أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1837
التاريخ: 12-2-2018
1947
التاريخ: 31-3-2017
1676
التاريخ: 1-07-2015
1699
|
والأشاعرة خالفت العقلاء في ذلك، وذهبوا مذهبا غريبا عجيبا، لزمهم بواسطته إنكار الضروريات. فإن العقلاء بأسرهم قالوا: " إن صفة الادراك تصدر عن كون الواحد منا حيا لا آفة به ".
والأشاعرة قالوا: إن الادراك إنما يحصل لمعنى حصل في المدرك، فإن حصل ذلك المعنى للمدرك حصل الادراك، وإن فقدت جميع الشرائط، وإن لم يحصل، لم يحصل الادراك، وإن وجدت جميع الشرائط (1) وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات، لأن من شأن الادراك أن يتعلق بالمرئي على ما هو عليه في نفسه، وذلك يحصل في عدمه، كما يحصل حال وجوده، فإن الواحد منا يدرك جميع الموجودات، بإدراك يجري مجرى العلم في عموم التعلق (2)، وحينئذ يلزم تعلق الادراك بالمعدوم، وبأن الشيء سيوجد، وبأن الشيء قد كان موجودا، وأن يدرك ذلك بجميع الحواس. من: الذوق، والشم، واللمس، والسمع، لأنه لا فرق بين رؤية الطعوم والروايح، وبين رؤية المعدوم. وكما أن العلم باستحالة المعدوم ضروري، كذا العلم باستحالة رؤية الطعوم والروايح.
وأيضا: يلزم أن يكون الواحد منا رائيا مع الساتر العظيم البقة، ولا يرى الفيل العظيم، ولا الجبل الشاهق، مع عدم ساتر، على تقدير أن يكون المعنى قد وجد في الأول، وانتفى في الثاني، وكان يصح منا أن نرى ذلك المعنى لأنه موجود.
وعندهم أن كل موجود يصح رؤيته ويتسلسل، لأن رؤية الشيء إنما تكون بمعنى آخر. وأي عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب إلى جواز رؤية الطعم، والرائحة، والحرارة، والبرودة، والصوت بالعين، وجواز لمس العلم والقدرة، والطعم، والرائحة، والصوت باليد، وذوقها باللسان، وشمها بالأنف، وسماعها بالأذن، وهل هذا إلا مجرد سفسطة، وإنكار المحسوسات، ولم يبالغ السوفسطائية في مقالاتهم هذه المبالغة!.
وخالفت الأشاعرة كافة العقلاء في هذه المسألة، حيث حكموا بأن الله تعالى يرى للبشر. أما الفلاسفة، والمعتزلة، والإمامية، فإنكارهم لرؤيته ظاهر لا يشك فيه. وأما المشبهة، والمجسمة، فإنهم إنما جوزوا رؤيته تعالى، لأنه عندهم جسم، وهو مقابل للرائي، فلهذا خالفت الأشاعرة باقي العقلاء، وخالفوا الضرورة أيضا (3) ، فإن الضرورة قاضية بأن ما ليس يجسم، ولا حال في الجسم، ولا في جهة، ولا مكان، ولا حيز، ولا يكون مقابلا، ولا في حكم المقابل، فإنه لا يمكن رؤيته، ومن كابر في ذلك فقد أنكر الحكم الضروري، وكان في ارتكاب هذه المقابلة سوفسطائيا.
وخالفوا أيضا آيات الكتاب العزيز الدالة على امتناع رؤيته تعالى، قال عز من قائل: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } [الأنعام: 103] تمدح بذلك، لأنه ذكره بين مدحين، فيكون مدحا، لقبح إدخال ما لا يتعلق بالمدح بين مدحين، فإنه لا يحسن أن يقال: فلان عالم فاضل، يأكل الخبز. زاهد ورع، وإذا مدح بنفي الأبصار له، كان ثبوته له نقصا، والنقص عليه تعالى محال.
وقال تعالى في حق موسى: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] ولن للنفي المؤبد، وإذا امتنعت الرؤية في حق موسى عليه السلام، ففي حق غيره أولى. وقال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 55] ، ولو جازت رؤيته لم يستحقوا الذم، ولم يوصفوا بالظلم، وإذا كانت الضرورة قاضية بحكم، ودل محكم القرآن أيضا عليه، فقد توافق العقل والنقل على هذا الحكم، وقالوا بخلافه وأنكروا ما دلت الضرورة عليه، وما قاد القرآن إليه، ومن خالف الضرورة والقرآن، كيف لا يخالف العلم النظري، والأخبار؟ وكيف يجوز تقليده؟ والاعتماد عليه؟
والمصير إلى أقواله؟ وجعله إماما، يقتدون به؟ وهل يكون أعمى قلبا ممن يعتقد ذلك؟ وأي ضرورة تقود الإنسان إلى تقليد هؤلاء الذين لم يصدر عنهم شئ من الكرامات؟ ولا ظهر عنهم ملازمة التقوى، والانقياد إلى ما دلت الضرورة عليه، ونطقت به الآيات القرآنية؟. بل اعتمدوا مخالفة نص الكتاب، وارتكاب ضد ما دلت الضرورة عليه. ولو جاز ترك إرشاد المقلدين، ومنعهم من ارتكاب الخطأ الذي ارتكبه مشايخهم إن أنصفوا.
لم نطول الكلام بنقل مثل هذه الطامات، بل أوجب الله تعالى علينا إهداء العامة بقوله تعالى: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] ، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } [يونس: 108].
___________
(1) شرح العقائد، وحاشية الكستلي - ص 108، والتفسير الكبير - ج 13 ص 130، وتفسير النسفي هامش تفسير الخازن ج 2 ص 43.
(2) في نسخة: التعليق.
(3) أقول: من راجع كتاب: " الإبانة في أصول الديانة " - ص 5 و 6 لأبي الحسن الأشعري رئيس الأشاعرة، يظهر له أنه لم يأت بمذهب جديد، يمتاز عن مذاهب المتكلمين من أهل الحديث وقد صرح في كتابه هذا بأن ما يعتقده، وما أظهره من أصول العقائد، كله كان تبعا لأحمد بن حنبل، وتقليد له، وأفرط في تعظيمه، وتجاوز الحد بالغلو فيه. وقال عبد الكريم الشهرستاني في الملل والنحل / ج 1 ص 93: " حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي، والحارث بن أسد المحاسبي، وهؤلاء كانوا من جملة السلف، إلا أنهم باشروا علم الكلام، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية، وبراهين أصولية، فأيد أبو الحسن الأشعري مقالتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهبا جديدا لأهل السنة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية ". إنتهى. وذكر بذلك محمد كرد علي في الجزء السادس من كتابه: خطط الشام. والمشبهة والمجسمة من المتكلمين هم الصفاتية. وتبع الأشعري في ذلك أحمد بن حنبل واتباعه. (راجع الملل والنحل / ج 1 ص 92 إلى 108، وحاشية الكستلي المطبوع في هامش شرح العقائد التفتازاني ص 70).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|