آثار الطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي
المؤلف:
هند جبار حسين ساجت
المصدر:
اثر التناقض على صلاحية احكام القضاء المدني
الجزء والصفحة:
ص 102-106
2025-11-18
37
يترتب على الطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي الآثار الآتية:
1. عدم جواز تقديم طلب آخر لتصحيح قرار تمييزي من قبل الطرفين إلا مرة واحدة، وهذا ما نصت عليه المادة (220/2) من قانون المرافعات المدنية (1).
2. عدم جواز طلب تصحيح قرار صدر في طلب تصحيح سابق، وهذا ما نصت عليه المادة (220/3) من قانون المرافعات (2).
أثار هذا الأثر خلافاً في الفقه لعدم وجود نص يقرر ذلك سواء في قانون التنفيذ أو في قانون المرافعات، وكذلك هناك خلاف في الأحكام القضائية، إذ صدرت بهذا الصدد قرارات تحكم بتأخير تنفيذ الأحكام المطعون فيها عن طريق القرار التمييزي إذا كان متعلقاً بعقار والبعض الآخر لا يسوغ ذلك تأسيساً على أن تصحيح القرار التمييزي هو طعن مستقل واستثنائي ولا يصح القياس عليه قياساً على طرق الطعن الأخرى. ولهذا فإن التناقض المقصود في هذه الفقرة كسبب أسباب الطعن بالنقض هو التناقض الذي يحصل في الفقرة الحكمية للقرار الواحد دون التناقض بين أسباب الحكم أو بين الفقرة الحكمية وأسباب الحكم (3).
وبذلك يكون المشرع اللبناني قد أغفل النص على التناقض الذي يحصل بين حكمين كسبب من أسباب الطعن بالنقض. وقد تنبه المشرع اللبناني إلى هذا النقص فادخل تعديلاً على قانون أصول المحاكمات المدنية بموجب المرسوم الاشتراعي رقم (20) لسنة 1985 واستناداً لهذا التعديل أضاف إلى المادة (708) قانون أصول المحاكمات المدنية الفقرة الثامنة الحالية التي تنص على: " يجوز الطعن بالنقض للأسباب التالية : 8 : التناقض بين حكمين صادرين بالدرجة الأخيرة في ذات الدعوى عن محكمتين مختلفتين أو عن محكمة واحدة (4).
واستناداً لهذا النص فإن قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني أجاز الطعن بالنقض تمييزاً) في حالة التناقض ما بين حكمين صادرين بالدرجة الأخيرة - أي مكتسبين درجة البتات – في ذات الدعوى عن محكمتين مختلفتين أو عن محكمة واحدة ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الطعن بالاستناد إلى السبب المبني الأحكام على التناقض بين الأحكام يفترض أن مدة الطعن لم تنقض.
وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الوسيلة - الطعن بالنقض - قد تعجز عن حل مشكلة التناقض بين الأحكام في بعض الأحيان، بخاصة بعد أن تصير المتناقضة باتة، فقد يصدر حكم ويحوز درجة البنات أما لفوات مدة الطعن أو لتصديقه من محكمة التمييز ثم يصدر حكم ثان في نفس الموضوع ولنفس السبب والخصوم.
بسبب إغفال أو عدم فعالية الوسائل الوقائية في الحيلولة دون صدور حكم ثان متناقض مع الحكم الأول يحوز الحكم الثاني درجة البتات إما لعدم الطعن فيه تمييزاً أو لإغفال محكمة التمييز لحالة التناقض فتصادق عليه الأمر الذي يؤدي إلى قيام مشكلة التناقض ولهذا تكون هذه الوسيلة - الطعن تمييزاً غير فعالة في القضاء على مشكلة التناقض بين الأحكام.
إلا أن المشرع اللبناني تنبه لهذه الحالة فقضى بترجيح أحد الحكمين على الآخر عند التنفيذ وذلك في المادة (629) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني التي جاء فيها ما يأتي: " إذا صدرت أحكام متناقضة عن محاكم مختلفة وأصبحت مبرمة فلا يعتد إلا بالحكم الصادر عن أعلى محكمة منها، أما إذا صدرت عن نفس المحكمة أو عن محاكم متساوية في الدرجة فلا ينفذ إلا أحدث الأحكام تاريخاً (5).
إن القاعدة التي يتضمنها النص المتقدم تقضي بتفضيل حكم المحكمة الأعلى درجة عند تناقضه مع حكم محكمة أدنى درجة، وبتفضيل الحكم الأحدث تاريخاً عند التناقض بين حكمين صادرين عن نفس المحكمة أو عن محاكم مختلفة متساوية في الدرجة، فإذا ما اتضح هذا التناقض في مرحلة التنفيذ وبعد اكتساب الحكمين درجة البتات أي بعد استنفاذ طرق الطعن فينفذ قرار المحكمة الأعلى درجة وعند تساوي الدرجة القرار الأحدث تاريخاً (6).
ويلاحظ على موقف المشرع اللبناني ما يأتي:
1 . يحسب للمشرع اللبناني حرصه على وضع حل لمشكلة التناقض بشكل يقبل التطبيق دائماً ولو كانت الحاجة إليه محدودة من الناحية العملية إذ يكفي أن توجد حالة تناقض واحدة تريد حلاً فلا تجده حتى تفرض على المشرع ضرورة التدخل لإيجاده وتقنينه.
2. يحسب للمشرع اللبناني حرصه على أن يكون حل مشكلة التناقض بقوة القانون، وان يكون هذا الحل حلا احتياطياً لا يتم اللجوء إليه إلا بعد استنفاذ طرق الطعن كافة، فقد اقتصر الحل هنا على التناقض بين الأحكام المبرمة أي الباتة.
وحسناً فعل المشرع اللبناني، ذلك لأن المساس بالأحكام واعتبار أحدها لا غيا إنما يدخل بحسب الأصل في سلطة القضاء بحيث لا تهدر حجية الحكم القضائي إلا بواسطة حكم قضائي آخر صادر عن محكمة الطعن أما إذا أغلقت طرق الطعن أبوابها - أي إذا استنفذت – وظل عيب التناقض رغم ذلك باقياً وصار من اللازم حله فعندئذ يكون إلغاء أحد الحكمين بطريق آخر غير القضاء مسألة مقبولة، بخاصة إذا كان هذا الطريق الآخر هو قوة القانون وهذا ما فعله المشرع اللبناني.
3. يلاحظ أن المشرع اللبناني وقع في إرباك إذ يعاب عليه اعتماده على معايير عدة تجعل حلوله غير متناسقة، فتارة يتخذ من تاريخ صدور الحكم معياراً يرجح على أساسه الحكم الأحدث تاريخاً فيكون الحكم معياراً هو النافذ ويلغى الحكم الأسبق في التاريخ (7) ، وتارة يتخذ من درجة المحكمة التي أصدرت يرجح في ضوءه الحكم الصادر من محكمة ذات الدرجة الأعلى ولو لم يكن هو الأحدث في التاريخ. ومما يؤكد أن المشرع اللبناني وقع في إرباك أن نص المادة (629) من قانون أصول المحاكمات اللبناني قد جاء بحلول تفتقد إلى وحدة التناسق التي يجب أن تهيمن على المسائل القانونية المماثلة إذ جاء بحلول لمشكلة التناقض تستند إلى معايير متعددة، فعندما يقع تناقض بين حكمين صادرين بدرجة أخيرة فإن وسيلة حل التناقض هي الطعن تمييزاً وفقاً لنص المادة (708) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني، وهنا يُلحظ أن الطعن تمييزاً استناداً إلى هذه المادة يرد على الحكم الأحدث تاريخاً ، فهو الذي يطعن فيه باعتباره صدر مناقضاً لحكم سابق عليه. وإذا تبين هذا التناقض ألغت محكمة التمييز الحكم الأحدث في التاريخ لتناقضه مع حكم سابق، فالواضح إذن أن المشرع اللبناني قد يعتد بالحكم الصادر أولاً – الأسبق في التاريخ - وقد يعتد بالحكم الصادر لاحقاً وقد يعتد بالحكم الصادر من محكمة ذات درجة أعلى بصرف النظر عن كونه الأسبق أو الأحدث في التاريخ وهذا اضطراب وإرباك ليس له مبرر (8).
نستنتج أنه يعاب على المشرع اللبناني تجاهله لقاعدة أن سبق الفصل في نزاع معين يقضي على حق الدعوى بصدده ينفي المصلحة بحيث يمتنع الحكم فيه ثانية وإلا وجب إلغاء الحكم الثاني، فهذه القاعدة هي التي تشكل الأساس الذي تبنى عليه فكرة حجية الأحكام وهذه الحجية بدورها تشكل الأساس الذي يجب أن ينطلق منه حل التناقض بحيث يتم احترام أول حكم فصل في النزاع ونلغي الحكم الثاني.
والملاحظ أن المشرع اللبناني يعتمد في بعض الأحوال على معيار يعتد من خلاله بالحكم الأحدث في التاريخ، وفي ذلك تجاهل كامل لقاعدة سبق الحكم في الدعوى، بخاصة انه لا يوجد أي مبرر يجعل المشرع اللبناني يتجاهلها فالفرض أن الأحكام المتناقضة صادرة عن نفس المحكمة أو عن محاكم متساوية في الدرجة وحتى حين يعتمد المشرع اللبناني على معيار يعتد من خلاله بالحكم الصادر من المحكمة الأعلى درجة فإن في ذلك أيضاً تجاهل لقاعدة سبق الحكم الدعوى، إذ ليس هناك ربط بين الحكم النافذ بناء على هذا المعيار وبين الحكم الذي فصل في النزاع أولاً . فلو فرضنا مثلاً أن الحكم الذي فصل في النزاع أولاً قد صدر من محكمة الدرجة الأولى واكتسب درجة البتات، أما الحكم الذي فصل في ذات النزاع بعد ذلك صادر عن محكمة الدرجة الثانية – الأعلى - واكتسب درجة البتات أيضاً، فإن الحكم الصادر من هذه الأخيرة هو الذي سيرجح ويكون نافذاً طبقاً للمادة (629) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على الرغم من انه ليس هو الحكم الذي فصل في النزاع أولاً . لهذا كله لا يمكن أن نأخذ بما ذهب إليه المشرع اللبناني إلا إذ اعتمدنا على معيار ترجيح الحكم الأسبق في التاريخ وبقوة القانون.
____________
1- ينظر: المادة 220 الفقرة 2 من قانون أصول المرافعات المدنية العراقي رقم 83 الصادر عام 1969 المعدل.
2- ينظر: المادة 220 الفقرة 3 من قانون أصول المرافعات المدنية العراقي رقم 83 الصادر عام 1969 المعدل.
3- نشأت محمد الأخرس، شرح قانون أصول المحاكمات المدنية الدعوى وإجراءات التقاضي، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2012، ص92.
4- المادة (708) قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني رقم 90 الصادر عام 1983 وتعديلاته.
5- المادة (629) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني رقم 90 الصادر عام 1983 وتعديلاته.
6- حلمي الحجار، الوسيط في أصول المحاكمات المدنية الطبعة الأولى منشورات الحلبي الحقوقية بيروت –لبنان 2022، ص325.
7- بدوي حنا مخاصمة القضاة، الجزء الخامس، الطبعة الأولى منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2012، ص 59
8- محمد مرعي صعب، مخاصمة القضاة دراسة مقارنة، الجزء الأول، الطبعة الأولى المؤسسة الحديثة لكتاب، بيروت لبنان، 2006، ص 84.
الاكثر قراءة في قانون المرافعات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة