نشوء نظرية رأس المال البشري ومضمونها في الاقتصاد الجزئي
المؤلف:
د . سعد علي حمود العنزي د . احمد علي صالح
المصدر:
إدارة رأس المال الفكري في منظمات الاعمال
الجزء والصفحة:
ص170 - 174
2025-09-19
334
أولاً: نشوء نظرية رأس المال البشري ومضمونها في الاقتصاد الجزئي
يركز الاقتصاديون على الدوام حول التأثيرات الإنتاجية لنوعية العاملين القائمين عليها. وهذا William Petty) في القرن السابع عشر، الذي عدَّ في حينه، عالم الاقتصاد الأول، بسبب طروحاته عن الفروقات أو الاختلافات في نوعية العاملين المؤثرة في الإنتاجية، والتي صارت فيما بعد يعبر عنها بمصطلح رأس المال البشري. ولقد طرح هذا العالم فكرة قيمة العاملين (Value of Workers) في محاسبة ثروة المنظمات لأغراض المعلومات الإحصائية التي تصب في الحسابات المالية الدقيقة لها. كما أضاف (1776 ,Adam Smith )في كتابه ثروة الأمم، عن مدى تأثير خبرة العاملين ومعارفهم ومهاراتهم في العملية الإنتاجية ونوعية المخرجات، فضلاً عن توكيده، على أن الأجور ينبغي تحديدها على أساس الجهود المبذولة (وقت، طاقة، ومال) التي تصرف عليهم، للحصول على المهارات المطلوبة لتأدية مهماتهم في العمل على أحسن ما يرام. ولدى تحليله كذلك قضية تحديد الأجور، فقد أشار صراحة إلى أن يفترض أن يؤخذ التعليم والتعلم (Education & Learning) بكل جدية كاستثمارات في البشر( Human Beings). كما أضاف افتراضاً آخراً، وهو إنتاجية العاملين الماهرين دائماً، تكون أعلى من مثيلاتها لدى أولئك العاملين غير الماهرين، وبما جعله أن يتواصل في النهاية، على أن مسوغات العوائد المالية المتحققة في العمل عادة ما تكون هي نتيجة تلك الاستثمارات المتحققة من جهود العاملين الماهرين.
يبدو مما سبق ذكره، وبالنظرة لأي من الظواهر الاقتصادية العديدة الأخرى، فإن فكرة آدم سميث واضحة تماماً، وكانت متقدمة على زمانها، وقد شكّل حدسه الرائع هذا أساساً لأعمال المفكرين والمنظرين اللاحقين في رأس المال البشري. ولكن من جهة أخرى، أنه من المؤسف جداً، بأن لا (آدم سمث ولا ألفريد مارشال)، الذين صرحا بهذه الأفكار قبل أكثر من قرن، إن كتب عن أفكارهما ، إلا قبل أربع عقود تقريباً، من حيث التوكيد، على أن رأس المال الأكثر قيمة هو الاستثمار في البشر (Investment in Human)، والذي يعرف في وقتنا الحاضر برأس المال البشري. وبعد ذلك جاء (1906 ,Irving Fisher) لينوه في نظريته عن رأس المال (Capital Theory) عن أساس متين لنظرية رأس المال البشري المعاصرة، والتي ظهرت للوجود في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ أشار إلى أن مخزون الثروة Stock of Wealth الموجود في لحظة أو فترة من الزمن يسمى برأس المال (Capital)، وأن تدفق الخدمات Steam of Services خلال مدة من الزمن يطلق عليه بالدخل (Income). ولعل ما يقال هنا، ولأغراض الفائدة العلمية، أن تعريفي (Fisher) لرأس المال والدخل كانا شاملين، وتركت المجال مفتوحاً لمناقشتها بين منظري رأس المال آنذاك، وحتى وقتنا هذا، خصوصاً حول سلع رأس المال من حيث طبيعتها المادية المالية، وعمر سنوات استعمالها. كما أنه أضاف على أن جميع أنواع المخزون، يمكن أن تكون رأس مال عندما تقدم الخدمات، حتى وكان الظاهر أو الصريح منها هو البشر نفسه.
أما 1974 ,Schultz, 1960 Miner اللذان توسعا في شرح نظرية رأس المال البشري لأغراض الاقتصاد الكلي أولاً، والاقتصاد الجزئي لاحقاً، بالاعتماد على طروحات (Fisher) في نظرية رأس المال، فقد عد رأس المال البشري هو صنف أو فئة مستقلة من رأس المال لخصوصيات تعلقه بالخصائص الاقتصادية والإنتاجية البحتة. لقد طورت نظرية رأس المال عبر أعوام عدة، ووضعت في أطر نظرية منسقة تماماً، بحيث من الأدوات والمفاهيم، التي يمكن تطبيقها على رأس المال البشري. وهذا بالفعل، قد أدى إلى الخروج بنتائج قوية ومقنعة وفرت للمهتمين فيما بعد قدرات تفسيرية وتوضيحية لظاهرتي الاقتصاد الكلي والجزئي. وبناءاً على ذلك، يمكن القول أن نظرية رأس المال البشري، قد تطورت بالفعل، وبسرعة خلال مرحلة الستينات من القرن العشرين، بعد الإفادة مما قدمته من أسس ونتائج نظرية رأس المال من خدمات جليلة، على أيدي علماء اقتصاد محترفين وماهرين في تخصصهم، وظليعين في طروحاتهم الذكية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، أن البرامج البحثية، قد حققت هي الأخرى تقدماً ملحوظاً في فهم السلوك الإنساني على المستويين الفردي والجماعي واستيعابهما في نظرية المنظمة.
أن من بين أهم الموضوعات البحثية الأساسية التي تراكمت بمعرفتها تقييم أو تقدير العوائد على الاستثمار في الأنواع المختلفة من رأس المال البشري. ولقد كانت تحليلات عوائد أو إيرادات رأس المال البشري على مستوى الأفراد قائمة على قدم وساق، فضلاً عن إجراء أشياء أخرى إضافية تتناول تحديد أسباب مساهمتها في نمو البلدان والأمم وتطويرها. كما أصبحت لنظرية رأس المال البشري تطبيقات واسعة في العلوم الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلى حد قول (1980 ,Bowman) أن هذه النظرية، كما يبدو للمهتمين أصبحت أدوات قيمة تساهم بشكل فعّال، في تقديم برامج بحيثية أخرى أكثر إقناعاً وقرباً من الواقع.
وُجِد لتفضيلات العاملين وأنشطتهم داخل منظماتهم وخارجها في سوق العمالة أثراً قوياً في بذل ما بوسعهم من طاقات ذهنية وفسيولوجية، وبالتالي على إنتاجيتهم، وما يضيف ذلك من عوائد قيمة على مستوى الاقتصاد الجزئي. وبناءاً على ذلك، أن سلوك الأفراد والجماعات يتحدد، بشكلٍ كبير، في كمية ونوعية رأس المال البشري المتجسد فيه. وهذا ماجعل (1989 ,Prahalad & Hamel) أن يربط موضوع رأس المال البشري بالمقدرات الجوهرية لمنظمة الأعمال، بحيث أفاد أنه ينبغي أن ترفع من تلك المقدرات، وتبني أعمالها في إطارها أو مجالها، وتركز على حد قولهما، حول ما الذي تؤديه بشكل سليم، وتتفوق فيه. وعلى سبيل المثال، وصفا هذان الباحثان كيف أن شركة (Honda) قد رفعت من خبراتها الفنية الناجحة في تصنيع المكائن الصغيرة، وتميزت عملياً بعد ذلك، في تصنيع وبيع الكثير من المنتجات مثل السيارات، الدراجات البخارية، المولدات الكهربائية العملاقة، جزازات العشب الكبيرة، وغيرها. وفي هذا الشأن، أكد الباحثان أن تلك الشركة ومثيلاتها تفهم مقدراتها الجوهرية وإدارتها بفاعلية، وبالتالي قد يكون بمقدورها أن تنافس غيرها من الشركات بكل ثقة ونجاح، مؤكدين على أن ذلك، يعتمد بالدرجة الأساسية على قدرتها في رفع مهارات العاملين التخصيصية ومعارفهم وقدراتهم وخبراتهم (رأس المال البشري) وإدارتهم بنجاح.
إذن، يكون من الضروري استيعاب أن:
1- المقدرات الجوهرية هي القدرات المتميزة للأعمال التي تقوم بها منظمة الأعمال بحيث تميّز منتجاتها عن غيرها من منتجات المنافسين بهدف زيادة الحصة السوقية باتباع أساليب كثيرة منها مثلاً قيادة الكلفة ( Cost Leadership ) والتمايز (Dessler, 2003 (Differentiation
-2- أن تلك المقدرات تستلزم وجود المهارات والمعارف والقابليات المحددة فيها.
1. ولأجل إدراك المقدرات الجوهرية لرفع عوائدها، ينبغي لرأس المال البشري، أن يمتلك تلك المهارات والمعارف المتخصصة في الزمان والمكان المناسبين وبالمقادير الدقيقة، وهذا ما يوضحه الشكل (1 - 6).

لذلك، فإذا تم ربط المقدرات الجوهرية للمنظمة بشكل وثيق، في قدرتها على إدارة تلك المهارات والمعرفة (القابليات)، فالسؤال الحاسم الذي يطرح نفسه هنا، هو ما هي عملية إدارة رأس المال البشري؟ وكيف تستطيع المنظمة، أن توجه تلك الإدارة الناجحة لخلق وزيادة مقدراتها الجوهرية؟ والجواب ببساطة سيجاب عنه لاحقاً عندما يشرع الباحث في شرح الفقرات اللاحقة في ضوء إدراك القيمة الاقتصادية لرأس المال البشري.
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في ادارة الموارد البشرية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة