رجع إلى ابن زمرك
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة:
ص: 279-281
2025-11-13
18
رجع إلى ابن زمرك رحمه الله تعالى:
قال الشاطبي في الإشارات والإفادات ما صورته:
إفادة: أفادني صاحبنا الفقيه الكاتب أبو عبد الله ابن زمرك إثر إيابه إلى وطنه من رحلة العدوة في علم البيان فوائد أذكر منها الآن ثلاثا: الفقه في اللغة، وهو النظر في مواقع الألفاظ وأين استعملتها العرب، ومن مثل هذا الوجه قرم وعام إذا اشتهى، لكن لا يستعمل قرم إلا مع اللحم، ولا يستعمل عام إلا مع اللبن، فتقول: عمت إلى اللن، وكذلك قولهم: أصفر فاقع، وأحمر قان، ولا يقال بالعكس، وهذا كثير. والثانية تحري الألفاظ البعيدة عن طرفي الغرابة والابتذال، فلا يستدل بالحوشي من اللغات، ولا المبتذل في ألسن العامة. والثالثة اجتناب كل صيغة تخرج الذهن عن أصل المعنى أو تشوش عليه؛ إذ المقصود الوصول في بيان المعنى إلى أقصاه، والإتيان بما يحصله سريعا ويمكنه في الذهن، وتحري كل صيغة تمكن المعنى وتحرض السامع على الاستماع، وأخبرني أن كتاب المغرب يحافظون في شعرهم وكتابتهم على طريقة العرب، ويذمون ما عداها من طريقة المولدين، وأنها خارجة عن الفصاحة، وهذه المعاني الثلاثة لا توجد إلا فيها.
وذكر من شرح بديعية الحلي من المغاربة وهو الشيخ النحوي عبيد الثعالبي في شواهد حسن الختام أن منه ختام قصيدة للكاتب البارع أبي عبد الله المعروف بابن زمرك الأندلسي مدح بها ملك المغرب عبد العزيز حين قدم عليه رسولا من صاحب الأندلس، وهو قوله:
ولو أنشدت بين العذيب وبارق ... لقال رواة الغرب يا حبذا الشرق ولم يظهر لي كل الظهور دلالته لي على حسن الختام، ولا بد، فالله سبحانه أعلم.
وقد أطلنا في ترجمة ابن زمرك فلنختم نظامه بموشحة له زهرية مولدية تضمنت مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي هذه (1) :
لو ترجع الأيام بعد الذهاب ... لم تقدح الأيام (2) ذكرى حبيب (3)
وكل من نام بليل الشباب ... يوقظه الدهر بصبح المشيب
يا راكب العجز ألا نهضة ... قد ضيق الدهر عليك المجال
لا تحسبن أن الصبا روضة ... تنام فيها تحت فيء الظلال
فالعيش نوم والردى يقظة ... والمرء ما بينهما كالخيال (4)
والعمر قد مر كمر السحاب ... والملتقى بالله عما قريب
وأنت مخدوع بلمع السراب ... تحسبه ماء ولا تستريب
والله ما الكون بما قد حوى ... إلا ظلال توهم الغافلا
وعادة الظل إذا ما استوى ... تبصره منتقلا زائلا
إنا إلى الله عبيد الهوى ... لم نعرف الحق ولا الباطلا
فكل من يرجو سوى الله خاب ... وإنما الفوز لعبد منيب
يستقبل الرجعى بصدق المتاب ... ويرقب الله الشهيد القريب
يا حسرتا مر الصبا وانقضى ... وأقبل الشيب يقص الأثر
واخجلتا والرحل قد قوضا ... وما بقي في الخبر غير الخبر
وليتني لو كنت فيما مضى ... أدخر الزاد لطول السفر
قد حان من ركب التصابي إياب ... ورائد الرشد أطال المغيب
يا أكمه القلب بغين الحجاب ... كم ذا أناديك فلا تستجيب
" هل يحمل الزاد لدار الكريم " (5) ... والمصطفى الهادي شفيع مطاع
فجاهه ذخر الفقير العديم ... وحبه زادي ونعم المتاع
والله سماه الرؤوف الرحيم ... فجاره المكفول ما إن يضاع
عسى شفيع الناس يوم الحساب ... وملجأ الخلق لرفع الكروب
يلحقني منه قبول مجاب ... يشفع لي في موبقات الذنوب
يا مصطفى والخلق رهن العدم ... والكون لم يفتق كمام الوجود
مزية أعطيتها في القدم ... بها على كل نبي تسود
مولدك المرقوم لما نجم ... أنجز للأمة وعد السعود
ناديت لو يسمح لي بالجواب ... شهر ربيع يا ربيع القلوب
أطلعت للهدي بغير احتجاب ... شمسا ولكن ما لها من غروب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أوردها في أزهار الرياض 2: 205.
(2) الأزهار: الأشواق.
(3) ق: ذكر الحبيب.
(4) من قول أبي الحسن التهامي:
فالعيش نوم والمنية يقظة ... والمرء بينهما خيال ساري
(5) من قول الشاعر:
هل احتقبت الزاد اكففي ... هل يحمل الزاد لدار الكريم
الاكثر قراءة في العصر الاندلسي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة