بسم الله الرحمن الرحیم
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري، وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. اللهم صل على محمد وآل محمد.
١ - الفطرة والإنسان :
حينما تُمحى الفطرةُ السليمةُ للإنسان، فلنعدَّ العدةَ ونتسلح بالبصيرة والإيمان، ولنحمل بذور الأخلاق معنا، ولنتعلم كيف نغرس المبادئ والقيم والأخلاقيات، وندْرُس أنفسنا، ونتحصن بالصلاح والعبادة والقرب من الله، ورسوخ الإيمان وحب الله وأوليائه، ولنتهيأ لقومٍ ظاهرُهم إنسان وباطنُهم إما وحش أو حيوان.
لقد فطرنا الله تعالى على الفطرة السليمة، وجعل أرواحنا مستودعاً لا ينفد ونهراً لا يجف من النور، أما النفس فقد جعلها مختارة، فإما أن تذهب للسوء أو تذهب للخير، كما قال تعالى: {وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها}.
وهنا الثواب والعقاب، والسوء والخير نحن نختاره. وأرسل الرسل والأنبياء ومن بعدهم الأئمة عليهم السلام ليقوموا الإنسان ويرشدوه إلى الحق، ويقودوه لبر الأمان وطاعة الله ورضوانه، ويحدونه بحدود شرعية تجعله يصل إلى كماله الإنساني، ليعصم نفسه من الخطأ، ويترك الحرام، ويسير وفق طرق محددة بالشريعة؛
وذلك لتكامله وفائدته وتطوره وسموه وعلوِّ شأنه ودرجاته في الدنيا، هذا غير الثواب الإلهي له بعد الموت.
٢ - دفن نور الروح :
ولكن حينما يحاول الإنسان أن يدفن نورانية روحه، ويتنصَّل من فطرته السليمة التي فطره الله عليها،
ستهيمن عليه نفسه الأمارة بالسوء، وسيكون عنصراً ممغنطاً ينجذب نحوه كلُّ رغبة وشهوة وتكبر وكل أمر دنيوي مادي، فيصبح محاطاً بالرغبات والماديات فيُثقل بها، وحتى مدى رؤيته يقل لأنها غُطيت بها.
فيصبح ذلك الإنسان كتلة متحركة من التشوه والمسخ، فقد مسخ نفسه بنفسه، وجعل يأخذ أداة الحفر فيحفر حفرته، ويدفن بالتراب نور روحه حتى يحجب النور، ويقتل بالأداة فطرته السليمة فيجعلها سقيمة مريضة فتموت.
٣ - مسخ بشري:
والآن نحن أمام إنسان ممسوخ مشوه، قتل فطرته ودفن نور روحه حتى لا يستضيء به.. فتراه يبطش ويتكبر ويتجبر ويعيث فساداً وإفساداً، ويفعل الحرام ويأكل الحرام، ويتشبث بحبال الدنيا ويظنها هي الأول والآخر، فلا رب في قاموسه، وإن عرف الله فلا يهتم.
كثيراً ما نسمع ونقرأ في القصص الغربية والفانتازيا عن "الوحوش البشرية" أو "المتحولين" وغيرهم.. ولكن أقولها: حينما يتنصَّل الإنسان عن نور روحه وفطرته، يصير وحشاً لا حدَّ له ولا حدود، ولا مانع له ولا ممنوع، ولا ناصح له ولا منصوح، ولا حب له ولا محبوب، سوى وحش همجي مشوّه الفكر والنظر، يسير خلف نفسه التي هيمن عليها الشيطان فتملكها.
ما نراه من فساد وانحلال وتنصّل من الشرف والعفة والحياء والقيم الدينية والأخلاقية، سواء صدر من رجل أو امرأة.. هو نتيجة تنصلهم من مصادر النور والأخلاق في داخلهم، وتركهم للدين ونبذهم له.
فعند هؤلاء يصبح الحرام والحلال تطرفاً، والحرام انفتاحاً، والباطل حقاً، والحق يُشار إليه بأنه باطل، والنور يُطفأ، وتشتعل نار الشيطان كي تضيء دروبهم كما يريد ويشاء عبدوا الشيطان وأطاعوه، فغيّروا في خلقتهم وشوّهوها.
٤- صلاح النفس وإمتحانها :
متى ما صلحت النفس صلح الإنسان، فالنفس أخطر عدو للإنسان. إن سيطر عليها وزكاها وأدبها وروضها وطهرها وحاسبها ونقاها وغرسها ببذور الدين والأخلاق، عندها ستنار بنور الروح، وتعود الفطرة السليمة تدريجياً كي تحيا من جديد
لنحاول أن نمتحن نفوسنا، نقوّمها، نزكّيها، نطهّرها، حتى وإن لم تكن تريد السوء علناً، ولكن هذا أمر صعب وخطر قد يقع فيه الإنسان في أي لحظة من حيث لا يشعر ولا يستشعر.. تطهير القلب من حب الدنيا مهم جداً.
امتحان القلوب مهم: هل تريد الله أم تريد الدنيا
إن كانت تريد حب الله،
زدناها إيماناً وزكاة وطهارة وصلاحاً وتعبداً.
وإن كانت تريد حب الدنيا
فلنؤدبها ونطهرها ونحاسبها ونصلحها بأسرع وقت،حتى لا يطيل الزمن وهي على هذا الحال، فكلما مضت الأيام زادت الأمور صعوبة ومشقة.
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
حينما بعث النبي (صلى الله عليه وآله) سرية، فلما رجعوا قال:"مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر قال: جهاد النفس".
روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) :
قال: (ليس مِنّا مَن لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإنْ عَمِل حُسنا استزاد الله، وإنْ عَمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه).
والله أعلم.







وائل الوائلي
منذ 12 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN