الأخلاقيات الصحفية بين النظرية والواقع:
وضعت معظم الدول ونقابات واتحادات الصحافيين والمؤسسات الإعلامية والصحافية في العالم دساتير أخلاقية أو مواثيق شرف خاصة بها أو بمجموعة إقليمية من الدول تشرح مفهوم الصحافة وأهدافها في المجتمع وتحدد مسؤوليات وواجبات الصحافيين وتنظم عملهم وتوجههم إلى الوسائل الصحيحة في كتابة الأخبار والطرق الشرعية في الحصول عليها.
وقد أشارت جميع هذه الدساتير في المواد التي تضمنتها إلى أن واجب جميع المؤسسات الإعلامية والصحفية والصحافيين هو خدمة الشعب عبر البحث عن الحقيقة ونشرها والالتزام بمبدأ مهم تكررت نصوصه فيها يدعو إلى الالتزام بالمصداقية في محتوى الأخبار وعدم تعمد تشويه الحقائق وتصحيح الأخبار الخاطئة بأقصى سرعة وعدم خداع القارئ من خلال الخلط بين الخبر والرأي أو تقديم الإشاعات أو الأخبار غير المؤكدة على أنها حقائق أو إخفاء المعلومات عن الشعب.
والدساتير الأخلاقية بشكل عام تشكل عاملا مهما في مساعدة مسؤولي التحرير في غرف الأخبار والصحافيين في اتخاذ قرارات صائبة حول كثير من القضايا الأخلاقية المتعلقة بمحتويات الأخبار التي يواجهونها في عملهم، وتعتبر هذه الدساتير أحد العوامل التي تساعد في بناء مصداقية الصحافة في المجتمع لما تؤكده في نصوصها على دور الصحافة في تنفيذ مهامها في إيصال الحقيقة للشعب بلا تشويه وبكل مصداقية ولما تضعه من قيود ذاتية قبلها الصحافيون من اجل ان تبقى الصحافة والصحافيون ملتزمين بحرية النشر ضمن إطار المسؤولية.
ولا يمكن لأي دستور صحفي أخلاقي في العالم ان يتضمن مواجهة أو تغطية جميع المشاكل التي تواجهها المؤسسة الإعلامية أو الصحيفة أو الصحافي في تعامله مع الأخبار ولا بد ان يتم في كثير من الأحيان اللجوء إلى التشاور بين المسؤولين لمواجهة أي مشكلة محتملة قد تظهر.
ويؤكد المختصون في دراسة الأخلاقيات الصحافية بان الاعتماد على الدساتير يبعدنا عن تطبيق ما نؤمن به شخصيا أو الاعتماد على آرائنا الشخصية في التعامل مع تقييم الأخبار إلى اعتماد السلوك المنطقي الموضوعي المبني على حكمة الأجيال.
والدساتير توضح لنا دورنا المهم ومسؤولياتنا وتجعل من كل شخص منا حارسا لقيم وسلوك مهنتنا وتنير أنا الطريق لتطبق افضل ما المهنة. في ومن المشاكل التي يواجهها الجدل في حسنات ومثالب الدساتير الأخلاقية الصحفية هي انه لا يوجد حالة أو وضع مشابه للحالة الأخرى في القضايا التي تواجهها الصحافة كما ان تطبيق الدساتير لا يتم بفاعلية لأن مؤسسات الأخبار تتجنب كل شئ ما عدا أكثر الإرشادات مرونة.
ويقول البعض ان هناك أسبابا اتجنب تطبيق بعض القواعد الأخلاقية منها الضرورات التي يتم تبريرها بواجب اطلاع الشعب على الحقيقة بصرف النظر عن وسيلة الحصول على الخبر أو المصدر ومهما كانت محتوياته حيث لم توضع القواعد ليتم تطبيقها بشكل مطلق ولا بد أن يتم تجنب تطبيقها في حالات محددة.
ان مؤسسات صناعة ونشر الأخبار تختلف عن بعضها لدى كل شعب في دول العالم وتعمل من خلال أرضية أخلاقية مختلفة ومتنوعة فمثلا فان مبدأ دفع المال من قبل المؤسسة الصحفية للمصدر مقابل الحصول على المعلومات الاخبارية قد يعتبر خطأ فظيعا في صحيفة نيويورك تايمز بينما يعتبر عملا عاديا في صحيفة ناشيونال الكوايرر وقد يعتبر عملا يخضع للتساؤل فقط في مجلات التلفزيون.
والصحافة الأخلاقية لها عنصران مهمان دائما هما: النزاهة والموازنة في الحكم، وحتى يمكن استخدام هذين العنصرين بالشكل المناسب فان النتيجة يمكن ان تواجه مأزقا.
ونجد ان عنصر الموازنة في الحكم يحدد أي نوع من المبادئ الأخلاقية يجب أن يطبق في كل حالة، ويمارس الصحفي عمله في جميع الأوقات ضمن ثلاثة ضغوط ومؤثرات أخلاقية تتضمن وظيفته كمهني ودوره كمواطن ووجوده كبشر أو كائن إنساني، وتتدخل المشاكل الأخلاقية دائما في الحكم حول أي من المقاييس الثلاثة يجب التعامل معها وتطبيقها عند مواجهة صراع ما.
وعلى الصحافي أن يبدأ بالسؤال الأساسي حول أي من المقاييس الثلاثة الأخلاقية يمكن ان يطبق في تعامله مع القضايا الاخبارية التي تواجهه هل هو المقياس الصحافي أم الإنساني أم بصفته كمواطن.
ان الأخلاقيات المهنية تتعلق بسلوك الشخص وتصرفه وممارسته عندما يقوم بتنفيذ عمله المهني، ان مأسسة وتنظيم دساتير السلوك ودساتير العمل عامة لكثير من المؤسسات المهنية لتقيد أعضائها بها. وأي دستور قد يعتبر مجموعة الخبرات يتم وضعها بشكل رسمي ضمن مجموعة قواعد ويتم تبني الدستور من قبل المجموع لان أعضاءه يقبلون ويلتزمون به بما فيه القيود المطبقة.
ويجب ملاحظة انه يجب التمييز بين المهنة مثل مهنة الطب والقانون حينما تكون خسارة العضوية قد تعني خسارة الحق في ممارسة المهنة.
إضافة إلى دساتير الأخلاقيات فان الأخلاقيات المهنية تتعلق أيضا بمسائل الأمن المهني، علاوة على ذلك فانه لا يوجد دستوران للأخلاقيات متطابقين تماما، أن الدساتير تختلف حسب الخلفيات الثقافية والمهنية والنظام، والعامل الثقافي هو الأكثر أهمية وتناقضا وهو الذي يتحدى افتراض وجود مبادئ عالمية للأخلاقيات الصحفية، فبعض الثقافات ترفض تصرفات معينة بينما في ثقافات أخرى فان العكس هو الصحيح.
ان التحدي الحقيقي للمناقشات العالمية المتعلقة بأخلاقيات النظام الإعلامي هو انها يجب ان لا تنغمس في مجالات لا نهاية لها حول وضوح الحاجة إلى دستور أخلاقي ولكن أكثر من ذلك هو أن نكون قادرين ان نصل إلى جوهر مهنتنا حتى نستطيع أن تقدم ضوءا مرشدا لمزيد من الناس المستعدين أو الذين سيكونون يوما ما جزءا من هذه المهنة.
وعلى أي حال فهناك من يقولون بأنه كثيرا ما يتم خرق دساتير العمل الصحفية أو مواثيق الشرف وفقا للمصلحة الخاصة المتعلقة بالمؤسسة أو الدولة وبان هذه الدساتير لا تقيد الصحافة ووسائل الإعلام في كل الأوقات باتباع الطرق الصحيحة في الحصول على الخبر وتقديم الحقيقة للناس وان بعض الدول رغم وجود دساتير صحفية عريقة لديها فإنها تمارس تطبيقها وفقا لمصلحتها ووفقا للقوة التي تتمتع بها على المستوى المحلي وفي المجتمع الدولي.
إلا ان هذا القول بالرغم من صحته يجب أن لا يصل إلى حد الدعوة إلى إلغاء وجود مثل هذه الدساتير او القواعد الأخلاقية الصحفية لان خرق الدول القوية للمبادئ التي يتضمنها ميثاق الأمم المتحدة أو مبادئ المنظمات التابعة لها أو غيرها من الاتفاقات الدولية يجب ان لا يستدعي أو يؤدي إلى الدعوة إلى إلغاء منظمة الأمم المتحدة ومبادئها العالمية الإيجابية.
ويبدو من الممارسة العملية لمهنة الصحافة عبر التاريخ حسبما تورده كتب تاريخ الصحافة، منذ أن بدأت تعتبر مهنة قبل حوالي ثلاثمائة عام وحتى يومنا هذا، أن الالتزام بأخلاقيات المهنة سواء أكان متفق عليه شفاهة أو كتابة من خلال الدساتير أو المواثيق قد تم الإخلال به في معظم الدول بما فيها الدول الأكثر ديمقراطية في الظروف الاستثنائية التي تواجهها مثل الحروب مع دول أخرى أو أوضاع داخلية غير طبيعية.
وعليه فإن وجود الدساتير الأخلاقية التي تنظم العمل الصحفي المهني أمر ضروري يجب أن يتم تشجيعه بين كافة أفراد المهنة بالرغم من الخروقات التي تتم أحيانا من بعض المؤسسات أو الدول.
أن وضع دستور للأخلاقيات يمكننا من:
وصف مثاليات ومسؤوليات المهنة.
- تثبيت الأمر الواقع وحماية متلقي المعلومات والمهنيين.
- تحسين صورة المهنة.
- 4تنشيط والهام الممارسين لدفعهم لتعريف مبرر عملهم في المهنة.
- إعطاء إرشادات حول السلوك المقبول
- زيادة الوعي والاهتمام حول مختلف القضايا.
- تحسين نوعية العمل واستمراريته.
من الناحية الأخرى فانه يجب التنبه إلى:
- فيما إذا كانت المقاييس الأخلاقية إجبارية أو فقط طموحات.
- فيما إذا كان الدستور مرغوبا به أو ملائما.
- فيما إذا كانت القيم الأخلاقية عالمية أو مرتبطة بثقافة واحدة.
- الصعوبات التي تواجه وضع دليل عالمي يأخذ بالاعتبار الطبيعة المتغيرة الخواص للمهنة.
- الهدف من تحديد المسؤوليات أو وضع وظيفة منظمة محددة للدستور.
وعند الحديث عن مبدأ الحرية وأخلاقيات الصحافة فانه لا بد ان نشير إلى ماهية هذه الحرية وحدودها وإطلاقها إلى المدى الذي لا تقيده حدود والمساوئ الناتجة عن ذلك خاصة إذا علمنا بان من يدير أو يمتلك المؤسسات الصحافية أو الإعلامية في العديد من دول العالم احتكارات أو رؤوس أموال حزبية أو شركات اقتصادية لها مصالحها.
وقد تتنازل الصحافة في العديد من الدول عن جانب من حريتها من اجل دعم تحقيق هدف قومي داخلي أو في سبيل مصالحها الخارجية.
وإذا عدنا إلى الوراء قليلا نجد أمثلة توضح ذلك، فقد كان عدد من الصحافيين الإيطاليين المرموقين في مطلع الثمانينات يؤمنون بأن نقد الصحافة لحكومة منتخبة يجب أن يكون مقيدا في الدول الديمقراطية الحديثة أو المهددة.
وقد شعر أول محرر لصحيفة لوموند "هوبرت بوا ميري" واحد اعظم الصحافيين في القرن الماضي بان الأزمة اليائسة أو الحرجة التي حدثت في فرنسا عام 1958 فان نوعا من الدكتاتورية على شاكلة حكم الرئيس شارل ديجول كان ضروريا لحماية نوع من الديمقراطية.
وفي اليابان فان الصحافة الديمقراطية اليابانية لم تشعر بالحرج ولم تكن خائفة على مبادئها من عقد اتفاقية مع الحكومة الصينية لتعيين مراسلين لها في بكين اشترطت أن لا تقوم الصحف اليابانية بنشر أي أخبار أو تعليقات عدائية حول الصين على صفحاتها.
والعاملون في الصحافة بشكل عام والصحافيون بشكل خاص هم بشر يحملون في أياديهم وقلوبهم حزمة غامضة منظمة من القيم الأخلاقية التي يمكن أن تشكل تحيزا أو حتى ضررا أنها تنشأ جزئيا من طبيعة المهنة وجزئيا من القيم السائدة في الدول التي تعمل فيها الصحافة.
وفي بعض الديمقراطيات الليبرالية فان النشر يتم ضبطه بشكل مباشر اما من قبل الحكومة أو تحالف الأحزاب السياسية، كما انه في دول أخرى فان الشركات الخاصة وذات الأهداف الربحية تتحكم بالقوة، وفي بريطانيا يتمتع النشر ببعض الحماية من قوى السوق مع الادعاء بالاستقلال السياسي.
وهناك وجهة نظر عامة ترى ان دور وسائل الإعلام هو دائما كما كان، ان الصحافة والإذاعة دائما تبالغ وتشوه وتقمع، وقد تم القول ان لديها تأثيرا قليلا على الحياة السياسية والمزعج في وجهة النظر هذه ان دور الصحافة قد تغير، وان قوة وسائل الإعلام قد زادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأربعين الماضية وهناك مصادر بديلة اقل للمعلومات بينما أصبحت السيطرة على وسائل الإعلام مركزة في أيدي اقل.
وفي نفس الوقت فأن الصحافة والبث الإذاعي والتلفزيوني أصبحت أقل مصداقية وان الوسائل المتوفرة للجمهور في مراقبة الإنجاز أصبحت غير قادرة على السير مع النمو والتغير التكنولوجي في صناعات تزداد تعقيدا، لهذا فالصحافة تمارس قوة كبيرة ولكنها أكثر من أي وقت مضى سلطة بلا مسؤولية.
ويبدو واضحا من التجارب والأحداث أن كل دولة مهما كانت شديدة الثقة بنفسها وأوضاعها وقوتها ووعي الناس لديها فإنها في ظروف محددة تتخذ من الإجراءات ما يلزم لوقف تنفيذ أساسيات الدساتير الأخلاقية الصحافية وتقوم بتوجيه المؤسسات الإعلامية والصحافية العاملة لديها وتجنيدها لخدمة تحقيق الأهداف العامة للدولة بما تمليه عليها مصالحها الخاصة بغض النظر عن المبادئ.
وبالنسبة للدول النامية، ومعظمها لديها دساتير لأخلاقيات الصحافة مليئة بالمبادئ المتطورة والمتقدمة بواجبات الصحافة وأهميتها ودورها في المجتمع، فهي تعيش تناقضا واضحا بشأن التطبيق الفعلي للمبادئ الأخلاقية الصحافية. ففي الوقت الذي تطالب به هذه الدول وسائل الإعلام في الدول الاخرى خاصة الوسائل المؤثرة بأن تكون صادقة وموضوعية في تعاملها مع قضاياها المحلية والدولية فإنها في الوقت نفسه لا تسمح بتطبيق هذا المطلب على وسائل إعلامها المحلية عند تعاملها مع تلك القضايا بل تفرض عليها أحيانا أن تحجب الحقيقة عن الجمهور وأن لا تناقش بعض القضايا المحلية التي قد تتناول قرارات مهمة تؤثر على المصالح الوطنية العليا أو تمس مسؤولين كبارا في الدولة وتفرض تعتيما إعلاميا حولها وبذلك تدفعها إلى إخفاء الحقيقة عن الشعب.
ولا نريد العودة إلى الوراء في التاريخ كثيرا فهناك في التاريخ المعاصر والقريب أمثلة كثيرة على العديد من الدول الأكثر ديمقراطية التي سخرت وسائل الإعلام والصحافة ووجهتها في ظروف محددة من أجل دعم المصالح الخاصة وربما دفعتها للتخلي عن المصداقية والحقيقة في أخبارها في سبيل ذلك, وهناك الكثير من المؤسسات الصحافية والصحافيين من قبلوا بهذا الدور في التخلي عن الالتزام بالمبادئ العامة للمهنة في سبيل المصلحة العامة باعتبار ان المصلحة الوطنية تتطلب ذلك في الظروف الطارئة التي تواجهها الدولة.
وقد اعتبر حجب بعض الأخبار عن القراء أو عدم تقديم الحقيقة الكاملة فيها أو تشويهها أحيانا يصب في سبيل المصلحة الأمنية للدولة أو خططها الاقتصادية والعسكرية أو أهدافها النهائية التي تنفذها أو تعد لتنفيذها.
غير انه بالرغم من ذلك فإننا نجد بعض وسائل الإعلام في دول يتخذ رؤساؤها قرارات مبنية على معلومات خاطئة يزجزون فيها ببلداتهم في صراعات دولية مكلفة اقتصاديا وماديا وبشريا تقوم بواجبها في المطالبة بضرورة إظهار الحقيقة الناس وإظهار مبررات هذه القرارات عبر وسائل الإعلام بعيدا عن خداع الرأي العام.
وتشير هنا إلى ما قامت به هيئة الإذاعة البريطانية في الأسبوع الأخير من شهر حزيران من عام 2003 بعد الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق باتهام رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأحداث تغييرات على الملف الخاص بأسلحة الدمار الشامل في العراق بعد فشله في إثبات امتلاك العراق الأسلحة المحظورة وهو الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة البريطانية. ونشرت الإذاعة تصريحا لمسؤول كبير في المخابرات البريطانية قال فيه " أن رئاسة الوزراء قد بالغت وأضافت وأعادت صياغة بعض الحقائق في التقرير الأصلي الذي قدمته المخابرات حول الحجم الحقيقي لأسلحة الدمار الشامل التي اتهم العراق بحيازتها".
وبثت الإذاعة في نفس الوقت برنامجا عن أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية تحت عنوان "سلاح إسرائيل السري" وذلك رغم الضغوط القوية التي مارسها اللوبي اليهودي في لندن لمنع إذاعته واعتراض إسرائيل عليه في ضوء ما تضمنه من انتقادات لاستثناء تل أبيب من جهود نزع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة.
واعتبر مراقبون أن عرض الإذاعة لهذا البرنامج في هذا التوقيت كان بهدف إحراج الحكومة البريطانية والرد على الضغوط التي مارستها ضدها وأيضا كشف الازدواجية التي تتعامل بها لندن وواشنطن مع قضايا الشرق الأوسط.
فالانتقادات التي وجهتها الحكومة البريطانية إلى الإذاعة البريطانية نتيجة محاولتها توصيل المعلومات الصحيحة إلى مشاهديها ومستمعيها تتناقض مع مزاعم حرية الرأي والتعبير والشفافية والديمقراطية التي تدعي هذه الدول أنها تدعمها وتدافع عنها، واتهم المعهد الدولي للصحافة الحكومة البريطانية بمحاولة التأثير في أسلوب عمل الإذاعة في نقل أخبار الحرب على العراق وتسخيرها لصالحها.
ولعل ما حدث خلال الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق من أمثلة شاهد على كيفية تصرف وسائل الإعلام القوية في تغطية هذه الحرب.
ووصفت إحدى وكالات الأنباء تغطية وسائل الإعلام الأميركية للحرب على العراق خلال شهر نيسان عام 2003 قائلة:
(على شاشات التلفزة الأميركية يلف الغبار الكثيف الحرب على العراق كما يتصبب الجنود عرقا وتضئ القنابل الأميركية ليل بغداد غير ان المشاهد لا يرى دما ولا يسمع بكاء.
وصور الحرب التي تعرضها هذه الشاشات لا علاقة لها بتلك التي تبثها الوسائل الأخرى الأجنبية والأوروبية منها بشكل خاص والتي تظهر صور قتلى وجرحى مدنيين أو عسكريين من الجانب العراقي وأسرى حرب أميركيين.
كما ان التظاهرات ضد الحرب التي تحظى بمكانة جيدة في الشاشات الأجنبية يشار إليها بشكل وجيز فقط في محطات التلفزة الأميركية الكبرى التي تتنافس في البث المباشر المتواصل حول الحرب ضد العراق.
وفي الحقيقة فأن الصحافيين ال 500 الذين يعملون مع القوات الأميركية يتقيدون ب 11 صفحة من التعليمات التي أعطاها البنتاغون من اجل تغطية النزاع، وتسمح التعليمات بنشر الصور في شكل مباشر عندما تعتبرها السلطات الرسمية مناسبة وبإمكان البنتاغون أيضا أن يقرر منع بث أي صور.
والمشاهدون الأميركيون الغارقون في دفق من التحقيقات المصورة حول الجنود الأميركيين الهادئين والعازمين على القتال لن يروا صور الأسرى والقتلى الأميركيين التي بثتها محطة الجزيرة القطرية كما أنهم لم يروا حتى الآن صور جثث المدنيين العراقيين المقطعة بصواريخ القوات الحليفة في العراق.
وقال وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد عن الصور العراقية للجنود الأميركيين التي بثتها قناة الجزيرة أنه سيكون من المؤسف ان تبث صور كهذه في الولايات المتحدة.
وأعلنت المحطات التلفزيونية كلها بعد ذلك أنها لن تستخدم هذه الصور ولم تظهر سوى صورة جثة قتيل لم تعرف هويته.
وقد ثار جدل أخلاقي كبير حينما أصدر الجيش الأميركي في الرابع والعشرين من تموز قرارا بنشر صور لجثتي عدي وقصي أبني الرئيس العراقي السابق صدام حسين ليثبت للعراقيين أنهما قتلا. وقام ضباط في بغداد بنشر الصورتين في مشرحة تظهران رأس عدي والنصف الأعلى لجسده وصورتين أخريين لقصي مع صور أخرى للأخوين كانا على قيد الحياة للمقارنة.
يشار إلى ان التقاليد داخل الجيش الأميركي كما تشير الصحف الأميركية تقضي بعدم نشر صور القتلى.
لكن نشر هذه الصور قد يكون عملا صعبا بالنسبة لإدارة احتجت عندما بثت تلفزيونات عربية مشاهد لجنود أميركيين قتلوا خلال غزوها العراق في آذار.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن المعايير تتفاوت من منطقة إلى أخرى بشأن ما يمكن عرضه في أجهزة الإعلام.
وتراوحت ردود الفعل الصحافية العالمية حول نشر الصور المذكورة من ناحية الأخلاقيات الصحفية، وقال خبراء أميركيون أن نشر الصور له ما يبرره وتمشى مع تقليد قديم يرجع إلى أيام الاسكندر الأكبر واتفق مع هذا الرأي خبراء في الإعلام وقالوا ان عرض صور الزعماء بعد مقتلهم تقليد يرجع إلى وقت الاسكندر الأكبر منذ وفاته عام 323 قبل الميلاد وأشار بول ولفينسون الاستاذ بكلية الصحافة في جامعة فورد ام "من سمع ليس كمن رأى فحين توفي الاسكندر الأكبر في سن صغيرة 33 عاما وضعوا جثمانه في العمل وعرضوه في نعش زجاجي وحافظوا عليه لأطول مدة ممكنة حتى يتمكن الناس من إلقاء نظرة عليه ".
لكن افتتاحية صحيفة فرانكفورتر روندشاو الألمانية المستقلة انتقدت نشر صور عدي وقصي.
وقالت الصحيفة "نتحدث هنا عن الكرامة الإنسانية بصرف النظر عن الجرائم التي اتهم عدي وقصي بارتكابها الا أن عرض الصور يمثل انتهاكا للمبادئ الأساسية للعالم المتحضر".
وقال بوب ستيل وهو خبير في الأخلاقيات الصحفية في معهد بوينتر بفلوريدا ان هناك هدفا صحفيا مشروعا وراء نشر الصور لكنه صرح أيضا بان نشرها يتعارض أيضا مع اعتراضات إدارة الرئيس الأميركي السابقة على عرض الأسرى الأميركيين في الحرب العراقية في التلفزيونات العربية. وقال "هناك تعارض بل تناقض وربما نفاق حين تؤيد الحكومة بقوة نشر معلومات بعينها ثم تعود بعد ذلك وتحظر بشدة معلومات أخرى وتمنع نشرها".
اما بيتر باتيا رئيس رابطة رؤساء تحرير الصحف الأميركية فقال ان الصور لها قيمة صحفية وأنها تخدم غرضا سياسيا وهو إظهار أن إدارة بوش أحرزت بعض النجاحات في تحقيق أهدافها في العراق، ولكنه أضاف "ارغب أن تكون الإدارة منفتحة وواضحة بالنسبة للمعلومات دوما مثلما كانت في هذه الحالة، لكن هذا ليس حال هذه الإدارة عادة ".
وفي موقعها على الإنترنت عرضت صحيفة "يو اس أيه تودي" صور الجثتين ومعها تحذير يقول / تحذير من المحرر .. الصور مرفقة برسومات توضيحية / واستاء عدد كبير من المترددين على الإنترنت من الصور.
وكتب أحدهم لوكالة رويترز يقول "الم تتعلموا من سجل الجنود الأميركيين القتلى في شوارع مقديشو وتكررون نفس الخطأ / مشيرا إلى فيلم بثته وسائل الإعلام في أوائل الستينات لسحل جثة جندي اميركي في شوارع العاصمة الصومالية خلال تدخل عسكري أميركي في البلاد".
وخلصت دراسة أجريت لحساب مجلة " دليل التلفزيون " في لوس انجليس إلى أن عدد مشاهدي التلفزيون الذين يتأذون من مشاهد العنف أكبر من العدد الذي يتأذى من مشاهد العري أو من التعليقات التي تحمل إيحاءات جنسية.
كما خلص المسح الذي شمل 1015 بالغا من مختلف أرجاء الولايات المتحدة إلى ان 71 بالمائة قاموا بتغيير قناة المشاهدة لتجنب رؤية مواد يعدونها مؤذية برغم ان 91 بالمائة أشاروا إلى أنهم لم يقوموا قط بالاتصال بشبكة تلفزيونية للشكوى من هذه المواد.
وقال نحو 17 بالمائة ممن استطلعت آراؤهم ان صور العنف والدم كانت اكثر المواد إيذاء على شاشة التلفزيون مقارنة مع ثمانية بالمائة للغة الخارجة وستة بالمائة للعري أو التلميحات الجنسية.
وأشارت المجلة إلى أن شبكة أن. بي. سي التلفزيونية لم تتلق شكوى واحدة في العام الماضي عندما تفوه بونو مغني فريق " يو 2 " بلفظ ناب أثناء بث حي لحفل توزيع جوائز جولدن جلوب التلفزيونية.
وأحيانا قد لا يقتصر تشويه الحقيقة على أحداث بعينها بل قد يأخذ صورا أخرى من بينها قيام وسائل الصحافة والإعلام في دولة ما تعد ديمقراطية بحملات هجومية، قد تكون مبررة أو غير مبررة، على دول أخرى لاتخاذها سياسة معارضة أو مخالفة للدولة الأولى تجاه قضية دولية أخرى.
وهناك أمثلة عديدة جرت وتجري في العالم على مثل هذه الحالة من أمثلتها ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية خلال شهر أيار / مايو من عام 2003 من أن فرنسا ستقدم رسميا اليوم شكوى ضد حملة تضليلية بحقها في وسائل الإعلام الأميركية منذ تسعة أشهر من دون ان تسعى الحكومة الأميركية في البحث عن المحرضين عليها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين فرنسيين قولهم أن هذه الشكوى التي لا سابقة لها وردت في رسالة وقعها السفير الفرنسي جان ديفييد ليفيت وستنقل إلى الحكومة والبرلمان الكونجرس الأميركيين.
وقال هؤلاء المسسؤولون أنه لا شك لديهم من ان مصادر هذا التضليل التي تهدف على حد قولهم إلى التشهير بفرنسا بحجة انها كانت متواطئة مع نظام صدام المخلوع نابعة من الإدارة الأميركية نفسها.
وبحسب الفرنسيين فان الأمر يتعلق بفريق الصقور في وزارة الدفاع الأميركية أو بمقربين منها.
وتدهورت العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة إلى أدنى حد بسبب معارضة باريس مع موسكو وبرلين الحرب على العراق.
وأوردت الرسالة المؤلفة من صفحتين لائحة بالمقالات المتهمة التي نشرتها الصحف الأميركية بدءا بنبأ أصدرته نيويورك تايمز في أيلول (سبتمبر) حول مبيعات أسلحة فرنسية للعراق.
كما أن سجلات التاريخ وأحداث الماضي القريب والحاضر تعطي أمثلة كثيرة على كيفية قيام وسائل الصحافة والإعلام في الدول القوية والمؤثرة على الساحة العالمية بقوة انتشارها وتحكمها في مهاجمة المواقف والآراء المتعلقة بالصراعات والقضايا الدولية التي تخالفها حتى ولو كانت مواقف وآراء عائلة تتفق مع الشرعية الدولية وحقوق الدول والشعوب.
ومثال على ذلك فقد كشف الكاتب الأميركي مايكل كزلينز بايبر النقاب عن أن منظمات ومؤسسات يهودية وصهيونية في الولايات المتحدة تمارس ضغوطا وتهديدات وتشن حملات التشهير ضد كل من يحاول كشف المخططات الإسرائيلية والصهيونية أو الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ودعم القضايا العربية.
وأوضح الكاتب في دراسة لصدرها مركز زايد أنه تعرض هو نفسه لضغوط وتهديدات بسبب كتاباته عن دور المخابرات الإسرائيلية بالتعاون مع المؤسسات والجمعيات الصهيونية داخل الولايات المتحدة.
وكشف بايبر عن ماهية هذه الضغوط ودور الإعلام الأميركي وكيفية تعامله مع القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي منذ بداية طرحه الساحة الدولية وتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر في هذا الصراع وتأثير ونفوذ هذا الإعلام بكافة وسائلة المرئية والمقروءة والمسموعة وغيرها على تشكيل وتوجيه الرأي العام الأميركي تجاه كافة القضايا على الساحة الدولية.
وتناول بايبر مدى تأثير وسائل الإعلام على المواطن الأميركي الذي بتلقي معلوماته وثقافته في الأساس عبرها فيما يغلق أمامه أي مصدر آخر للمعلومات بحيث يصبح الشعب الأميركي أسير هذه المصادر المعلوماتية دون غيرها وهذا ما نجحت فيه جماعات النفوذ والضغط اليهودية والصهيونية من خلال وسائل الإعلام العديدة التي تسيطر عليها.
وتنص معظم الدساتير الصحفية في العالم على حق الصحافيين في رفض الكشف عن مصادر معلوماتهم التي ينشرونها أو ينوون نشرها ومنع تنصت الشرطة على الاتصالات الهاتفية التي تجريها وسائل الصحافة ومحاسبتها عليها إلا إذا كانت تتعلق بالأمن الوطني أو تتطلب ضرورة تدخل الشرطة لمنع جريمة معينة.
ففي مطلع شهر أيلول عام 2002 احتج الاتحاد الدولي للصحافيين على قيام الشرطة الدنماركية بالتنصت على محادثة هاتفية بين محرر صحافي ورئيسه بشأن إشاعات بوجود قائمة ليهود دنماركيين يتم تمريرها بين قوائم الإسلاميين المتشددين.
وقال ايدن وايت امين عام الاتحاد ان التسجيل الصوتي لهذه المحادثة بين الصحافي ستيغ ماتيسن مع رئيسه تم الاستماع إليها يوم الاثنين أثناء جلسة سرية بمجمع محاكم كوبنهاجن التي قرر خلالها القاضي إلزام الصحافي بالكشف للشرطة عن مصادره التي استقى منها هذه الشائعة.
وأكد ان تصرف الشرطة لا يعكس فقط الإساءة لاستخدام السلطة ولكن يؤكد احتقار بعض قياداتها لحقوق الصحافيين ووسائل الإعلام، وأوضح أن التقرير الذي نشرته صحيفة "ييلا ندز بوست" التي تعتبر ثاني أكبر صحيفة في الدنمارك يقوم على شائعات منتشرة في مدينة لروس التي تقطنها جاليتان يهودية وعربية كبيرة بخصوص وجود قائمة لاغتيال يهود دانمارکیين دون الكشف عن أية تفاصيل أخرى.
وأشار إلى ان رفض الصحافي ورئيسه الكشف عن مصادرهم يعرضهم لغرامة أو السجن لمدة تصل إلى ستة أشهر حيث يحمي القانون الصحافيين من الكشف عن مصادرهم الا فيما يتعلق بمعلومات هامة عن التحقيقات التي تجريها الشرطة والتي تتعلق بجريمة خطيرة تهدد الأمن القومي للبلاد. وأكد وايت أن الأمر يكشف مجددا طبيعة الضغوط المتزايدة على الصحافيين للكشف عن مصادرهم حيث تستغل وسائل الإعلام من اجل التوصل إلى الأدلة، وكذلك يعكس انتهاكا للحقوق الأساسية.
وبينما تعتبر المصداقية من أهم الأسس التي ترتكز عليها محتويات الأخبار إلا أن الأحداث أثبتت أن أهم الصحف العالمية التي تعرف بتأثيرها الواسع وتركيزها في دساتيرها ومبادئ عملها وتأكيدها على هذا المبدأ قد سقطت في نشر أخبار وتقارير مزورة سواء كانت محلية أو عالمية.
ففي منتصف العام 2003 استقال اثنان من كبار محرري صحيفة نيويورك تايمز بعد فضيحة قيام أحد صحفيها بتزوير وانتحال موضوعات صحفية نشرتها الصحيفة التي بدأت مهمة صعبة لاستعادة مصداقيتها التي فقدتها في فضيحة التزوير التي أضرت كثيرا بسمعتها.
وتحدثت الصحف الأميركية عن قيام الصحافي جيسون بلير من نيويورك تايمز بتلفيق التحقيقات الصحفية والغش والنقل من مطبوعات أخرى واختلاق أحداث وتفاصيل غير صحيحة في التقارير التي كان يكتبها للصحيفة وتبين من التحقيق انه اختلق تفاصيل لم تحدث في 36 مقالة من اصل 73 مقالة منذ ان تم تكليفه بتغطية الأخبار المحلية الأميركية، وتحتوي المقالات أخطاء في الوقائع كما تمس أخلاقيات المهنة.
واعتبرت استقالة مدير تحرير الصحيفة هويل رينز والمحرر الإداري جيرالد بويد خطوة إيجابية، وكان رينز قاد الصحيفة إلى النجاح ودفعها العام الماضي إلى الفوز بسبع جوائز بوليتزر محطمة الرقم القياسي.
وكانت استقالتهما بمثابة القبول الرسمي بمسئوليتهما عن الفضيحة التي اندلعت بسبب المحرر الشاب جايسون بلير الذي ثبت أنه لفق العديد من التقارير.
وأثارت فضيحة بلير موجة من المراجعات الأخلاقية والنقد الذاتي وتوجيه الاتهامات ولم يتمكن رينز من تصحيح الوضع كما ذكرت الصحيفة.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال احد المنافسين الرئيسيين لصحيفة نيو يورك تايمز ان المشاكل في الصحيفة تفوق فضيحة بلير وتضرب بجذورها في تفضيلها المتزايد لصحافة الرأي بدلا من الصحافة المباشرة.
وقالت ان افضل الأنباء التي يمكن أن تنتج عن الاضطراب الحاصل في التايمز سيكون إعادة أحياء معايير الصحافة القديمة.
ولم تستطع صحيفة نيويورك بوست التي هاجمت صحيفة نيويورك تايمز واتهمتها بانها ليبرالية بشكل كبير ولا تتحلى بالوطنية مقاومة إغراء وضع إعلان ساخر لوظيفة شاغرة في نيويورك تايمز على صفحتها الأول وجاء في الإعلان أن الصحيفة تبحث عن "شخص محب للثقافة الفرنسية لشغل منصب المحرر التنفيذي" وقال الإعلان "يفضل أن يكون المرشح للوظيفة محبا لمهاجمة الولايات المتحدة اما احترام الحقائق فهو اختياري للمرشح".
وعلى الرغم من المجادلات والنقاشات التي تتم حول أهمية وجود الدساتير الأخلاقية وضرورة تقيد الصحافيين بها طوعا وعدم خرقها أو الخروج عليها فإننا نادرا ما نقرأ استطلاعات للرأي العام توضح رأي الفرد، الذي هو الهدف النهائي للخدمات التي تقدمها الصحافة بالصحافي وبمهنته.
فالشعب الألماني مثلا لا يضع الصحافيين في مكانة عالية في المجتمع، ففي مسح أجراه معهد الينزباخ اظهر ان 13 بالمائة فقط من سكان ألمانيا الغربية (سابقا) يضعون الصحافيين بين الناس الأكثر احتراما بينما حصل الأطباء على نسبة 77 بالمائة والمهندسون على 60 بالمائة.
وهذا الرأي تجاه الصحافيين يرتبط بعدة حقائق:
- الصحافيون غالبا ما ينتقدون ولهذا يبنون أنهم يرهقون الدولة والشعب.
- وسائل العمل والسلوك لدى القلة من الصحافيين تبدو وكأنها صفات عامة للصحافيين.
- الفوائد التي يدرها عملهم عليهم بالنسبة لكل شخص في دولة ديمقراطية ليست واضحة مثلما هو في حالة الطبيب أو المهندس.
- لا يوجد امتحان نهائي للصحافي بعد فترة التدريب العملية.
وخلال الستينات والثمانينات أجاب مشاهدون وقراء ومستمعون بنسبة اكثر من اليوم على سؤال فيما إذا كان التلفزيون أو الإذاعة أو الصحف تقدم تقارير صادقة وتقدم تقارير كما حدثت حقيقة، وهناك أسباب عديدة لانخفاض المصداقية لكن الناس مع دور فعال لوسائل الإعلام والصحافة يجب ان يسألوا أنفسهم حول مساهماتهم الشخصية لهذا التطور ان الدستور والقوانين تعطيهم الحق أن يكشفوا الانتهاكات والأخطاء والسقطات للصحافة، ويتهم الصحافيون بحق بقلة المصداقية إذ وخلال حكمهم على تصرف وسلوك الآخرين يطبقون مقياسا لا يعتبرونه مقياسا ينطبق على أنفسهم.
ومن المقلق ان ثلث الصحافيين في ألمانيا تحت سن الخامسة والثلاثين يعتبرون انه من المبرر الحصول على وثائق سرية عن طريق دفع المال للمصدر لهذا فانه بالنسبة لكثير منهم فانهم لا يجدون خطأ في استعمال طريقة (صحافة دفتر الشيكات).
وفي الولايات المتحدة أظهرت الأبحاث الأخيرة أن الصحافة تقيم دورها كـ(كلب حراسة) أكثر مما يقيمها الجمهور. ويؤمن 10 بالمائة فقط من وسائل الإعلام بان نقد الصحافة للقادة السياسيين يمنع هؤلاء القادة من القيام بعملهم، ولكن 31 بالمائة من الشعب يعتقد بأنه يتعارض مع قيام القادة بواجباتهم.
ونشرت مؤخرا معلومات مقلقة فقد أشارت وثيقة حول استطلاع وطني استياء كبيرا تجاه الصحافة الأميركية وممارساتها، واستعمل الجمهور كلمات مثل متغطرسة، عديمة الإحساس، متحيزة، غير دقيقة وعاطفية في وصف وسائل الإعلام.
وأجرى (منتدى الحريات)، وهو مؤسسة دولية غير متحيزة مسحا أشار إلى ان 53 بالمائة من المشاركين فيه قالوا بأنهم يعتقدون بان الصحافة تمتلك حرية أكثر من اللازم، وهذا يشكل زيادة بنسبة 15 بالمائة نقطة عن مسح مشابه اجري عام 1997. وقال 45 بالمائة فقط بأنهم يعتقدون بأن وسائل الإعلام تحمي الديمقراطية مقارنة مع 54 بالمائة في عام 1985. وقال 36 بالمائة بان وسائل الإعلام تضر بالديمقراطية فعليا. وقال 65 بالمائة بان الصحف يجب ان لا تتمكن من الصدور بحرية.
وعبرت أعداد متزايدة من الذين تم استطلاع رأيهم عن اعتقادها بأنه يجب ان لا يسمح للصحافة بانتقاد المرشحين السياسيين وان لا تستعمل كاميرات مخفية لجمع الأخبار وان لا تتمكن من نشر أسرار الحكومة.
ويتم اتهام الصحافيين بأنهم "قوة وحشية" بدون مسؤولية، ولكن مجموعة من 200 محرر وكاتب ومنتج ومراسل صحافي يعملون في المملكة المتحدة امضوا العام الماضي في العمل تحت شعار: (إذا لم نكن نحن، فمن يكون. وإذا لم يكن الآن، فمتى)، وقد أصدروا معا كتابا حول التغطية الاخبارية العالم ليكون دليلا "للتغطية الأخلاقية " في أوقات الصراع.
وبالنسبة لمعظم الأميركيين فان صدمة الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، بما فيها مدى ردة الفعل العالمية، كانت عنيفة وغير مستوعبة بسبب ان وسائل الإعلام حظرت تغطية أحداث عالمنا المتداخل، لقد قللت الصحافة الأميركية التغطيات العالمية التي تقوم بها بنسبة حوالي 80 بالمائة خلال العقدين الأخيرين.
ان فشل الصحافة الأميركية في التغطية الدولية، والاتجاه نفسه ينمو في بريطانيا، لم يؤد فقط إلى جهل الشعب حول تأثير ثقافة وحكومة ما على العالم ولكن قد يكون فعليا فاقم الصراع. وفي عصر المعلومات فان الصحافيين هم مراقبون غير منفصلين ولكنهم مشاركون فعليين في طريقة تفهم المجتمعات والطوائف لبعضهم البعض وفي طريقة إشعال الأطراف للصراعات.
لقد أراح الصحافيون أنفسهم دائما بنظرية "بأننا فقط ننقل الحقائق" وسمي ذلك بالعقد الأخلاقي، ولكنه خيار بين الحقائق، تلك التي يتم كتابتها وتلك التي يتم حذفها، حيث يحل مبدأ أخلاقي آخر مبدأ المسؤولية الأخلاقية. وقد عمل أكثر من 200 خبير إعلامي بتكاتف لمواجهة التحدي لوضع إطار لمساعدة أنفسهم وزملائهم لتغطية الصراعات بطريقة تكتشف وتتفحص التعقيدات، ومحتوى الصراعات وإمكاناتها. وكان من نتيجة عملهم الخروج بكتاب (تغطية الصراعات) بالإضافة إلى ذلك توصلوا إلى وضع قائمة لمساعدة المراسلين الصحافيين في الاندماج بالتفكير والعمل وفق المضامين الأخلاقية في عملهم.
وخرج المشاركون بعد نقاش بدليل عملي للتغطية الصحفية الأخلاقية للصراعات في القرن الحادي والعشرين من خلال وضع ما يحتاج المشاهدون والقراء ان يعرفوه من الأخبار العالمية وما يمكن أن يعملوه. ليقوموا بتقديمه لهم.
ونعتقد في هذا المجال أن مثل هذه المبادرات من قبل الصحافيين أنفسهم التي انبثقت من واقع الأزمات التي تمر بها المهنة الصحفية أو تعيشها والانحرافات التي يقوم بها البعض - صحافيون ومؤسسات - أثناء ممارسة المهنة هي مؤشر على تأكيد قدسية هذه المهنة والوعي بأهمية التقيد بأخلاقيات الصحافة التي أكنتها جميع دول ومؤسسات العالم ومنظماته والدعوة لضرورة تلافي الأخطاء التي يقع فيها بعض العاملين بالمهنة سواء عن قصد أو غير قصد خاصة في تغطية الأحداث الدولية المهمة والصراعات السياسية والعسكرية لتكون المصداقية وخدمة الناس واطلاعهم على الحقيقة وسماع الرأي الآخر والتنبه إلى عدم التغطية المتحيزة والمنطلقة من المواقف الشخصية أو المصلحية التي تمثل طرفا واحدا خاصة في الصراعات الدولية.
ولا بد من القول انه مهما تنوعت أشكال الخروج عن المبادئ الأخلاقية الصحفية ومواثيق الشرف الصحافي وأسس وأهداف المهنة الصحفية سواء من أشخاص بعينهم أو مؤسسات صحفية وإعلامية متنفذة توجهها رؤوس أموال لمصالح شخصية أو اقتصادية أو سياسية فإننا نؤكد أن هذه المبادئ لا بد وان تستمر في تشكيل الأهداف الثابتة والمقدسة للمهنة والعاملين فيها ليس في قول ونقل الحقيقة للشعوب فقط بل وفي الدفاع عن الأهداف التي وضعت من اجلها ليكون العمل بهذه المبادئ السامية لمهنة الصحافة هو الأصل خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة والقادمة من الصحافيين.
الاكثر قراءة في اخلاقيات الاعلام
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة