علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
الحديث المرسل الموقوف والمرفوع
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 203 ـ 208
2025-05-25
101
الصنف الثاني: ما سقط من آخره وهو ذكر الصَّحابي، بأن قال التابعي: قال رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ أو سقط ذكر التابعي في الموقوف، بأن قال تبع التابعي: قال ابن عمر كذا، والأول يسمَّى: المرسل المرفوع، والثاني: المرسل الموقوف (1).
ولا يشترط في الإرسال أن يكون المرسل تابعيًّا كبيرًا، وهو الذي لقي جماعةً من الصحابةِ وجالسهم، كعُبيد الله بن عَدِي بن الخِيَار (2)، أو التَّابعي الصغير الذي لقي بعضًا منهم، كالزهريّ (3) على الأصحّ، وعند الأصوليّين (4): المرسل: قولُ مَن لم يلقَ رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: قال رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ.
[[حكم الحديث المرسل]]
ثم حُكم الحديثِ المرسل حُكمُ الضعيف إلا أن يصحَّ مخرَجُهُ بمجيئه من وجه آخر بإرسالٍ أو إسنادٍ (5)، ولهذا احتجَّ الشافعيّ بمرسلات ابن المسيَّب، فإنّها وُجِدَت مساند من وجوه (6)، ولا يختصُّ ذلك بإرسال ابن المسيَّب عنده بدليلٍ سنذكره (7).
فإنْ قلتَ: إن كان الوجه الآخر إرسالًا، فَضُمَّ غيرُ مقبولٍ إلى غيرِ مقبول، فلا يقبل، فحينئذٍ العمل بالإسناد، فلا حاجة إلى الإرسال.
قلتُ: لا نسلّم أنّ ضمّ الإرسال إلى الإرسال لا يفيد قبولًا؛ لجواز توكيد أحدِ الظَّنَّيْن بالآخر، فيقرب من الجليِّ ولا نسلِّم أن لا فائدة للإرسال مع الإسناد، فالمسند يُبَيِّنُ صحَّة إسنادِ الإرسال حتّى يحكم له مع إرساله أنّه صحيحُ الإسناد تقوم به الحجّة، وأيضًا لو عارض المسند الذي معه المرسل مسند آخر فيترجَّح على معارضه بسبب ما معه.
[المرسل عند الشافعي]:
وفي أصول الفقه فإنّ الشَّافعيَّ يحتجّ أيضًا بمرسل يعضده قولُ صحابيٍّ، أو قولُ أكثر العلماء (8)، أو عرف أنّه لا يُرسِلُ إلا عن عَدْلٍ (9)، وقال الحافظ البيهقي: "إنَّ الشَّافعيَّ يقبل مراسيلَ كبار التابعين إذا انضمَّ إليها ما يؤكّدها، سواء كان لابن المسيَّب أو غيره، والدليل عليه أنّ بعض مراسيل ابن المسيَّب لم تقبل حين لم ينضمَّ إليها ما يؤكّدها، وقبل مراسل غيره حين انضمَّ إليها ما يؤكّدها" (10).
وهذا قريب ممّا قاله الأصوليّون، وما ذكرنا من سقوط الاحتجاج بالمرسل المطلق والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقرَّ عليه آراء جماهير حفّاظ الحديث، ونقّاد الأثر، وتداولوه في تصانيفهم.
[حجيّة الحديث المرسل]:
وفي صدر صحيح مسلم: "المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحُجَّة" (11).
وحكى الحافظ ابنُ عبد البرِّ عالم الغرب ذلك أيضًا عن جماعةِ أصحاب الحديث(12)، وبه قال القاضي أبو بكر الباقلاني (13)، وذهب مالك (14) وأبو حنيفة (15)، وأحمد(16) - في إحدى الروايتين عنه - وجماهير المعتزلة (17) إلى أنّه حجّة معمول به. وقال أبو بكر الخطيب بعد قدحه في المرسل (18): "والذي نختاره من هذه الجملة سقوطُ فرض العمل بالمراسيل، وأنّ المراسيل غير مقبولة؛ لأنّ إرسال الحديث يؤدّي إلى الجهل بالعين، ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه، والمجهول لا يعمل بروايته، لجواز أنّه إذا سئل عمَّن أرسل لم يُعَدِّلْهُ، فلا يجوز العمل به".
[حجيّة مرسل الصحابيّ]:
وإرسال بعض الصحابة مثل ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ ولم يسمعوه منه؛ فلا يُعَدُّ في أنواع المراسيل، لأنَّ ذلك في حكم الموصول (19)؛ لأنَّ روايتهم عن الصحابة، وهم كلُّهم عدول، والجهل بهم غير قادح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) للمصنّف في مطلع كتابه "المعيار في علل الأخبار" (1/ 42 - 46) إفاضات وإضافات مهمّات حول (المرسل)، ذكرناه - ولله الحمد - برمّته في تقديمنا لهذا الكتاب، فانظر منه (ص 45 - 48).
(2) قتل أبوه ببدر، وكان هو في الفتح مميّزًا، فعُدَّ في الصحابة لذلك، وله ترجمة في "أسد الغابة" (3/ 256) والصحيح - كما قال المصنّف - أنّه تابعي كبير، وعدّه مسلم في كتابه "الطبقات" (رقم 629 - بتحقيقي) ضمن (تابعي أهل المدينة). وانظر: "طبقات خليفة" (231)، "طبقات ابن سعد" (5/ 49)، "المحبر" (357)، "المعرفة والتاريخ" (1/ 411)، "السير" (3/ 514) وفيه: "ولد في حياة النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وكان أبوه من الطلقاء، ما ذكره في الصحابة أحدٌ سوى ابن سعد".
قلت: فهو تابعي كبير من حيث الرواية، صحابي من حيث الرؤية إن أُحضر لرسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ كعادتهم، وينظر ما سيأتي في التعليق على (ص 721) من هذا الكتاب، وينظر: "إصلاح كتاب ابن الصلاح" (ق 18/ أ - ب).
(3) له رواية عن تسعة عشر صحابيًّا، وأرسل عن غيرهم، انظر أسماءهم في "الإمام الزهريّ وأثره في السنّة" (ص 93 - 98) لحارث الضّاري، ثم وجدت مُغُلْطاي ساق (22) صحابيًّا روى عنهم الزهريّ!
(4) انظر شرحي على "الورقات" المسمّى "التحقيقات والتنقيحات" (ص 455)، وينظر أيضًا: "اللمع" (44)، "أصول السرخسيّ" (1/ 359 - 361) "البحر المحيط" (4/ 407).
(5) انظر شرحي على "جزء أبي عمرو الداني في علوم الحديث" المسمّى "بهجة المنتفع" (ص 223) وما بعدها.
(6) هذا على الجملة، وعبارته في (الرهن الصغير) من "الأم" (3/ 188) وهو ليس خاصًّا بالشافعي، فهو مذهب ابن معين كما في "تاريخ الدوري" (2/ 208) وأحمد مثله، وصرّح الشافعي بعدم حجيّة مرسل ابن المسيب في بعض الأحايين؛ لعدم وقوفه على ما يعضده، بيّنتُ ذلك باستفاضة في تعليقي على "تعظيم الفتيا" (ص 61 - 67) لابن الجوزي، فلينظر فإنَّهُ مهم، وينظر: "الكفاية" (571)، "معرفة علوم الحديث" (26)، "السنن الكبرى" (5/ 296، 297)، "المعرفة" (4/ 316)، كلاهما للبيهقي، وينظر تعقّب ابن الصلاح في هذه العبارة: "محاسن الاصطلاح" (207 - 210) "النكت على ابن الصلاح" (2/ 554) لابن حجر، "نكت الزركشي" (1/ 477 - 479).
(7) قريبًا عند سياقه لكلام البيهقي.
(8) ليس كذلك! فالحديث حاكم ومقدَّمٌ على قول العلماء، قلّوا أو كثروا، فلا صلة بين كون الحديث وحيًا مع قول القلّة أو الكثرة، والبحث في صحّة الاحتجاج به، وإلحاقه بما هو في دائرة الوحي والعصمة، وليس في دائرة: هل الكلام حقّ أم باطل. ومنه تعلم حكم موافقة الأحاديث الأحداث المذكورة في آخر الزمان، أو التي توافق العلم، فلا تكن من الغافلين.
