x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
بلاغة الكناية
المؤلف: علي الجارم ومصطفى أمين
المصدر: البلاغة الواضحة
الجزء والصفحة: ص:131-132
12-9-2020
12838
بلاغة الكناية
الكناية مظهر من مظاهر البلاغة، وغاية لا يصل إليها إلا من لطف طبعه وصفت قريحته، والسر في بلاغتها أنها في صور كثيرة تعطيك الحقيقة مصحوبة بدليلها، والقضية وفي طيها برهانها، كقول البحتري في المديح :
يغضون فضل اللحظ من حيث ما بدا |
|
لهم عن مهيب في الصدور محبب |
فإنه كنى عن إكبار الناس للممدوح وهيبتهم إياه بغض الأبصار الذي هو في الحقيقة برهان على الهيبة والإجلال، وتظهر هذه الخاصة جلية في الكنايات عن الصفة والنسبة.
ومن أسباب بلاغة الكناية أنها تضع لك المعاني في صور المحسنات، ولا شك أن هذه خاصة الفنون فإن المصور إذا رسم لك صورة للأمل أو اليأس بهرك وجعلك ترى ما كنت تعجز عن التعبير عنه واضحا ملموسا.
فمثل «كثير الرماد» في الكناية عن الكرم و «رسول الشر» في الكناية عن المزاح وقول البحتري :
أوما رأيت المجد ألقى رحله |
|
في آل طلحة ثم لم يتحول |
في الكناية عن نسبة الشرف إلى آل طلحة، كل أولئك يبرز لك المعاني في صورة تشاهدها وترتاح نفسك إليها.
ومن خواص الكناية أنها تمكنك من أن تشفى غلتك من خصمك من غير أن تجعل له سبيلا ؛ ودون أن تخدش وجه الأدب، وهذا النوع يسمى بالتعريض، ومثاله قول المتنبي في قصيدة يمدح بها كافورا ويعرض بسيف الدولة :
رحلت فكم باك بأجفان شادن |
|
على وكم باك بأجفان ضيغم (1) |
وما ربة القرط المليح مكانه |
|
بأجزع من رب الحسام المصمم (2) |
فلو كان ما بي من حبيب مقنع |
|
عذرت ولكن من حبيب معمم |
رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى |
|
هوى كاسر كفى وقوسي وأسهمي |
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه |
|
وصدق ما يعتاده من توهم |
فإنه كنى عن سيف الدولة أولا بالحبيب المعمم، ثم وصفه بالغدر الذي يدعى أنه من شيمة النساء، ثم لامه على مبادهته بالعدوان، ثم رماه بالجبن لأنه يرمى ويتقى الرمي بالاستتار خلف غيره، على أن المتنبي لا يجازيه على الشر بمثله لأنه لا يزال يحمل له بين جوانحه هوى قديما يكسر كفه وقوسه وأسهمه إذا حاول النضال، ثم وصفه بأنه سيئ الظن بأصدقائه لأنه سيئ الفعل كثير الأوهام والظنون حتى ليظن أن الناس جميعا مثله في سوء الفعل وضعف الوفاء. فانظر كيف نال المتنبي من سيف الدولة هذا النيل كله من غير أن يذكر من اسمه حرفا.
هذا، ومن أوضح ميزات الكناية التعبير عن القبيح بما تسيغ الآذان سماعه. وأمثلة ذلك كثيرة جدا في القرآن الكريم وكلام العرب، فقد كانوا لا يعبرون عما لا يحسن ذكره إلا بالكناية، وكانوا لشدة نخوتهم يكنون عن المرأة بالبيضة والشاة.
ومن بدائع الكنايات قول بعض العرب :
ألا يا نخلة من ذات عرق |
|
عليك ورحمة الله السلام (3) |
فإنه كنى بالنخلة عن المرأة التي يحبها.
ولعل هذا المقدار كاف في بيان خصائص الكناية وإظهار ما تضمنته من بلاغة وجمال.
__________________
(1) الشادن : ولد الغزال، والضيغم : الأسد، أراد بالباكي بأجفان الشادن المرأة الحسناء، وبالباكي بأجفان الضيغم، الرجل الشجاع، يقول كم من نساء ورجال بكوا على فراقي وجزعوا لارتحالي.
(2) القرط : ما يعلق في شحمة الأذن، والحسام : السيف القاطع، والمصمم : الذي يصيب المفاصل ويقطعها، يقول : لم تكن المرأة الحسناء بأجزع على فراقي من الرجل الشجاع.
(3) ذات عرق : موضع بالبادية وهو مكان احرام أهل العراق.