سلسلة مفاهيم في الفيزياء
الجزء الثامن والسبعون: فيزياء الذات والمصير: اختيار واحد ووعي شامل
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
23/11/2025
استكمالًا للنقاش في المقال السابق، يبدو أن الموضوع يدفعنا إلى قبول فكرة تُعد، بالنسبة لمعظم العلماء، شديدة الغرابة: وجود عقل واحد واعٍ فقط.
لفهم هذه النقطة، دعونا نعود إلى ما ذُكر سابقًا، حيث افترضنا أنني وأنت لاحظنا نفس النتيجة. تُربط حالات أدمغتنا بطريقة تجعل دماغي، الذي سجّل نتيجة معينة، لا يتفاعل إلا مع دماغك الذي سجّل النتيجة ذاتها. ومع ذلك، فإننا الآن نضيف عنصرًا جديدًا إلى الوصف الفيزيائي البسيط: نسمح للوعي باختيار فرع واحد فقط.
وبما أنني لا أستطيع تصوّر أن أغلب الناس الذين ألتقيهم ليسوا واعين، فلا بد أن أفترض أننا جميعًا نُجرب الشيء نفسه أي نختار النتيجة ذاتها. وبذلك يكون هناك اختيار واحد فقط يحدث في الواقع.
يمكن القول إن ذلك يتطلب من كل "وعي" فردي أن يُبلغ نتائجه للآخرين. لكن هذه الفكرة لا تختلف كثيرًا عن الفرضية الأبسط، التي ترى أن الوعي واحد، شامل، وعالمي.
هذا النوع من التصورات هو ما جعل شرودنغر يرفض دومًا فكرة انهيار دالة الموجة، لأنها تنتهك معادلاته الأساسية. وقد كان مؤمنًا بقوة بوجود وعي شامل حتى وإن بُني موقفه هذا على أسباب ثقافية وفلسفية بقدر ما هي علمية.
انظر مثلًا كتابه What is Life جامعة كامبريدج، 1967.
ظهرت محاولات مثيرة لتجنب فكرة الوعي الشامل، من بينها اقتراح أن جميع الاحتمالات يتم اختبارها فعليًا.
إحدى طرق تنظيم هذا التصور تقوم على افتراض وجود عدد لا نهائي من "العقول"، بحيث يختار بعضها نتيجة معينة، ويختار بعضها الآخر نتيجة مختلفة بنسب تتوافق مع احتمالات الكم.
لمزيد من التفاصيل، راجع:
D.Z. Albert Quantum Mechanics and Experience، جامعة هارفارد، 1993.
لكن هناك مشكلة كبيرة: نحتاج إلى عدد لا نهائي من العقول. والواقع أن "اللانهائية" ليست عددًا بالمعنى الحقيقي، بل مفهوم تجريدي، يصعب تأسيس أساس رياضي له.
اقتراح أكثر "إرضاءً" هو ما قدّمه مايكل لوكوود في كتابه Mind Brain and the Quantum بلاكويل، أكسفورد.
فهو يقترح أن لكل عقل متغيرًا مستمرًا مرتبطًا به، يُمكن تعريفه كعدد بين الصفر والواحد. وعند الملاحظة، ينقسم العقل بحيث يرى جزء منه حالة معينة (مثلاً: الانعكاس)، بينما يرى الجزء الآخر الحالة الثانية (الانتقال).
كل هذه الاقتراحات وغيرها تفترض ضمنيًا أن جميع النتائج الكمومية الممكنة تتم مشاهدتها فعليًا.
لكن رغم أن هذا لا يتعارض منطقيًا مع النظرية، إلا أنه يبدو مفرطًا في "اللاعقلانية"، ويتناقض مع تجربتنا، إذ يفترض وجود مجموعات من الناس لم يشاهدوا قط تجربة تداخل (إنهم بانتظار صدمة كبيرة)
ولحسن الحظ، هناك خلل تقني جوهري في هذا الطرح: لا يوجد "مقياس" طبيعي على خط مستمر أو في "لانهاية" مستمرة، لذا لا معنى حقيقي للقول بأن إحدى النتائج أكثر احتمالًا من الأخرى.
إذا غيرنا المعلمة المستخدمة لتحديد هذه التوزيعات، يمكن بسهولة عكس النتائج الاحتمالية.
الخلاصة:
تفسير العوالم المتعددة لا يكون مقبولًا منطقيًا إلا إذا أضفنا إليه مفهومًا ما عن "الاختيار" غالبًا ما يكون عشوائيًا ومرتبطًا بالوعي كعنصر مكمل للنظرية.
يتبع في الجزء 79...







وائل الوائلي
منذ 12 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN