خطبة لعياض يوري فيها بأسماء السور
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة:
ص: 333-334
2025-12-03
3
خطبة لعياض يوري فيها بأسماء السور
وتذكرت بهذا الموضع خطبة القاضي أبي الفضل عياض التي ضمنها سور القرآن على المهيع الماضي آنفا، وهي: الحمد لله الذي افتتح بالحمد كلامه، وبين في سورة البقرة أحكامه، ومد في آل عمران والنساء مائدة الأنعام ليتم إنعامه، وجعل في الأعراف أنفال توبة يونس وألر كتاب أحكمت آياته بمجاورة يوسف الصديق في دار الكرامة، وسبح الرعد بحمده، وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم، ليؤمن أهل الحجر أنه إذا أتى أمر الله سبحانه فلا كهف ولا ملجأ إلا إليه ولا يظلمون قلامة، وجعل في حروف كهيعص سرا مكنونا قدم بسببه طه صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء ليظهر إجلاله وإعظامه، وأوضح الأمر حتى حج المؤمنون بنور الفرقان والشعراء صاروا كالنمل ذلا وصغارا لعظمته، وظهرت قصص العنكبوت فآمن به الروم، وأيقنوا أنه كلام الحي القيوم، نزل به الروح الأمين على زين من وافى القيامة، وأفصح لقمان الحكمة بالأمر بالسجود لرب الأحزاب فسبا فاطر السموات أهل الطاغوت، وأكسبهم ذلا وخزيا وحسرة وندامة، وأمد ياسين صلى الله عليه وسلم بتأييد الصافات فصاد الزمر يوم بدره وأوقع بهم ما أوقع صناديهم في القليب مكدوس ومكبوب حين شالت بهم النعامة، وغفر غافر الذنب وقابل التوب للبدريين رضي الله عنهم ما تقدم وما تأخر حين فصلت كلمات الله فذل من حقت عليه كلمة العذاب وأيس من السلامة، ذلك بأن أمرهم شورى بينهم وشغلهم زخرف الآخرة عن دخان الدنيا فجثوا أمام الأحقاف لقتال أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يمينه وشماله وخلفه وأمامه، فأعطوا الفتح وبوئوا حجرات الجنان وحين
تلوا (قاف والقرآن المجيد) وتدبروا جواب قسم الذاريات والطور لاح لهم نجم الحقيقة وانشق لهم قمر اليقين فنافروا السآمة، ذلك بأنهم أمنهم الرحمن إذا وقعت الواقعة واعترف بالضعف لهم الحديد وهزم المجادلون وأخرجوا من ديارهم لأول الحشر يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين حين نافروا السلامة.
أحمده حمد من امتحنته صفوف الجموع في نفق التغابن فطلق الحرمات حين اعتبر الملك وعامه، وقد سمع صريف القلم وكأنه بالحاقة والمعارج يمينه وشماله وخلفه وأمامه، وناح نوح الجن فتزمل وتدثر فرقا من يوم القيامة، وأنس بمرسلات النبإ فنزع العبوس من تحت كور العمامة، وظهر له بالانفطار التطفيف فانشقت بروح الطارق بتسبيح الملك الأعلى وغشيته الشهامة، فورب الفجر والبلد والشمس والليل والضحى لقد انشرحت صدور المتقين، حين تلوا سورة التين، وعلق الإيمان بقلوبهم فكل على قدر مقامه يبين، ولم يكونوا بمنفكين دهرهم ليله ونهاره وصيامه وقيامه، إذا ذكروا الزلزلة ركبوا العاديات ليطفئوا نور القارعة، ولم يلههم التكاثر حين تلوا سورة العصر والهمزة وتمثلوا بأصحاب الفيل فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، أرأيتهم كيف جعلوا على رؤوسهم من الكور عمامة، فالكوثر مكتوب لهم والكافرون خذلوا وهم نصروا وعدل بهم عن لهب الطامة، وبسورة الإخلاص قروا وسعدوا وبرب الفلق والناس اتسعاذوا فأعيذوا من كل حزن وهم وغم وندامة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادة ننال بها منازل الكرامة، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه ما غردت في الأيك حمامة؛ انتهت.
وممن نسبها للقاضي عياض الشيخ أبو عبد الله محمد ابن الشيخ أبي العباس أحمد بن أبي جمعة الوهراني، وفي نفسي من نسبتها له شيء لأن نفس القاضي في البلاغة أعلى من هذه الخطبة، والله تعالى أعلم.
وكنت رأيت بتلمسان المحروسة بخط عمي ومفيدي ولي الله تعالى العارف المعروف بشيخ الشيوخ الإمام المفتي الخطيب سيدي سعيد بن أحمد المقري - صب الله عليه سجال الرضوان - خطبة من هذا النمط نصها:
خطبة على مثالها لأبي جعفر الطنجالي
الحمد لله الذي افتتح بفاتحة الكتاب سورة البقرة ليصطفي من آل عمران رجالا ونساء وفضلهم تفضيلا، ومد مائدة أنعامه ورزقه ليعرف أعراف أنفال كرمه وحقه على أهل التوبة وجعل ليونس في بطن الحوت سبيلا، ونجى هودا من كربه وحزنه، كما خلص يوسف من سجنه وجبه، وسبح الرعد بحمده ويمنه، واتخذ الله إبراهيم خليلا، الذي جعل في حجر الحجر من النحل شرابا نوع باختلاف ألوانه، وأوحى إليه بخفي لطفه سبحانه، واتخذ منه كهفا قد شيد بنيانه، وأرسل روحه إلى مريم فتمثل لها تمثيلا، وفضل طه على جميع الأنبياء فأتى بالحج والكتاب المكنون، حيث دعا إلى الإسلام قد أفلح المؤمنون، إذ جعل نور الفرقان دليلا، وصدق محمدا صلى الله عليه وسلم الذي عجزت الشعراء عن صدق نفثه، وشهدت النمل بصدق بعثه، وبين قصص الأنبياء في مدة مكثه، ونسج العنكبوت عليه في الغار سترا مسدولا، وملئت قلوب الروم رعبا من هيبته، وتعلم لقمان الحكمة من حكمته، وهدى أهل السجدة للإيمان بدعوته، وهزم الأحزاب وسباهم وأخذهم أخذا وبيلا، فلقبه فاطر السموات والأرض بياسين كما نفذ حكمه في الصافات، وبين صاد صدقه بإظهار المعجزات، وفرق زمر المشركين وصبر على أقوالهم وهجرهم هجرا جميلا، فغفر له غافر الذنب ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وفصلت رقاب المشركين إذ لم يكن أمرهم شورى بينهم وزخرف منار الإسلام وخفي دخان الشرك وخرت المشركون جاثية كما أنذر أهل الأحقاف فلا يهتدون سبيلا، وأذل الذين كفروا بشدة القتال وجاء الفتح للمؤمنين والنصر العزيز، وحجر الحجرات الحريز، وبقاف القدرة قتل الخراصون تقتيلا، كلم موسى على جبل الطور، فارتقى نجم محمد صلى الله عليه وسلم فاقتربت بطاعته مبادي السرور، وأوقع الرحمن واقعة الصبح على بساط النور، فتعجب الحديد من قوته، وكثرت المجادلة في أمته، إلى أن أعيد في الحشر بأحسن مقيلا، امتحنه في صف الأنبياء وصلى بهم إماما، وفي تلك الجمعة ملئت قلوب المنافقين من التغابن خسرا وإرغاما، فطلق وحرم تبارك الذي أعطاه الملك وعلم بالقلم ورتل القرآن ترتيلا، وعن علم الحاقة كم سأل سائل فسال الإيمان، ودعا به نوح فنجاه الله تعالى من الطوفان، وأتت إليه طائفة الجن يستمعون القرآن فأنزل عليه: يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا، فكم من مدثر يوم القيامة شفقة على الإنسان إذا أرسل مرسلات الدمع فعم يتساءلون أهل الكتاب، وما تقبل من نازعات المشركين إذا عبس عليهم مالك وتولاهم بالعذاب، وكورت الشمس وانفطرت السماء وكانت الجبال كثيبا مهيلا، فويل للمطففين إذا انشقت السماء بالغمام، وطويت ذات البروج وطرق طارق الصور بالنفخ للقيام، وعز اسم ربك الأعلى لغاشية الفجر فيومئذ لا بلد ولا شمس ولا ليل طويلا، فطوبى للمصلين الضحى عند انشراح صدورهم إذا عاينوا التين والزيتون وأشجار الجنة فسجدوا باقرأ باسم ربك الذي خلق هذا النعيم الأكبر لأهل هذه الدار ما أحيوا ليلة القدر وتبتلوا تبتيلا، ولم يكن للذين كفروا من أهل الكتاب من أهل الزلزلة من صديق ولا حميم، وتسوقهم كالعاديات إلى سواء الجحيم، وزلزلت بهم قارعة العقاب وقيل لهم: ألهاكم التكاثر، هذا عصر العقاب الأليم وحشر الهمزة وأصحاب الفيل إلى النار فلا يظلمون فتيلا، وقالت قريش: ما أمنتم من هول المحشر، أرأيت الذي يكذب بالدين كيف طرد عن الكوثر، وسيق الكافرون إلى النار وجاء نصر الله والفتح فتبت يدا أبي لهب إذ لا يجد إلى سورة الإخلاص سبيلا، فنعوذ برب الفلق من شر ما خلق، ونعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي فسق، ونتوب إليه، ونتوكل عليه، وكفى بالله وكيلا.
وهي من إنشاء الفقيه الجليل الشريف الكامل أبي المجد عبد المنعم ابن الشيخ الفقيه العدل أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن عبد المنعم الهاشمي الطنجالي رحمه الله تعالى ونفعنا به وبسلفه (1) الطاهر.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ق: وبنسله.
الاكثر قراءة في العصر الاندلسي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة