أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-11-2019
1358
التاريخ: 24-1-2020
1800
التاريخ: 14-4-2020
1668
التاريخ: 13-6-2021
2858
|
رأيه في بيعة السقيفة
الافتيات على الإمام
لا يشك التأريخ إن عليا عليه السلام لم يكن على علم من اجتماع الأنصار في سقيفتهم ، حتى بعد ذهاب الثلاثة من حزب المهاجرين متكتمين ، وهم أبو بكر وعمر إذ ذهبا يتقاودان - على حد تعبير الطبري في تاريخه - وتبعهما أبو عبيدة .
بل لم يعلم الإمام بما تم في السقيفة إلا بعد خروجهم إلى المسجد في ضجيجهم " وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب وبيده عسيب نخل وهو محتجز يحث الناس على البيعة "، فبلغه تكبيرهم ، وهو مشغول - لا يزال - في جهاز النبي (صلى الله عليه وآله) . ولم يخرج إليهم إلا في اليوم الثاني .
وأول شئ يبدو دليلا على افتيات القوم عليه بالمشهورة ، وهم يشعرون بأنهم في مقام الخصومية له أنهم لم يخبروه بحادث اجتماع الأنصار عندما أسر عمر إلى أبي بكر وهو في بيت الرسول بالخبر ، وهما أيضا لم يخبرا أحدا غير أبي عبيدة الذي تبعهما وحده حيث الاجتماع السري ، مع أن مثل الإمام أولى الناس بتدارك هذا الموقف الدقيق إن كان في اجتماع الأنصار خطر على الإسلام أو فتنة ، والأمور جارية على ظواهرها الطبيعية بين الإمام وبين هذه الجماعة .
ثم الأغرب أنهم لم يدعوه للمشاورة بل حتى للبيعة قبل أن يتم كل شئ ينتظر لبيعة أبي بكر .
ولا ينتهي التساؤل عما إذا ينبغي أن يرسلوا إليه من يخبره بالأمر على الأقل ! أما كانوا على حسن نية معه أو ثقة بموافقته لهم ورضاه؟
نعم! لقد وجدناهم قد قضوا أمرهم بينهم ، ودعوا الناس إلى البيعة أشتاتا ومجتمعين ، مستشعرين الكفاح والخصومة بل الخوف أمام حزب علي . ولذا انتهزوا فرصة انشغاله وانشغال أصحابه وبني هاشم بجهاز سيدهم .
ويشهد لهذا قول الطبري في تاريخه: " وجاءت أسلم فبايعت فقوي بهم جانب أبي بكر وبايعه الناس " ، تأمل كلمة ( فقوي بهم جانب أبي بكر ) ، لتفهم أن هناك جانبين متخاصمين يقوي أحدهما ويضعف الآخر ، وليس المراد بالجانب الآخر الأنصار لأنهم قد بايعوا في السقيفة ولم يبق إلا سعد بن عبادة وابنه ، وليس له كبير اهتمام وقد أهملت بيعته حسب إشارة بعض أبناء عمه .
أما علي عليه السلام فقد قلنا إنه جاءه الخبر عفوا لما سمع تكبير القوم في المسجد وهو حول النبي مشغول بجهازه . ولما بلغته حجتهم على الأنصار لم يكتم نقدها ، فقال كما في نهج البلاغة : " احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة " .
رأيه في بيعة السقيفة
قلنا في آخر الفصل الأول إنه لماذا لم يطالب الإمام صراحة بالنص عليه بالخلافة ، وهنا نقول : إنه مع ذلك لم يكتم رأيه في بيعة السقيفة ، فإن التأريخ لا يشك ، عند من ينظر إليه نظرة فحص وتمحيص ، أنه كان ناقما على ما أسرعوا إليه من بيعة أبي بكر ، وكان يعدها غضبا لحقه ، فلم يلاق الحادث إلا بالاستغراب والاستنكار كما يبدو من كلمته السابقة التي قرأتها أخيرا ، ومن كلمات كثيرة منبثة في نهج البلاغة وغيره وأهمها الخطبة الشقشقية . وأقل ما يقال في إنكاره تخلفه عن البيعة حتى ماتت فاطمة الزهراء عليها السلام .
على أن من الظلم نقول : إن الإمام تخلف عن البيعة ، وهو صاحب الأمر الذي يجب أن يؤتى إليه ، وإنما الحق أن نقول : إن الناس هم الذين تخلفوا عنه .
وأول إعلان له عن رأيه كان عند خروجه في اليوم الثاني من السقيفة بعد البيعة العامة - كما في مروج الذهب - فقال لأبي بكر : " أفسدت علينا أمرنا ولم تستشر ولم ترع لنا حقا " .
وهذا القول صرخة في وجه الاستئثار عليه ، وتصريح بعدم الرضى بما تم ، وليس علي ممن يداجي أو يخاتل ولا ممن تأخذه في الله لومة لائم . ولذلك هم كانوا يفرون من التحرش به قبل تمام البيعة خوف إعلان خصومتهم ، فنرى أبا بكر في جواب كلامه السابق يعترف له ويقول : " بلى ! ولكن خشيت الفتنة " .
ويسكت التأريخ عن ذكر جواب الإمام ، أفتراه اقتنع بكلمة أبي بكر أو أغضى عن جوابها أو التأريخ أهمل الجواب .
ولكن عليا نفسه يقول من خطبة له عن هذه الحادثة: " فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هب كأنه لا يدري ما يجيبني به ".
ولئن فرض إنه سكت هذه المرة فإنه لم يترك الدعوة إلى نفسه واستنكار حادث السقيفة، وإن بايع بعد ذلك فلم يبايع عن طيبة خاطر واطمئنان إلى الوضع، وهو الذي يقول بالصراحة في الشقشقية: " فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا " .
ثم التأريخ يحدثنا إنه لم يبايع إلا بعد أن صرفت عنه وجوه الناس بموت فاطمة الزهراء عليها السلام. وكم تذمر وتظلم من دفعه عن حقه مثل قوله من كلام له في النهج: " فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم حتى يوم الناس هذا " ويشير بهذا اليوم إلى عصره في خلافته .
هذا هو الصريح الواضح من رأي الإمام في بيعة السقيفة وما وقع بعدها . ويكفي النظر في الشقشقية وحدها، غير أن التأريخ قد يحاول أن يكتم هذه الصراحة، لأنه لا ينكر على كل حال أن عليا مع الحق والحق مع علي، فلا يمكنه أن يتهمه بالحيدة عن طريق الحق إذا اعترف بهذا الرأي منه ، وهو - أعني التأريخ - يريد أن يصحح ما وقع يوم السقيفة الذي لا يصح من دون رضى صاحب الحق وموافقته ، فيركن إلى المداورة .
ولكن في الحقيقة لا بد أن تتم على نفسها، فإنه جاء في صحيحي البخاري ومسلم عدا كتب التأريخ والسير ما لا يخرج عن هذا القول: " إن وجوه الناس كانت إليه وفاطمة باقية فلما ماتت انصرفت وجوه الناس عنه وخرج من بيته فبايع أبا بكر وكانت مدة بقائها بعد أبيها ستة أشهر ".
وجاء ما هو أصرح من كل ذلك في جوابه لكتاب لمعاوية، إذ يتهمه معاوية بالبغي على الخلفاء والإبطاء عنهم وكراهية أمرهم، فيقول الإمام منكرا لبعض التهم ومعترفا بالبعض الآخر: " فأما البغي فمعاذ الله أن يكون وأما الابطاء والكراهية لأمرهم فلست اعتذر إلى الناس في ذلك) (1) .
الموقف الدقيق
يظهر للمتتبع أن الإمام كان يرى - عطفا على رأيه السابق - وجوب مناهضة القوم حتى يأخذ حقه منهم .
ويستشعر ذلك من سيرته معهم ومن كثير من أقواله التي منها قوله في الشقشقية عن حربه لأهل الجمل ومعاوية : " أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها " .
فانظر إلى موقع كلمته : " لسقيت آخرها بكأس أولها " ، فإنه يريد أن يقول : إن زهدي بالدنيا يدعو إلى أن أترك حقي في المرة الأخيرة كما تركته في المرة الأولى ، ولكن الفرق كبير بين الحالين : ففي الأولى لم تقم علي الحجة في القتال لفقدان الناصر دون هذه المرة ، فلا يسعني أن أعرض عنها هذه المرة وأسقيها بالكأس الذي سقيت به أولها يوم طويت عنها كشحا وصبرت على القذى .
وأصرح من ذلك ما كان يقوله : " لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم " وهذا ما عده معاوية من ذنوبه ، وذلك فيما كتب إليه من قوله : " فمهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حركك وهيجك لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم ، فما يوم المسلمين منك بواحد " ، ولم ينكر أمير المؤمنين عليه السلام هذا القول في جوابه على هذا الكتاب . وفي التاريخ مقتطفات تؤيد ذلك ، كما في تأريخ اليعقوبي : إن أصحابه الذين كانوا يجتمعون إليه طالبوه بمناهضة القوم وتعهدوا بالنصرة ، وكأنهم ظنوا أن قد بلغوا العدد المطلوب " 40 ذوي عزم " فقال لهم : اغدوا على هذا محلقي الرؤوس ، وهو إنما يريد أن يريهم أنهم لم يبلغوا المنزلة التي تقام بها الحجة ، فلم يعد عليه إلا ثلاثة نفر .
وإذا كان هذا رأيه في المناهضة للقوم يبلغ - يا سبحان الله - هذه الشدة والصرامة فماذا تراه صانعا ؟ لنتركه الآن يحدثنا هو عن نفسه وموقفه الدقيق ، إذ يقول من الشقشقية : " وطفت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه " .
ثم يبين لنا كيف أن يده جذاء من خطبة ثانية . " نظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فظننت بهم على ات؟ ؟ " .
فهو إذن بين أمرين لا ثالث لهما : إما المغامرة بما عنده من أهل بيته ، وإما الرضوخ للأمر الواقع ، أما الحالة الأولى ففيها خطر على الإسلام لا يتدارك فإنه إذا قتل هو وآل بيته ارتفع الثقل الثاني من الأرض " عترة الرسول " وافترق عن عديله القرآن الكريم وهناك الضلالة التي لا هداية معها ، وقد قال النبي : " لا تضلوا ما أن تمسكتم بهما أبدا " أو " لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " وأما الحالة الثانية فإن في الصبر على هضم حقوقه إضاعة لوصية النبي صلى الله عليه وآله ، وتعطيل لنصبه إياه إماما وخليفة من بعده .
فأي الأمرين هو أولى بالرعاية لحفظ بيضة الإسلام ؟
وأنى لنا أن نتحكم في ترجيح أحد الأمرين ، ونعرف الإمام واجبه في هذا الأمر ؟ !
وما بالنا نذهب بعيدا، فإنا نعرف ما صنع الإمام، إنه استسلم للقوم وبايع كما بايع الناس بالأخير ، وقد قرر الرأي الأخير بعد أن طفق يرتئي بين أن يصول بيد جذاء أو يصبر على طخية عمياء عندما قال : " فرأيت الصبر على هاتا أحجى " فسدل دونها حينئذ ثوبا وطوى عنها كشحا .
على أنه لا يضيع وجه الرأي على الناظر في هذا الأمر ليعرف كيف كان الصبر أحجى ، لأنه لو نهض في وجه القوم مع قلة الناصر وحسد العرب له وترات قريش عنده ، لكان المغلوب على أمره ، وعندئذ يصبح نسيا منسيا ، ولربما لا يحفظه التأريخ إلا باغيا بغى على الدين كأولئك أصحاب الردة ، فقتل " بسيف الإسلام " وأضيع مع ذلك النص على خلافته .
وقد رأيناه مع بقائه حيا وانتهاء الأمر إليه بعد ذلك كيف غمط حقه وأعلن سبه وبقي الشك فيه إلى يوم الناس هذا ! وقد أشار إلى ذلك في كلامه لعمه العباس وأبي سفيان لما طلبا بيعته ، إذ قال لهما : " أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح . . . ثم قال : ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه " حقا ، لا ينهض في هذا الموقف إلا من لا يبالي إلا بالحرص على الملك ومطاولة الناس مهما كانت النتائج على الدين والصالح العام ، وأمير المؤمنين أحرص على الإسلام من أن يغرر به لأمر يقول عنه : " إنه ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها " .
ولا يساوي عنده نعله التي لا تسوى درهما، إلا إذا كان يقيم حقا أو يدحض باطلا. ولذلك، ينصح الناس في كلامه الذي أشرنا إليه مع العباس وأبي سفيان، وهما يحثانه على قبول البيعة، فيقول : " شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة وعرجوا عن طريق المناظرة ، وضعوا عن تيجان المفاخرة " .
وكأنه في كلامه هذا يحس منهما إذ دعواه لهذا الأمر الآنفة من الخضوع لأخي تيم ، و ( تيم ) على حد تعبير أبي سفيان أقل حي في قريش ، فهما ينظران إلى الأمر من ناحيته القبلية ، والعصبية الجاهلية . أما فقهه هو فكما قال من كتاب له في جواب معاوية في خصوص هذا الأمر : " وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه " ، وهو غير فقههما فإن العباس مشى إليه أبو بكر وجماعة ليلا ، لما عرفوا موقفه ، فأطمع في الخلافة له ولولده ، بعد نقاش انتهى بالإعراض عن النزاع .
وأما أبو سفيان فقد نقل ابن أبي الحديد ( 1 : 30 ) وغيره أن عمر كلم أبا بكر فقال إن أبا سفيان قد قدم وإنا لا نأمن شره ، فدفع له ما في يده فتركه ، وكان أبو سفيان قد بعث قبل وفاة النبي على الصدقات .
ثم لنفترض ثانيا أنه ما كان ليقتل لو ناهض القوم ولكن مع ذلك فالصبر على ترك حقه كان أحجى وأجدر لأن منازعتهم كانت - لا شك - تجر إلى الفتنة وتبعث على الفرقة، والإسلام بعد لم يتغلغل في نفوس العرب ولم يضرب جرانه في الجزيرة، وقد اشرأبت الأعناق للانتقاض عليه .
فهو إذ وطن نفسه على ما هو أمر من طعم العلقم كما يقول بالتنازل عن حقه ، كان يخاف ويخشى ، ولكن لا على الحياة - وهو هو ابن أبي طالب في شجاعته واستهانته بالحياة ، الذي كان يقول : والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها - بل كان خوفه على الدين من التصدع وعلى جامعته من التفرق ، فسالم إبقاء لكلمة الإسلام واتقاء للخلاف والشقاق في صفوف المسلمين فيرتدوا جميعا على أعقابهم ، والمفروض ليس عنده القوة الكافية لا ظهار كلمة الحق وإقامة السلطان .
وهو يشير إلى هذا الخوف فيما يقول في هذا الصدد من خطبته في النهج : " ما شككت في الحق مذ رأيته . لم يوجس موسى عليه السلام خيفة على نفسه. أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال. اليوم توافقنا على سبيل الحق والباطل من وثق بماء لم يظمأ " . فهو في هذه الكلمة يتأسى بموسى عليه السلام إذ رموه بالخيفة ولكن فرقا بين الخوف على الحياة والخوف من غلبة الباطل : وهذا أفضل تفسير لقوله تعالى : " فأوجس في نفسه خيفة " وفيه تبرئة لنبي الله من الوهن والشك وما أدق معنى كلمة " من وثق بماء لم يظمأ " بعد تقديم قوله : " ما شككت في الحق مذ رأيته " وقد رأى الحق وهو ابن عشر سنين ! .
ويوضح لنا ذلك جوابه المشهور لأبي سفيان لما جاءه مستفزا على أبي بكر وهو يقول: " فوالله لئن شئت لأملئها خيلا ورجلا " وأنت تعرف ما قال له الإمام أنه قال : " أنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة وأنك والله طالما بغيب للإسلام شرا لا حاجة لنا في نصيحتك " ما أعظم هذه الصرامة والصراحة منه لمن يريد أن يبذل نفسه وقومه في ظاهر الحال ناصرا ومعينا على خصومه وهو يشكو فقد الناصر .
نعم أن الدين الذي بذل له مهجته كان عنده فوق جميع الاعتبارات، وإن استهان به غيره ، وقد رأينا أبا سفيان كيف أسرع في الرجوع عن وعده ووعيده لما تركوا له ما في يده .
وأمير المؤمنين قد صرح بغرضه هذا بعد ذلك في جوابه الذي أشرنا إليه عن كتاب معاوية كما في النهج والعقد الفريد إذ قال عن إبائه على أبي سفيان : " حتى كنت أنا الذي أبيت لقرب عهد الناس بالكفر مخافة الفرقة بين أهل الإسلام " .
____________
( 1 ) راجع شرح النهج ( 3 : 409 ) .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|