علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
الإسناد المعنعن وشروط حجّيّته
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 232 ـ 236
2025-05-31
59
[[الإسناد المعنعن]]
الإسناد المعنعن، وهو الذي يقال فيه: فلان عن فلان، هو من قبيل الإسناد المتَّصل على الصَّحيح عند جمهور أئمّة الحديث، وادّعى أبو عَمرو الدَّاني المقرئُ الحافظُ إجماعَ أهلِ النَّقل على ذلك (1).
[[شروط حجية الإسناد المعنعن]]
ويشترط في هذا أن يكون الذين أضيفت العنعنة إليهم قد ثبتت ملاقاة بعضهم بعضًا مع براءتهم من التَّدليس (2)، وهذا قول جمهور الأمّة من علماء الحديث إلا أنّ مسلمًا لم يشترط الملاقاة (3)، وادّعى الإجماع (4) فيه، ثم إنّه محمول على ظاهر الاتِّصال(5) كما بيَّنا، إلى أنْ يظهرَ فيه خلافُ ذلك.
وقيل: العنعنة من قبيل المرسلِ والمنقطع إلى أن يثبت اتِّصالهُ، والصحيح ما ذكرناه؛ لأنَّ البخاريَّ ومُسلمًا أودعاها في "الصحيحين" (6)، وهما لا يقولان (7) بالمراسيل والمنقطع.
[استخدام (عن) في الإجازة، والإسناد المؤنَّن والمعنعن]:
وقال الشيخ تقي الدين: "كثر في عصرنا استعمال "عن" في الإجازة، فإذا قال أحدهم: قرأت على فلان، عن فلان؛ فاعلم أنّه رواه عنه بالإجازة، لكن لا يخرج ذلك عن الاتِّصال، وأمّا قولهم: إنَّ فلانًا قال كذا، كقولهم: قال مالك، عن الزهري أنَّ سعيد بن المسيَّب قال كذا، قال مالك: "عن وأنّ سواء" (8).
وحكى ابنُ عبد البرّ عن جمهور أهل العلم ذلك، وأن لا اعتبار بالحروف والألفاظ، وإنّما هو باللقاء والمشاهدة مع السَّلامة من التدليس (9).
قال أحمد الإمام (10)، ويعقوب بن شَيبة (11)، وأبو بكر البرديجي (12): إنّ مطلق "أنّ" محمول على الانقطاع، ولا يلحق بـ"عن" حتّى يتبيَّن السَّماع في ذلك الخبرِ بعينه من جهة أخرى.
وقال أبو بكر الصَّيرفيُّ الشَّافعيُّ: "إنَّ كلَّ مَن عَلم سماع إنسان، أو لقاء إنسان فحدَّث عنه؛ فهو على السَّماع حتّى يعلم أنّه لم يسمع، وكذا إذا قال: قال كذا، أو عن، أو ذكر، أو فعل، أو حدَّث، أو كان يقول كذا، فكلّ ذلك (13) محمول ظاهرًا على الاتِّصال، وأنّه تلقَّى ذلك منه من غير واسطة بينهما، مهما ثبت لقاؤه له على الجملة؛ لأنَّهُ لو لم يسمع منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر تلك الواسطة بينه وبينه مدلّسًا، والكلام فيمن لم يعرف بالتَّدليس، فيكون الظاهرُ السَّلامةَ منه"(14).
قال أبو عمرو المقرئ: "إنّما يدلُّ على الاتّصال إذا كان معروفًا بالرواية عنه" (15).
وقال الشيخ تقي الدين: "الملاقاة التي اشترطها الجمهور فلا أُراه يستمرُّ بعد المُتقدِّمين فيما يوجد من المُصنِّفين في تصانيفهم، مِمَّا ذكروه عن مشايخهم، قائلين فيه: ذكر فلان، قال فلان، ونحو ذلك" (16).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) "جزء في علوم الحديث" (ص 61 - بتحقيقي)، وبيّنت في شرحي له المسمّى "بهجة المنتفع" (ص 182 - وما بعدها) صحّة ما ذكره أبو عمرو، وأنّ نقل الإجماع من كيس أبي عمرو وأنّ عبارته مركّبة من كلامي الحاكم والقابسي، وفيه ردّ على من تعقّب ابن الصلاح بأنّ أبا عمرو نقل عن الحاكم، فكان ينبغي نسبة ذلك له!
(2) هي عند علماء الحديث ثلاثة شروط، تأتي قريبًا في كلام ابن عبد البر.
(3) العبارة ليست دقيقة، وحقُّها: "لم يشترط ثبوت الملاقاة" أو "التصريح بالتحديث"، وما شابه فتأمّل!
(4) انظر كلامه مع تحليله في كتابي "الإمام مسلم ومنهجه في الصحيح" (2/ 524 - 531).
(5) خرّج مسلم بشرطيّة الإدراك البيِّن بين المعنعِن والمعنعَن عنه، ومثّل عليه بعدّة أمثلة، وهذا مع انتفاء التدليس قائم مقام التصريح بالسماع، فلم يشترطه مسلم وادّعى الإجماع عليه مع وجود ما اشترط، وبيّنت ذلك في "بهجة المنتفع" (ص 202 وما بعدها)، فانظره، فإنَّهُ مهم.
(6) هذا التصريح فيه بيان خطأ ما شاع وذاع عن البخاري من اشتراطه اللقيا وعدم حجّيّة العنعَنة عنده!
(7) أي: بحجّيَّة.
(8) "المقدّمة" (ص 62) وقال السخاوي في "فتح المغيث" (1/ 163): "وإنّما لم يثبت ابن الصلاح الحكم في أنّه رواه بالإجازة، لكونه كان قريبًا من وقت استعمالهم لها، كذلك وقبل فشوّه، وأمّا الآن فقد تقرّر واشتهر، فليجزم به".
(9) فقد قال في "التمهيد" (1/ 12): "اعلم وفّقك الله أنّي تأمّلت أقاويل أئمّة أهل الحديث، ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل منهم، ومن لم يشترطه، فوجدتّهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن، لا خلاف بينهم في ذلك، إذا جمع شروطًا ثلاثة؛ وهي: عدالة المحدّثين في أحوالهم، ولقاء بعضهم بعضًا مجالسة ومشاهدة، وأن يكونوا برآء من التدليس".
(10) لم ينصّ عليه أحمد، وفهم من قوله: "قال الإمام أحمد: كان مالك زعموا يرى (عن فلان)، و(أنّ فلانًا) سواء" نقله الخطيب في "الكفاية" (447). وزاد: "قيل لأحمد: أنّ رجلًا قال: عن عروة أنّ عائشة قالت: يا رسول الله. وعن عروة عن عائشة؛ هل هما سواء؟ قال: كيف هذا سواء؟! ليسا بسواء".
قال ابن حجر في "النكت" (2/ 590 - 591): "قلت: ليس كلام كلّ منهما على إطلاقه، وذلك يتبيّن من نصّ سؤال كل منهما. قال: أمّا قول مالك، فهو واضح. ثم ساق النص المذكور عن الإِمام أحمد، وقال: فقد ظهر الفرق بين مراد مالك وأحمد. وحاصله أنّ الراوي إذا قال: عن فلان. فلا فرق أن يضيف إليه القول أو الفعل في اتّصال ذلك عند الجمهور بشرطه السابق (يعني اللقاء بين المعنعن وشيخه وبراءته من التدليس). وإذا قال: إنّ فلانًا. ففيه فرق، وذلك أن ينظر، فإن كان خبرها قولًا لم يتعدَّ من لم يدركه، التحقت بحكم "عن" بلا خلاف. كأن يقول التابعي: إنّ أبا هريرة قال: سمعت. فهو نظير ما لو قال: عن أبي هريرة أنّه قال: سمعت كذا. وإن كان خبرها فعلًا، نظر، إن كان الراوي أدرك ذلك التحقت بحكم "عن" وإن كان لم يدركه لم تلتحق بحكمها".
وانظر: "التقييد والإيضاح" (68 - 71)، "التبصرة والتذكرة" (1/ 168)؛ "فتح المغيث" (1/ 162)، "الإمام مالك وأثره في علم الحديث" (439 - 440)، كتابي "بهجة المنتفع" (238 - 239).
(11) عبارة ابن الصلاح: "قال ابن شيبة هذا القول في "مسنده"، فإنّه ذكر ما رواه أبو الزبير، عن ابن الحنفيّة، عن عمّار - رضي الله عنه -، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - وهو يصلّي، فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام. وجعله مسندًا موصولًا، وذكر رواية قيس بن سعد لذلك عن عطاء بن أبي رباح عن ابن الحنفية: أنّ عمّارًا مرَّ بالنبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - وهو يصلّي. فجعله مرسلًا من حيث كونه قال: إنّ عمّارًا فعل، ولم يقل: عن عمّار".
قال العراقي: "إنّ ابن الصلاح لم يفهم قصد ابن شيبة، وبيان ذلك: أنّ يعقوب لم يجعله مرسلًا من حيث لفظ "أنّ" وإنّما جعله مرسلًا من حيث أنّه لم يسند حكاية القصة إلى عمّار، وإلا فلو قال: إنّ عمارًا قال: مررت بالنبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، لما جعله. مرسلًا، فلمّا أتى به بلفظ "أنّ عمارًا مرّ"، كان محمد بن الحنفيّة هو الحاكي لقصة لم يدركها؛ لأنّه لم يدرك مرور عمّار بالنبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، فكان نقله لذلك مرسلًا" انتهى. وأقرّه ابن حجر والسخاوي وانظر "التبصرة والتذكرة" (1/ 170)، "النكت" (2/ 377)، "فتح المغيث" (1/ 160).
(12) له جزء مفرد في الموصول والمرسل والمنقطع، لا أعلم عنه شيئًا، والنقل كثير مشتهر منتشر عنه، ويحتاج إلى بحث وفتش عنه، والأيّام حبالى، ولا أستبعد وجوده! وكلامه في (المؤنَّن) موجود في "التمهيد" (1/ 26) وتعقّبه بقوله: "هذا عندي لا معنى له" ونقل السخاوي في "فتح المغيث" (1/ 16) أنّ الذهبي قال عقب قوله: "إنّه قوي": والذي أراه أنّ تقوية كلامه على التفصيل عن المذكورين قبله. وكذا قول السخاوي: "لم ينفرد البرديجي بذلك، فقد قال أبو الحسن الحصار: إنّ فيها اختلافًا، والأولى أن تلحق بالمقطوع، إذا لم يتفقوا على عدّها في المسند"! وهذه إطلاقات وإجمالات يقضي عليها التفصيل المذكور، فتنبّه!
(13) ما لم يعلم له استعمال خلافه، انظر: "نكت ابن الصلاح" (2/ 384) لابن حجر، "فتح المغيث" (11/ 161).
(14) كلام الصيرفي، الظاهر أنّه في "شرحه على الرسالة"، وشرحه - فيما أعلم - مفقود! وهو يخصّ فقرة (132) منها، والله أعلم.
(15) جزء في علوم الحديث (ص 61 - 62/ بتحقيقي)، وانظر شرحي له المسمّى "بهجة المنتفع" (ص 182).
(16) مقدّمة ابن الصلاح (ص 67) وعبارته بعدها: "فافهم كلّ ذلك، فإنَّهُ مهم عزيز، والله أعلم". ومراده: أنّ القول المذكور ليس له حكم الاتّصال، إلا كان له من شيخه إجازة، يعني: فإنَّهُ لا يلزم من كونه سمع عليه، أو أخذ عنه أن تكون له منه إجازة. ينظر "فتح المغيث" (1/ 162).