شيخ الطائفة الأجل، وأحد المحمّدين الثلاثة، ومؤلّف كتابَي التهذيب والاستبصار، إنّه الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ (رضوان الله عليه).
وُلِدَ في مدينة طوس وتربّى فيها عام (385) للهجرة، ثمّ هاجرَ إلى العراق وتتلمذ على يد كبار العلماء أمثال الشيخ المفيد والسيّد المرتضى علم الهدى (رضوان الله عليهما) فأصبح من كبار علماء الشيعة الاماميّة وأُسنِدَ اليه كرسيّ علم الكلام ببغداد فخدم الدين والمذهب بخدمات جليلة وعظيمة من خلال تربيته لآلاف التلاميذ المميّزين وتأليفه لعشرات الكتب القيّمة في مختلف المجالات كالفقه والأصول والحديث والتفسير والكلام والرجال وغيرها من العلوم، وقد صدق من قال في حقّه ولم يفِ:
شيخ الهدى والطائفة ∗∗∗ أثر القرون السالفة
وصل الإله فخصّه ∗∗∗ بنُهى الأمور العارفة
ظهرت سريرة علمه ∗∗∗ بالفضل عنه كاشفة
للهِ أوقفَ نفسَه ∗∗∗ شكرَ الإلهُ مواقفه
سُحب الرضا هتفت على ∗∗∗ قبرٍ يضمّك واكفة
كم قد حباه فضيلةً ∗∗∗ متبوعةً مترادفة
قد اضطرّ إلى مغادرة بغداد عند دخول السلاجقة الذين أحرقوا داره ومكتبته المهمّة فهاجر الى النجف الأشرف واشترى داراً ليسكنها قرب الصحن العلوي الشريف من خالص ماله، فسكن هذه الدار ونقل المدرسة العلميّة من بغداد إلى النجف الاشرف ونظم أمرها وازدهرت ازدهاراً واسعاً وانضمّ اليها المئات من مختلف جهات الدنيا.
له مؤلّفات كثيرة، منها:
التبيان في تفسير القرآن، تهذيب الأحكام، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، اختيار معرفة الرجال، الفهرست، الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، العدّة في الأصول، الخلاف، المبسوط، النهاية، الغيبة، مصباح المتهجّد.
قد شهد له علماء الطائفة (رضوان الله عليهم) بأوصاف جليلة، منها ما ذكره العلّامة الحلّيّ في خلاصة الأقوال: "شيخ الإماميّة رئيس الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة، عين، صدوق، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب، وجميع الفضائل تُنسب إليه، صنّف في كل فنون الاسلام، وهو المهذّب للعقائد في الأصول والفروع، الجامع لكمالات النفس في العلم والعمل".
وقال السيّد بحر العلوم في الفوائد الرجاليّة عند ترجمته له: "شيخ الطائفة المحقّة، ورافع أعلام الشريعة الحقّة، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وعماد الشيعة الإماميّة، في كلّ ما يتعلق بالمذهب والدين، محقّق الأصول والفروع، ومهذّب فنون المعقول والمسموع، شيخ الطائفة على الاطلاق، ورئيسها الذي تلوى اليه الأعناق، صنّف في جميع علوم الاسلام، وكان القدوة في كلّ ذلك والإمام".
تُوفِّيَ (رضوان الله عليه) في الثاني والعشرين من شهر محرّم الحرام عام (460) للهجرة، ودُفن في داره التي أصبحت مسجداً مباركاً أخرج الكثير من المجتهدين وفطاحل العلماء.
يا مَرْقَدَ الطوسيّ فيك قَدِ انطوى *** محيي العلوم فكنتَ أَطْيَبَ مَرْقَدِ
بك شيخ طائفة الدعاة إلى الهدى *** ومُجَمّعُ الأحكام بعد تَبَدُّدِ
أودى بشهرِ محرمٍ فأضافَهُ *** حُزناً بفاجعِ رزئه المُتَجَدِّد
وبكى له الشرُع الشريف مؤرِّخاً *** أبكى الهدى والدين فقدُ محمّدِ