أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2017
2127
التاريخ: 6-11-2017
2179
التاريخ: 12-4-2019
1387
التاريخ: 9-4-2021
1925
|
بين الحسن (عليه السلام) ومعاوية
بويع الحسن (عليه السلام) بالخلافة بعد اغتيال ابيه. وكأي حاكم جديد يتولى السلطة، أعلن برنامجه السياسي في مسجد الكوفة، وكانت أبرز خطوطه مشكلة الصراع مع معاوية، ذلك الصراع الذي وجد الحسن (عليه السلام) نفسه منقاداً اليه تلقائياً لاعتبارات عقائدية وسياسية.
وعلى عكس ما يعتقد البعض من أن هذا الخليفة كان عازفاً عن استئناف الحرب مع معاوية، وأنه حين سار لقتال هذا الاخير كان تحت ضغوط من جماعته الكوفيين (1). فالحقيقة الثابتة أن الحسن (عليه السلام) واجه هذا الامر بمنتهى الجدية والحزم، وكان أول ما فعله بعد وصوله الى الحكم هو الاهتمام بجيشه، فدفع رواتب جنوده (2) وعمل على اعدادهم اعداداً لائقاً لحرب مصيرية مقبلة. وهذا الجيش هو نفسه الذي أعده علي (عليه السلام) قبل اغتياله للزحف به الى الشام. ولعل بعض المؤرخين قد خلطوا بين ما اشاروا اليه من تردد الحسن (عليه السلام) في مجابهة هذه المشكلة وبين حذره الذي غلب على تصرفاته. فالتردد شيء والحذر شيء آخر. وهذا الموقف كان نابعاً في المقام الاول من عدم ثقته بالزمرة السياسية التي حاطت به وكان لا بد من الاعتماد عليها في مطلق الاحوال (3). فهي مركز الثقل في الكوفة بما تمتلكه من رجال وأموال، وهي في الواقع تقرر الموقف الذي تريد (4) على ضوء ما تراه منسجماً مع مصالحها وامتيازاتها في المدينة.
فالحسن (عليه السلام) كما نعرف عاش عن كثب تجربة الحرب في صفين وما صاحبها من مؤامرات، وخبر جيداً أساليب معاوية في امتلاك قلوب هذا النوع من الرجال (5) الذي كانت مصالحه فوق المبادئ وفوق المثل. ولم يكن مفاجئاً أن يتحول هؤلاء الذين عرفوا بالأشراف فيما بعد الى مطية للنظام الاموي يقاتلون في صفوفه، نفس الحزب الذي كانوا من أركانه أيام علي والحسن (عليهما السلام).
فالحسن (عليه السلام) إذا لم يساوره أدنى تردد او تخاذل في موقفه من الحرب مع معاوية، ولكنه كان شديد الحذر من جماعته، غير واثق من ولائهم واقتناعهم بفكرة الحرب. ولا بد لنا هنا من أن نتصور أية مهمة مستحيلة كانت بانتظار الحسن (عليه السلام) ليخوضها بجيش مفكك العناصر، مضطرب الولاء، موزع الانتماءات قبلياً وعشائرياً.
بهذه التركيبة العجيبة من المقاتلين التي لم يدخلها سوى قلة مؤمنة ومخلصة، سار الحسن (عليه السلام) لقتال الجيش الشامي القوي والانضباطي - الذي وصف معاوية عناصره يوماً بأنهم «أطوع جند وأقلهم خلافاً» (6). وهو يدرك جيداً ان المتاعب لن تأتيه من أعدائه فقط، بل من الانتهازيين داخل جيشه أيضاً الذين يظهرون غير ما يسرون (7)، فكان ذلك يزيد من شجونه ويزيد الامور تعقيداً.
وكان معاوية قد أدرك بدوره نقطة الضعف هذه في جيش الحسن (عليه السلام) فاستغلها ببراعة وأخذت مناوراته ودسائسه تفعل فعلها في أوساط المترددين وهم كثرة، وتمكن من تأليب كبار القواد عليه وتخذليهم عنه بشتى المغريات.
