يقدّم المسند: إذا وجد باعث على تقديمه كأن يكون عاملاً نحو قام علي أو ممّا له الصدارة في الكلام، نحو: أين الطريق؟ ؟
أو إذا أريد به غرض من الأغراض الآتية:
(1) منها التّخصيص بالمسند إليه - نحو (لله مُلكُ السموات والأرض) .
(2) ومنها التنبيه من أوّل الأمر على أنه خبرٌ لا نعتٌ - كقوله:
له هممٌ لا مُنتهى لكبارها وهمَّته الصغرى أجلُ من الدّهر
له راحة لو أنَّ معشار جودها على البرِّ كان البرُّ أندى من البحر
فلو قيل «همم له» لتُوهّم ابتداءً كون «له» صفة لما قبله
(3) ومنها التشويق للمتأخر، إذا كان في المتقدِّم ما يُشوِّق لذكره كتقديم المسند في قوله تعالى (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) - وكقوله:
خيرُ الصنائع في الأنام صنيعةٌ تنبو بحاملها عن الإذلال
(4) ومنها التفاؤل: كما تقول للمريض (في عافية) أنتَ) وكقوله:
سعدت بُغرَّة وجهك الأيام وتزينت بلقائك الأعوامُ
(5) ومنها - إفادة قصر المسند إليه على المسند، نحو (لكم دينكم ولي دين) «أي - دينكم مقصورٌ عليكم، وَديني مقصور عليَّ»
(6) ومنها - المساءة نكايةً بالمُخاطب: كقول المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحُرّ أن يرى عدُوّا له ما من صداقته بُدُّ
(7) ومنها - تعجيل المسرّة للمخاطب، أو التعجّب، أو التّعظيم، أو المدح، أو الذم، أو الترحم، أو الدعاء.
نحو: لله درّك، وعظيمٌ أنت يا الله. ونعم الزعيم سعدٌ - وهلُمّ جرَّا
وبئس الرجل خليل، وفقير أبوك، ومبارك وصولك بالسلامة.
ويؤخر المسند لأن تأخيره هو الأصل، وتقديم المسند إليه أهم نحو: الوطن عزيز.
وينقسم المسند من حيث الأفراد وعدمه إلى قسمين - مفرد وجملة.
فالمسند (المفرد) قسمان - فعل: نحو قدم سعدٌ - واسم: نحو سعدٌ قادم.
والمسند (الجملة) ثلاثة أنواع:
(1) أن يكون سببيا نحو خليل أبوه مُنتصر - أو أبوه انتصر - أو انتصر أبوه.
(2) وان يُقصد تخصيص الحكم بالمسند إليه - نحو أنا سَعيت في حاجتك (أي السّاعي فيها أنا لا غيري)
(3) وأن يُقصد تأكيد الحكم - نحو: سعد حضر.
وذلك: لما في الجملة: من تكرار الاسناد مرّتين.
ويؤتى بالمسند: ظرفا للاختصار - نحو خليل عندك.
وجاراً ومجروراً - نحو: محمود في المدرسة
تمرين
بين أسباب التقديم والتأخير فيما يأتي:
(1) ما كل ما فوق البسطية كافياً فاذا قنعت فبعض شيء كافي (1)
(2) وما أنا وحدي قلت ذا الشعر كلّه ولكن شعري فيه من نفسه شعر (2)
(3) إذا شئت يوما أن تسود عشيرة فبالحلم سُد لا بالتَّسرع والشتَّم (3)
(4) ثلاثة تُشرق الدنيا ببهجتها شمس الضحى وأبو اسحاق والقمر (4) (5) أفي الحق أن يُعطى ثلاثون شاعرا ويُحرم مادون الرّضا شاعرٌ مثلي (5)
(6) فكيف وكلٌّ ليس يعدو حمامه وما لامرىء عمّا قضى الله مرحل (6)
(7) وقال الله تعالى «بل الله فاعبُد، وكُن من الشاكرين» (7)
(8) بك اقتدتِ الأيام في حسناتها وشيمتها لولاكَ هَمٌّ وتكريبُ (8)
تطبيق عام على أحوال المسند
لما صدأت مرآة الجنان، قصدت لجلائها بعض الجنان - الجملة الشرطية لا تعتبر إلا بجوابها وهو (قصدت) . وهي خبرية فعلية من الضرب الابتدائي - والمراد بها أصل الفائدة المسند قصد. ذكر: لأن ذكره الأصل، وقدم لافادة الحدوث في الزمن الماضي مع الاختصار، والمسند إليه التاء - ذكر لأن الأصل فيه ذلك - وأخر لاقتضاء المقام تقديم المسند، وعرف بالاضمار لكون المقام للتكلم مع الاختصار كأنه الكوثر الفياض - جملة خبرية أسمية من الضرب الابتدائي - والمراد بها المدح، فهي تفيد الاستمرار بقرينة المدح، والمسند إليه الهاء. ذكر وقدم لأن الأصل فيه ذلك، وعرف بالاضمار لكون المقام للغيبة مع الاختصار. والمسند الكوثر ذكر وأخر لأن الأصل فيه ذلك - وعرف بأل للعهد الذهني. كتاب في صحائفه حكم - التنكير في هذه الجملة للتعظيم
ما هذا الرجل انسانا - نكر المسند «إنسانا» للتحقير
له همم لا منتهى لكبارها - المسند له - قدم لإفادة أنه خبر من أول الأمر لأنه لو تأخر لتوهم أنه صفة للمسند إليه لأنه نكرة
«ولم يكن له كفواً أحد» ، قدم المسند «كفوا» على المسند إليه «أحد» للمحافظة على الفاصلة - على رأى بعضهم، والمنصوص عليه في كتب التفسير المعتبرة أن التقديم للمبادرة إلى نفي المثل.
زهرة العلم أنضر من زهرة الروضة - جملة خبرية اسمية من الضرب الابتدائي والمراد بها الاستمرار بقرينة المدح، المسند إليه زهرة العلم، ذكر وقدم لأن الأصل فيه ذلك، وعرف بالاضافة إلى العلم لتعظيمه.
والمسند أنضر ذكر وأخر لان الاصل فيه ذلك، ونكر لتعظيمه.
غلامي سافر، أخي ذهبت جاريته، أنا أحب المطالعة - الحق ظهر، الغضب آخره ندم - أتى بالمسند في هذه المثل جملة لتقوية الحكم لما فيها من تكرار الاسناد
أسئلة على أحوال المسند يطلب أجوبتها
ما هو المسند؟ - ماهي أحواله؟ - لأي شيء يذكر المسند؟ - لأيّ شيء يحذف؟ لِمَ يقدم؟ - لِمَ يؤخر؟ - لِمَ يُعرَّف؟ - لم ينكّر؟ - لم يؤتى به جملة؟.
_________
(1) قدم حرف النفي وهو «ما» على لفظ العموم وهو (كل) ليدل على عموم السلب - والمعنى لا يكفيك جميع ما على الأرض إذا كنت طامعا.
(2) إذا كان المسند فعلا منفياً ووسط المسند إليه بين الفعل وحرف النفي كما في هذا المثال وهو (ما أنا قلت) دل ذلك على التخصيص، والمعنى لست القائل لذلك الشعر وحدي، بل شاركني فيه غيري. ولذلك يعد من الخطأ الذي لا يستقيم معه معنى، أن تقول ما أنا فعلت هذا، ولا غيري، لأن معنى ما أنا فعلت - يفيد من نفسه نفي الفعل عنك وثبوته لغيرك - فقولك ولا غيري، يكون تناقضاً كما سبق بيانه.
(3) قدم الجار والمجرور في قوله (بالحلم سد) ليدل على التخصيص - أي أنك تسود بالحلم لا بغيره، وكذا إذا تقدم الظرف، وما أشبههما، مما رتبته التأخير: كما سلف.
(4) قدم العدد وهو ثلاثة وأخر المعدود ليشوق إليه، لان الانسان إذا سمع العدد مجموعا يشتاق إلى تفصيل آحاده.
(5) قدم الجار والمجرور بعد الاستفهام في قوله أفي الحق أن يعطي - ليدل على أن ذلك المقدم هو محط الانكار فتحليل المعنى: أنه لا ينكر الاعطاء، ولكنه ينكر أن يعد ذلك حقا وصوابا مع حرمانه هو.
(6) قدم أداة العموم على أداة السلب في قوله (كل ليس يعدو) ليدل على عموم السلب - أي أن الناس واحداً واحداً يشملهم حكم الموت ولا مفر منه.
(7) قدم المفعول على الفعل في قوله (الله فاعبد) ليدل على التخصيص أي أعبد الله ولا تعبد غيره.
(8) قدم الجار والمجرور على الفعل في قوله (بك اقتدت) ليدل على التخصيص أي أن الاقتداء كان بك لا بغيرك.