(9) هذا حقٌّ، ولا يكون إلّا في (مرسل الصحابيّ)، فهم عدول ثقات وما سبق مأخوذ من كتاب "الرسالة" للشافعي (ص 462 - 463، فقرة 1265 - 1271).
(10) "مناقب الإمام الشافعي" (2/ 32)، "رسالة البيهقي إلى أبي محمد الجويني" (ق 1/ 7 - النسخة التركيّة)، وينظر "نكت الزركشي على مقدّمة ابن الصلاح" (1/ 483 - 486).
(11) "مقدّمة صحيح مسلم" (1/ 30 - فؤاد عبد الباقي).
(12) التمهيد (1/ 3)، ولكن نقل فيه (1/ 4) عن الطبريّ أنّ التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل، ولم يأتِ عنهم إنكاره، ولا عن أحد من الأئمّة بعدهم إلى رأس المئتين!! وينظر "إصلاح كتاب ابن الصلاح" (ق 19/ ب -20/ أ).
(13) الذي رأيتُه منقولًا عن كتاب "التقريب" له التصريح بأنّه لا يقبل المرسل مطلقًا، حتّى مراسيل الصحابة، لا لأجل الشك في عدالتهم، ولكن لأجل أنّهم قد يروون عن تابعيّ. كذا في "البحر المحيط" (4/ 415) للزركشي، والمطبوع من "التقريب" ناقص لنقصٍ في أصوله الخطية، وليس في المطبوع شيء عن (المراسيل).
(14) نقل الحاكم عن مالك أنّ المرسل عنده ليس بحجّة! نقله ابن حجر في "النكت" (2/ 569)، وردّه بقوله: "وهو نقل مستغرب، والمشهور خلافه، والله أعلم".
قال أبو عبيدة: المشهور من مذهبه قبول مراسيل التابعين الثقات، انظر: "التمهيد" (1/ 2)، "جامع التحصيل" (ص 34) "إحكام الفصول" للباجي (349)، "النكت" (2/ 551)، "ظفر الأماني" (195)، "شرح علل الترمذي" (1/ 318 - 320)، "فتح المغيث" (1/ 136)، "نشر البنود" (2/ 63)، "الإمام مالك وأثره في علم الحديث" (432)، "اختلاف العلماء في الاحتجاج بالحديث المرسل" (32).
(15) يقبل أبو حنيفة مرسل القرون الثلاثة الأولى إن كان المرسل ممّن يرسل الحديث عن الثقات، انظر: "اللمع" (74)، "أصول السرخسي" (1/ 364)، "كشف الأسرار على المنار" (2/ 42 - 45)، "المغني في أصول الفقه" (190 - 191)، "شرح تنقيح الفصول" (279)، "اختلاف العلماء في الاحتجاج بالحديث المرسل" (30).
(16) رسالة أبي داود لأهل مكّة (24)، "العدّة في أصول الفقه" (3/ 907)، وذكر السيوطي في "التدريب" (1/ 198) أنّ المشهور عن أحمد قبول المرسل!! وفصّل في مذهبه، وجمع كلامه فيه: ابن رجب في "شرح العلل" (1/ 310)، قال بعد كلام: "وهذا يدلّ على أنّه إنّما يضعّف مراسيل مَنْ عُرف بالرواية عن الضعفاء خاصّة"، وقال: "وظاهر كلام أحمد أنّ المرسل عنده من نوع الضعيف لكنَّهُ يأخذ بالحديث إذا كان فيه ضعف ما لم يجئ عن النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ أو أصحابه خلافه".
(17) انظر: "المعتمد" (2/ 143).
(18) "الكفاية" (2/ 441 - 442)، والنقل بالمعنى.
(19) هذا هو قول الجماهير، ولم يخالف إلا النزر اليسير، وتعلّقوا باحتمال روايتهم عن التابعين! وهذا نادر لا حكم له، ولا يقع مثله في الأحكام، وصنيع "الشيخين" يدلّ عليه قطعًا، ففيهما عشرات الأحاديث التي تدلّل عليه، انظر - على سبيل المثال -: "صحيح البخاري" (2178)، وينظر للتفصيل: كتابَيَّ "شرح الورقات" (455 - 456)، "بهجة المنتفع" (246).