ولعل من أقسى ما تعرض له الحسن (عليه السلام) تواطؤ قائده وابن عمه عبيد الله بن عباس مع معاوية وتسلله الى معسكره ليلاً ومعه القوة الاساسية من الجيش (8). وأخذت الأوضاع تتحرج اكثر فأكثر في جبهة الحسن (عليه السلام) الممزقة حتى وصل الامر الى حد بأن تجرأ عليه بعض جنده فهاجموه في فسطاطه (9)، وكمن له رجل متطرف من بني أسد اسمه الجراح بن سنان فأصابه بجرح بليغ في فخذه (10). فتراجع الحسن (عليه السلام) حينئذ الى المدائن لينشغل في مداواة جراحة. كل هذا في الوقت الذي كان فيه معاوية ناشطاً في محاولة استقطاب المزيد من رجالات الحسن (عليه السلام) (11) وفي تصعيد حملاته النفسية في صفوف أعدائه.
وتحت تأثير هذه الظروف المأساوية المؤلمة، ولما آل اليه وضع الجيش العراقي، وفي غمرة هذا الجو المشحون بالتشاؤم في امكانية الصمود والامل بالنصر، استجاب الحسن (عليه السلام) أخيراً وهو مرغم لعروض معاوية من أجل الصلح بعد أن أبدى هذا الاخير استعداده للموافقة على جميع ما اشترط عليه (12).
أثارت قضية الحسن (عليه السلام) ولا تزال الكثير من الجدل. فمن مبالغ متطرف في تقدير مواقفه واجلالها، الى منتقد ظالم اكتفى بالنظرة السطحية الى مجريات الاحداث وتغاضى عن كل الايجابيات. وبالنتيجة كانت شخصية الحسن (عليه السلام) عرضة لتقويم خاطئ وغير منصف. والحق أنه وجدت هناك أسباب لا ينبغي لأحد تجاهلها في هذا المجال لأنه كان لها الدور المؤثر في عملية الصراع الذي دار بين الحسن (عليه السلام) ومعاوية او بين العراق والشام باتخاذه بعداً اقليمياً بدأ في صفين وتركز بعد تنازل الحسن (عليه السلام) ثم تعمق في كربلاء وتحول الى صراع تقليدي على مدى بعيد من الزمن. ومن هذه الاسباب :
1 - فقدان القيادات الشعبية المخلصة التي برزت مع علي، القادرة على تحريك الجماهير وضبطها، ابتداء بعمار بن ياسر وانتهاء بالأشتر النخعي، فقد أفلت الزمام في جيش الحسن (عليه السلام) لافتقاده الى القيادات الفعلية، وهذا الشيء نفسه سيتكرر مع مسلم بن عقيل في الكوفة.
2 - أدرك الحسن (عليه السلام) ان موازين القوى غير متكافئة بينه وبين أعدائه خاصة بعد التخلخل الذي أصاب جيشه وظهور الانتهازية فيه. من هنا رجّح خسران المعركة عسكرياً ووجد ان المخاطرة بجيش ضعيف وممزق ستؤدي الى ضرب الحزب الشيعي بكامله وانهيار البقية الباقية من رجالاته المخلصين. وكان هذا بدون شك تقديراً سليماً وبعد نظر من جانب الحسن (عليه السلام). وعلى ذلك سنجد ضمن ما اشترطه على معاوية بعد توقيع الصلح اعلان العفو العام، لانه لم يشأ أن يدع تلك النخبة (13) من الحزب في مواجهة معاوية دون أية ضمانات.
_____________
(1) الخربوطلي : تاريخ العراق في ظل الحكم الاموي 68.
(2) الاصفهاني : مقاتل الطالبيين 34.
(3) راجع صلح الحسن (عليه السلام) للشيخ راضي آل ياسين 83 وما بعدها.
(4) راجع صلح الامام الحسن (عليه السلام) للسيد محمد جواد فضل الله 51 وما بعدها.
(5) كان من أبرز هؤلاء : الاشعث بن قيس، عمرو بن حريث، معاوية بن خديج، المنذر بن الزبير، شبث بن ربعي، اسحق بن طلحة، وعمر بن سعد.
(6) راجع كتاب تاريخ العرب السياسي (بيضون - زكار) : 82.
(7) السيد محسن الامين : أعيان الشيعة 4/22.
(8) الاصفهاني : مقاتل الطالبيين : 40 - 42.
(9) الدينوري : الاخبار الطوال : 23.
(10) اليعقوبي : 2/251.
(11) أعيان الشيعة : 4/42.
(12) الطبري : 6/93.
(13) كان من ابرزها : حجر بن عدي الكندي، وقيس بن سعد بن عبادة، وسليمان بن صرد وغيرهم.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|