تاريخ الأخلاقيات الصحفية:
لم تكن مبادئ العمل الصحفي وأخلاقياته بما فيها الواجبات والمسؤوليات لأصحاب العمل والعاملين في الصحافة في اهتمامات العمل الصحفي في بداية ظهوره في مراحله الأولى، ولم تكن هناك أسباب تبرر وضع القواعد العامة للسلوك الصحافي سواء ما تعلق منها بالناشر أو بالكاتب لأنه لم تكن قد ظهرت بعد القضايا والمشاكل التي واجهت المهنة الصحفية والتي كانت دافعا للدعوة إلى الحد من التنافس والتسابق بين الناشرين على نشر الأخبار بصرف النظر عن صحتها أو وسيلة الحصول عليها.
وقد خاض الناشرون والصحافيون معارك عنيفة بين بعضهم البعض لاختلافهم حول بعض القضايا التي تعلقت بممارسة العمل بما فيها القضايا المهنية كانت تنتهي! في أحيان كثيرة بعمليات التصفية الجسدية كما استعمل العاملون معهم مختلف الوسائل بما فيها الشتائم في مقالاتهم ونشراتهم على معارضيهم في الصحف والنشرات الأخرى وتسابقوا في جمع الأخبار مستعملين كل الوسائل غير الأخلاقية والدموية.
ولا بد لنا قبل أن نستعرض بدايات اهتمام الصحافة بوضع القواعد والأسس لمسؤوليات وواجبات الصحافة وأخلاقياتها ان تستعرض مجمل الوضع لبداية ما يمكن ان نسميه بعصر ظهور الصحافة بما توفره كتب تاريخ الصحافة في العالم، ومن خلال هذا الاستعراض فإننا نلاحظ بدايات الاهتمام بوضع قواعد وأخلاقيات العمل الصحافي في مختلف الدول. يؤكد مؤرخو الصحافة أن الصحافة قديمة مثل الدنيا وانه كان للبابليين مؤرخون مكلفون بتسجيل الحوادث التي اعتمد عليها (بيروز) في القرن الثالث قبل الميلاد في كتابة تاريخ الكلدانيين.
وإذا كان المقصود من عبارة تاريخ الصحافة هو تاريخ إذاعة الأخبار يوما بيوم فمن الواضح ان هذا التاريخ يبدأ مع بدء الإنسانية.
ويؤكد فولتير أنه كانت في الصين منذ زمن سحيق صحف ومجلات، ولا يحدثنا التاريخ عن الطريقة التي استخدمها الاثينيون في تداول الأنباء اليومية وان كان الاستنتاج يذهب إلى ان الحياة التي كانوا يمضونها راضين في الميادين العامة تمكنهم من تداول الأنباء شفويا والتعليق عليها فيما بينهم دون أدنى حاجة إلى تدوينها.
وحينما اتسعت الإمبراطورية الرومانية لم يعد كافيا إعلام الشعب بما يجري داخل أسوار المدينة وبات من الواجب توجيه الرأي العام في الأقاليم الجديدة وبذلك اصبح القول الشفهي واللوحة المنشورة غير كافيين للقيام بهذه المهمة ومن ثم نشأت النشرة العامة وهي ضرب من الأوراق العامة التي تعد أصلا للجريدة الرسمية الحالية.
ومنذ ذلك الحين سار التقدم بخطى سريعة فقد أمر القيصر بتدوين ونشر ما يجري كل يوم بين جدران مجلس الشيوخ وما يقع للشعب من أحداث وبذلك حلت النشرة اليومية محل الحوليات الكبرى وكانت تروى كل الحوادث حتى اقلها شأنا مثل الاحتفالات الدينية والحرائق وأحكام الإعدام وأخبار الإفلاس وأنباء طويلي العمر.. غير أن الصحف اختفت حينما سقطت الإمبراطورية الرومانية.
وفي جميع المجتمعات كانت هناك عدة حلقات لا تحصى من المعلومات ونقلت من خلالها عدة أنواع من المعرفة من خلال التقاليد أو المخترعات. واكتسب الشكل المطبوع من الصحيفة في نهاية العصور الوسطى في العالم الغربي دورا مهما كحلقة رئيسية بين كثير من هذه الحلقات يزود أعدادا متزايدة من الجمهور بكميات كبيرة من المعلومات مأخوذة من مجالات متعددة لا تحصى.
وبدأت الصين واليابان تطور نوعا من الصحافة في نفس الوقت الذي بدأت فيه أوروبا، وكان النظام الإعلامي في الشرق الأقصى من نوع مختلف حيث لم يصمم لمنع القارئ العام في معرفة أحداث العالم العامة. والحضارة الصينية واحدة من الحضارات الأولى التي وجدت أنه من المناسب ان تنشئ شبكة منظمة لجمع الأخبار عبر أراض واسعة خلال حكم سلالة هان ( 206ق م - 219ق م) وقد اتخذ القصر الإمبراطوري إجراءات لتزويده بالمعلومات حول التطورات والأحداث في الإمبراطورية عبر شبكة بريدية شبيهة بنظام الرسائل الذي كان متبعا في أوروبا في العصور الوسطي.
وخلال حكم سلالة تائج (218 ق م - 907 ق م) أوجد الصينيون نشرة رسمية مكتوبة بخط اليد سميت بالجريدة الرسمية التي كانت تنشر المعلومات التي جمعت عن طريق الرسائل بين الفئات الحاكمة في المجتمع وظهرت صحيفة البلاط وصحيفة البلاط الإمبراطوري.
أما النظام السياسي والاجتماعي في اليابان وعلى خلاف النظام الصيني لم يشجع توزيع الأخبار المنظمة ضمن الطبقة الإدارية وفي الحقيقة فان معلومات الأخبار المتعلقة بالدول الأجنبية كانت ممنوعة، وعندما أحضر الألمان مطبعة لليابان في القرن السابع عشر لم يكن بمقدورهم أن يطبقوا مهاراتهم المتطورة في مجال نشر الأخبار.
لقد حدث الازدهار الكبير في الصحافة الإنجليزية خلال فترة التعددية السياسية ولم تشهد الصحافة عصرا مزدهرا من الحرية والراحة مثلما شهدت سنوات 1640.
وفي السنوات ما بين العام المذكور وإعادة الملكية فان 30 ألف نشرة إخبارية ومنشور كانت تعج بها شوارع لندن وكانت صحافة الشارع خلال الحرب الأهلية الرائدة في الصحافة الشعبية وقد انتشرت في تلك الفترة عمليات انتحال الآراء والتزييف في الأخبار بشكل كبير، وكان الصحافيون يلقون احتراما اجتماعيا قليلا.
وخلال السنوات 1771 كانت الصحف تعتمد على تقارير حول الكتب المنشورة حديثا وظهرت أخلاقيات مختلفة في الصحافة من خلال اختيار مقتطفات من الأعمال الجديدة وإخراج محتواها، وقال محرر إحدى الصحف "ان واجبنا الذي ندين به للجمهور وحكمنا بأن لا نخلط النقد مع المقتطفات لان ذلك سيكون خيانة لقرائنا الذين يسترشدون بنا كدليل لمعرفة الكتاب ".
وفي القارة الأوروبية كانت الرقابة مطبقة كنتيجة لأوضاع الصحافة الإنجليزية خلال تكونها التي ساد فيها عصر من الاستبداد.
وصدر مرسوم في كل الأراضي الرومانية المقدسة في تموز عام 1715 يأمر جميع من لهم علاقة بالصحافة أن يتقيدوا بدقة ويتبعوا القوانين المتعلقة بالتشهير والإساءة للسمعة والقذف الذي طبق قبل ذلك ولكنه فشل في التطبيق.
وبعد 30 سنة أوضح الإمبراطور بان القيود التي فرضت على الصحف والمنشورات ستطبق على الكتب العادية، وفي عام 1795 فان فرانسیس الثاني الذي أخافه انتشار الأفكار الثورية القادمة من فرنسا شدد من القيود ضد استيراد ونسخ المواد الأجنبية المطبوعة لأنها هددت بقلب الدستور والوضع القائم اسلام الشعب ".
اما في المستعمرات الأميركية فان رواد الصحافة اعتمدوا لغة الإثارة ولغة العاطفة والمبالغة وبالضرورة عدم الدقة. وكانت أخلاقيات الصحافة الثورية مختلفة عن الصحافة التي اتبعها الصحافي (توماس باين) التي كانت كتاباته تقرأ للقوات المحاربة قبل المعارك وقد نجح في ان يقدم للجندي غير القارئ معنى القضية التي كان سيحارب من أجلها، واصبح اكبر صحافي يدافع عن قضية الحرية في فرنسا وأميركا.
وعندما حدثت أزمة الصحافة في كانون الأول من عام 1776 كانت الصحافة نموذجا لصحافة الإثارة الشعبية، في هذا النموذج جمعت الصحافة بين المعلومات للحوادث اليومية مع قناعة الدفاع عن القضايا المهمة للقراء.
وبعد سنوات إعلان الاستقلال عن بريطانيا فان الدعوة إلى حرية الصحافة اكتسحت أوروبا مقرونة بالدعوة للتحرر، والكفاح من أجل حرية الصحافة بدأ في انجلترا من خلال الصحيفة، والكفاح من أجل حرية المعلومات وحرية التعليق كان حقيقة السبب في دخول فترة جديدة بدأت بسحب قوات نابليون المهزومة في العقد الثاني من القرن التاسع عشر وبلغ ذروته في ثورة عام 1848، وكان قراء الصحيفة يريدون أن يعرفوا فقط ماذا يحدث في المحاكم والبرلمان وجميع المجالس ولم يفكروا بأنفسهم كمواطنين كاملين يرغبون باستعمال صحافتهم كجزء من أدوات حكم الذات.
كانت الصورة المطبوعة من جريدة " لندن جازيت " مفترق طرق في صحافة الولايات المتحدة، إذ على ضوء هذه التجربة فكر المستوطنون في إصدار صحف محلية تعني بأمور المستعمرة التي تصدر فيها وتنشر ما تيسر من أخبار سائر المستعمرات، وأذن المسؤولون في المستعمرة في عام 1689 بطبع جريدة إخبارية وكانت أول صحيفة ناجحة في المستعمرات الأميركية ... وسجلت هذه الجريدة شعارا لها تصدر جميع أعدادها نصه تهدف هذه الجريدة إلى القضاء على الأخبار الكاذبة" وكان دستور النشر فيها هو تصحيح ما يتردد من إشاعات كاذبة.
وخطت الصحافة الأميركية خطوات فسيحة نحو حريتها بعد الثورة وعرفت البلاد لأول مرة الصحافة الحزبية وراعي الصحافيون واجبات المهنة في بعض جوانبها كإخفاء مصادر الأخبار ولو أدى ذلك إلى اضطهاد المحرر وسجنه.
ما بعد عام 1794 عمدت بعض الولايات إلى سن قوانين اقتصادية يقع عبء بعضها على الصحف وقد ألغيت جميعها بفعل ضغط الرأي العام الصحفي.
لقد كانت حرية الصحافة شيئا مقدسا وقد نصت دساتير تسع ولايات من ثلاث عشرة ولاية على حرية الصحافة غير ان دستور الاتحاد لم ينص على ذلك ودارت مناقشات في هذا الشأن انتهت بقبول الولايات دستور الاتحاد على أمل إدخال تعديلات تنص على حرية الصحافة فيما بعد.
واختلف أحرار الدولة في مفهوم هذه الحرية الصحفية وتساءل وزير المالية آنذاك ما هو تعريف حرية الصحافة؟ هل تشمل هذه الحرية الاعتداء على الأخلاق والشخصيات؟
وتجاوزت بعض الصحف الحد في هذه الحرية وحتى الصحافيين أنفسهم لم ينجوا من قسوة هذه الحرية، ومضى يشتم بعضهم بعضا باقذع الألفاظ والعبارات وحدث أن نشرت إحدى الصحف هجاء موجها إلى محرر صحيفة أخرى جاء فيه "نعلن في هذا النداء للعالم إنك كاذب ووضيع بالرغم من انك معروف بهذه الصفات إلا أننا سنثبتها للناس".
وكانت قضايا القذف والسب سمة واضحة للصحافة بعد الثورة ولقرابة نصف قرن من الزمان حتى بلغت القضايا التي أقيمت على جريدة "الأورورا" في سنة واحدة سبعين قوسنت الحكومة بعض القوانين التي حدث من حرية الصحافة ومن أهمها قانون " الخيانة " ونص على أن أي صحفي تثبت عليه تهمة التعرض الكاذب للحكومة أو أفرادها أو بالكونجرس يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز ألفين من الدولارات.
أما بالنسبة للصحافة في المستعمرات الوسطى والجنوبية عام 1734 فكان هناك من الصحافيين من استهان بعقلية القراء فنشر أخبارا مضى عليها ستة اشهر على انها آخر الأخبار ومنهم من اختلق الخبر وحسن فيه وأبرزه ولم يكن هذا خلقا تفرد فيه صحفيو أميركا وحدهم بل هي أخلاق صحافية عامة وجدت في جميع البيئات الصحفية في أوروبا وفي الشرق وفي كل زمان ومكان.
وخلال الحرب الأهلية تعرضت الصحافة إلى مضايقات من مكاتب البرق والرقابة العسكرية وتأخرت أخبار المراسلين الصحافيين، وكانت الصحف حائرة فيما تنشره عن الوقائع الحربية فتتلقف أنباء ذلك كله من الهمس والشائعات وتسجله تحت عناوين ضخمة بأسلوب غريب فتقول مثلا.. (مهم.. إذا كان صحيحا أو.. إشاعات وتنبؤات)، ولم تنج صحيفة من الوقوع فريسة مرة أو مرات للإشاعات والأكاذيب.
وخلال الفترة ما بين -1833- 1860 دافعت الصحف عن الطبقات الفقيرة ومصالح العمال تميزت بالعنف في جدالها مع خصومها. وكانت صحيفة "الويكلي تربيون" ترفعت عن المساهمة في الفصول والأبواب التي كانت تطرقها الصحف الأخرى الأمر الذي جعلها صحيفة الخاصة والعقلاء وأذاعت على قرائها انها لا تستسيغ التحقيقات التي تكشف مخازي المجتمع وتفضح المواطنين وتعلق عن الحياة المشيئة لبعضهم.
وفي 18 أيلول 1851 صدرت جريدة النيويورك تايمز وحدد هنري ریموند مؤسسها سیاستها بأن تكون على مبدأ خلقي معين حيث قال بأنه يرى: في الصحافة انها رسالة اجتماعية ووجب على صحيفته أن تتمسك بالخلق القويم.
وفي عام 1846 صدرت في كاليفورنيا جريدة كاليفورنيان في فترة اكتشف فيها الذهب حيث توافد المغامرون سعيا وراء الثروة وتحولت سان فرانسيسكو إلى مدينة تزخر بالنشاط وكان مجتمعها عاصفا مضطربا وصدرت إلى جانبها 12 صحيفة أخرى فكان هجوم الصحف على السياسيين مقذعا لا يجيزه عرف ولا دين وكان الصحافيون يهاجم بعضهم بعضا في صحفهم وفي الطرق ولم تخل المشاحنات من جرائم قتل.
في السنوات ما بين 1870 - 1890 بلغ عدد الصحف في الولايات المتحدة 12 ألف صحيفة، ومن التغيرات التي حدثت. خروج الصحف على السيطرة الحزبية وكانت الصحف المحايدة تمثل ثلث الصحف حين ذاك وكان السبب في ذلك الاتجاه المتزايد إلى صحافة الخبر والموضوعات أو التحقيقات ذات الصلة الوثيقة بالنواحي الإنسانية والابتعاد عن الافتتاحيات والتعقيبات الخاصة بالشؤون الحكومية والحزبية.
ولجأت بعض الصحف إلى نشر الأخبار الكاذبة ففي 9 تشرين الثاني عام 1874 ظهرت جريدة الهيرالد وقد غطت صفحتها الأولى قصة مفصلة عن هروب الحيوانات المفترسة من حديقة الحيوان في نيويورك وأخذت تصف الصراع الدامي الذي شهدته شوارع نيويورك . . ورائحة الموت التي انتشرت في المدينة وجثث القتلى.. وحين طالع القراء القصة أقفرت الطرقات من المارة واغلق السكان أبواب دورهم. وحين بلغ القراء نهاية القراءة وقعت أعينهم على اسطر قليلة بالبنط الصغير كشفت عن " خديعة الوحوش " كما سمي المقال فيما بعد فإذا هذه السطور تقول ... أن القصة السابقة كلها وهم وخيال وفبركة وهي ببساطة طرأت على خيال المحرر عندما كان يحملق من خلال القضبان الحديدية في أقفاص الوحوش المفترسة داخل حديقة الحيوان... فماذا أعدت نيويورك لتقابل مثل هذه المصيبة، فانه من السهل أن تقع في يوم من الأيام.
وظهرت شخصية جديدة في تلك الفترة وفي 1872.. هي شخصية بوليتزر الذي قلب صحافة نيويورك رأسا على عقب حيث اشترى العديد من الصحف من بينها صحيفة نيويورك وورلد وعلم الصحافيين على البحث عن الأخبار الحية التي تهم حياة الناس وتهتم بهم دون إهمال الإشاعات والفضائح والأخبار المثيرة عامة ... وكان يقول أن أهم ما ينبغي على الصحفي ان يرعاه في عمله السهولة في التعبير والقدرة على تصوير المعنى وإبراز الحقائق والتحرير الجيد والإيجاز الواعي والدقة. الدقة.. الدقة.
وإذا قارنا بين صحافة الإنجليز في تلك الفترة 1892 - 1914 وبين صحافة أميركا وجدنا سلطان الأخيرة قد تجاوز الحدود على حساب المصلحة العامة ولحساب مجدها هي دون نظر أو اعتبار للنتائج.
ومن الجديد في الصحافة الصفراء التي ظهرت في هذه الفترة الإسراف في استخدام الصور والخداع في خلق القصص المثيرة وإضافة التوابل إلى الأحاديث والتحقيقات الصحفية وادعاء العلم بالأشياء مع إخراج ممتع وعناوين جذابة لافتة للنظر مضللة في بعض الأحيان.
وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأ الناس ينظرون إلى أن مهنة الصحافة وان كانت موهبة واستعدادا إلا أنها في حاجة إلى الدراسة والمران والصقل ومضى تعليم الصحافة قدما وشجعه الصحافيون بينما كانوا في الأجيال السابقة يحتقرون فكرة تدريس الصحافة كعلم ومنح بوليتزر جامعة كولمبيا مليون دولار لإنشاء كلية للصحافة عام 1912 وكانت الدراسات المختلفة بدأت تظهر في كتب مطبوعة منذ عام 1894.
وانطلقت الصحافة على سجيتها في تلك الفترة فكانت حرة لا تقيدها الحدود ولا تحددها القيود غير أن هذه الحرية قد تجاوزتها بعض الصحف إلى السب والقذف والدعوة إلى الفتنة والاغتيال بلا تحرج الأمر الذي دفع المسؤولين إلى تعديل قانون الصحافة سنة 1911 فاصبح بمقتضى التعديل كل من ينشر مقالات من شأنها تشجيع الفتن أو الاغتيال يحاكم كمن ارتكب الفتنة أو الاغتيال.
اما خلال فترة ما بين الحربين العالميتين فقد بعثت بعض الصحف بمراسليها على طول جبهات القتال واقتحم بعض المراسلين جبهات القتال وتلصصوا على الأخبار وبعثوا بكل ما رأوه أو سمعوا به إلى صحفهم وكانوا في رواية الحقائق غير متحفظين حتى ضاق بهم المحاربون وكان الصحافيون يلقون العنت أحيانا من الجيوش المتحاربة ورقابتها المختلفة.
وفي الحرب العالمية الأولى ظهر المحللون السياسيون فكانوا يلتقطون الأخبار والبيانات الرسمية ويدرسونها ثم يعقبون عليها بنشر دراسة للموقف الحربي.
وكان القادة يجمعون مراسلي الصحف ويعلنون عليهم أحيانا خطط الهجوم وهي من الأسرار التي يتعرض من يفشي سرها لعقوبة الإعدام.
ولم تكن الرقابة في الولايات المتحدة مفروضة على الصحف منذ بداية الحرب العالمية إلا أنها فرضت بعد عشرة أيام من دخول أميركا للحرب وأصدر الرئيس ولسون بيانا ذكر فيه أن كل من ينشر معلومات قد تساعد العدو ستوجه له تهمة الخيانة العظمي، وكانت الرقابة تعني مسؤولية الصحف عن الأخبار والموضوعات التي تنشرها فكان من حق الحكومة منع الصحافيين من نشر أي نقد موجه للحكومة أو الدستور أو علم البلاد أو الزي الحربي ومنعت المحاكم من النظر في أي شكوى يتقدم بها ناشر أو صحفي بهذا الخصوص.
وقد انتشر "عامود الشائعات" في الصحافة الأميركية واصبح في بداية الصحافة المعاصرة أكثر إثارة فتعرض للشخصيات الكبيرة في حياتها الخاصة ولم ينج منه الملوك والأمراء في كافة أنحاء العالم الأمر الذي دفع الشركات الأميركية إلى تعطيل بعض الصحف نتيجة لما تضمنته أعمدة الشائعات من أمور تفسد علاقات الحكومة بالدول الأجنبية.. الا ان الجديد في عامود الشائعات انه كثيرا ما لجا إلى الحدس والتخمين والتنبؤ .. مما اضطر الكثيرون إلى إقامة الدعاوى على الكتاب واضطر آخرون إلى ملاقاة هذا الكاتب والاقتصاص منه بالضرب المبرح، واعتبر العقلاء عمود الشائعات سوقية ووقاحة.
وفي صباح 6 أيار من عام 1945 أعطى المراسلون الحربيون كلمة شرف لمدير العلاقات العامة لقيادة الحلفاء ان لا يذيعوا نبأ الهدنة التي وقعها الألمان الا بعد أن يصدر بلاغ رسمي في المساء ولم يشذ عن ذلك إلا مراسل الاسوشيتدبرس ادوراد كنيدي الذي بعث بالخبر إلى وكالته دون انتظار للبلاغ الرسمي متحلا من قسمه بتعليلات اختلف في أمرها الناس وكان الخبر انتصارا هائلا للوكالة تفوقت فيه على جميع وكالات الأنباء في العالم وجاء استسلام ألمانيا على لسان الرئيس ترومان بعد يوم خبرا فقد جدته وبهاءه بعد أن أذاعته محطات الإذاعة ونشرته الصحف المشتركة بالوكالة.
لكن عمل المراسل هذا آثار كثيرا من الجدل حول صحة سلوكه واعتبر مخالفة صارخة بل جريمة أدبية أساءت إلى آداب المهنة وتقاليدها وعوقبت الوكالة بوقف جميع نشاطها في مسرح العمليات الحربية في أوروبا ولم يكتف المراسلون بهذا العقاب بل وقعوا احتجاجا إلى القيادة العليا يتهمون فيه كنيدي بأنه ارتكب عملا مشينا لم يسبق له مثيل في تاريخ الصحافة.. وأحرجت الوكالة حيال الهجمات التي شنت عليها فاضطرت إلى منح كنيدي إجازة لتبعده عن المسرح ثم اضطرت إلى الاستغناء عن خدماته.
وعمل الصحافيون في نهاية الحرب العظمى الأولى على رعاية شرف المهنة وبذل الجهد في توحيد الصف الصحفي وإبراز مهنة الصحافة كرسالة اجتماعية فكونوا الجمعية الأميركية لمحرري الصحف عام 1922 وسنت قوانين ليلتزم بها أعضاء المهنة في ممارستهم إياها باعتبارها مهنة تعليم وتوجيه وإرشاد وتقتضي من صاحبها الذكاء و المعرفة والخبرة وقوة الملاحظة والمنطق.
وجاء في هذه القوانين تفسير لمعنى المسؤولية فذكروا أن لكل جريدة الحق في اجتذاب القراء والاحتفاظ بهم بكل طريقة مشروعة بشرط مراعاة ذلك، الصالح العام في: ومسؤولية الصحيفة عن هذا المبدأ أو تقاسمه مع العاملين فيها. وان الصحافي الذي يستخدم صحيفته لصالح شخصي أو لغرض ذاتي دون نظر أو اعتبار للمصلحة العامة إنما هو صحافي غير أهل للثقة الغالية الموضوعة فيه وليس معنى إصرار أهل المهنة على حرية الصحافة كحق لا جدال فيه مجانبة للخير أو الخروج على الولاء للصالح العام.
وتقرر هذه القوانين انه لا يجوز نشر أنباء دون أن تنسب إلى مصادرها الصحيحة أو على الأقل التحقق من صحتها كما ينبغي إلا يتحيز المحرر في تعليقه أو يبني معلوماته في هذا التعليق عن غير علم بحقيقة الموضوع، فان في ذلك تخريبا للوطن وانتهاكا للمبادئ الأساسية لمهنة الصحافة واعتبارها تجارة رخيصة لا معلما وهاديا.
وتفرض هذه القوانين ان تلتزم الصحيفة الصدق لان قراءها يؤمنون بها فواجبها أن تصدقه الخبر ولا عذر لها ان لم تكن رسالتها كاملة وصادقة وأنه ينبغي أن يكون الكمال والدقة من صفاتها الأساسية وتراعي ذلك حتى في.
العناوين فضلا عن مضمون المقالات وانه يجب لممارسة الصحافة ممارسة سليمة ان يكون الفارق واضحا بين الأخبار والتعبير عن الرأي إذ يجب ان تكون الأخبار خالية من الرأي الخاص وليس فيها تحيز من أي نوع.
ثم توصي القوانين بمراعاة العدالة فيما تنشر الصحف من أشياء فلا تتهم أحدا اتهامات تؤثر على سمعته أو تسئ إلى شخصيته الأدبية دون وثيقة في يدها أو دليل تعتمد عليه وحتى في هذه الحالة يجب على الصحيفة أن تتيح الفرصة للمتهم ليدافع عن نفسه وتتطلب الممارسة السليمة للمهنة الرفيعة إتاحة مثل هذه الفرصة لمن تتهمه الجريدة دون ان تنتظر حكما قضائيا يلزمها بذلك بل أنه من شرف الصحافة أن تبادر كل صحيفة إلى تصحيح أخطائها وتسرع في ذلك.
وينبغي أن تراعي الصحافة اللياقة في كل ما تنشره فلا تسلك سلوكا وضيعا وهي تورد تفاصيل جريمة أو رذيلة فان نشر أنباء الجرائم والرذائل ضار بشرف المهنة أن لم يستهدف الخير العام وليست صحافة تلك التي تؤثر في أخبارها إثارة الغرائز الجنسية التي يستهجنها.
وليس في هذه القوانين الزام وليس لها قوة تنفيذية حتى يمكن تطبيقها عمليا وآية ذلك ان الصحافة المعاصرة تضم صحفا لا تراعي كثيرا من هذه التوجيهات غير أن معاهد الصحافة ومدارسها وهي قرابة أربعين مدرسة ومعهدا توصي تلاميذها بان يستهدفوا هذه التوجيهات ويجعلونها نبراسا لهم عندما يتمون دراستهم ويشتغلون بالصحافة أو الإذاعة أو غير ذلك من مؤسسات الإعلام.
وقد تضمنت الكتب المؤلفة عن الصحافة توجيهات مماثلة عن رسالة الصحيفة الاجتماعية وواجب الصحافي النبيل.
وشهدت انجلترا منذ القرن الثالث عشر صناعة حقيقية للخبر المخطوط ثم ظهر هذا النوع من الإعلام بعد ذلك بقرنين على نطاق عملي في كل من ألمانيا وإيطاليا وظهرت في فرنسا من عام 1409 إلى عام 1449 جريدة "بورجوازي باريس" وكانت مليئة بأخبار الغيبة والفضائح والقصص عن حالة المطر والطقس.
واحدث اكتشاف المطبعة في عام 1436 ثورة في وسائل نشر الأنباء وأذاعتها.
وسرعان ما نشأت مشكلة الحرية التي شغلت بال الناشرين والقراء والحاكمين فمنذ القرن السادس عشر نشطت الرقابة ولم يكن التشريع في يوم من الأيام قاسيا على الصحافة مثل ما كان قاسيا في القرن السادس عشر حيث فرض عقوبات بلغت حد الإعدام.
وفي فرنسا وفي نهاية القرن السادس عشر وعندما قامت الحروب الدينية نشأت الجريدة وشاع استخدامها وطبعها على أوراق منفصلة وبيعها بأسعار رخيصة وكانت تضم الحوادث التي تهم القراء وصدرت صحيفة لا جازيت عام 1631 وكانت تحوي الأنباء السياسية لصالح الحكومة ثم نصوص القوانين والمراسيم والبيانات وأخبار المجتمع من مواليد وزيجات ووفيات بين الشخصيات البارزة في الدولة والحفلات والملاهي والزلازل والعواصف والحرائق والجرائم والقضايا والاتهامات والعقوبات.
وصدرت معها العديد من الصحف، وانتشرت الصحف في العديد من الدول الأوروبية.
وفي إنجلترا وجد الصحافيون الأوائل أنفسهم يواجهون أصحاب الملك من بيت ستوارت الذين شنوا حربا عوانا ضد الصحافيين مدة طويلة ولم يترددوا ان يستخدموا معهم اعنف وسائل التعذيب واشدها وحشية.
وفي ألمانيا عاونت حرب الثلاثين معاونة كبيرة في نهضة الصحافة لان المحاربين استخدموا الصحافة بكثرة وهي أسلحة معروفة بخطورتها البالغة. وكانت الصحافة في مستهل القرن الثامن عشر ابعد ما تكون عن الحرية كما تدل على ذلك شواهد العصر نفسه.
وظهرت في عام 1777 أول جريدة يومية تحت اسم جريدة باريس وكانت تحوي أنباء أدبية أو مسرحية ونقدا فنيا وأخبارا قضائية وحوادث مختلفة وأسعار السوق المالية ونشرات صحية. في هولندا كانت الدولة التي كثر فيها ظهور الصحف بالفرنسية في حرية أكثر من أي مكان آخر وبلغة غاية في الجرأة.
كان الهدف الوحيد للصحف في مستهل ظهورها جمع الأنباء ونشرها على الجمهور وكانت الرقابة الغيورة التي تأخذ بخناقها لا تسمح لها بإضافة أي تعليقات عند رواية الحوادث وبذلك أصبحت مهمتها مجرد قصة شاهد عيان يرويها إرضاء للفضول البشري، ثم انقلبت الآية فيما بعد إذ عملت السياسة التي طالما حاربت ظهور الصحف على الإكثار منها ورأت الأحزاب السياسية في الصحف معينا لا غنى عنه وتكبد كبار الشخصيات الكثير من التضحيات حتى تجعل في خدمتها أداة عرفوا خطورتها وسخروها للدفاع عن مذاهبهم ومهاجمة منافسيهم.
وفي مستهل الثورة الفرنسية ظهرت ألف جريدة على الأقل وكان باعة الصحف ينطلقون في الشوارع منذ الصباح الباكر ينادون عليها بأعلى صوتهم وحاول البوليس كما حاول مجلس باريس عدة مرات إيقاف هذا التيار الجارف من الصحف بفرض نوع من التنظيم لها ولكن باعة الصحف احتجوا.. وفي السنة الخامسة للثورة صدر قانون يحرم على باعة الصحف الإعلان عنها بغير عناوينها.
وكانت أوائل أيام الحرية أفضلها أيضا بالنسبة للصحافة حيث أظهر الصحافيون حماسة صادقة وأماني نبيلة وبدت الرقابة عاجزة عن الحراك حتى اختفت من تلقاء نفسها غداة سقوط الباستيل وأضحى الناس يعرفون المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان التي تنص على ان (حرية نشر الأفكار والآراء من اثمن حقوق الإنسان ومن حق كل مواطن ان يتكلم وان يكتب وان يعلن رأيه في حرية).
وفي مطلع القرن التاسع عشر كانت الصحافة صحافة رأي قبل كل شئ وشهدت تلك الفترة مناوشات مع السلطات حول موضوع الحرية الصحافية ولم يصمد إلا العدد القليل من الصحف وتسببت محاولة اغتيال لويس نابليون بونابرت عام 1858 في إيجاد حالة إرهاب دامت مدة قصيرة. وفي عام 1867 أعلنت الحكومة عزمها على التنازل عن حقها في حرية التصرف بالنسبة للشؤون الصحفية وترك البت في جميع القضايا الصحفية لمحاكم الجنح وابتدع نظام "البلاغات الرسمية" الذي يحتم على الصحف نشرها لتصحيح الوقائع التي يزعم أنها محرفة وخاطئة.
ولوحظ انه لم يكن تحريريا كما كان يرتجى اذ كيف يمكن تجنب الوقوع في مسؤولية نشر الأخبار الخاطئة أو الكاذبة وكيف يمكن مناقشة خطاب أحد النواب دون تلخيصه وكيف يمكن عرض نتائج الجلسات البرلمانية دون وصف ما جرى فيها.
وفي عام 1881 ظهرت مجموعة تشريعات خاصة بالصحافة ظل العمل جاريا بها حتى القرن العشرين وتتضمن حرية الطباعة وحرية المكتبات على ان يخرج كل منشور تحت مسؤولية متعهده.. كما تتضمن التشريعات حرية نقل وتوزيع المطبوعات وتحدد حق الرد على المعلومات المنشورة أو تصحيحها وتعاقب فقط على جرائم الحث على القتل أو السلب أو إحدى الجرائم المنصوص عليها ضد أمن الدولة وسلامتها وعلى التشهير أو السب أو إهانة رئيس الجمهورية أو رؤساء الدول الأجنبية أو ممثليهم.
وكان القرن التاسع عشر قد أوشك على الانتهاء وبدت تباشير القرن العشرين وكانت الصحافة مزدهرة ولكن كان هناك إلى جانب مقالات هؤلاء الكتاب الكبار عامل جديد غير من الصحف تغييرا شاملا، وكان ادوارد لوكوري قد أدرك هذا العامل الجديد منذ عدة سنوات حيث نوه في مقدمة مجلة "حوليات الصحافة "عام 1889 ان الإعلام أو الخبر الدقيق أو غير الدقيق بات يحتل مركزا متزايد الأهمية بين أعمدة الصحف كما أن أسلوب البرقيات اخذ أيضا يحل محل أسلوب الأدباء، اننا نتبع السبل الأميركية يوما بعد يوم وتسير الصحافة في طريق تغير شامل فالقراء على وجه الخصوص يرغبون في الإيجاز قبل كل شئ واصبحوا يعزفون عن عرض المذاهب والمبادئ واصيح جمهور القراء متعطشا لقراءة الفضائح أكثر من أي وقت مضى.
ولم يكن للمندوبين الذين يخرجون لإجراء التحقيقات الصحفية بمصاحبة المصور من غرض سوى إحراز السبق على زملائهم من مندوبي الصحف الأخرى المنافسة والوصول إلى تفاصيل تجعل رواية الآخرين تافهة.
وظلت الصحافة تتمتع بحريتها حتى عام 1914 وكان للحكومات في جميع الدول المحايدة هدفان مراقبة الصحافة باعتبارها أداة لنشر الأنباء واستخدامها كوسيلة للدعاية وأعلنت في فرنسا "الأحكام العرفية " لمنع تسرب الأنباء عن طريق الصحافة زمن الحرب " وكانت السلطة تعمد إلى إذاعة بيانات عرفها الجمهور عن طريق الصحافة وتقلل فيها من الفشل وتضخم الفوز وتحل فيها أسباب الأمل محل عوامل القلق ولكن الأمر كان ينتهي دائما بان يعرف المدنيون الحقيقة وهؤلاء بدورهم اعتبروا الصحف هي المسؤولة لما عانوه من تضليل فسخروا من كلامها ودمغوها بالتهويل والمهاترة.. وكان الصحافيون يؤمنون بان رسالتهم تقتضي رفع الروح المعنوية في الأمة فكانوا يسردون أنباء الجبهة على نحو موات ويمتدحون بطولة المحاربين ومجهودات القيادة التي تستحق كل تقدير.. وحينما يصل هذا الكلام إلى الخنادق في الجبهة ويقرأه الجنود على مضض ويعلقون بقولهم "ان كانت الحال على هذا النحو من النعيم فلماذا لا يحضرون ليستمتعوا معنا"
وكتب روبير دو جوفتل عام 1920 وهو لحد الصحافيين الذين لم تعرف عنهم صفات الملق يقول "ان الصحافيين المحترفين يؤمنون برسالتهم ويحبون مهنتهم وهم وإن بدا عليهم التردد إلا أنهم على استعداد للاندفاع في الحماس إلى أقصى حد وان كان ظاهرهم النفع إلا أنهم قادرون على التزام جادة الحياد بكل دقة وهم بصفة عامة يسمون بشرف المهنة سموا عظيما".
وفي فترة ما بين الحربين عادت الصحف الكبرى في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى التنافس كما استأنفت صحف الرأي صراعها في المجال السياسي.
وظلت المنافسات وحدها تلعب دورها وكانت تقوم منازعات حول استخدام المحررين المشهورين وكبار المراسلين عن طريق إغرائهم بزيادة مرتباتهم الا ان أصحاب المنشآت الصحفية عقدوا اتفاقا وديا لوقف المنافسة فقرروا باتفاق بينهم عدم قبول توظيف أي محرر في المستقبل ما لم يتمكن من تقديم ما يثبت أن رئيس تحريره قد استغنى عن خدماته وكان ذلك مثلا للصحفيين في فوائد التضامن المهني.
وكان بعض الصحافيين قد انضموا إلى جمعيات نقابية مهنية هدفها كما نصت عليه لائحة احداها هو "إيجاد العلاقات المتبادلة وتأكيد روابط الزمالة .. ولم يكن تكتلهم يهدف إلى تكوين جماعة تناهض أي فكرة أو أي منظمة ولكنه اتحاد اخوي مسالم وأخيرا كانت هذه المنظمات تحظر مناقشة سياسية أو دينية في الاجتماعات ".
وفي عام 1918 أسست نقابة الصحافيين الفرنسية واصبح عدد أعضائها عام 1934 - 1800 عضو. وجاء في نص ميثاق الصحافيين المنضمين للنقابة"
(ان كل صحفي جدير باسمه قمين بان يتحمل مسؤولية كل كتاباته حتى ولو كانت غير موقعة باسمه وأن يعتبر الافتراء والتشهير والاتهام بغير دليل من أكبر أخطاء المهنة ولا يقبل إلا المهمات اللائقة بشرف المهنة ويمتنع عن اتخاذ أي لقب أو أية صفة وهمية في سبيل الحصول على الأنباء ولا يتقاضي مالا من خدمة عامة أو من مؤسسة أهلية حيث يمكن استغلال صفته الصحفية أو نفوذه أو علاقاته لصالح هذه الهيئات ولا يوقع باسمه مقالات لها صفة إعلانية بحتة سواء أكانت تجارية أو مالية ولا ينتحل أي قول ولا يلتمس مكان زميله أو يسعى إلى عزله مقترحا أن يحل محله بشروط أدنى ويحافظ على سر المهنة ولا يسئ إطلاقا استخدام حرية الصحافة في هدف مغرض).
ومما يجدر التنويه به آن قانون 29 آذار 1935 المتضمن في الجزء الأول من الباب الثاني من مجموعة قانون العمل نص للمرة الأولى في التاريخ ى تحديد دستور الصحفي المحترف فتضمن تعريفا لهذا التعبير ومدة الإنذار في حالة تحرير العقد والمكافأة في حالة الاستغناء وإلغاء العقد فورا في حالة تغيير الصحيفة لاتجاهها والإجازة السنوية بالأجر الكامل وحمل بطاقة شخصية صحفية وحسب لكل شئ حسابه ونظمه تنظيما.
وجدير بالذكر أن تصرفات النقابات الصحفية والاتحاد العام من حيث الروح الجماعية كانت دقيقة إلى حد كبير لم يكن معهودا إلى ذلك الحين، فكانت العلاقات بين الإجراء وأصحاب العمل سليمة تماما والواجبات والالتزامات مرعية تمام المراعاة وعند ظهور أي خلاف كانت الوسيلة الوحيدة لتسويته هي الرجوع إلى نص القانون ولذلك كانت الصحافة الصناعة الوحيدة التي لم يضطرب نشاطها أثناء الفترات الحرجة من عام 1936.
ومن خلال استعراض تطور الصحافة في العالم فقد كانت المهنة منذ أمد طويل تتبع طريقا يكاد يتشابه فيها جميعا على وجه التقريب ولذلك لم يكن من الغريب تحقيق فكرة إيجاد هيئة دولية للصحافة في وقت قصير.
ففي عام 1896 اجتمع ممثلو ثلاثمائة صحيفة من العالم لعقد مؤتمر دولي في بودابست ووافق المؤتمر على اللائحة الأساسية في جو من الحماس. وفي المؤتمر الذي عقد في باريس بعد ذلك تحدث رئيس المكتب المركزي الدولي حول برنامج الاتحاد الدولي فقال:
لقد عقدنا العزم على تأليف هيئة دولية كبرى تكون بمثابة صليب احمر أدبي وتقوم على الاحترام المتبادل وعلى الروابط الوثيقة التي تؤلف بينها مصالحنا المشتركة.. الأمر الذي يستدعي بحال من الأحوال التضحية بالعقيدة الثابتة في حب الوطن.
وفي عام 1926 تأسس الاتحاد الدولي للصحفيين وكان يضم 25 اتحادا، وكان كل اتحاد يعترف ضمنا عند انضوائه تحت لواء الاتحاد العام بمبادئ تلك المؤسسة النقابية. وفي عام 1931 افتتحت في لاهاي محكمة الشرف الدولية وتتألف هيئة المحكمة من صحفيين محترفين.
ثم توالت الاجتماعات الدولية ونوقشت فيها وسائل محاربة الأنباء الكاذبة ووسائل تنمية المعرفة المتبادلة بين الشعوب.
ويتم على نحو متزايد هذه الأيام بحث القضايا الأخلاقية مثل تضارب المصالح في غرف الأخبار في جميع أنحاء البلاد ( الولايات المتحدة )، فطبقا لمسح أجرته جامعة أبوهايو الحكومية عام 1983 وشمل 903 مؤسسات إخبارية، تبين ان ثلاثة أرباعها لديها سياسات مكتوبة حول أمور مثل العمل الخارجي وقبول الهدايا من قبل المراسلين والمحررين والتدقيق في هذه الأشياء ضروري وذلك لأنه في عصر التلفزيون ازدادت الفرص أمام الصحافيين لترجمة بروزهم إلى مال ونفوذ، وعلى سبيل المثال فان أولئك الذين أصبحت وجوههم وأسماؤهم مألوفة يستطيعون الحصول على مكافآت مجزية ثمنا لإلقاء المحاضرات وتزيد المكافاة اغلب الأحيان عن أجرة أسبوع كامل.
وليس هناك قواعد رسمية تحكم المهنة ككل وقد تبنت جمعية الصحافيين المحترفين دستورا أخلاقيا عام 1926 ثم قامت بتحديثه عام 1973 ويقول هذا الدستور بان العمل الخارجي والنشاط السياسي يجب تجنبهما إذا عرضاً للشبهة سمعة الصحافيين والجهات التي تستخدمهم وبالطبع فان هذا الدستور الأخلاقي ليس له قوة القانون. وتقوم كل مؤسسة إخبارية على حدة بوضع مقاييسها الخاصة، كما أن كل صحفي يقرر بنفسه كيف يتصرف في إطار مبادئ هذا الدستور، وفي صحيفة الواشنطن بوست مثلا يجب ان بحاط المحرر الإداري علما بأي استخدام خارجي وهو يستطيع الاعتراض على أي شئ يراه غير مناسب، وتؤدي هذه السياسة إلى الحماية من عرقلة العمل اليومي للصحفي كما تحمي الصحيفة من أي إرباك قد تتعرض له من قيام صحفييها بنشاطات صحفية خارجية غير ملائمة.
لكن تورط الصحافيين في السياسة يصبح مع مضي الوقت أكثر إغواء وتعقيدا ففي عام 1984 صدرت دراسة بعنوان "تعارض المصالح" لشارل بيلي المحرر السابق لصحيفة مينوبولس تربيون والتي أورد فيها عدة أمثلة على وجود أنظمة في المؤسسات الاخبارية تمنع الصحافيين من ترشيح أنفسهم لمناصب سياسية، كما تحدث عن مشاكل المراسلين الذين يعمل أزواجهم في الحكومة أو في السياسة أو في جماعات الدفاع السياسي أو في شركة قانونية لها نشاطات سياسية.
الاكثر قراءة في اخلاقيات الاعلام
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة