كذلك أنّه مبذّر كثير السرَف ، فقد اختصّ كلاً من زوجاته بمَسكن ذي خدم وحشم ، وهكذا ترى كيف كان يُبعثر المال أيّام خلافة عليّ التي اشتدّ عليها الفقر ، وشهد يوم صفّين دون أنْ تكون له فيها مشاركة ايجابيّة ، ثمّ هو إلى ذلك لم يهتمّ أيّ اهتمام بالشؤون العامّة في حياة أبيه .
وترك له معاوية أنْ يحدّد ما يطلبه جزاء تنازله عن الخلافة ، ولم يكتف الحسن بالمليونَيّ درهم التي طلبها معاشاً لأخيه الحسين ، بل طلب لنفسه خمسة ملايين درهم أُخرى ودخل كورة في فارس طيلة حياته ، وعارض أهل العراق بعد ذلك في تنفيذ الفقرة الأخيرة من هذا الاتّفاق ، بَيد أنّه أُجيب إلى كلّ ما سأله حتّى أنّ حفيد النبيّ اجترأ فجاهر بالندم ، على أنّه لم يُضاعف طلبه ، وترك العراق مشيّعاً بسخط الناس عليه ليقبع في المدينة .
وهناك عاد إلى حياة اللهو واستسلم للملذّات ، ووافق معاوية على أنْ يدفع نفقاته ولم يطلب في مقابل ذلك إلا أمراً واحداً ، هو ألا يخلّ الحسنُ بأمن الدولة ، وكان قد أجبره من قبل على الجهر بتنازله عن الخلافة في اجتماعٍ عُقِد في ( أذرح ) ولم يعد معاوية يشغل باله به ، ذلك أنّه كان واثقاً من قُعود همّته وإيثاره للدِعة .
ومع هذا فقد استمرّ الانقسام في البيت العلوي ، ولم يكن الحسن على وفاق مع الحسين وإنْ اجتمعا على مناهضة ابن الحنفيّة وغيره من أبناء عليّ .
وتوفّي الحسن في المدينة بذات الرئة ، ولعلّ إفراطه في الملذّات هو الذي عجّل بمنيّته . وقد بُذلت محاولة لإلقاء تبعة موته على رأس معاوية ، وكان الغرض من هذا الاتّهام وصم الأمويّين بهذا العار ، وتبرير لقب الشهيد أو ( سيّد الشهداء ) الذي خُلِع على ابن فاطمة هذا...(3) .
ولم يجرؤ على القول بهذا الاتّهام الشنيع جهرةً سِوى المؤلّفين من الشيعة ، أو أولئك الذين كان هواهم مع العلويّة بنوعٍ خاص، وقد أعطى هذا الاتّهام في الوقت نفسه فرصة للإيقاع بأسرة الأشعث بن قيس المُبغضة من الشيعة ، لما كان لها من شأن في الانقلاب الذي حدث يوم صفّين ، وما كان معاوية بالرجل الذي يقترف إثماً لا مبرّر له .
كما أنّ الحسن كان قد أصبح مسالماً منذ أمدٍ طويل ، وكانت حياته عبئاً على بيت المال الذي أبهظته مطالبه المتكرّرة ، ومن اليسير أنْ نعلّل ارتياح معاوية وتنفّسه الصعداء عندما سمِع بمرضِ الحسن )(4) .
ومن أقوالهم وآرائهم الجزافيّة التي تكشف عن سطحيّة معلوماتهم وعدم استقصائهم لحقائق تاريخ أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ما أورده ( تسترشتين K. V. Zettersteen ) في دائرة المعارف الإسلاميّة تحت مادّة ( جعفر ) بقوله : ( جعفر بن محمّد ، ويلقّب أيضاً بالصادق ، سادس الأئمّة ألاثني عشريّة.. وخلف في الإمامة أباه محمّداً الباقر ، ولم يكن له شأن في عالم السياسة ، ولكنّه عُرِف بدرايته الواسعة بالحديث ، ويُقال أيضاً : إنّه اشتغل بالتنجيم والكيمياء وغيرهما من العلوم الخفيّة ، أمّا المؤلّفات التي تحمل اسمه فقد دُسّت عليه فيما بعد...)(5) .
بهذا المنهج وبهذه الروح المُتعصّبة ، تناولوا شخصيّة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) وسيرتهم ، فكانت المعطيات رؤىً واستنتاجات ما أنزل الله بها من سلطان ، يصوّرونها وكأنّها حقائقٌ ثابتة ويقينٌ راسخ ، رغم أنّها بُنيت أساساً على الوهم الذي تستحيل معهُ رؤية الحقائق بحجمها الطبيعي ؛ لأنّها انبثقت عن زاوية ضيّقة مترعة بالتعصّب ، ونظر إليها من خلال خلفيّة سلبيّة مُسبقة ، جعلت منهم ينتقون لبناء نظريّتهم عن الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأهل بيته ( عليهم السلام ) الشاذّ الغريب ممّا نُقِل عنهم صلوات الله عليهم ، بل واختلاق الأكاذيب والافتراءات عليهم .
ويُمكننا وضع اليد على الكثير من مصاديق ذلك في كتاباتهم ومؤلّفاتهم ، ونكتفي بالإشارة لأهمّ أنماط هذه المصاديق المُنحرفة، التي تضمّنتها نظريّتهم عن الرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) :
أولاً : تتبّع الشاذّ والضعيف من الأخبار الواردة عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأهل بيته ( عليهم السلام ) وعن سيرتهم وتاريخهم : وهذه الأخبار غالباً ما تكون من تلك التي عُرِفت بالإسرائيليّات ، أو من الموضوعات في ظلّ الحكومات التي كانت تُعادي أهل بيت النبوّة ( عليهم السلام ) ، وبإبرازها دون المشهور والموثوق منها ؛ لكي يتمّ لهم الأساس الذي يبنون عليه نظريّتهم عن سيرة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) .
وبهذا الصدد يقول ( جواد عليّ ) في كتابه ( تاريخ العرب في الإسلام ) : ( لقد أخذ المستشرقون بالخبر الضعيف والموضوع في بعض الأحيان وحكموا بموجبه واستعانوا بالشاذّ والغريب ، فقدموه على المعروف والمشهور )(6) ، وقد مهّد لذلك قيام بعضهم بإصدار كتب عن السنّة النبويّة ، ومعاجم مفهرسة لألفاظ الحديث دُسّت فيها الأخبار والتقارير الشاذّة والمردودة ضمن سياق الصحيح ، لتسوغ معها ويختلط أمرها فيعتمد القارئ أو الباحث عليها على أنّها من السنّة النبويّة ، كما فعلهُ المستشرق ( فينسنك ) في كتابه ( كنوز السنّة ) ومعجمهِ المفهرس لألفاظ الحديث .
ومن ذلك نقلهم للروايات الكاذبة حول زوجات الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب ( عليهما السلام ) كرواية ( السبعين والتسعين ، وغيرها من الروايات التي تصف الإمام الحسن ( عليه السلام ) بأنّه مطلاق ، وأنّ والده كان يقول : لا تزوّجوا ولدي الحسن فإنّه مطلاق ، فلا مصدر لها ، إلاّ المدائني وأمثاله من الكَذَبة كما يبدو من أسانيدها ، والمدائني والواقدي وغيرهما من المؤرّخين القدامى قد كتبوا التاريخ في ظلّ الحكومات التي كانت تناهض أهل البيت ، وتعمل بكلّ ما لديها من الوسائل على تشويه واقعهم وانتقاصهم ، ولم يكن حكّام الدولة العباسيّة بأقلّ سوءاً وتعصّباً من أسلافهم الأمويّين ، فقد شاركوهم في وضع الأحاديث التي تسيء إلى العلويّين ، وكانوا يحقدون على الحسنَين بصورةٍ خاصّة ؛ لأنّ أكثر الثائرين على الظلم كانوا من أولاد الحسن وأحفاده .
الذين ألصقوا بالحسن كثرة الزواج والطلاق هؤلاء الثلاثة : المدائني ، والشبلنجي ، وأبو طالب المكّي في قوت القلوب ، وعنهم أخذَ المستشرقون ، أمّا عليّ بن عبد الله البصري المعروف بالمدائني ، والمُعاصر للعباسيّين فهو من المتّهمين بالكذِب في الحديث .
وجاء في ميزان الاعتدال للذهبي أنّ مسلماً في صحيحه قد امتنع عن الرواية عنه ، وأنّ ابن عدِي قد ضعّفه ، وقال له الأصمعي : والله لتتركنّ الإسلام وراء ظهرك ، وكان من خاصّة أبي إسحاق الموصلي ، وقد تبعه لثرائه ، ويروي عن عوانة بن الحكم المتوفّى سنة 158 والمعروف بولائه لعثمان والأمويّين .
ونصّ ابن حجر في لسان الميزان أنّ عوانة كان يضع الأخبار لبني أميّة ، وجاء في معجم الأُدباء أنّه كان مولى لسمرة بن حبيب الأموي ، أمّا صاحب لسان الميزان فقد قال : إنّه كان مولىً لعبد الرحمان بن سمرة بن حبيب الأموي ، هذا بالإضافة إلى أنّ أكثر رواياته من نوع المراسيل ، كلّ ذلك ممّا يبعث على الاطمئنان بأنّ رواية السبعين ، التي لم يروِها غير المدائني من موضوعاته لمصلحة الحاكمين أعداء العلويّين .
أمّا رواية التسعين فقد أرسلها الشبلنجي في كتابه نور الأبصار ولم ينسبها لأحد ، والشبلنجي في كتابه المذكور لم يتحرّ الصحيح في مرويّاته وأخباره كما يبدو ذلك للمتتبّع فيه ، والمرسل إذا لم يكن مدعوما بشاهد من الخارج أو الداخل لا يصلح للاستدلال ، في حين أنّ الشواهد والقرائن ترجّح بأنّه من صنع الحاقدين على أهل البيت .
وأمّا رواية المكّي في قوت القلوب فهي أقرب إلى الأساطير من غيرها ؛ لأنّها لم ترد على لسان أحدٍ من الرواة ، وأبو طالب المكّي كان مصابا بالهستيريا كما نص على ذلك معاصروه، وحينما وفد على بغداد وجد البغداديون في حديثه هذياناً وخروجاً عن ميزان الاعتدال والاستقامة)(7) .
ومثله ما ألصقوه ، على أساس الروايات الشاذّة والمختلقة ، من تهم شنيعة وشُبهاتٌ ظالمة للإمام الحسن ( عليه السلام ) ، حول صلحه مع معاوية بن أبي سفيان ، وقد ردّ عليها علماءُ مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) وكثير من المفكّرين الإسلاميّين والمنصفين من أهل العلم والتخصّص ، ومن أبرزهم العلاّمة المحقّق الإمام السيّد ( عبد الحسين شرف الدين الموسوي ) في مقدّمته لكتاب ( صلح الحسن ) للشيخ راضي آل ياسين ، التي جاء فيها :
(.. نشَط معاوية في عهد الخليفتين الثاني والثالث ، بإمارته على الشام عشرين سنة ، تمكّن بها في أجهزة الدولة ، وصانع الناس فيها وأطمعهم به فكانت الخاصّة في الشام كلّها مِن أعوانه ، وعظم خطره في الإسلام ، وعُرِف في سائر الأقطار بكونه مِن قُريش ـ أسرة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ـ وأنّه من أصحابه ، حتّى كان ـ في هذا ـ أشهر من كثير من السابقين الأوّلين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، كأبي ذر وعمّار والمقداد وأضرابهم ) .
هكذا نشأت ( الأمويّة ) مرّة أُخرى ، تغالب الهاشميّة باسم الهاشميّة في علنها ، وتكيد لها كيدها في سرّها ، فتندفع مع انطلاق الزمن تخدع العامّة بدهائها ، وتشتري الخاصّة بما تغدقه عليه من أموال الأمّة ، وبما تؤثرهم به من الوظائف التي ما جعلها الله للخوَنة مِن أمثالهم ، وتستغلّ مظاهر الفتح وإحراز الرضا من الخلفاء .
حتّى إذا استتب أمر ( الأمويّة ) بدهاء معاوية ، انسلّت إلى أحكام الدين انسلال الشياطين ، تدسّ فيها دسّها ، وتفسد إفسادها ، راجعة بالحياة إلى جاهليّة تبعث الاستهتار والزندقة ، وفق نهجٍ جاهلي ، وخطّة نفعيّة ، ترجوها ( الأمويّة ) لاستيفاء منافعها ، وتستخرها لحفظ امتيازاتها .
والناس ـ عامّة ـ لا يفطنون لشيء من هذا ، فإنّ القاعدة المعمول بها في الإسلام ـ أعني قولهم : الإسلام يجبّ ما قبله ـ ألقت على فظائع ( الأمويّة ) ستراً حجبها ، ولا سيّما بعد أنْ عفا عنها رسول الله وتألفها ، وبعد أنْ قرّبها الخلفاء منهم ، واصطفوها بالولايات على المسلمين ، وأعطوها من الصلاحيّات ما لم يعطوا غيرها من ولاتهم ، فسارت في الشام سيرتها عشرين عاما {لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79] ولا ينهون .
وهذا ما أطغى معاوية ، وأرهف عزمه على تنفيذ خططه ( الأمويّة ) ، وقد وقف الحسن والحسين من دهائه ومكره إزاء خطرٍ فظيع ، يهدّد الإسلام باسم الإسلام ، ويطغى على نور الحقّ باسم الحق ، فكانا في دفع هذا الخطر أمام أمرين لا ثالث لهما : إمّا المقاومة ، وإمّا المسالمة .
وقد رأيا أنّ المقاومة في دور الحسن تؤدّي لا محالة إلى فناء هذا الصفّ المدافع عن الدين وأهله ، والهادي إلى الله عزّ وجل ، وإلى صراطه المستقيم ، إذ لو غامر الحسن يومئذٍ بنفسه وبالهاشميّن وأوليائهم ، فواجه بهم القوّة التي لا قِبل لهم بها مصمّما على التضحية ، تصميم أخيه يوم ( الطف ) لانكشفت المعركة عن قتلهم جميعاً ، ولأنتصرت ( الأمويّة ) بذلك نصراً تعجز عنه إمكانيّاتها ، ولا تنحسر عن مثله أحلامها وأُمنياتها ، إذ يخلو بعدهم لها الميدان ، تمعن في تَيهها كلّ إمعان ، وبهذا يكون الحسن ـ وحاشاه ـ قد وقع فيما فرّ منه على أقبح الوجوه ، ولا يكون لتضحيته أثر لدى الرأي العام إلاّ التنديد والتفنيد ؛ لأنّ معاوية كان يطلب الصلح ملحّا على الحسن بذلك ، وكان يبذل له من الشروط لله تعالى وللأُمّة كلّ ما يشاء ، يناشده الله في حقن دماء أمّة جدّه .
وقد أعلن طلبه هذا فعلمه المعسكران ، مع أنّ الغلبة كانت في جانبه لو استمرّ القتال ، يعلم ذلك الحسن ومعاوية وجنودهما ، فلو أصرّ الحسن ـ والحال هذه ـ على القتال ، ثمّ كانت العاقبة عليه لعذله العاذلون وقالوا فيه ما يشاؤون .
ولو اعتذر الحسن يومئذٍ بأنّ معاوية لا يفي بشرط ، ولا هو بمأمون على الدين ولا على الأمّة ، لمَا قَبل العامّة يومئذٍ عذره ، إذ كانت مغرورة بمعاوية كما أوضحناه ، ولم تكن الأمويّة يومئذٍ سافرة بعيوبها سفوراً بيّناً بما يؤيّد الحسن أو يخذل معاوية ، لاغترار الناس بمعاوية وبمكانته من أُولي الأمر الأوّلين ، لكنْ انكشف الغطاء ، في دور سيّد الشهداء فكان لتضحيته ( عليه السلام ) من نصرة الحق وأوليائه آثاره الخالدة .
ومن هنا رأى الحسن ( عليه السلام ) أنْ يترك معاوية لطغيانه ، ويمتحنه بما يصبو إليه من الملك ، لكن أخذ عليه في عقد الصلح ، أنْ لا يعدو الكتاب والسنّة في شيء من سيرته وسيرة أعوانه ومقوّية سلطانه ، وأنْ لا يطلب أحداً من الشيعة بذنبٍ أذنبه مع الأموية ، وأنْ يكون لهم من الكرامة وسائر الحقوق ما لغيرهم من المسلمين ، وأنْ ، وأنْ ، وأنْ . إلى غير ذلك من الشروط التي كان الحسن عالماً بأنّ معاوية لا يفي له بشيء منها ، وأنّه سيقوم بنقائضها .
هذا ما أعدّه ( عليه السلام ) لرفع الغطاء عن الوجه ( الأموي ) المموّه ، ولصَهر الطلاء عن مظاهر معاوية الزائفة ، ليبرز حينئذٍ هو وسائر أبطال ( الأمويّة ) كما هُم جاهليّين ، لم تخفق صدورهم بروح الإسلام لحظة ، ثأريّين لم تُنسِهم مواهب الإسلام ومراحمه شيئاً من أحقادِ بدرٍ وأُحد والأحزاب .
وبالجملة فإنّ هذه الخطّة ثورةٌ عاصفة في سلمٍ لم يكن منه بُد ، أملاه ظرفُ الحسن ، إذ التبس فيه الحقّ بالباطل ، وتسنّى للطغيان فيه سيطرةٌ مسلّحةٌ ضارية .
وما كان الحسن ببادئ هذه الخطّة ولا بخاتمها ، بل أخذها فيما أخذه من إرثه ، وتركها مع ما تركه من ميراثه ، فهو كغيره من أئمّة هذا البيت ، يسترشد الرسالة في إقدامه وفي إحجامه ، امتُحن بهذهِ الخطّة فرضَخ لها صابراً محتسباً وخرجَ منها ظافراً طاهراً ، لم تُنجّسه الجاهليّة بأنجاسها ، ولم تُلبسه من مُدلهمّات ثيابها .
أخذ هذه الخطّة من صلح ( الحديبيّة ) فيما أثَر من سياسة جدّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وله فيه أسوةٌ حسنة ، إذ أنكر عليه بعضُ الخاصّة مِن أصحابه كما أنكر على الحسن صُلح ( ساباط ) بعض الخاصّة من أوليائه ، فلم يهن بذلك عزمه ، ولا ضاق به ذرعه .
تهيّأ للحسن بهذا الصلح أنْ يَغرس في طريق معاوية كميناً من نفسه ، يثور عليه من حيث لا يشعر فيُرديه ، وتسنّى له به أْن يلغم نصر الأمويّة ببارود الأمويّة نفسها ، فيجعل نصرها جفاء ، وريحا هباء .
لم يطل الوقت حتّى انفجرت أُولى القنابل المغروسة في شروط الصلح ، انفجرت من نفس معاوية يوم نشوته بنصره ، إذ انضم جيش العراق إلى لوائه في النخيلة ، فقال ـ وقد قام خطيباً فيهم ـ : ( يا أهل العراق ، إنّي والله لم أُقاتلكم لتصلّوا ولا لتصوموا ، ولا لتزكّوا ، ولا لتحجّوا ، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وانتم كارهون .
ألا وأنّ كلّ شيء أعطيته للحسن بن عليّ جعلته تحتَ قدمَيَّ هاتين !) .
فلمّا تمّت له البيعة خطب فذكر عليّاً فنال منه ، ونال من الحسن ، فقام الحسين ليردّ عليه ، فقال له الحسن : ( على رسلك يا أخي ) .
ثمّ قال ( عليه السلام ) فقال : ( أيها الذاكر عليّاً ! أنا الحسنُ وأبي عليّ ، وأنتَ معاوية وأبوك صخر ، وأُمّي فاطمة وأُمّك هند، وجدّي رسولُ الله وجدّك عتبة ، وجدّتي خديجة وجدّتك فتيلة ، فلعنَ الله أخملنا ذكراً وألأَمَنا حسباً ، وشرّنا قديماً ، وأقدمنا كفراً ونفاقاً !) .
فقالت طوائف من أهل المسجد : ( آمين ) .
ثمً تتابعت سياسة معاوية ، تتفجّر بكلّ ما يُخالف الكتاب والسنة مِن كلّ منكرٍ في الإسلام ، قتلاً للأبرار ، وهتكاً للأعراض ، وسلباً للأموال ، وسجناً للأحرار ، وتشريداً للمصلحين ، وتأييداً للمفسدين الذين جعلهم وزراء دولته ، كابن العاص ، وابن شعبة ، وابن سعيد ، وابن ارطاة ، وابن جندب ، وابن السمط ، وابن الحكَم ، وابن مرجانة ، وابن عقبة ، وابن سميّة الذي نفاه عن أبيه الشرعي عبيد ، وألحقه بالمسافح أبيه أبي سفيان ليجعله بذلك أخاه ، يسلّطه على الشيعة في العراق ، يسومهم سوء العذاب ، يذبّح أبناءهم ، ويستَحيي نساءهم ، ويفرّقهم عباديد ، تحت كلّ كوكب ، ويحرق بيوتهم ، ويصطفي أموالهم ، لا يألو جهداً في ظلمهم بكلّ طريق .
ختم معاوية منكراته هذه بحمل خليعه المهتوك على رقاب المسلمين ، يعيث في دينهم ودنياهم ، فكان من خليعه ما كان يوم الطف ، ويوم الحرّة ، ويوم مكّة إذ نصب عليها العرادات والمجانيق !.
هذه خاتمة أعمال معاوية ، وإنّها لتلائم كلّ الملاءمة فاتحة أعماله القاتمة .
ومهما يكن من أمر ، فالمهم أنّ الحوادث جاءت تفسيرَ خطّة الحسن وتجلوها ، وكان أهمّ ما يرمي إليه سلام الله عليه ، أنْ يرفع اللثام عن هؤلاء الطغاة ، ليحوّل بينهم وبين ما يبيتون لرسالة جدّه من الكيد .
وقد تمّ له كلّ ما أراد ، حتّى برح الخفاء ، وآذن أمر الأمويّة بالجلاء .
وبهذا استتب لصنوه سيّد الشهداء أنْ يثور ثورته التي أوضح الله بها الكتاب ، وجعله فيها عبرة لأولي الألباب .
وقد كانا ( عليهما السلام ) وجهين لرسالة واحدة ، كلّ وجه منهما في موضعه منها ، وفي زمانه من مراحلها ، يكافئ الآخر في النهوض بأعبائها ويوازنه بالتضحية في سبيلها .
فالحسن لم يبخل بنفسه ، ولم يكن الحسين أسخى منه بها في سبيل الله ، وإنّما صان نفسه ، ويجنّدها في جهادٍ صامت ، فلمّا حان الوقت كانت شهادة كربلاء شهادة حسنيّة ، قبل أنْ تكون حسينيّة .
وكانا ( عليهما السلام ) كأنّهما متّفقان على تصميم الخطّة : أنْ يكون للحسن منها دورَ الصابر الحكيم ، وللحسين دور الثائر الكريم ، لتتألّف من الدورين خطّة كاملة ذاتَ غرضٍ واحد .
وقد وقف الناس ـ بعد حادثتَي ساباط والطف ـ يمعنون في الأحداث فيَرَون في هؤلاء الأمويّين عصبةً جاهليّةً منكرة ، بحيث لو مثّلت العصبيّات الجلفة النذلة الظلُوم لم تكن غيرهم ، بل تكون دونهم في الخطر على الإسلام وأهله .
نعم أدرك الرأي العام بفضل الحسن والحسين وحكمة تدبيرهما ، كلّ خافيةٍ من أمر ( الأمويّة ) وأُمور مسدّدي سهمها على نحوٍ واضح .
أدرك ـ فيما يتّصل بالأمويّين ـ أنّ العلاقة بينهم وبين الإسلام إنّما هي علاقة عِداءٍ مُستحكَم ، ضرورة أنّه إذا كان المُلك هو ما تَهدِف إليه الأمويّة ، فقد بلغه معاوية ، وأتاحه له الحسن ، فما بالها تلاحقه بالسمّ وأنواع الظلم والهضم ، وتتقصّى الأحرار الأبرار من أوليائه لتستأصل شأفتهم وتقتلع بذرتهم ؟!..
وإذا كان المُلك وحده هو ما تهدف إليه الأمويّة ، فقد أُزيح الحسين من الطريق ، وتمّ ليزيد ما يُريد ، فما بالها لا تكفّ ولا ترعوي ، وإنّما تُسرف أقسى ما يكون الإسراف والإجحاف في حركةٍ من حركات الإفناء على نمطٍ من الاستهتار ، لا يُعهد في تاريخ الجزّارين والبرابرة !!..)(8) .
ثانياً : ردّ سيرة الرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ومعطياتها إلى أُصول نصرانيّة أو يهوديّة : فقد كتب المُستشرق ( درمنغهام ) في ذلك قائلاً : ( إنّه في إحدى الرحلات إلى الشام ، التقى بالراهب بُحيرى في جوار مدينة بُصرى ، وإنّ الراهب رأى فيه علامات النبوّة على ما تدلّه عليه أنباء الكُتب الدينيّة . وفي الشام عرفَ محمّد أخبار الروم ونصرانيّتهم وكتابهم ، ومناوأة الفرس من عبّاد النار لهم وانتظار الوقيعة بهم ) .
ويستطرد درمنغهام في محاولته لإثبات تأثير النصرانيّة على سيرة الرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيقول : (... لم تكن المضاربات الجدليّة لتصرفه عن التأثر بغير الحوادث ودروسها ، وحوادثٌ أليمةٌ ـ كَوفاة أبنائه ـ جديرةٌ بأنْ تستوقف تفكيرهُ ، وأنْ تصرفه كلّ واحدةٍ منها إلى ما كانت خديجة تتقرّب به إلى أصنام الكعبة ، وتنحر لهُبَل واللات والعزّى ومناة الثالثة الأُخرى ، تريد أنْ تفتدي نفسها من ألم الثكل ، فلا يفيد القربان ولا تجدي النحور...
لا ريب إنْ كانت عبادة الأصنام قد بدأت تتزعزع في النفوس ، تحت ضغط النصرانيّة الآتية من الشام مُنحدرةً إليها من الروم ، ومن اليمن ، متخطّية إليها من خليج العرب ( البحر الاحمر من بلاد الحبشة ) . ويستمرّ درمنغهام في نظريّته لتنصير سيرة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في قومه فيقول : (... فلمّا كانت سنة 610م أو نحوها كانت الحالة النفسيّة التي يُعانيها محمّد على أشدّها ، فقد أبهظت عاتقهُ العقيدة بأنّ أمراً جوهريّاً ينقصهُ وينقص قومه ، وأنّ الناس نَسوا هذا الأمر الجوهري ، وتشبّث كلٌ بصنم قومهِ وقبيلته ، وخشيَ الناس الجنّ والأشباح والبوارح ، وأهملوا الحقيقة العليا ، ولعلّهم لم ينكروها ، ولكنّهم نسوها نسياناً هو موت الروح... ولقد عرف أنّ المسيحيّين في الشام ومكّة لهم دين أُوحيَ به (!) وأنّ أقواماً غيرهم نزلت عليهم كلمة الله ، وأنّهم عرفوا الحقّ ووَعَوه أنْ جاءهم علم من أنبيّاء أُوحي إليهم به ، وكلّما ضلّ الناس بعثت السماء إليهم نبيّاً يهديهم إلى الصراط المستقيم ، ويذكرهم بالحقيقة الخالدة .
وهذا الدين الذي جاء بهِ الأنبياء في كلّ الأزمان دين واحد ، فكلّما أفسده الناس جاءهم رسول من السماء يقوّم عوجهم ، وقد كان الشعب العربي يومئذٍ في أشدّ تيهاء الضلال ، أما آن لرحمة الله أنْ تظهر فيهم مرّة أُخرى وأنْ تهديهم إلى الحق ؟ )(9) .
ويتحدّث عن هذا التزوير للحقائق التاريخيّة الأُستاذ جواد عليّ قائلاً : ( إنّ معظم المستشرقين النصارى هُم مِن طبقة رجال الدين ، أو ممّن تخرّج من كليّات اللاهوت ، وهُم عندما يتطرّقون إلى الموضوعات الحسّاسة من الإسلام يُحاولون جهد إمكانهم ردّها إلى أصل نصراني . وطائفة المستشرقين من اليهود يُجهدون أنفسهم لردّ كل ما هو إسلامي وعربي لأصلٍ يهودي ، وكلتا الطائفتين في هذا الباب تبع لسلطان العواطف والأهواء )(10) .
وفي كتابٍ آخر عمل مستشرق وهو قسّيس انجليكاني على عقد عدّة مقارنات ليظهر إن الإسلام كان حقّاً صورة غير محكمة أو مشوهة للنصرانيّة(11) .
ثالثاً : اعتماد منهج كيفي مناقض للمنهج العلمي في تناول السيرة الشريفة للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) : وإلى ذلك أشار الدكتور جواد عليّ من أنْ ( كيناني ) وهو من كِبار المستشرقين الأوائل الذين كتبوا عن حياة محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، كان يعتمد منهجاً معكوساً في البحث يذكّرنا بكثير من المختصّين الجُدد في حقل التاريخ الإسلامي ، والذين يعملون وفْق منهج خاطئ من أساسه ، إذ أنّهم يتبنّون فكرة مُسبقة ثمّ يجيئون إلى وقائع التاريخ لكي يستلّوا منها ما يؤيّد فكرتهم ويستبعدوا ما دون ذلك ، فلقد كان ( كيناني ) ذا رأيٍ وفكرة ، وضع رأيه وكونه في السيرة قبل الشروع في تدوينها .
فلمّا شرع فيها استعان بكلّ خبر من الأخبار ظفر به ، ضعيفها وقويّها ، وتمسّك بها كلّها ولا سيما ما يُلائم رأيه . لم يُبال بالخبر الضعيف ، بل قوّاه وسنده وعدّه حجّة وبنى حكمه عليه ، ومَن يدري فلعلّه كان يعلم بسلاسل الكذِب المشهورة والمعروفة عند العلماء ، ولكنّه عفا عنها وغضَّ نظره عن أقوال أولئك العلماء فيها ؛ لأنّه صاحب فكرة يريد إثباتها بأيّة طريقةٍ كانت ، وكيف يتمكّن من إثباتها وإظهارها وتدوينها ، إذا ترك تلك الروايات وعالجها معالجةَ نقدٍ وجرحٍ وتعديل على أساليب البحث الحديث ؟)(12) .
وأشار أيضاً ( ايتين القيم ) إلى بعض الآراء حول هذا المنهج قائلاً : (لقد أصاب الدكتور سنوك هرمزونية بقوله :
( إنّ سيرة محمّد الحديثة تدلّ على أنّ البحوث التاريخيّة مقضيٌّ عليها بالعقم ، إذا سُخّرت لأيّه نظريّةٍ أو رأيٍ سابق ) . هذه حقيقة يَجمل بمستشرقيّ العصر جميعاً أنْ يضعوها نصب أعينِهم ، فإنّها تشفيهم من داء الأحكام السابقة ، التي تكلّفهم من الجهود ما يُجاوز حدّ الطاقة فيصلون إلى نتائج لا شكّ خاطئة ، فقد يحتاجون في تأييد رأيٍ من الآراء إلى هدم بعض الأخبار وليس هذا بالأمر الهيّن ، ثمّ إلى بناء أخبار تقوم مقام ما هدموا ، وهذا أمرٌ لا ريب مستحيل .
إنّ العالم في القرن العشرين يحتاج إلى معرفة كثير من العوامل الجوهريّة ، كالزمن والبيئة والإقليم والعادات والحاجات والمطامع والميول إلى آخره ، لا سيّما إدراك تلك القُوى الباطنة ، التي لا تقع تحت مقاييس المعقول والتي يعمل بتأثيرها الأفراد والجماعات )(13) .
وهناك المئات من مفردات المنهج الكيفي والتفسير على ضوء المسبقات والخلفيّات الخاصّة للنصوص التاريخيّة ، في العديد من مؤلّفات وكتابات المستشرقين خصوصاً الأوائل منهم ، فمثلاً ( بروكلمان )(14)، لا يشير إلى دور اليهود في تأليب الأحزاب على المدينة ولا إلى نقض بني قريظة عهدها مع الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، في أشدّ ساعات محنته ، لكنّه يقول : ( ثمّ هاجم المسلمون بني قريظة الذين كان سلوكهم غامضاً على كلّ حال )(15)... أمّا ( إسرائيل ولفنسون ) فيتغاضى عن حادثة نعيم بن مسعود في معركة الخندق ، كسببٍ في انعدام الثقة بين المشركين واليهود .
رابعاً : تصوير مواقف الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من اليهود وقبائل العرب الجاهليّة ، على أنّها ظلمٌ وتعسّف . ومن أمثلة ذلك ما أشار إليه المستشرق ( اسرائيل ولفنسون ) بصدد مهاجمة يهود بني النضير ، حيث إنّه لا يقرّ بما قاله مؤرّخو الإسلام ، من أنّ سبب إعلان الحرب على يهود بني النضير هو محاولتهم اغتيال الرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، فيقول : (... لكنّ المستشرقين ينكرون صحّة هذه الرواية ويستدلّون على كذِبها بعدم وجود ذكر لها في سورة الحشر التي نزلت بعد إجلاء بني النضير .
والذي يظهر لكلّ ذي عينين أنّ بني النضير لم يكونوا ينوون الغدر بالنبيّ واغتياله على مثل هذه الصورة ؛ لأنّهم كانوا يخشون عاقبة فعلهم من أنصاره ، ولو أنّهم كانوا ينوون اغتياله غدراً لما كانت هناك ضرورة لإلقاء الصخرة عليه من فوق الحائط ، كان في استطاعتهم أنْ يفاجئوه وهو يُحادثهم إذ لم يكن معه غير قليلٍ من أصحابه )(16) .
أمّا المستشرق ( فلهاوزن ) فيقول : ( لم يبقَ الإسلام على تسامحه بعد بدر ، بل شرَع في الأخذ بسياسة الإرهاب في داخل المدينة ، وكانت إثارة مشكلة المنافقين علامة على ذلك التحوّل... أمّا اليهود فقد حاول أنْ يُظهرهم بمظهر المعتدين الناكثين للعهد ، وفي غضون سنوات قليلة أخرج كلّ الجماعات اليهوديّة أو قضى عليها في الواحات المحيطة بالمدينة ، حيث كانوا يكوّنون جماعات متماسكة كالقبائل العربيّة ، وقد التمس لذلك أسباباً واهية...)(17) .
ويتعاطف المستشرق ( مرجليوث ) مع اليهود ، ويرى أنّ اقتحام خيبر محضَ ظلمٍ نزل باليهود لا مبرّر له على الإطلاق(18).. ويُؤاخذ المستشرق ( نولدكه ) القبائل العربيّة ، على عدم تحالفهم الدقيق في مواجهة الرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ويتمنّى ( لو أنّ القبائل العربيّة استطاعت أنْ تعقد بينها محالفات عربيّة دقيقة ضدّ محمّد ؛ للدفاع عن طقوسهم وشعائرهم الدينيّة ، والذود عن استقلالهم ، إذن لأصبح جهادَ محمّد جندهَم غير مجدٍ ، إلاّ أنّ عجز العربي عن أنْ يجمع شتات القبائل المتفرّقة قد سمح له أنْ يخضعهم لدينه ، القبيلة تلو الأُخرى ، وأنْ ينتصر عليهم بكلّ وسيلة ، فتارةً بالقوّة وتارةً بالمحالفات الوديّة والوسائل السلميّة )(19) .
خامساً : تصوير سيرة النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على أنّها نتاج بيئته : يقول المستشرق ( جب ) :
( إنّ محمّداً ككلّ شخصيّة مُبدعة ، قد تأثّرت بضرورات الظروف الخارجيّة عنه المحيطة به ، من جهة أُخرى قد شقّ طريقاً جديداً بين الأفكار والعقائد السائدة في زمانه ، والدائرة في المكان الذي نشأ فيه... وقليل ما هو معروف ـ على سبيل التأكيد ـ عن حياته وظروفه المبكّرة... ولكن الشيء الذي يصحّ أنْ يُبحث ماضيه الاجتماعي....
لقد كان أحد سكان ( مدينة ) غير رئيسيّة ، وليس هناك ما يصحّ أنْ يصوّره بأكثر من أنّه ( بدوي ) ، شارك في الفكرة والنظرة في الحياة التي كانت للبدو الرُحّل من الناس ، و( مكّة ) في ذات الوقت لم تكن خلاءً بعيداً عن صخب العالم ، وعن حركته في التعامل ، بل كانت مدينة ذات ثروة اقتصاديّة ، ولها حركة دائبة كمركز للتوزيع التجاري بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسّط .
و( سكّانها ) مع احتفاظهم بطابع البساطة العربيّة الأوليّة في سلوكهم ومنشآتهم ، اكتسبوا معارفَ واسعةً بالإنسان والمدن ، عن طريق تبادلهم الاقتصادي والسياسي مع العرب الرحل ، ومع الرسميّين من رجال الإمبراطوريّة الرومانيّة ، وهذه التجارب قد كوّنت في زعماء مكّة ملَكات عقليّة ، وضروباً من الفطنة وضبط النفس لم تكن موجودةً عند كثير من العرب .
ثمّ إنّ ( السيادة الروحيّة ) التي اكتسبها المكّيون من قديم الزمان على العرب الرحّل ، زادت قوّةً ونموّاً بفضل الإشراف على عدد من ( المقدّسات الدينيّة ) التي وجِدت داخل مكّة وبالقرب منها ، وانطباع هذا الماضي الممتاز لـ ( مكّة ) ، يمكن أنْ نقف على أثره واضحاً في كلّ ادوار حياة محمّد...
وبتعبيرٍ إنساني : إنّ محمّداً نجح لأنّه كان واحداً من المكّيّين!... ولكن بجانب هذا الازدهار في ( مكة ) ، كانت هناك ناحية أُخرى مظلمة خلّفتها تلك الشرور المعروفة لجماعة اقتصاديّة ثريّة ، فيها فجوات واسعة من الغنى والفقر ! هذه الناحية ، هي ناحية الإجرام الإنساني الذي تمثّل في الأرقّاء والخدَم وفي الحواجز الاجتماعيّة... وواضح من دعوة محمّد الصارخة إلى مكافحة الظلم الاجتماعي ، أنّ هذه الناحية كانت سبباً من الأسباب العميقة لثورته الداخليّة ( النفسيّة ))!(20)
ويستطرد ( جب ) في محاولته لإثبات أنّ الاتّجاه الديني للرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وسعْيه لإنشاء حكومة دينيّة وجماعة دينيّة ، إنّما كان بتأثير الطابع القدسي الديني لمكّة وزعامتها الدينيّة لباقبي المدن العربيّة الأُخرى ، وارتباط وضعها الاقتصادي بهذه الزعامة الدينيّة ، الذي أدّى إلى وقوع الصراع بينهم وبين الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من أجل ذلك ، فيقول ( جب ) : ( ولكن نواة هذه الثورة النفسيّة لم تظهر في صورة ( إصلاح اجتماعي ) ، بل بدلاً من ذلك دفعته إلى ( اتجاه ديني ) أعلنه في اعتقادٍ ثابت لا يتأرجح : بأنّه رسولٌ من الله ، لينذر أتباعه بإنذار الرسُل الساميّين القديم : توبوا ، فجزاء الله حق !!. وكل ما وُجِد بعد ذلك كان نتيجةً منتظرة للتصادم بين هذا الاعتقاد ( بأنّه رسول ) وبين الكفر به ، ومعارضته من فريقٍ بعد فريق....
وهناك حقيقة واحدة مؤكّدة ( في تاريخه ) وهي : أنّ الدافع له كان ( دينيّاً ) على الإطلاق ، فمن بدء حياته كداعٍ كانت نظرته إلى الأشخاص والأحداث وحكمه عليها نظرة تأثر فيها ، بما عنده من صورة عن الحكومة الدينيّة وأغراضها في عالم الإنسان !!.. ومحمّد في البداية ، لم يكن نفسه على علمٍ بأنّه صاحب دعوةٍ إلى دين جديد ! بل كانت معارضة المكّيّين له ، وخصومتهم له من مرحلةٍ إلى أُخرى ، هي التي قادته أخيراً وهو بالمدينة ـ بعد أنّ هاجر إليها ـ إلى إعلان الإسلام كجماعة دينيّة جديدة ، بإيمانها الخاص ، وبمنشآتها الخاصّة .
... ويبدو أنّ معارضة المكّيّين له لم تكن محافظتهم وتمسّكهم بالقديم ، أو بسبب عدم رغبتهم في الإيمان ، بل ترجع أكثر ما ترجع إلى أسباب سياسيّة واقتصاديّة ، لقد تملّكهم الخوف من آثار دعوته ، التي تؤثّر على ازدهارهم الاقتصادي وبالأخص تلك الآثار التي يجوز أنْ تلحق ضرراً بالقيمة الاقتصاديّة لمقدّساتهم... وبالإضافة إلى ذلك ، فإنّ المكيّين قد تصوّروا ـ أسرع ممّا تصوّر محمّدٌ نفسه ـ أنّ قبولهم لتعاليمه ربّما يُمهّد لنوعٍ معقّد من السلطة السياسيّة داخل جماعتهم ، التي كانت تحكمها فئة قليلة حتّى ذلك الوقت )(21) .
سادساً : يقول الدكتور ( رشدي فكار ) : إنّ محاولة المستشرقين تحقيق مخطّطاتهم بالنفاذ من باب السيرة النبويّة ، والتعامل معها كتراث بشري دنيوي ، لا كمعتبِر لوحي السماء . وقد قام المستشرق ( جولد صيهر ) بدور رئيس في التشكيك بصدق السنة النبويّة ، حيث ادّعى هو وغيره أنّها جُمِعت بعد وفاة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بوقتٍ طويل ، وهذا يفقدها الكثير من مصداقيّتها ، بل راح إلى أبعد من ذلك ، فادّعى أنّ الحديث النبوي هو نتيجة لتطوّر المسلمين .
أمّا المستشرق ( الفريد غيوم ) في كتابه ( الحديث في الإسلام ) والمستشرق ( تريثون ) في كتابه ( الإسلام عقيدة وعمل ) ، فقد حاول كل منهما الطعن في طرق جمع السنة المطهرة ، زاعمين أنّ السنة النبويّة الصحيحة لم يُكتب لها البقاء ؛ لأنّها لم تدوّن ، بل كانت تُتناقل شفاهةً بين الأفراد لمدّة قرنين من الزمان(22) .
ويشير المستشرق ( درمنغهام ) إلى هذه الادّعاءات ، ويذكر لنا نمطاً آخر منها فيقول : ( من المؤسف حقّاً أنْ غالى بعض هؤلاء المتخصّصين ـ من أمثال ( موبر ) و( مرجليوث ) و( نولدكه ) و( سبرنجر ) و( دوزي ) و( كيتاني ) و( مارسين ) و( غريم ) و( جولد صيهر ) و( غود فروا ) وغيرهم ـ في النقد أحيانا ، فلم تزل كتبهم عاملَ هدمٍ على الخصوص ، ومن المُحزن ألاّ تزال النتائج التي انتهى إليها المستشرقون سلبيّةً ناقصة...
ومن دواعي الأسف أنْ كان الأب ( لامانس ) ، الذي هو من أشهر المستشرقين المعاصرين من أشدّهم تعصّباً ، وأنّه شوّه كتبه الرائعة الدقيقة وأفسدها بكرهه للإسلام ونبيّ الإسلام ، فعند هذا العالِم اليسوعي أنّ الحديث إذا وافق القرآن كان منقولاً عن القرآن ، فلا أدري كيف يُمكن تأليف التاريخ ، إذا اقتضى تطابق الدليلين تهادمهما بحكم الضرورة ، بدلاً من أنْ يؤيّد أحدهما الأخر ؟)(23) .
والأكثر غرابة هو موقف بعض المستشرقين من القرآن كمصدر أساسي من مصادر السيرة النبويّة ، فهم ينفون الكثير من وقائع السيرة إذا لم تكن واردة في القرآن الكريم ، وهم بعبارةٍ أُخرى ، يريدون أنْ يُوهموا بهذه الحجّة أنّ عمليّة انتقائهم المغرضة لبعض وقائع السيرة ، وترك البعض الأخر ـ بهدف هدم هذه السيرة ونفيها ـ لم يكن جزافاً ، بل كان على أساس الاتّكاء على المصدر الفيصل لدى المسلمين ، في بيان حقائق دينهم ونبيّهم .
ومن الأمثلة على ذلك ما يدّعيه المستشرق ( شبنغلر )(24) من أنّ اسم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ورد في أربع سوِر من القرآن هي آل عمران والأحزاب ومحمّد والفتح ، وكلّها سوِر مدنيّة ، ومِن ثمّ فإنّ لفظة ( محمّد ) لم تكن اسم علَم للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قبل الهجرة ، وإنّما اتّخذه بتأثير قراءته للإنجيل واتّصاله بالنصارى(25) ، ومن الأمثلة أيضاً ما أشار إليه المستشرق ( إسرائيل ولفنسون ) ـ الذي مرّ ذكره ـ بصدد مهاجمة يهود بني النضير ، من أنّ مؤرّخي المسلمين يذكرون سبباً آخر لإعلان الحرب على هذه الطائفة اليهوديّة ، ذلك هو محاولتهم اغتيال الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ).
ويدّعي ( ولفنسون ) أنّ المستشرقين يقولون بغير ذلك فيقول : ( لكنّ المستشرقين ينكرون صحّة هذه الرواية ويستدلّون على كذبها بعدم وجودِ ذكرٍ لها في سورة الحشر ، التي نزلت بعد إجلاء بني النضير )(26) .
ويُعتبر ما ذكره ( مونتغمري وات ) ـ بصدد تثبيت الشبهات وتكريس الشكوك حول معطيات السيرة النبويّة ، ومصداقيّتها القدسيّة ، على أساس الدليل والحجّة القاطعة ـ قناعاً يقنع به ذلك المنهج الاعتباطي المُغرض ؛ لأنّه هو نفسه لم يلتزم بما قاله ، وكشف من خلال كتاباته زيف ادّعائه وحقيقة منهجه الكيفي ، ممّا يجعلنا نتحفّظ من قوله : ( إذا أردنا أنْ نصحّح الأغلاط المكتسبة من الماضي بصدد ( محمّد ) ، فيجب علينا في كلّ حالة من الحالات لا يقوم الدليل القاطع على ضدّها أنْ نتمسّك بصلابة بصدقه ، ويجب أنْ لا ننسى أيضاً أنّ الدليل القاطع يتطلّب لقبوله أكثر من كونه ممكناً ، وأنّه في مثل هذا الموضوع يصعب الحصول عليه )(27) .
سابعاً : الانطلاق من المنطق الوضعي العلماني ، وطريقة التفكير الأوربيّة في تناول السيرة الشريفة للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) : حاول المستشرقون أنْ يخترقوا السيرة النبويّة ، ويُخضعوا حياة نبيّ الإسلام ( محمّد) ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) لعلوم الغربيّين في التربية والسيكولوجيا(28) .
إنّ المنطق الوضعي العلماني والرؤية الأوربيّة في منهج البحث التاريخي أدّى إلى أنْ تقع مجموعة من المستشرقين في تزوير وتحريف الحقائق التاريخيّة ، منها قولهم : ( إنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لم يكن يخطو خطوةً واحدة ، وهو يعلم مسبقاً ما الذي يليها...) ، أي إنّه كان يتحرّك وفق ما تمليه عليه الظروف الراهنة من متطلّبات ولوازم ، دونما أيّ تخطيط شمولي وأُفقٍ عالمي ، كما هو وارد في القرآن الكريم ومتواتر فيما نُقل من السيرة النبويّة .
ومن أبرز من تبنّى هذه المقولة هو المستشرق ( فلهاوزن ) ومجموعته الاستشراقيّة ، إذ قالوا بإقليميّة دعوة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) للإسلام في عصرها المكّي ، وإنّه لم ينتقل إلى المرحلة العالميّة ـ في العصر المدني ـ إلاّ بعد أنْ أتاحت له الظروف ذلك ، ولم يكن ليفكّر بذلك من قبل .
وقد أشار المستشرق ( سير توماس أرنولد ) إلى هذه الرؤية الخاطئة لدى زملائهِ بقوله : ( من الغريب أنْ ينكر بعض المؤرّخين أنّ الإسلام قد قُصد به مؤسّسه في بادئ الأمر ، أنْ يكون ديناً عالميّاً برغم هذه الآيات البيّنات )(29) .
وقد سبقَت الإشارة إلى أنّ المستشرق الفرنسي ( دينيه ) ، الذي أعلن إسلامه قال في هذا الصدد أيضاً : ( إنّه من المتعذّر إنْ لم يكن من المستحيل ، أنْ يتجرّد المُستشرقون عن عواطفهم وبيئتهم نزعاتهم المختلفة ، وإنّهم لذلك قد بلغ تحريفهم لسيرة النبيّ والصحابة مَبلغاً يُخشى على صورتها الحقيقيّة من شدّة التحريف فيها ، ورغم ما يزعمون من أتباعهم لأساليب النقد البريئة ولقوانين البحث العلمي الجاد ، فإنّا نلمس من خلال كتاباتهم محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يتحدّث بلهجةٍ ألمانيّة إذا كان المؤلّف ألمانيّاً ، وبلهجةٍ إيطاليّة إذا كان الكاتب إيطاليّاً .
وهكذا تتغيّر صورة محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بتغيّر جنسيّة الكاتب ، وإذا بحثنا في هذهِ السيرة عن الصورة الصحيحة فأنا لا نكاد نجد لها من أثر .
إنّ المستشرقين يقدّمون لنا صوراً خياليّة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة ، إنّها أبعد عن الحقيقة من أشخاص القصص التأريخيّة التي يؤلّفها أمثال ( وولتر سكوت ) و( الكسندر دوماس ) .
وذلك أنّ هؤلاء يصوّرون أشخاصا من أبناء قومهم ، فليس عليهم إلاّ أنْ يحسبوا حساب اختلاف الأزمنة ، أمّا المُستشرقون فلم يمكنهم أنْ يلبسوا الصورة الحقيقيّة لأشخاص السيرة فصوّروهم حسب منطقهم الغربي وخيالهم العصري...) .
ولتقريب الفكرة يضرب ( دينيه ) مثلاً عكسيّاً : ( ما رأي الأوربيّين في عالم مِن أقصى الصين يتناول المتناقضات ، التي تكثر عن مؤرّخي الفرنسيّين ويمحصّها بمنطقه الشرقي البعيد ، ثمّ يهدم قصّة ( الكاردينال ريشيليو )(30) كما نعرفها ليعيد إلينا ريشيليو آخر له عقليّة كاهن من كهنة بكّين وسماته وطباعه ؟
إنّ مستشرقي العصر الحاضر قد انتهوا إلى مثل هذه النتيجة ، فيما يتعلّق برسمهم الحديث لسيرة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ويُخيّل الينا أنّنا نسمع محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يتحدّث في مؤلّفاتهم إمّا باللهجة الألمانيّة أو الانجليزيّة أو الفرنسيّة ، ولا نتمثّلهُ قط بهذه العقليّة والطباع التي ألصقت به ، يحدّثُ عُرباً باللغة العربيّة ) ، ويختم هذا المستشرق المسلم كلامه بالقول : ( إنّ صورة نبيّنا الجليلة التي خلّفها المنقولٍ الإسلامي ، تبدو أجمل وأسمى إذا قيست بهذه الصورة المصطنعة الضئيلة ، التي صيغت في ظلال المكاتب بجهدٍ جهيد)(31) ، وأخيرا فإنّ هذا النمط من أنماط النماذج المختارة في العقليّات الاستشراقيّة والمصبّات الموضوعيّة ، التي وقع الجهد الاستشراقي عليها ، يكشف لنا بوضوح مدى التعصّب والمنهجيّة المغرضة ، والدوافع التبشيريّة والاستعماريّة في وقائع الحركة الاستشراقيّة وأعمال المستشرقين ، فكانت النتائج التي تمخضّت والمعطيات التي أُفرِزت ذات ثلاثة أبعاد أساسيّة :
الأوّل : كان بمثابة مسح ميداني للشرق الإسلامي فكريّاً وحضاريّاً .
الثاني : التشويه الموضوعي للفكر الإسلامي والحضارة القائمة عليه ، بهدف منع تأثّر المجتمع الأوربّي به ، إضافةً إلى تكوين ارتكاز ذهني عن تخلّف المسلمين وجهلهم المركّب ليكون مبرّراً لاستعمارهم .
الثالث : النيل من العقائد الإسلاميّة ( في القرآن وفي الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )... إلخ ) ، وتشويه حقائقها بهدف نفي قدسيّتها من نفوس المسلمين ، وبذلك يمكن فكّ الارتباط بينهم وبين معتقداتهم ، ليتم الجانب السلبي من عمليّة التغيير للمجتمعات الإسلاميّة .
وبهذه الأبعاد أو قل المقدّمات الثلاث تتهيّأ الأرضية المناسبة لقيام أوربّا بالغزو التبشيري والاستعماري للشرق الإسلامي فكريّاً وسياسيّاً وعسكريّاً ، فيبرز الجانب الايجابي من عمليّة التغيير للمجتمعات الإسلامية إلى الواقع .
ــــــــــــــــــــــ
(1) قبر رسول الإسلام محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في المدينة المنوّرة وليس في مكّة المكرّمة .
(2) دائرة المعارف الإسلاميّة : 1: 112 .
(3) اعرضنا عن ذكر هذا المحذوف لما فيه من إساءة فاحشة بحقّ الإمام الحسن (عليه السلام) لا يليق بنا إيرادها .
(4) دائرة المعارف الإسلاميّة : 7 : 400 .
(5) دائرة المعارف الإسلاميّة : 6 : 473 .
(6) عليّ ، جواد ـ ( تاريخ العرب في الإسلام ) ـ الجزء الأوّل ـ ص8 ـ 11 من موضوع ( السيرة النبويّة ) .
(7) الحسني ، هاشم معروف ـ سيرة الأئمّة الاثني عشر ـ 1 : 554 ـ 557 .
(8) لمزيد من التفصيل في أسرار صلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) راجع : آل ياسين ، الإمام الشيخ راضي ـ صلح الحسن ( عليه السلام ) .
(9) درمنغهام ، أميل ـ ( حياة محمّد) عن رشيد رضا ، محمّد ( الوحي المحمّدي ) ص100 ـ ص108 .
(10) علي ، جواد ـ ( تاريخ العرب في الإسلام ) ـ الجزء الأوّل (السيرة النبويّة ) ص9 ـ 11 .
(11) د . خليل ، عماد الدين ـ ( المستشرقون والسيرة النبويّة ) ـ مجلّة منار الإسلام العدد 7 .
(12) علي ، جواد ـ ( تاريخ العرب في الإسلام ) ـ الجزء الأوّل ( السيرة النبويّة ) ص95 .
(13) القيم ، ايتين ـ ( الشرق كما يراه الغرب ) ـ المقدّمة ص43 ـ 44 .
(14) بروكلمان ، كارل ( pockelmann 1868 ـ 1956م ) : مستشرق ألماني يُعتبر أحد أبرز المستشرقين في العصر الحديث . أشهر آثاره : ( تاريخ الأدب العربي ) في خمسة مجلّدات ( 1898 ـ 1942م ) ، و( تاريخ الشعوب والدول الإسلاميّة )( عام 1939م ) ، وقد نقلهُ إلى العربيّة نبيّه أمين فارس ومنير البعلبكّي / عن البعلبكّي ، منير ـ موسوعة المورد ـ المجلّد الثاني ص120 .
(15) بروكلمان ، كارل ـ ( تاريخ الشعوب الإسلامية ) ص53 ـ 54 .
(16) ولفنسون ، إسرائيل ـ ( تاريخ اليهود في بلاد العرب ) ـ ص130 ـ 137 .
(17) فلهاوزن ، يوليوس ـ ( الدولة العربيّة وسقوطها ) ـ ص15 ـ 16 .
(18) الدكتور خليل ، عماد الدين ـ ( المستشرقون والسيرة النبويّة ) مجلّة منار الإسلام ـ العدد 7 .
(19) نولدكه ، ثيودور ـ ( تاريخ العالم للمؤرّخين ) الجزء 8 ـ ص11 .
(20) جب ، ( المذهب المحمّدي ) ص47 .
(21) جب ، ( المذهب المحمّدي ) ـ ص27 ـ 29 .
(22) الجندي ، أنور ـ ( أبرز أهداف المستشرقين ) ـ مجلّة منار الإسلام ـ العدد 8 السنة 14.
(23) درمنغهام ، إميل ـ ( حياة محمّد ) ـ المقدّمة ص8 ، 10 ـ 11 .
(24) شبنغلر ، ( أوزوولد Spengler Oswald 1880 ـ 1936م ) : فيلسوف ألماني قال بأنّ الحضارات تولد وتنضج ثمّ تموت كالكائنات الحيّة سَواء بسواء ، وأنّ الحضارة الغربيّة المعاصرة هي في طريقها إلى الموت ، وبأنّ حضارة أُخرى جديدة من آسيا سوف تحلّ محلّها ، أهمّ آثاره : ( انحطاط الغرب ) وهو يقع في مجلّدين .
عن البعلبكّي ، منير ـ موسوعة المورد م9 ص101 .
(25) علي ، جواد . ( تاريخ العرب في الإسلام ) الجزء الأول ص78 وهوامشها ، ويمكننا أنْ ننقض على ( شبنغلر ) هذا فنسأله : إذا كان النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد التقط اسم محمّد من خلال قراءته لنبوءات الإنجيل ، = فأين إذن ( محمّد ) الحقيقي الذي بُشر به في كتب النصارى ؟
(26) ولفنسون ، إسرائيل ـ ( تاريخ اليهود في بلاد العرب ) ـ ص135 ـ 137 .
(27) وات ، مونتغمري ـ ( محمّد في مكّة ) ـ ص94 .
(28) الجندي ، أنور ـ ( أبرز أهداف المستشرقين ) ـ مجلّة منار الإسلام العدد 8 ـ السنة 14 .
(29) أرنولد ، سير توماس ـ ( الدعوة إلى الإسلام ) ـ ص48 .
(30) ( ريشيليو ) ، آرمان جان دوبليسي ( 1585 ـ 1642م ) كاردينال وسياسي فرنسي ، كبير وزراء لويس الثالث عشر والحاكم الفعلي لفرنسا ( 1628 ـ 1642م ) قضى على نفوذ نبلاء الإقطاع ونفوذ البروتستانت السياسي . سعى إلى إذلال آل هابسبورغ في حرب الأعوام الثلاثين . أجرى إصلاحات ماليّة وعسكريّة وتشريعيّة ، وشجّع التجارة ، ورعى الفنون ، وأنشأ الأكاديميّة الفرنسيّة . عن البعلبكّي ، منير ـ ( المورد ) ـ الجزء الثامن ـ ص150 .
(31) دينيه ، إيتين ـ ( محمّد رسول الله ) ـ ترجمة عبد الحليم محمود ـ المقدّمة ص27 ـ 28، 43 ـ 44 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|