تُعدّ الجذور الحرّة أحد أكثر العوامل الكيميائية تأثيرًا على صحة الإنسان، فهي جزيئات شديدة التفاعل تتولد بشكل طبيعي داخل الجسم، لكنها إذا ارتفعت عن حدّها الطبيعي تتحول إلى عامل تخريبي قادر على إفساد الخلايا والأنسجة وتعطيل وظائف الأعضاء.
الجذور الحرّة هي ذرات أو جزيئات تمتلك إلكترونًا منفردًا غير مزدوج، وهذا يجعلها غير مستقرة وتبحث بشكل دائم عن تفاعل مع جزيئات أخرى لاستكمال إلكترونها الناقص. هذا السلوك العدواني يؤدي إلى سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تُعرف بـ الإجهاد التأكسدي، وهي الحالة التي يبدأ فيها الجسم بخسارة قدرته على مواجهة الأكسدة الضارة.
في الدم، تؤثر الجذور الحرّة مباشرة على الهيموغلوبين، البروتين المسؤول عن حمل الأوكسجين عندما ترتفع كمية الجذور الحرّة، يمكنها تحويل الحديد في الهيموغلوبين من الحالة الثنائية Fe² إلى الحالة الثلاثية Fe³، مما ينتج مركّبًا غير وظيفي يُسمّى Methemoglobin. هذا الشكل لا يستطيع نقل الأوكسجين، مما يؤدي إلى أعراض مثل الدوخة، الزرقة الجلدية، ضعف التركيز، وفي الحالات الشديدة صعوبات تنفسية قد تهدد الحياة.
لا يقتصر تأثير الجذور الحرّة على الهيموغلوبين فقط، بل تهاجم أيضًا جدار خلايا الدم الحمراء عبر عملية تُسمّى Peroxidation، وهي أكسدة الدهون الموجودة في الغشاء الخلوي. هذه العملية تجعل الخلايا هشة وسهلة الانفجار، مما يؤدي إلى فقر دم انحلالي واضطراب في نقل الأوكسجين والعناصر الغذائية.
تتولد الجذور الحرّة داخل الجسم نتيجة عمليات طبيعية مثل التنفس الخلوي. لكن مصادرها الخارجية أكثر ضررًا، ومن أهمها دخان السجائر، التلوث، الأشعة فوق البنفسجية، بعض الأدوية، الأغذية المعالجة، والتوتر الشديد. كل هذه العوامل تزيد العبء على الجسم وترفع مستوى الإجهاد التأكسدي.
لمواجهة هذا الخطر، يعتمد الجسم على منظومة قوية من مضادات الأكسدة. وتشمل هذه المنظومة إنزيمات دفاعية مثل Glutathione Peroxidase وCatalase، بالإضافة إلى مركبات غذائية مثل فيتامين C و E والبوليفينولات. تعمل هذه المواد على منح الجذور الحرّة الإلكترون الذي تحتاجه لإيقاف نشاطها التفاعلي، وبالتالي منعها من إتلاف الخلايا.
الحفاظ على توازن الجذور الحرّة في الدم يعتمد على نمط الحياة بشكل مباشر. فالابتعاد عن التدخين، تناول الأغذية الغنية بمضادات الأكسدة مثل الفواكه والخضار، ممارسة الرياضة المعتدلة، والنوم الجيد، كلها عوامل تقلل الأكسدة وتحمي خلايا الدم من التلف. كما أن شرب الماء بكميات كافية يساعد الجسم على التخلص من نواتج الأكسدة الضارة.
وفي النهاية، تمثل الجذور الحرّة مثالًا على كيف يمكن لجزيئات صغيرة غير مرئية أن تؤثر تأثيرًا كبيرًا على صحة الجسم. فهمها والوقاية من آثارها يعد خطوة أساسية نحو حماية الدم، وتعزيز طاقة الجسم، وتقليل مخاطر الأمراض المزمنة المرتبطة بالإجهاد التأكسدي مثل أمراض القلب والسرطان والشيخوخة المبكرة.







وائل الوائلي
منذ 12 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN