1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : البلاغة : المعاني :

المسند إليه

المؤلف:  جلال الدين القزويني

المصدر:  الإيضاح في علوم البلاغة

الجزء والصفحة:  ص37-80

26-03-2015

10087

أما حذفه فإما لمجرد الاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظاهر وإما لذلك مع ضيق المقام وإما التخييل أن في تركه تعويلا على شهادة العقل وأن في ذكره تعويلا على شهادة اللفظ من حيث الظاهر وكم بين الشهادتين وإما لاختبار تنبه السامع له عند القرينة أو مقدار تنبهه وإما الإيهام أن في تركه تطهيرا له عن لسانك أو تطهيرا للسانك عنه وإما ليكون لك سبيل إلى الإنكار إن مست إليه حاجة وإما لأن الخبر لا يصلح إلا له حقيقة أو ادعاء وإما لاعتبار آخر مناسب لا يهدي إلى مثله إلا العقل السليم والطبع المستقيم

 كقول الشاعر

 ( قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل )

 وقوله

 ( سأشكر عمرا إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت )

 ( فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت ) وقوله

 ( أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه )

 ( نجوم سماء كلما انقض كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه ) وقول بعض العرب في ابن عم له موسر سأله فمنعه وقال كم أعطيك مالي وأنت تنفقه فيما لا يعنيك والله لا أعطيتك فتركه حتى اجتمع القوم في ناديهم وهو فيهم فشكاه إلى القوم وذمه فوثب إليه ابن عمه فلطمه فأنشأ يقول

 ( سريع إلى ابن العم يلطم وجهه ... وليس إلى داعي الندا بسريع )

 ( حريص على الدنيا مضيع لدينه ... وليس لما في بيته بمضيع )

 وعليه قوله تعالى ( صم بكم عمي ) وقوله تعالى ( وما أدراك ماهية نار حامية ) وقيام القرينة شرط في الجميع

 وأما ذكره فإما لأنه الأصل ولا مقتضى للحذف وإما للاحتياط لضعف التعويل على القرينة وإما للتنبيه على غباوة السامع وإما لزيادة الإيضاح والتقرير وإما لإظهار تعظيمه أو إهانته كما في بعض الأسامي المحمودة أو المذمومة وإما للتبرك بذكره وإما لاستلذاذه وإما لبسط الكلام حيث الإصغاء مطلوب كقوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام ( هي عصاي ) ولهذا زاد على الجواب وإما لنحو ذلك قال

السكاكي وإما لكون الخبر عام النسبة إلى كل مسند إليه والمراد تخصيصه بمعين كقولك زيد جاء وعمرو ذهب وخالد في الدار وقوله

 ( الله أنجح ما طلبت به ... والبر خير حقيبة الرجل ) وقوله

 ( والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع )

 وفيه نظر لأنه إن قامت قرينة تدل عليه إن حذف فعموم الخبر وإرادة تخصيصه بمعين وحدهما لا يقتضيان ذكره وإلا فيكون ذكره واجبا

 وأما تعريفه فلتكون الفائدة أتم لأن احتمال تحقق الحكم متى كان أبعد كانت الفائدة في الإعلام به أقوى ومتى كان أقرب كان أضعف وبعده بحسب تخصيص المسند إليه

 والمسند كلما ازداد تخصيصا ازداد الحكم بعدا وكلما ازداد عموما ازداد الحكم قربا وإن شئت فاعتبر حال الحكم في قولنا شيء ما موجود وفي قولنا فلان ابن فلان يحفظ الكتاب والتخصيص كما له بالتعريف

 ثم التعريف مختلف فإن كان بالإضمار فإما لأن المقام مقام التكلم كقول بشار

 ( أنا المرعث لا أخفي على أحد ... ذرت بي الشمس للقاصي وللداني )

 وإما لأن المقام مقام الخطاب كقول الحماسية

 ( وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمت بي من كان فيك يلوم )

 وإما لأن المقام مقام الغيبة لكون المسند إليه مذكورا أو في حكم المذكور لقرينة كقوله

 ( من البيض الوجوه بني سنان ... لو أنك تستضيء بهم أضاءوا )

 ( هم حلوا من الشرف المعلى ... ومن حسب العشيرة حيث شاءوا )

 وقوله تعالى ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) أي العدل وقوله تعالى ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس ) أي ولأبوي الميت وأصل الخطاب أن يكون لمعين وقد يترك إلى غير معين كما تقول فلان لئيم إن أكرمته أهانك وإن أحسنت إليه أساء إليك فلا تريد مخاطبا بعينه بل تريد إن أكرم أو أحسن فتخرجه في صورة الخطاب ليفيد العموم أي سوء معاملته غير مختص بواحد دون واحد وهو في القرآن كثير كقوله تعالى ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ) أخرج في صورة الخطاب لما أريد العموم للقصد إلى تفظيع حالهم وأنها تناهت في الظهور حتى امتنع خفاؤها فلا تختص بها رؤية راء بل كل من يتأتى منه رؤية داخل في هذا الخطاب

 وإن كان بالعملية فإما لإحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء باسم مختص به كقوله تعالى ( قل هو الله أحد ) وقول الشاعر  ( أبو مالك قاصر فقره ... على نفسه ومشيع غناه ) وقوله

 ( الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى علوا فرسي بأشقر مزبد )

 وإما لتعظيمه أو لإهانته كما في الكنى والألقاب المحمودة والمذمومة وإما للكناية حيث الاسم صالح لها

 ومما ورد صالحا للكناية من غير باب المسند إليه قوله تعالى ( تبت يدا أبي لهب ) أي جهنمي وإما لإيهام استلذاذه أو التبرك به وإما لاعتبار آخر مناسب

 وإن كان بالموصولية فإما لعدم علم المخاطب بالأحوال المختصة به سوى الصلة كقولك الذي كان معنا أمس رجل عالم وإما لاستهجان التصريح بالاسم وإما لزيادة التقرير نحو قوله تعالى ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ) فإنه مسوق لتنزيه يوسف عليه السلام عن الفحشاء والمذكور أدل عليه من امرأة العزيز وغيره

 وإما للتفخيم كقوله تعالى ( فغشيهم من اليم ما غشيهم ) وقول الشاعر

 ( مضى بها ما مضى من عقل شاربها ... وفي الزجاجة باق يطلب الباقي )

 ومنه في غير هذا الباب قوله تعالى ( فغشاها ما غشى ) وبيت الحماسة

 ( صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل أبعد )

 وقول أبي نواس

 ( ولقد نهزت مع الغواة بدلوهم ... وأسمت سرح اللحظ حيث أساموا )

 ( وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه ... فإذا عصارة كل ذاك أثام )

 وإما لتنبيه المخاطب على خطأ كقول الآخر

 ( إن الذين ترونهم إخوانكم ... يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا ) وإما للإيماء إلى وجه بناء الخبر نحو ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) ثم إنه ربما جعل ذريعة إلى التعويض بالتعظيم لشأن الخبر كقوله

 ( إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول )

 أو لشأن غيره نحو ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) قال السكاكي وربما جعل ذريعة إلى تحقيق الخبر كقوله

 ( إن التي ضربت بيتا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودها غول )

 وربما جعل ذريعة إلى التنبيه للمخاطب على خطأ كقوله ( إن الذين ترونهم . . . ) البيت وفيه نظر إذ لا يظهر بين الإيماء إلى وجه بناء الخبر وتحقيق الخبر فرق فكيف يجعل الأول ذريعة إلى الثاني

والمسند إليه في البيت الثاني ليس فيه إيماء إلى وجه بناء الخبر عليه بل لا يبعد أن يكون فيه إيماء إلى بناء نقيضه عليه وإن كان بالإشارة فإما لتمييزه أكمل تمييز لصحة إحضاره في ذهن السامع بوساطة الإشارة حسا كقوله

 ( هذا أبو الصقر فردا في محاسنه ... ) وقوله

 ( أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شهدوا )

 وقوله

 ( وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل سربال ليل أغبر )

 ( أوما إلى الكرماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري ) وقوله

 ( ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان عير الحي والوتد )

 ( هذا على الخف مربوط برمسته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد )

 وإما للقصد إلى أن السامع غبي لا يتميز الشيء عنده إلا بالحسن كقول الفرزدق

 ( أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع )

 وإما لبيان حاله في القرب أو البعد أو التوسط كقولك هذا زيد وذاك عمرو وذاك بشر وربما جعل القرب ذريعة إلى التحقير كقوله تعالى ( وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر

آلهتكم ) وقوله تعالى ( وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا ) وقوله تعالى ( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ) وعليه من غير هذا الباب قوله تعالى ( ماذا أراد الله بهذا مثلا ) وقول عائشة رضي الله عنها لعبد الله بن عمرو بن العاص يا عجبا لابن عمرو هذا وقول الشاعر

 ( تقول ودقت نحرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحا المتقاعس )

 وربما جعل البعد ذريعة إلى التعظيم كقوله تعالى ( آلم ذلك الكتاب ) ذهابا إلى بعد درجته ونحوه ( وتلك الجنة التي أورثتموها ) ولذا قالت ( فذلكن الذي لمتنني فيه ) لم تقل فهذا وهو حاضر رفعا لمنزلته في الحسن وتمهيدا للعذر في الافتتان به

 وقد يجعل ذريعة إلى التحقير كما يقال ذلك اللعين فعل كذا وإما للتنبيه إذا ذكر قبل المسند إليه مذكور وعقب بأوصاف على أن ما يرد بعد اسم الإشارة فالمذكور جدير باكتسابه من أجل تلك الأوصاف كقول حاتم الطائي

 ( ولله صعلوك يساور همه ويمضي ... على الأحداث والدهر مقدما )

 ( فتى طلبات لا يرى الخمص ترحة ... ولا شعبة إن نالها عد مغنما )

 ( إذا ما رأى يوما مكارم أعرضت ... تيمم كبراهن ثمت صمما )

 ( ترى رمحه ونبله ومجنه ... وذا شطب عضب الضريبة مخذما )

 ( وأحناء سرج قاتر ولجامه ... عتاد أخي هيجا وطرفا مسوما )

 ( فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه ... وإن عاش لم يقعد ضيفا مذمما )

 فعدد له كما ترى خصالا فاضلة من المضار على الأحداث مقدما والصبر على ألم الجوع والأنفة من أن يعد الشبعة مغنما وتيمم كبرى المكرمات والتأهب للحرب بأدواتها ثم عقب بذلك بقوله فذلك فأفاد أنه جدير باتصافه بما ذكر بعده وكذا قوله تعالى ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) أفاد اسم الإشارة زيادة الدلالة على المقصود من اختصاص المذكورين قبله باستحقاق الهدى من ربهم والفلاح وإما لاعتبار آخر مناسب

 وإن كان باللام فإما لإشارة إلى معهود بينك وبين مخاطبك كما إذا قال لك قائل جاءني رجل من قبيلة كذا فتقول ما فعل الرجل وعليه قوله تعالى ( وليس الذكر كالأنثى ) أي وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لها وإما لإرادة نفس الحقيقة كقولك الرجل خير من المرأة والدينار خير من الدرهم ومنه قول أبي العلاء المعري

 ( والخل كالماء يبدي لي ضمائره ... مع الصفا ويخفيها مع الكدر )

 وعليه من غير هذا الباب قوله تعالى ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) أي جعلنا مبدأ كل شيء حي هذا الجنس الذي هو الماء روي أنه تعالى خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء والجن من نار خلقها منه وآدم من تراب خلقه منه ونحوه ( أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة ) والمعرف باللام قد يأتي لواحد باعتبار عهديته في الذهن لمطابقته الحقيقة كقولك أدخل السوق وليس بينك وبين مخاطبك سوق معهود في الخارج وعليه قول الشاعر

 ( ولقد أمر على اللئيم يسبني ... )

 وهذا يقرب في المعنى من النكرة ولذلك يقدر يسبني وصفا للئيم لا حالا وقد يفيد الاستغراق وذلك إذا امتنع حمله على غير الإفراد وعلى بعضها دون بعض كقوله تعالى ( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا )

 والاستغراق ضربان حقيقي كقوله تعالى ( عالم الغيب والشهادة ) أي كل غيب وشهادة وعرفي كقولنا جمع الأمير الصاغة إذا جمع صاغة بلده أو أطراف مملكته فحسب لا صاغة الدنيا

واستغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع بدليل أنه لا يصدق لا رجل في الدار في نفي الجنس إذا كان فيها رجل أو رجلان ويصدق لا رجال في الدار ولا تنافي بين الاستغراق وإفراد اسم الجنس لأن الحرف إنما يدخل عليه مجردا على الدلالة على الوحدة والتعدد ولأنه بمعنى كل الإفرادي لا كل المجموعين أي معنى قولنا الرجل كل فرد من أفراد الرجال لا مجموع الرجال ولهذا امتنع وصفه بنعت الجمع وللمحافظة على التشاكل بين الصفة والموصوف أيضا فالحاصل أن المراد باسم الجنس المعرف باللام إما نفس الحقيقة لأن ما يصدق عليه من الأفراد وهو تعريف الجنس والحقيقة ونحوه علم الجنس كأسامة وإما فرد معين وهو العهد الخارجي ونحوه العلم الخاص كزيد وإما فرد غير معين وهو العهد الذهني ونحوه النكرة كرجل وإما كل الأفراد وهو الاستغراق ونحوه لفظ كل مضافا إلى النكرة كقولنا كل رجل

 وقد شكك السكاكي على تعريف الحقيقة والاستغراق بما خرج الجواب عنه مما ذكرنا ثم اختار بناء على ما حكاه عن بعض أئمة أصول الفقه من كون اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير أن المراد بتعريف الحقيقة تنزيلها منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية إما لكون الشيء حاضرا في الذهن لكونه محتاجا إليه على طريق التحقيق أو التهكم أو لأنه عظيم الخطر معقود به الهمم على أحد الطريقين وإما لأنه لا يغيب عن الحسن على أحد الطريقين لو كان معهودا وقال الحقيقة من حيث هي هي لا واحدة ولا متعددة لتحققها مع الوحدة تارة ومع التعدد أخرى وإن كانت لا تنفك في الوجود عن أحدهما فهي

صالحة للتوحيد والتكثير فكون الحكم استغراقا أو غير استغراق إلى مقتضى المقام فإذا كان خطابيا مثل المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم حمل المعرف باللام مفردا كان أو جمعا على الاستغراق بعلة إيهام أن القصد إلى فرد دون آخر مع تحقق الحقيقة فيهما ترجيح لأحد المتساوين وإذا كان استدلاليا حمل على أقل ما يحتمل وهو الواحد في المفرد والثلاثة في الجمع

 وإن كان بالإضافة فإما لأنه ليس للمتكلم إلى إحضاره في ذهن السامع طريق أخصر منها كقوله

 ( هواي مع الركب اليمانين مصعد ... جنيب وجثماني بمكة موثق )

 وإما لإغنائها عن تفصيل معتذر أو مرجوح لجهة كقوله

 ( بنو مطر يوم اللقاء كأنهم ... أسود لها في غيل خفان أشبل ) وقوله

 ( قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي )

 وإما لتضمنها تعظيما لشأن المضاف إليه كقولك عبدي حضر فتعظم شأنك أو لشأن المضاف كقولك عبد الخليفة ركب فتعظم شأن العبد أو لشأن غيرهما كقولك عبد السلطان عند فلان فتعظم شأن فلان أو تحقيرا نحو ولد الحجام حضر وإما لاعتبار آخر مناسب

 وأما تنكيره فللأفراد كقوله تعالى ( وجاء من أقصى المدينة

رجل يسعى ) أي فرد من أشخاص الرجال أو للنوعية كقوله تعالى ( وعلى أبصارهم غشاوة ) أي نوع من الأغطية غير ما يتعارفه الناس وهو غطاء التعامي عن آيات الله ومن تنكير غير المسند إليه للإفراد قوله تعالى ( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل ) وللنوعية قوله تعالى ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) أي نوع من الحياة مخصوص وهو الحياة الزائدة كأنه قيل ولتجدنهم أحرص الناس وإن عاشوا ما عاشوا على أن يزدادوا إلى حياتهم في الماضي والحاضر حياة في المستقبل فإن الإنسان لا يوصف بالحرص على شيء إلا إذا لم يكن ذلك الشيء موجودا له حال وصفه بالحرص عليه وقوله تعالى ( والله خلق كل دابة من ماء ) يحتمل الإفراد والنوعية أي خلق كل فرد من أفراد الدواب من نطفة معينة أو كل نوع من أنواع الدواب من نوع من أنواع المياه أو للتعظيم والتهويل أو للتحقير أي ارتفاع شأنه أو انحطاطه إلى حد لا يمكن معه أن يعرف كقول ابن أبي السمط

 ( له حاجب في كل أمر يشينه ... وليس له عن طالب العرف حاجب )

 أي له حاجب أي حاجب وليس له حاجب ما أو للتكثير كقولهم إن له لإبلا وإن له لغنما يريدون الكثرة وحمل الزمخشري التنكير في قوله تعالى ( قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا ) عليه أو للتقليل كقوله تعالى ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ) أي وشيء ما من رضوانه أكبر من ذلك كله لأن رضاه سبب كل سعادة وفلاح ولأن العبد إذا علم أن مولاه راض عنه فهو أكبر في نفسه مما وراءه من النعم وإنما تهنأ له برضاه كما إذا علم بسخطه تنغصت عليه ولم يجد لها لذة وإن عظمت وقد جاء التعظيم والتكثير جميعا كقوله تعالى ( وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك ) أي رسل عددهم كثير وآيات عظام وأعمار طويلة ونحو ذلك والسكاكي لم يفرق بين التعظيم والتكثير ولا بين التحقير والتقليل ثم جعل التنكير في قولهم شر أهر ذا ناب للتعظيم وفي قوله تعالى ( ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ) لخلافه وفي كليها نظر أما الأول فلما سيأتي وأما الثاني فلأن خلاف التعظيم مستفاد من البناء للمرة ومن نفس الكلمة لأنها إما من قولهم نفحت الريح إذا هبت أي هبة أو من قولهم نفح الطيب إذا فاح أي فوحة كما يقال شمة واستعماله بهذا المعنى في الشر استعارة إذ أصله أن يستعمل في الخير يقال له نفحة طيبة أي هبة من الخير وذهب أيضا إلى أن قوله تعالى ( يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ) بالتنكير دون عذاب الرحمن بالإضافة إما للتهويل أو لخلافه والظاهر أنه لخلافه وإليه ميل الزمخشري فإنه ذكر أن إبراهيم يخل هذا الكلام من حسن الأدب مع أبيه حيث لم يصرح فيه أن العذاب لاحق له لاصق به ولكنه قال ( إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ) فذكر الخوف والمس ونكر العذاب وأما التنكير في قوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة ) فيتحمل النوعية والتعظيم أي لكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة لمنعه عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد متى اقتدروا أو نوع من الحياة وهو الحاصل للمقتول والقاتل بالارتداع عن القتل للعلم بالاقتصاص فإن الإنسان إذا هم بالقتل تذكر الاقتصاص فارتدع فسلم صاحبه من القتل وهو من القود فتسبب لحياة نفسين ومن تنكير غير المسند إليه للنوعية

 وأمطرنا عليهم مطرا أي وأرسلنا عليهم نوعا من المطر عجيبا يعني الحجارة ألا ترى إلى قوله تعالى ( فساء مطر المنذرين ) وللتحقير ( إن نظن إلا ظنا ) وأما وصفه فلكون الوصف تفسيرا له كاشفا عن معناه كقولك الجسم الطويل العريض العميق محتاج إلى فراغ يشغله ونحوه في الكشف قول أوس

 ( الألمعي الذي يظن بك الظن ... كأن قد رأى وقد سمعا )

 حكي أن الأصمعي سئل عن الألمعي فأنشد ولم يزد وكذا قوله

تعالى ( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ) قال الزمخشري الهلع سرعة الجزع عند مس المكروه وسرعة المنع عند مس الخير من قولهم ناقة هلوع سريعة السير وعن أحمد بن يحيى قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر ما الهلع قلت قد فسره الله تعالى . . . انتهى كلام الزمخشري أو لكونه مخصصا له نحو زيد التاجر عندنا أو لكونه مدحا له كقولنا جاء زيد العالم حيث يتعين فيه زيد قبل ذكر العالم ونحوه من غيره قوله تعالى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وقوله تعالى ( هو الله الخالق البارىء المصور ) أو لكونه ذما له كقولنا ذهب زيد الفاسق حيث يتعين فيه زيد قبل ذكر الفاسق ونحوه من غيره قوله تعالى ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) أو لكونه تأكيدا له كقولك أمس الدابر كان يوما عظيما أو لكونه بيانا له كقوله تعالى ( لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد ) قال الزمخشري الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين على الجنسية والعدد المخصوص فإذا أريدت الدلالة على أن المعنى به منهما والذي يساق له الحديث هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به ألا ترى أنك لو قلت إنما هو إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن وخيل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية وأما قوله تعالى ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه ) فقال السكاكي شفع دابة في الأرض وطائر يطير بجناحيه لبيان أن القصد بهما إلى الجنسين

 وقال الزمخشري معنى ذلك زيادة التعميم والإحاطة كأنه قيل وما من دابة قط في جميع الأرضين السبع وما من طائر قط في جو السماء من جميع ما يطير بجناحيه

 واعلم أن الحملة قد تقع صفة للنكرة وشرطها أن تكون خبرية لأنها في المعنى حكم على صاحبها كالخبر فلم يستقم أن تكون إنشائية مثله

 وقال السكاكي لأنه يجب أن يكون المتكلم يعلم تحقيق الوصف للموصوف لأن الوصف إنما يؤتى ليميز به الموصوف مما عداه وتمييز المتكلم شيئا من شيء بما لا يعرفه له محال فما لا يكون عنده محققا للموصوف يمتنع أن يجعله وصفا له بحكم عكس النقيض ومضمون الجمل الطلبية كذلك لأن الطلب يقتضي مطلوبا غير متحقق لامتناع طلب الحاصل فلا يقع شيء منها صفة لشيء والتعليل الأول أعم لأن الجملة الإنشائية قد لا تكون طلبية كقولنا نعم الرجل زيد وبئس الصاحب عمرو وربما يقوم بكر وكم غلام ملكت وعسى أن يجيء بشر وما أحسن خالدا وصيغ العقود نحو بعت واشتريت فإن هذه كلها إنشائية وليس شيء منها بطلبي ولامتناع وقوع الإنشائية صفة أو خبرا قيل في قوله

 ( جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط ... )

 تقديره جاءوا بمذق مقول عنده هذا القول أي بمذق يحمل رائية

أن يقول لمن يريد وصفه له هل رأيت الذئب قط فهو مثله في اللون لإيراده في خيال الرائي لون الذئب لزرقته وفي مثل قولنا زيد اضربه أو لا تضربه تقديره في حقه اضربه أو لا تضربه

 وأما توكيده فللتقرير كما سيأتي في باب تقديم الفعل وتأخيره أو لدفع توهم التجوز أو السهو كقولك عرفت أنا وعرفت أنت وعرف زيد أو عدم الشمول كقوله عرفني الرجلان كلاهما أو الرجال كلهم

 قال السكاكي ومنه كل رجل عارف وكل إنسان حيوان وفيه نظر لأن كلمة كل تارة تقع تأسيسا وذلك إذا أفادت الشمول من أصله حتى لولا مكانها لما عقل وتارة تقع تأكيدا وذلك إذا لم تفده من أصله بل تمنع أن يكون اللفظ المقتضى له مستعملا في غيره أما الأول فهو أن تكون مضافة إلى نكرة كقوله تعالى ( كل حزب بما لديهم فرحون ) وقوله ( وكل شيء فصلناه تفصيلا ) وقوله ( وهم من كل حدب ينسلون ) وأما الثاني فما عدا ذلك كقوله تعالى ( فسجد الملائكة كلهم ) وهي في قوله كل رجل عارف وكل إنسان حيوان من الأول لا الثاني لأنها لو حذفت منهما لم يفهم المشمول أصلا وأما بيانه وتفسيره فلإيضاحه باسم مختص به كقولك قدم صديقك خالد وأما الإبدال منه فلزيادة التقرير والإيضاح نحو جاءني زيد أخوك وجاء القوم أكثرهم وسلب عمرو ثوبه ومنه في غيره قوله تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم )

 وأما العطف فلتفصيل المسند إليه مع اختصار نحو جاء زيد وعمرو وخالد أو لتفصيل المسند إليه مع اختصار نحو جاء زيد فعمرو أو ثم عمرو أو جاء القوم حتى خالد ولا بد في حتى من التدريج كما ينبىء عنه قوله

 ( وكنت فتى من جند إبليس فارتمى ... بي الحال حتى صار إبليس من جندي )

 أو لرد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب كقوله جاءني زيد لا عمرو لمن اعتقد أن عمرا جاءك دون زيد أو أنهما جاءاك جميعا وقولك ما جاءني زيد لكن عمرو لمن اعتقد أن زيدا جاءك دون عمرو أو لصرف الحكم عن محكوم له إلى آخر نحو جاءني زيد بل عمرو وما جاءني زيد بل عمرو أو للشك فيه أو التشكيك نحو جاءني زيد أو عمرو أو إما زيد وإما عمرو أو إما زيد أو عمرو أو للإيهام كقوله تعالى ( وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) أو للإباحة أو التخيير وهو أن يفيد ثبوت الحكم لأحد الشيئين أو الأشياء فحسب مثالهما قولك ليدخل الدار زيد أو عمرو

 والفرق بينهما واضح فإن الإباحة لا تمنع من الإتيان بهما أو بها جميعا

 وأما توسط الفصل بينه وبين المسند فلتخصصه به كقولك زيد

هو المنطلق أو هو أفضل من عمرو أو خير منه أو هو يذهب

 وأما تقديمه فلكون ذكره أهم إما لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه وإما ليتمكن الخبر في ذهن السامع لأن في المبتدأ تشويقا إليه كقوله

 ( والذي حارت البرية فيه ... حيوان مستحدث من جماد )

 وهذا أولى من جعله شاهدا لكون المسند إليه موصولا كما فعل السكاكي وإما لتعجيل المسرة أو المساءة لكونه صالحا للتفاؤل أو التطير نحو سعد في دارك والسفاح في دار صديقك وإما لإيهام أنه لا يزول عن الخاطر أو أنه يستلذ فهو إلى الذكر أقرب وإما لنحو ذلك قال السكاكي وإما لأن كونه متصفا بالخبر يكون هو المطلوب لا نفس الخبر كما إذا قيل له كيف الزاهد فيقول الزاهد يشرب ويطرب وإما لأنه يفيد زيادة تخصيص كقوله

 ( متى تهزز بني قطن تجدهم ... سيوفا في عواتقهم سيوف )

 ( جلوس في مجالسهم رزان ... وإن ضيف ألم فهم خفوف )

 والمراد هم خفوف وفيه نظر لأن قوله لا نفس الخبر يشعر بتجويز أن يكون المطلوب بالجملة الخبرية نفس الخبر وهو باطل لأن نفس الخبر تصور لا تصديق والمطلوب بها إنما يكون تصديقا وإن أراد بذلك وقوع الخبر مطلقا فغير صحيح أيضا لما سيأتي أن العبارة عن مثله لا يتعرض فيها إلى ما هو مسند إليه كقولك وقع القيام ثم في مطابقة الشاهد ا لذي أنشده للتخصيص نظرا لما سيأتي أن ذلك مشروط بكون الخبر فعليا وقوله والمراد هم خفوف تفسير للشيء

بإعادة لفظه قال عبد القاهر وقد يقدم المسند إليه ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي إن ولى حرف النفي كقولك ما أنا قلت هذا أي لم أقله مع أنه مقول فأفاد نفي الفعل عنك وثبوته لغيرك فلا تقول ذلك إلا في شيء ثبت أنه مقول وأنت تريد نفي كونك قائلا له ومنه قول الشاعر

 ( وما أنا أسقمت جسمي به ... ولا أنا أضرمت في القلب نارا )

 إذ المعنى أن هذا السقم الموجود والضرم الثابت ما أنا جالبا لهما فالقصد إلى نفي كونه فاعلا لهما لا إلى نفيهما ولهذا لا يقال ما أنا قلت ولا أحد غيري لمناقضة منطوق الثاني مفهوم الأول بل يقال ما قلت أنا ولا أحد غيري ولا يقال ما أنا رأيت أحدا من الناس ولا ما أنا ضربت إلا زيدا بل يقال ما رأيت أو ما رأيت أنا أحدا من الناس وما ضربت أو ما ضربت أنا إلا زيدا لأن المنفي في الأول الرؤية الواقعة على كل واحد من الناس وفي الثاني الضرب الواقع على كل واحد منهم سوى زيد وقد سبق أن ما يفيد التقديم ثبوته لغير المذكور هو ما نفي عن المذكور فيكون الأول مقتضيا لأن إنسانا غير المتكلم قد رأى كل الناس والثاني مقتضيا لأن إنسانا غير المتكلم قد ضرب من عدا زيدا منهم وكلاهما محال

 وعلل الشيخ عبد القاهر والسكاكي امتناع الثاني بأن نقض النفي بألا يقتضي أن يكون القائل له قد ضرب زيدا وإيلاء الضمير حرف النفي يقتضي أن لا يكون ضربه وذلك تناقض وفيه نظر لأنا لا نسلم أن إيلاء الضمير حرف النفي يقتضي ذلك فإن قيل الاستثناء الذي فيه

مفرغ وذلك يقتضي أن لا يكون ضرب أحدا من الناس وذلك يستلزم أن لا يكون ضرب زيدا قلنا إن لزم ذلك فليس للتقديم لجريانه في غير صورة التقديم أيضا كقولنا ما ضربت إلا زيدا هذا إذا ولى المسند إليه حرف النفي وإلا فإن كان معرفة كقولك أنا فعلت كان القصد إلى الفاعل وينقسم قسمين أحدهما ما يفيد تخصيصه بالمسند للرد على من زعم انفراد غيره به أو مشاركته فيه كقولك أنا كتبت في معنى فلان وأنا سعيت في حاجته ولذلك إذا أردت التأكيد قلت للزاعم في الوجه الأول أنا كتبت في معنى فلان لا غيري ونحو ذلك وفي الوجه الثاني أنا كتبت في معنى فلان وحدي ونحو ذلك فإن قلت أنا فعلت كذا وحدي في قوة أنا فعلته لا غيري فلم اختص كل منهما بوجه من التأكيد دون وجه قلت لأن جدوى التأكيد لما كانت إماطة شبهة خالجت قلب السامع وكانت في الأول أن الفعل صدر من غيرك وفي الثاني أنه صدر منك بشركة الغير أكدت وأمطت الشبهة في الأول بقولك لا غيري وفي الثاني بقولك وحدي لأنه محزه ولو عكست أحلت ومن البين في ذلك المثل أتعلمني بضب أنا حرشته وعليه قوله تعالى ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) أي لا يعلمهم إلا نحن ولا يطلع على أسرارهم غيرنا لإبطانهم الكفر في سويدات قلوبهم الثاني ما لا يفيد إلا تقوى الحكم وتقرره في ذهن السامع وتمكنه كقولك هو يعطي الجزيل لا تريد أن غيره لا يعطي الجزيل ولا أن تعرض بإنسان ولكن تريد أن تقرر في ذهن السامع وتحقق أنه يفعل إعطاء الجزيل وسبب تقويه هو أن المبتدأ يستدعي أن يستند إليه شيء فإذا جاء بعده ما يصلح أن يستند إليه صرفه إلى نفسه فينعقد بينهما حكم سواء كان خاليا عن ضميره نحو زيد غلامك أو متضمنا له نحو أنا عرفت وأنت عرفت وهو عرف أو زيد عرف ثم إذا كان متضمنا لضميره صرفه ذلك الضمير إليه ثانيا فيكتسي الحكم قوة ومما يدل على أن التقديم يفيد التأكيد أن هذا الضرب من الكلام يجيء فيما سبق فيه إنكار من منكر نحو أن يقول الرجل ليس لي علم بالذي تقول فتقول أنت تعلم أن الأمر على ما أقول وعليه قوله تعالى ( ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) لأن الكاذب لا سيما في الدين لا يعترف بأنه كاذب فيمتنع أن يعترف بالعلم بأنه كاذب وفيما اعترض فيه شك نحو أن تقول للرجل كأنك لا تعلم ما صنع فلان فيقول أنا أعلم وفي تكذيب مدع كقوله تعالى ( وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ) فإن قولهم آمنا دعوى أنهم لم يخرجوا بالكفر كما دخلوا به وفيما يقتضي الدليل أن لا يكون كقوله تعالى ( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ) فإن مقتضى الدليل أن لا يكون ما يتخذ إلها مخلوقا وفيما يستغرب كقولك أن لا تعجب من فلان يدعي العظيم وهو يعيا باليسير وفي الوعد والضمان كقولك للرجل أنا أكفيك أنا أقوم بهذا الأمر لأن من شأن من تعده وتضمن له أن يعترضه الشك في إنجاز الموعد والوفاء بالضمان فهو من أحوج شيء إلى التأكيد وفي المدح والافتخار لأن من شأن المادح أن يمنع السامعين من الشك فيما يمدح به ويبعدهم عن الشبهة وكذلك المفتخر أما المدح فكقول الحماسي

 ( هم يفرشون اللبد كل طمرة ... ) وقول الحماسية

 ( هما يلبسان المجد أحسن لبسة ... ) وقول الحماسي

 ( فهم يضربون الكبش يبرق بيضه ... )

 وأما الافتخار فكقول طرفة

 ( نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... )

 ومما لا يستقيم المعنى فيه إلا على ما جاء عليه من بناء الفعل على الاسم قوله تعالى ( إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ) وقوله تعالى ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) وقوله تعالى ( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ) فإنه لا يخفى على من له ذوق أنه لو جيء في ذلك بالفعل غير مبني على الاسم لوجد اللفظ قد

نبأ عن المعنى والمعنى قد زال عن الحال التي ينبغي أن يكون عليها وكذا إذا كان الفعل منفيا كقولك أنت لا تكذب فإنه أشد لنفي الكذب عنه من قولك لا تكذب وكذا من قولك لا تكذب أنت لأنه لتأكيد المحكوم عليه لا الحكم وعليه قوله تعالى ( والذين هم بربهم لا يشركون ) فإنه يفيد من التأكيد في نفي ا لإشراك عنهم ما لا يفيد قولنا والذين لا يشركون بربهم ولا قولنا والذين بربهم لا يشركون وكذا قوله تعالى ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ) وقوله تعالى ( فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون ) وقوله تعالى ( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون ) هذا كله إذا بني الفعل على معرف فإن بني على منكر أفاد ذلك تخصيص الجنس أو الواحد بالفعل كقولك رجل جاءني أي لا امرأة أو لا رجلان وذلك لأن أصل النكرة أن تكون للواحد من الجنس فيقع القصد بها تارة إلى الجنس فقط كما إذا كان المخاطب بهذا الكلام قد عرف أن قد أتاك آت ولم يدر جنسه أرجل هو أو امرأة أو اعتقد أنه امرأة وتارة إلى الوحدة فقط كما إذا عرف أن قد أتاك من هو من جنس الرجال ولم يدر أرجل هو أم رجلان أو اعتقد أنه رجلان واشترط السكاكي في إفادة تقديم الاختصاص أمرين

 أحدهما أن يجوز تقدير كونه في الأصل مؤخرا بأن يكون فاعلا

في المعنى فقط كقولك أنا قمت فإنه يجوز أن تقدر أصله قمت أنا على أن أنا تأكيد للفاعل الذي هو التاء في قمت فقدم أنا وجعل مبتدأ

 وثانيهما أن يقدر كونه كذلك فإن انتفى الثاني دون الأول كالمثال المذكور إذا أجري على الظاهر وهو أن يقدر الكلام من الأصل مبنيا على المبتدأ والخبر ولم يقدر تقديم وتأخير أو انتفى الأول بأن يكون المبتدأ اسما ظاهرا فإنه لا يفيد إلا تقوي الحكم واستثنى المنكر كما في نحو رجل جاءني بأن قدر أصله جاءني رجل لا على أن رجل فاعل جاءني بل على أنه بدل من الفاعل الذي هو الضمير المستتر في جاءني كما قال تعالى ( وأسروا النجوى الذين ظلموا ) إن الذين ظلموا بدل من الواو في أسروا وفرق بينه وبين المعرف بأنه لو لم يقدر ذلك فيه انتفى تخصيصه إذ لا سبب لتخصيصه سواه ولو انتفى تخصيصه لم يقع مبتدأ بخلاف المعرف لوجود شرط الابتداء فيه وهو التعريف ثم قال وشرطه أن لا يمنع من التخصيص مانع كقولنا رجل جاءني أي لا امرأة أو لا رجلان دون قولهم شر أهر ذا ناب

 أما على التقدير الأول فلامتناع أن يراد المهر شر الأخير وأما على الثاني فلكونه نابيا عن مكان استعماله وإذ قد صرح الأئمة بتخصيصه حيث تأولوه بما أهر ذا ناب إلا شر فالوجه تفظيع شأن الشر بتنكيره كما سبق هذا كلامه وهو مخالف لما ذكره الشيخ عبد القاهر

لأن الظاهر كلام الشيخ فيما يليه حرف النفي القطع بأنه يفيد التخصيص مضمرا كان أو مظهرا معرفا أو منكرا من غير شرط لكنه لم يمثل إلا بالمضمر وكلام السكاكي صريح في أنه لا يفيده إلا إذا كان مضمرا أو منكرا بشرط تقدير التأخير في الأصل فنحو ما زيد قام يفيد التخصيص على إطلاق قول الشيخ ولا يفيده على قول السكاكي ونحو ما أنا قمت يفيده على قول ا لشيخ مطلقا وعلى قول السكاكي بشرط

 وظاهر كلام الشيخ أن المعرف إذا لم يقع بعد النفي وخبره مثبت أو منفي قد يفيد الاختصاص مضمرا كان أو مظهرا ولكنه لم يمثل إلا المضمر وكلام السكاكي صريح في أنه لا يفيده إلا المضمر فنحو زيد قام قد يفيد الاختصاص على إطلاق قول الشيخ ولا يفيده عند السكاكي ثم فيما احتج به لما ذهب إليه نظر إذ الفاعل وتأكيده سواء في امتناع التقديم ما دام الفاعل فاعلا والتأكيد تأكيدا فتجويز تقديم التأكيد دون الفاعل تحكم ظاهر ثم لا نسلم انتفاء التخصيص في صورة المنكر لولا تقدير أنه كان في الأصل مؤخرا فقدم لجواز حصول التخصيص فيها بالتهويل كما ذكر وغير التهويل ثم لا نسلم امتناع أن يراد المهر شر لا خير قال الشيخ عبد القاهر إنما قدم شر لأن المراد أن يعلم أن الذي أهر ذا ناب هو من جنس الشر لا من جنس الخير فجرى مجرى أن تقول رجل جاءني تريد أنه رجل لا امرأة وقول العلماء أنه إنما صلح لأنه بمعنى ما أهر ذا ناب إلا شر بيان لذلك وهذا صريح في خلاف ما ذكره ثم قال السكاكي ويقرب من قبيل هو عرف في اعتبار تقوي الحكم زيد عارف وإنما قلت يقرب دون أن أقول نظيره لأنه لما لم يتفاوت في التكلم والخطاب والغيبة في أنا عارف وأنت عارف وهو عارف أشبه الخالي عن الضمير ولذلك لم يحكم على عارف بأنه جملة ولا عومل معاملتها في البناء حيث أعرب في نحو رجل عارف رجلا عارفا ورجل عارف وأتبعه في حكم الإفراد نحو زيد عارف أبوه يعني أتبع عارف عرف في الإفراد إذا أسند إلى الظاهر مفردا كان أو مثنى أو مجموعا ثم قال ومما يفيد التخصيص ما يحكيه علت كلمته عن قوم شعيب عليه السلام ( وما أنت علينا بعزيز ) أي العزيز علينا يا شعيب رهطك لا أنت لكونهم من أهل ديننا ولذلك قال عليه السلام في جوابهم ( أرهطي أعز عليكم من الله ) أي من نبي الله ولو كان معناه معنى ما عززت علينا لم يكن مطابقا وفيه نظر لأن قوله ( وما أنت علينا بعزيز ) من باب أنا عارف لا من باب أنا عرفت والتمسك بالجواب ليس بشيء لجواز أن يكون عليه السلام فهم كون رهطه أعز عليهم من قولهم ( ولولا رهطك لرجمناك ) وقال الزمخشري دل إيلاء ضميره حرف النفي على أن الكلام في الفاعل لا في الفعل كأنه قيل ( وما أنت علينا بعزيز ) بل رهطك هم الأعزة علينا وفيه نظر لأنا لا نسلم أن إيلاء الضمير حرف النفي إذا لم يكن الخبر فعليا يفيد الحصر فإن قيل الكلام واقع فيه وأنهم الأعزة عليهم دونه فكيف صح

قوله ( أرهطي أعز عليكم من الله ) قلنا قال السكاكي معناه من نبي الله فهو على حذف المضاف وأجود منه ما قال الزمخشري وهو أن تهاونهم به وهو نبي الله تهاون بالله فحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه أعز عليهم من الله ألا ترى إلى قوله تعالى ( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ) ويجوز أن يقال لا شك أن همزة الاستفهام هنا ليست على بابها بل هي للإنكار للتوبيخ فيكون معنى قوله ( أرهطي أعز عليكم من الله ) إنكار أن يكون مانعهم من رجمه رهطه لانتسابه إليهم دون الله تعالى مع انتسابه إليه أيضا أي أرهطي أعز عليكم من الله حتى كان امتناعكم من رجمي بسبب انتسابي إليهم بأنهم رهطي ولم يكن بسبب انتسابي إلى الله تعالى بأني رسوله والله أعلم

 ومما يرى تقديمه كاللازم لفظ مثل إذا استعمل كناية من غير تعريض كما في قولنا مثلك لا يبخل ونحوه مما لا يراد بلفظ مثل غير ما أضيف إليه ولكن أريد أن من كان على الصفة التي هو عليها كان من مقتضى القياس وموجب العرف أن يفعل ما ذكر أو أن لا يفعل ولكون المعنى هذا قال الشاعر

 ( ولم أقل مثلك أعني به ... سواك يا فردا بلا مشبه )

 وعليه قوله

 ( مثلك يثني المزن عن صوبه ... ويسترد الدمع عن غربه )

وكذا قول القبعثري للحجاج لما توعده بقوله لأحملنك على الأدهم مثل الأمير حمل على الأدهم والأشهب أي من كان على هذه الصفة من السلطان وبسطة اليد ولم يقصد أن يجعل أحدا مثله وكذلك حكم غيره إذا سلك به هذا المسلك فقيل غيري يفعل ذاك على معنى أني لا أفعله فقط من غير إرادة التعريض بإنسان وعليه قوله

 ( غيري بأكثر هذا الناس ينخدع ... )

 فإنه معلوم أنه لم يرد أن يعرض بواحد هناك فيصفه بأنه ينخدع بل أراد أنه ليس ممن ينخدع وكذا قول أبي تمام

 ( وغيري يأكل المعروف سحتا ... ويشحب عنده بيض الأيادي )

 فإنه لم يرد أن يعرض بشاعر سواه فيزعم أن الذي قرف به عند الممدوح من أنه هجاء كان من ذلك الشاعر لا منه بل أراد أن ينفي عن نفسه أن يكون ممن يكفر النعمة ويلؤم لا غير واستعمال مثل وغير هكذا مركوز في الطباع وإذا تصفحت الكلام وجدتهما يقدمان أبدا على الفعل إذا نحي بهما نحو ما ذكرناه ولا يستقيم المعنى فيهما إذا لم يقدما والسر في ذلك أو تقديمهما يفيد تقوي الحكم كما سبق تقريره وسيأتي أن المطلوب بالكناية في مثل قولنا مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود هو الحكم وأن الكناية أبلغ من التصريح فيما قصد بها فكان تقديمهما أعون للمعنى الذي جلبا لأجله قيل وقد يقدم لأنه دال على العموم كما تقول كل إنسان لم يقم فيقدم ليفيد نفي القيام عن كل واحد من الناس لأن الموجبة المعدولة المهملة في قوة السالبة

الجزئية المستلزمة نفي الحكم عن جملة الأفراد دون كل واحد منهما فإذا سورت بكل وجب أن تكون لإفادة العموم لا لتأكيد نفي الحكم عن جملة الأفراد لأن التأسيس خير من التأكيد ولو لم تقدم فقلت لم يقم كل إنسان كان نفيا للقيام عن جملة الأفراد دون كل واحد لأن السالبة المهملة في قوة السالبة الكلية المقتضية سلب الحكم عن كل فرد لورود موضوعها في سياق النفي فإذا سورت بكل وجب أن تكون لإفادة نفي الحكم عن جملة الأفراد لئلا يلزم ترجيح التأكيد على التأسيس وفيه نظر لأن النفي عن جملة الأفراد في الصورة الأولى اعني الموجبة المعدولة المهملة كقولنا إنسان لم يقم وعن كل فرد في الصورة الثانية أعني السالبة المهملة كقولنا لم يقم إنسان إنما أفاد الإسناد إلى إنسان فإذا أضيف كل إلى إنسان وحول الإسناد إليه فأفاد في الصورة الأولى نفي الحكم عن جملة الأفراد وفي الثانية نفيه عن كل فرد منهما كان كل تأسيسا لا تأكيدا لأن التأكيد لفظ يفيد تقوية ما يفيده لفظ آخر وما نحن فيه ليس كذلك ولئن سلمنا أنه يسمى تأكيدا فقولنا لم يقم إنسان إذا كان مفيدا للنفي عن كل فرد كان مفيدا للنفي عن جملة الأفراد لا محالة فيكون كل في لم يقم كل إنسان إذا جعل مفيدا للنفي عن جملة الأفراد تأكيدا لا تأسيسا كما قال في كل إنسان لم يقم فلا يلزم من جعله للنفي عن كل فرد ترجيح التأكيد على التأسيس ثم جعله قولنا لم يقم إنسان سالبة مهملة في قوة سالبة كلية مع القول بعموم موضوعها لوروده نكرة في سياق النفي خطأ لأن النكرة في سياق النفي إذا كانت للعموم كانت القضية التي جعلت هي موضوعا لها سالبة كلية فكيف تكون سالبة مهملة ولو قال لو لم يكن

الكلام المشتمل على كلمة كل مفيدا لخلاف ما يفيده الخالي عنها لم يكن في الإتيان بها فائدة لثبت مطلوبة في الصورة الثانية دون الأولى لجواز أن يقال إن فائدته فيها الدلالة على نفي الحكم عن جملة الأفراد بالمطابقة

 واعلم أن ما ذكره هذا القائل من كون كل في النفي مفيدة للعموم تارة وغير مفيدة أخرى مشهور وقد تعرض له الشيخ عبد القاهر وغيره قال الشيخ كلمة كل في النفي إن أدخلت في حيزه بأن قدم عليها لفظا كقول أبي الطيب

 ( ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... )

 وقول الأخر

 ( ما كل رأي الفتى يدعو إلى الرشد ... )

 وقولنا ما جاء القوم كلهم وما جاء كل القوم ولم آخذ الدراهم كلها ولم آخذ كل الدراهم أو تقديرا بأن قدمت على الفعل المنفي وأعمل فيها لأن العامل رتبته التقدم على المعمول كقولك كل الدراهم لم آخذ توجه النفي إلى الشمول خاصة دون أصل الفعل وأفاد الكلام ثبوته لبعض أو تعلقه ببعض وإن أخرجت من حيزه بأن قدمت عليه لفظا ولم تكن معمولة للفعل المنفي توجه النفي إلى أصل الفعل وعم ما أضيف إليه كل كقول النبي قال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله كل ذلك لم يكن أي لم يكن واحدا منهما لا القصر ولا النسيان وقول أبي النجم

 ( قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع )

ثم قال وعلة ذلك أنك إذا بدأت بكل كنت قد بنيت النفي عليه وسلطت الكلية على النفي وأعملتها فيه وإعمال معنى الكلية في النفي يقتضي أن لا يشذ شيء عن النفي فاعرفه هذا لفظه وفيه نظر

 وقيل إنما كان التقديم مفيدا للعموم دون التأخير لأن صورة التقديم تفهم سلب لحوق المحمول للموضوع وصورة التأخير تفهم سلب الحكم من غير تعرض للمحمول بسلب أو إثبات وفيه نظر أيضا لاقتضائه أن لا تكون ليس في نحو قولنا ليس كل إنسان كاتبا مفيدة لنفي كاتب هذا إن حمل كلامه على ظاهره وإن تؤول بأن مراده أن التقديم يفيد سلب لحوق المحمول عن كل فرد والتأخير يفيد سلب لحوقه لكل فرد اندفع هذا الاعتراض لكن كان مصادرة على المطلوب

 واعلم أن المعتمد في المطلوب الحديث وشعر أبي النجم وما نقلناه عن الشيخ عبد القاهر وغيره لبيان السبب وثبوت المطلوب لا يتوقف عليه والاحتجاج بالخبر من وجهين أحدهما أن السؤال بأم عن أحد الأمرين لطلب التعيين بعد ثبوت أحدهما عند المتكلم على الإبهام فجوابه إما بالتعيين أو بنفي كل واحد منهما وثانيهما ما روي أنه لما قال رسول الله ذلك لم يكن قال له ذو اليدين بعض ذلك قد كان والإيجاب الجزئي نقيضه السلب الكلي وبقول أبي النجم ما أشار إليه الشيخ عبد القادر وهو أن الشاعر فصيح والفصيح الشائع في مثل قوله نصب كل وليس فيه ما يكسر له وزنا

 وسياق كلامه أنه لم يأت بشيء مما ادعت عليه هذه المرأة فلو

كان النصب مفيدا لذلك والرفع غير مفيد لم يعدل عن النصب إلى الرفع من غير ضرورة

 ومما يجب التنبيه له في فصل التقديم أصل وهو أن تقديم الشيء على الشيء ضربان تقديم على نية التأخير وذلك في شيء أقر مع التقديم على حكمه الذي كان عليه كتقديم الخبر على المبتدأ والمفعول على الفاعل كقولك قائم زيد وضرب عمرا زيد فإن قائم وعمرا لم يخرجا بالتقديم عما كانا عليه من كون هذا مسندا ومرفوعا بذلك وكون هذا مفعولا ومنصوبا من أجله وتقديم لا على نية التأخير ولكن أن ينقل الشيء عن حكم إلى حكم ويجعل له إعراب غير إعرابه كما في اسمين يحتمل كل منهما أن يجعل مبتدأ والآخر خبرا له فيقدم تارة هذا على هذا وأخرى ذاك على هذا كقولنا زيد المنطلق والمنطلق زيد فإن المنطلق لم يقدم على أن يكون متروكا على حكمه الذي كان عليه مع التأخير فيكون خبر مبتدأ كما كان بل على أن ينقل عن كونه خبرا إلى كونه مبتدأ وكذا القول في تأخير زيد

 وأما تأخيره فلاقتضاء المقام تقديم المسند هذا كله مقتضى الظاهر وقد يخرج المسند إليه على خلافه فيوضع المضمر موضع المظهر كقولهم ابتداء من غير جري ذكر لفظا أو قرينة حال نعم رجلا زيد وبئس رجلا عمرو مكان نعم الرجل وبئس الرجل على قول من لا يرى الأصل زيد نعم رجلا وعمرو بئس رجلا وقولهم هو زيد عالم وهي عمرو شجاع مكان الشأن زيد العالم والقصة عمرو وشجاع ليتمكن في ذهن السامع ما يعقبه فإن السامع متى لم يفهم من الضمير معنى بقي منتظرا لعقبى الكلام كيف تكون فيتمكن المسموع

بعده في ذهنه فضل تمكن وهو السر في التزام تقديم ضمير الشأن أو القصة قال الله تعالى ( قل هو الله أحد ) وقال ( إنه لا يفلح الكافرون ) وقال ( فإنها لا تعمى الأبصار ) وقد يعكس فيوضع المظهر موضع المضمر فإن كان المظهر اسم إشارة فذلك إما لكمال العناية بتمييزه لاختصاصه بحكم بديع كقوله

 ( كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا )

 ( هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا )

 وإما للتهكم بالسامع كما إذا كان فاقد البصر أو لم يكن ثم مشار إليه أصلا وإما للنداء على كمال بلادته بأنه لا يدرك غير المحسوس بالبصر أو على كمال فطانته بأن غير المحسوس بالبصر عنده كالمحسوس عند غيره وإما لادعاء أنه كمل ظهوره حتى كأنه محسوس بالبصر ومنه في غير باب المسند إلى قوله

 ( تعاللت كي أشجي وما بك علة ... تريدين قتلي قد ظفرت بذلك )

 وإما لنحو ذلك وإن كان المظهر غير اسم إشارة فالعدول إليه عن المضمر إما لزيادة التمكين كقوله تعالى ( قل هو الله أحد الله الصمد ) ونظيره من غيره قوله ( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل )

وقوله ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا ) وقول الشاعر

 ( إن تسألوا الحق نعط الحق سائله ... )

 بدل نعطكم إياه وإما لإدخال الروع في ضمير السامع وتربية المهابة وإما لتقوية داعي المأمور مثالهما قول الخلفاء أمير المؤمنين يأمرك بكذا وعليه من غيره فإذا عزمت فتوكل على الله وإما للاستعطاف كقوله

 ( إلهي عبدك العاصي أتاكا ... )

 وإما لنحو ذلك قال السكاكي هذا غير مختص بالمسند إليه ولا بهذا القدر بل التكلم والخطاب والغيبة مطلقا ينقل كل واحد منها إلى الآخر ويسمى هذا النقل التفاتا عند علماء المعاني كقول ربيعة بن مقروم

 ( بانت سعاد فأمسى القلب معمودا ... وأخلفتك ابنة الحر المواعيدا )

 فالتفت كما ترى حيث لم يقل وأخلفتني وقوله

 ( تذكرت والذكرى تهيجك زينبا ... وأصبح باقي وصلها قد تقضبا )

 ( وحل بفلج فالأباتر أهلنا ... وشطت فحلت غمرة فمثقبا )

 فالتفت في البيتين والمشهور عند الجمهور أن الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة بعد التعبير عنه بطريق آخر منها وهذا أخص من تفسير السكاكي لأنه أراد بالنقل أن يعبر بطريق من هذه الطرق عما عبر عنه بغيره أو كان مقتضى الظاهر أن يعبر عنه بغيره

منها فكل التفات عندهم التفات عنده من غير عكس مثال الالتفات من التكلم إلى ا لخطاب قوله تعالى ( وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ) ومن التكلم إلى الغيبة قوله تعالى ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ) ومن الخطاب إلى التكلم قول علقمة بن عبدة

 ( طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب )

 ( يكلفني ليلى وقد شط وليها ... وعادت عواد بيننا وخطوب )

 ومن الخطاب إلى الغيبة قوله تعالى ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ) ومن الغيبة إلى التكلم قوله تعالى ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه ) ومن الغيبة إلى الخطاب قوله تعالى ( مالك يوم الدين إياك نعبد ) وقول عبد الله بن عنمة

 ( ما إن ترى السيد زيدا في نفوسهم ... كما يراه بنو كوز ومرهوب )

 ( إن تسألوا الحق نعط الحق سائله ... والدرع محقبة والسيف مقروب )

 بنو وأما قول امرىء القيس

 ( تطاول ليلك بالإثمد ... ونام الخلي ولم ترقد )

 ( وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العاثر الأرمد )

 ( وذلك من نبأ جاءني ... وخبرته عن أبي الأسود )

فقال الزمخشري فيه ثلاث التفاتات وهذا ظاهر على تفسير السكاكي لأن على تفسيره في كل بيت التفاتة لا يقال الالتفات عنده من خلاف مقتضى الظاهر فلا يكون في البيت الثالث التفات لوروده على مقتضى الظاهر لأن تمنع انحصار الالتفات عنده في خلاف المقتضى لما تقدم وأما على المشهور فلا التفات في البيت الأول وفي الثاني التفاته واحدة فيتعين أن يكون في الثالث التفاتتان فقيل هما في قول جاءني إحداهما باعتبار الانتقال من الخطاب في البيت الأول والأخرى باعتبار الانتقال من الغيبة في الثاني وفيه نظر لأن الانتقال إنما يكون من شيء حاصل ملتبس به وإذ قد حصل الانتقال من الخطاب في البيت الأول إلى الغيبة في الثاني لم يبق الخطاب حاصلا ملتبسا به فيكون الانتقال إلى التكلم في الثالث من الغيبة وحدها لا منها ومن الخطاب جميعا فلم يكن في البيت الثالث إلا التفاتة واحدة وقيل إحداهما في قوله وذلك لأنه التفات من الغيبة إلى الخطاب والثانية في قوله جاءني لأنه التفات من الخطاب إلى التكلم وهذا أقرب

 واعلم أن الالتفات من محاسن الكلام ووجه حسنه على ما ذكر الزمخشري هو أن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن نظرية لنشاط السامع وأكثر إيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد وقد تختص مواقعه بلطائف كما في سورة الفاتحة فإن العبد إذا افتتح حمد مولاه الحقيق بالحمد عن قلب حاضر ونفس ذاكرة لما هو فيه بقوله الحمد لله الدال على اختصاصه بالحمد وأنه حقيق به وجد من نفسه لا محالة محركا للإقبال عليه فإذا انتقل على

نحو الافتتاح إلى قوله رب العالمين الدال على أنه مالك للعالمين لا يخرج منهم شيء عن ملكوته وربوبيته قوي ذلك المحرم ثم إذا انتقل إلى قوله الرحمن الرحيم الدال على أنه منعم بأنواع النعم جلائلها ودقائقها تضاعفت قوة ذلك المحرك ثم إذا انتقل إلى خاتمه هذه الصفات العظام وهي قوله مالك يوم الدين الدال على أنه مالك للأمر كله يوم الجزاء تناهت قوته وأوجب الإقبال عليه وخطابه بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات

 وكما في قوله تعالى ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ) لم يقل واستغفرت لهم وعدل عنه إلى طريق الالتفات تفخيما لشأن رسول الله لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان

 وذكر السكاكي لالتفات امرىء القيس في الأبيات الثلاثة على تفسيره وجوها أحدهما أن يكون قصد تهويل الخطب واستفظاعه فنبه في التفاته الأول على أن نفسه وقت ورود ذلك النبأ عليها ولهت وله الثكلى فأقامها مقام المصاب الذي لا يتسلى بعض التسلي إلا بتفجع الملوك له وتحزنهم عليه وخاطبها بتطاول ليلك تسلية أو على أنها لفظاعة شأن النبأ أبدت قلقا شديدا ولم تتصبر فعل الملوك فشك في أنها نفسه فأقامها مقام مكروب وخاطبها بذلك تسلية وفي الثاني على أنه صادق في التحزن خاطب أولا وفي الثالث على أنه يريد نفسه أو نبه في الأول على أن النبأ لشدته تركه حائرا فما فطن معه لمقتضى الحال فجرى على لسانه ما كان ألفه من الخطاب الدائر في مجاري أمور الكبار أمرا ونهيا وفي الثاني على أنه بعد الصدمة الأولى أفاق شيئا فلم يجد النفس معه فبنى الكلام على الغيبة وفي الثالث على ما سبق أو نبه في الأول على أنها حين لم تثبت ولم تتبصر غاظه ذلك فأقامها مقام المستحق للعتاب فخاطبها على سبيل التوبيخ والتعبير بذلك وفي الثاني على أن الحامل على الخطاب والعتاب لما كان هو الغيظ والغضب وسكت عنه الغضب بالعتاب الأول ولى عنها الوجه وهو يدمدم قائلا وبات وباتت له وفي الثالث على ما سبق

 هذا كلامه ولا يخفى على المصنف ما فيه من التعسف ومن خلاف المقتضى ما سماه السكاكي الأسلوب الحكيم وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيها على أنه الأولى بالقصد أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنه الأولى بحاله أو المهم له أما الأول فكقول القبعثري للحجاج لما قاله له متوعدا بالقيد لأحملنك على الأدهم مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب فإنه أبرز وعيده في معرض الوعد وأراه بألطف وجه أن من كان على صفته في السلطان وبسطة اليد فجدير بأن يصفد لا أن يصفد وكذا قوله له لما قال له في الثانية إنه حديد لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا وعن سلوك هذه الطريقة في جواب المخاطب عبر من قال مفتخرا

 ( أتت تشتكي عندي مزاولة القرى ... وقد رأت الضيفان ينحون منزلي )

 ( فقلت كأني ما سمعت كلامها ... هم الضيف جدي في قراهم وعجلي )

وسماه الشيخ عبد القاهر مغالطة وأما الثاني فكقوله تعالى ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) قالوا ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يتزايد قليلا قليلا حتى يمتلئ ويستوي ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ وكقوله تعالى ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ) سألوا عن بيان ما ينفقون فأجيبوا ببيان المصرف ومنه التعبير عن المستقبل بلفظ المضي تنبيها على تحقق وقوعه وأن ما هو للوقوع كالواقع كقوله تعالى ( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) وقوله ( ويوم تسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) وقوله تعالى ( ونادى أصحاب النار ) وقوله تعالى ( ونادى أصحاب الأعراف ) جعل المتوقع الذي لا بد من وقوعه بمنزلة الواقع

 وعن حسان أن ابنه عبد الرحمن لسعه زنبور وهو طفل فجاء إليه يبكي فقال له يا بني مالك قال لسعني طوير كأنه ملتف في بردي حبرة فضمه إلى صدره وقال له يا بني قد قلت الشعر

 ومثله التعبير عنه باسم الفاعل كقوله تعالى ( وإن الدين لواقع ) وكذا اسم المفعول كقوله تعالى ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) ومنه القلب كقول العرب عرضت الناقة على الحوض ورده مطلقا قوم وقبله مطلقا قوم منهم السكاكي

 والحق أنه إن تضمن اعتبارا لطيفا قبل وإلا رد أما الأول فكقول رؤبة

 ( ومهمه مغبرة أرجاؤه ... كأن لون أرضه سماؤه )

 أي كأن لون سمائه لغبرتها لون أرضه فعكس التشبيه للمبالغة ونحوه قول أبي تمام يصف قلم الممدوح

 ( لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل )

 وأما الثاني فكقول القطامي

 ( كما طينت بالفدن السياعا ... ) وقول حسان

 ( يكون مزاجها عسل وماء ... )

 وقول عروة بن الورد

 ( فديت بنفسه نفسي ومالي ... ) وقول الآخر

 ( ولا يك موقف منك الوداعا ... )

وقد ظهر من هذا أن قوله تعالى ( وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا ) ليس واردا على القلب إذ ليس في تقدير القلب فيه اعتبار لطيف

 وكذا قوله تعالى ( ثم دنا فتدلى ) وكذا قوله تعالى ( اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون ) فأصل الأول أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا أي إهلاكنا وأصل الثاني ثم أراد الدنو من محمد فتدلى فتعلق عليه في الهواء

 ومعنى الثالث تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه ليكون ما يقولونه بمسمع منك فانظر ماذا يرجعون فيقال إنه دخل عليها من كوة فألقى الكتاب إليها وتوارى في الكوة وأما قول خداش

 ( وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر ... )

 فقد ذكر له سوى القلب وجهان أحدهما أن يجعل شقاء الرماح بهم استعارة عن كسرها بطعنهم بها والثاني أن يجعل نفس طعنهم شقاء لها تحقيرا لشأنهم وأنهم ليسوا أهلا لأن يطعنوا بها كما يقال شقي الخز بجسم فلان إذا لم يكن أهلا للبسه وقيل في قول قطري بن الفجاءة

 ( ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب ... جذع البصيرة قارح الإقدام ) إنه من باب القلب على أن لم أصب بمعنى لم أجرح أي قارح البصيرة جذع الإقدام كما يقال إقدام غر أي مجرب

 وأجيب عنه بأن لم أصب بمعنى لم ألف أي ألف بهذه الصفة بل وجدت بخلافها جذع الإقدام قارح البصيرة على أن قوله جذع البصيرة قارح الإقدام حال من الضمير المستتر في لم أصب فيكون متعلقا بأقرب مذكور ويؤيد هذا الوجه قوله قبله

 ( لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوفا لحمام )

 ( فلقد أراني للرماح دريئة ... من عن يميني مرة وأمامي )

 ( حتى خضبت بما تحدر من دمي ... أكناف سرجي أو عنان لجامي)

 فإن الخضاب بما تحدر من دمه دليل على أنه جرح وأيضا فحوى كلامه أن مراده أن يدل على جرح ولم يمت إعلاما أن الإقدام غير علة للحمام وحثا على الشجاعة وبغض الفرار .  

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي