حرية الصحافة بين أخلاقية المهنة والنصوص القانونية
المؤلف:
الدكتور خالد العزي
المصدر:
التشريعات الإعلامية واخلاقيات المهنة
الجزء والصفحة:
ص 20- 26
2025-10-27
124
حرية الصحافة بين أخلاقية المهنة والنصوص القانونية:
إن الحديث عن الحقوق الصحفية ذو شجون ويتطلب بحوث معمقة لهذا الموضوع الشيق، فله تشعباته الكثيرة. لقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993 عن اعتبار يوم الثالث من أيار يوما عالميا لحرية الصحافة، وذلك عقب تبني توصية في الدورة السادسة والعشرين للمؤتمر العام لمنظمة اليونسكو سنة 1991 ويهدف هذا اليوم إلى تذكير الحكومات بالحاجة إلى احترام التزاماتها تجاه حرية الصحافة، كما انه يوم يعكس لدى الإعلاميين القضايا المتعلقة بحرية الصحافة وأخلاقيات المهنة.
أما في العراق فقد تناولت المادة 38 من الدستور العراق حرية العمل الإعلامي في فقرتين، وفقرة عن الحريات العامة، فتنص المادة على:
أولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.
لكن المادة 38 من الدستور لم تقر بشكل ضامن لحق امتلاك المعلومة على الرغم من إتاحتها حرية التعبير. فالأمل في مجلس النواب والحكومة العراقية الالتفات إلى ضرورة تشريع ذلك ضمن القانون الجديد الخاص كي يضمن إيصال ونقل المعلومات للمواطنين، وتأمين الغطاء الشرعي والقانوني للصحفيين ليساهموا في البناء بشكل فاعل ليكونوا فاعلين في إرساء التنمية السياسية والاقتصادية ومكافحة الفساد ونشر ثقافة حرية التعبير وحقوق الإنسان.
فحرية الإعلام هي حق للمجتمع الذي نريده ديمقراطيا حيث لا يمكن بناء مجتمع ديمقراطي دون حرية كاملة للصحافة ووجود قوانين تحمي الإعلاميين، كي يتمكن الإعلاميون مع العمل بحرية في زيادة معرفة المواطنين وتشكيل وعيهم وحماية حقهم في الديمقراطية ليتمكنوا من المساهمة الفعالة في صياغة مستقبلهم بإرادة حرة، نحن اليوم أكثر ما نكون بحاجة إلى قوانين جديدة تقوم على أساس التوازن بين الحرية والمسؤولية، حيث تحمى حرية التعبير وحرية الصحافة من جهة وتكفل أن تمكن الصحافة والإعلاميين القيام بمسؤولية تجاه المجتمع وأن يتم احترام قيمه وحقوقه، وأن يلتزموا بالمعايير المهنية. مع التأكيد على أن حرية الإعلام هي الأساس الذي يمكن الإعلاميون أن يقدموا للشعوب مضامين وطنية ويوصلوا لهم الحقيقة بشكلها الصادق دون خداع. فهناك حاجة لوثيقة شرف إعلامية يلتزم بها الإعلام بالدفاع عن الحقوق وسط منظومة العولمة الإعلامية.
أ. حرية الصحافة في ظل العولمة:
في ظل التطور الكبير والسريع لتكنولوجيا الاتصال والتطور الحاصل في انتشار مفاهيم الحرية والديمقراطية من جانب، وفي ظل هيمنة نظام العولمة في كل شيء والتي هي نتيجة طبيعية للتطور التكنولوجي، نجد أنفسنا بحاجة أكبر إلى إيجاد وسائل تكفل للعالم ولنا لنحافظ على حقوقنا، فمن جانب كفلت العولمة فرص وإمكانيات أوسع لبلدان العالم الثالث للوصول إلى المعرفة والمعلومات من خلال القنوات الفضائية والانترنيت وغيرها، والتي مكنت الجميع من الحصول على المعرفة بدون تكلفة كبيرة، ولكن أصبح أمن المجتمعات مرهونا أكثر للمصالح الدولية وسيادة القوة العظمى الوحيدة والهيمنة الأمريكية، فمن جانب أصبح العالم منفتحا وشفافاً لنقل وإيصال المعلومات والذي يفترض فيها سيادة القيم الديمقراطية والحق في الحصول على الأخبار والمعلومات، ولكن من جهة أخرى تحول العالم إلى مجتمع تسوده المخاطر بسبب عدم التكافؤ بين الدول، منها التي تملك كل شيء وتقرر كل شيء، ومنها من تعاني من التخلف أو الفقر والعوز وترتهن بإرادة مجتمعاتها لتلك البلدان الغنية أو القوية بجانب انتشار مخاطر الحروب والإرهاب والأمراض وتلوث البيئة بسبب الإنتاج والاستخدام المفرط للطاقة الذرية وغيرها من المخاطر الأخرى.
اليوم تحتاج الدول النامية ومنها الدول العربية إلى السعي للتضامن والضغط من أجل تقدمها وتنوير مجتمعاتها، وتقع مهمة ذلك على المثقفين ورواد الفكر، فنحن بحاجة إلى تفعيل حرية التعبير وإعطاء دور أكبر للمؤسسات الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني بأن تمارس دورها الصحيح دون قيود، وفتح حوار حر ووضع ضوابط لتغيير الواقع المر استنادا إلى التغيرات التي شهدها المجتمع العالمي وعلى أسس علمية وموضوعية.
ب. أخلاقيات الإعلام والتشريعات الإعلامية:
إن أخلاقيات الإعلام يعرفها أندرسون بأنها "المعايير التي توجه عمل المشاركين في النشاط الاتصالي والتي يستخدمها الناقد في الحكم على أخلاقيات العمل" أما كوهين، إليوت فيرى أن "أخلاقيات الأعلام أخلاق مهنية تتناول المشكلات المتصلة بسلوك الصحفيين والمحررين والمصورين وجميع من يعملون في إنتاج الأخبار وتوزيعها". في حين يعرفها ريتش بأنها "الاختيارات التي تواجه الصحفيين حول الطرق التي يتصرفون بها. " بينما يرى السيد أحمد مصطفى عمر أن أخلاقيات الإعلام "هي منظومة من المبادئ والمعايير التي تستهدف ترشيد سلوك الصحفيين خلال قيامهم بأعمالهم، واتخاذ قراراتهم بما يتناسب مع وظيفة المؤسسات الإعلامية ويضمن الوفاء بحقوق الجمهور".
أما التشريعات الإعلامية أو الإطار القانوني أو البعد التشريعي، فهي القواعد التي لها صفة الإلزام والمتصلة بالنشاط الإعلامي والاتصالي، والتي تتولى تنظيم ممارساته ووضع المعايير التي تحكم أنشطته المختلفة وتنقسم التشريعات الإعلامية بشكل عام إلى تشريعات تتصل بالمضمون، وأخرى تتصل بالمؤسسات الإعلامية من حيث تنظيماتها وإداراتها وتحديد حقوقها وواجباتها، وتشريعات تتصل بالمهنة، ثم هناك تشريعات الإعلام الدولية، ولهذه التشريعات مصادر متعددة تتمثل في الدستور والقانون الجنائي (قانون العقوبات والقانون المدني، والقانون الدولي والعام، وقوانين الصحافة أو المطبوعات)، كما يدخل تحت ذلك أيضاً المواثيق المهنية.
لا شك أن مجتمع المعلومات اليوم وفي ظل البث الفضائي من خلال الأقمار الصناعية واستخداماتها الواسعة، قد تجاوز الحدود الجغرافية للدول ذات الثقافات والتوجهات المختلفة، ومن خلال الرسائل الإعلامية يمكن التأثير على القيم والاتجاهات والعادات والمفاهيم والسياسات وهذا يتطلب أن نملك كفاءات معرفية عالية.
كما يتطلب قبل كل شيء إشاعة الديمقراطية وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، والابتعاد عن تقديس الحكام والمسؤولين.
ومهنة الأعلام يجب أن تقوم على مبادئ أخلاقية وان تنبني على المعرفة والحرية وتقبل النقد واحترام آراء الآخرين.
ت. محاولات تطوير أخلاقيات الصحافة:
اتجه الصحافيون إلى إقامة أساليب ذات طابع أخلاقي، للحفاظ على حريتهم، فمهنة الصحافة تختلف عن غيرها من المهن، وكانت أول محاولة فرنسية سنة 1918 حيث عملت فرنسا على وضع ميثاق لأخلاقيات المهنة الصحفية بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت هناك محاولات أخرى في مختلف أنحاء العالم، ففي سنة 1926 وضع " قانون الآداب" الذي وضع تعديلات عديدة إلى نقابة الصحفيين في الولايات المتحدة الأمريكية، وتضمن ثلاث فصول هي الآداب، الدقة، الموضوعية، وقواعد التسيير، وفي سنة 1936 في المؤتمر العالمي لاتحاد الصحافة في مدينة براغ التشيكوسلوفاكية تم التطرق إلى ما على الصحافة فعله، وجرى الاهتمام على تحقيق السلم والأمن العالميين بسبب توتر العلاقات الدولية بعد الحرب، وتم وضع قانون من قبل النقابة الوطنية للصحافيين ببريطانيا عام 1938م، تضمنت القواعد المهنية التي يجب على الصحف تبنيها وهنالك محاولات أخرى كانت لها أهمية ففي سنة 1939 ببوردو وفي المؤتمر السابع للاتحاد العالمي للصحفيين انبثق ما يسمى بـ"عهد شرف الصحفي" الذي ركز على ضرورة تحلي الصحفيين بالموضوعية كما حدد مسؤولياته إزاء المجتمع المتمثل في القراء واتجاه الحكومة وأيضا اتجاه زملاءه في المهنة وعلى غراره في سنة 1942 بمدينة المكسيك، في المؤتمر الأول للصحافة القومية للأمريكيين حدد أن الصحافة تتطلب الموضوعية والصدق واحترام السرية المهنية كما تطرق إلى العقاب والمسؤولية التي تلقى على الصحيفة وكذا مسؤولية اتحاد الصحفيين وعلى الصحفية أن تعتذر للأشخاص الذين أساءت إليهم في القذف والسب وأن تبتعد عن نشر الانحرافات والعنف وتحمى الحياة الخاصة للأشخاص.
ولقد أعقب هذه المحاولات الفعالة التي أحدثت تغييرا في ميدان الممارسة الإعلامية وتأثير بالغ الأهمية في موضوع الرسالة الإعلامية، محاولات أخرى ففي الهند مثلا سنة 1958، مصر 1958-1960، دستور الاتحاد العام للصحفيين العرب إزاء المجتمع العربي 1964، وأيضا أستراليا، انجلترا، الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1975.
ث. أخلاقيات المهنة الإعلامية:
أن أخلاقيات المهنة السلوكية والأخلاقية لأعضائها جاء تعريفها في قاموس الصحافة والإعلام على أن " أخلاقيات المهنة هي مجموعة القواعد المتعلقة بالسلوك المهني والتي وضعتها مهنة منظمة لكافة أعضائها، حيث تحدد هذه القواعد وتراقب تطبيقها وتسهر على احترامها وهى أخلاق وآداب جماعية وواجبات مكملة أو معوضة للتشريع وتطبيقاته من قبل القضاة.. وهذه الأخلاق المهنية تنبع أساسا من الأهداف النبيلة للمهنة وشرف الكلمة وتحقيق المصلحة العامة.
كما إن الأخلاق المهنية للصحافي وردت في الصحافة الاشتراكية "البروخوف" (lberkhove) على أنها "تلك المبادئ والمعايير الأخلاقية لم تثبت قانونيا بعد ولكنها مقبولة في الوسائل الصحافية ومدعومة من قبل الرأي العام والمنظمات الشعبية والحزبية".
ويمكن القول أن أخلاقيات المهنة الإعلامية هي تلك الأخلاقيات المتعلقة بمهنة الإعلام "وهي مجموعة من القيم المتعلقة بالممارسة اليومية للصحفيين وجملة الحقوق والوجبات المترابطتين للصحفي".
فأخلاقيات المهنة الإعلامية هي مجموعة القواعد والواجبات المسيرة لمهنة الصحافة أو هي مختلف المبادئ التي يجب أن يلتزم بها الصحافي أثناء أداءه لمهامه أو بعبارة أخرى هي تلك المعايير التي تقود الصحفي إلى القيام بعمل جديد يجد استحسانا عند الجمهور، كما أنها أيضا جملة المبادئ الأخلاقية الواجب على الصحافي الالتزام بها بشكل إرادي في أداءه لمهامه كمعايير سلوكية تقوده إلى إنتاج عمل ينال به استحسان الرأي العام.
وتختلف قواعد السلوك المهني من بلد إلى آخر بدرجات متفاوتة لكن معظم قواعد السلوك المهني تؤكد مفاهيم هامة توضح للصحفي مهامه وواجباته وحقوقه، فقد استعرضنا تلك الحقوق ومنها، ضمان حرية الإعلام وحرية الوصول إلى مصادر المعلومات والحق في المعرفة وغيرها من الأمور، لكن على الإعلامي أن يتقيد بالموضوعية وعدم الانحياز وإيصاله المعلومات إلى الجمهور من دون التأثر بالأمور الذاتية أو بالعواطف والتصورات الشخصية، فعلى الصحافي أن يتجرد من أهواءه الحزبية والفكرية، الاجتماعية والسياسية حين يصوغ الخبر أو عندما يحلل موضوعا ما.
إن الاستقلالية معيار أخلاقي مهني يتعلق بالسلوك الفردي واستقلالية المهنة ونزاهة العامل في جمع ونشر الأنباء والمعلومات يجب أن تشمل أيضا كل العاملين في وسائل الإعلام، وضرورة الامتناع عن التشهير والقذف وانتهاك الحياة الخاصة والامتناع عن نشر أي معلومات تسيء إلى كرامة وسمعة الناس. واحترام السرية المهنية كونها هي حماية للصحفيين ولحرية الإعلام، فالإعلامي مطالب بعدم نشر المعلومات غير المؤكدة، والحفاظ على الآداب والأخلاق العامة.
الاكثر قراءة في اخلاقيات الاعلام
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة