سلسلة مفاهيم في الفيزياء
الجزء السابع والسبعون: كونيات القياس: الوعي والاحتمال في تفسير العوالم المتعددة
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
23/11/2025
أُظهر مؤخرًا أن فقدان الاتساق الكمومي (decoherence) يتيح إمكانية تعريف ما يُعرف بـ"التواريخ المتسقة" وهي تسلسلات من الأحداث في أزمنة معينة يمكن معها تعيين احتمالات ذات مغزى.
لكن نتيجة تراكب الحالات الكمومية هي أنه، في الحالات العامة، لا يمكن تعريف مثل هذه الاحتمالات، لأنها لن تحقق شرط الوحدة (unitarity) المطلوب لاحترام المعنى الرياضي للاحتمالات.
لمزيد من التفاصيل عن هذا النهج، يمكن الرجوع إلى الأعمال الأصلية التالية:
R.B. Griffiths Journal of Statistical Physics 36 219 (1984) و American Journal of Physics 55 11 (1987)
M. Gell-Mann و J.B. Hartle في: Complexity Entropy and the Physics of Information، حرره W. Zurek، أديسون-ويسلي، ريدينغ، الولايات المتحدة (1990)
R. Omnès Reviews of Modern Physics 64 339 (1992)
أعتقد أن المساهمة الرئيسة لهذا العمل هي تقديم تعريف دقيق لطبيعة مشكلة القياس، بدلًا من السعي إلى حل تقني أو خاص لها.
في الواقع، هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه أومنيس في المقال المشار إليه أعلاه، حيث كتب:
"النظرية لا يمكنها إلا أن تعطي بعض الاحتمالات الأولية. الآن، فجأة، تصبح واحدة من النواتج حقيقية، وتُنسى النواتج الأخرى إلى الأبد. ما هذا تتنبأ نظرية الكم بالاحتمالات، بشكل صحيح بقدر ما نعلم، ولكن الاحتمالات تشير إلى أشياء تحدث، لذلك لا يمكننا تجنب السؤال: ما الذي يحدث لهذه الاحتمالات"
وبما أن هذا المقال يتعامل مع تفسير العوالم المتعددة، فلا بد من استبعاد فكرة أن تلك الاحتمالات تعني حدوث شيء فعلي لدالة الموجة وهذا ربما هو الرأي الوحيد الذي يتفق عليه من يعتمد هذا التفسير.
ويترتب على ذلك أن هناك شيئًا آخر لا بد أن يكون موجودًا في النظرية. وإذا أردنا كذلك استبعاد المتغيرات الخفية، فإن الشيء الآخر لا بد أن يكون خارج "الفيزياء".
بالطبع، هذا تعريف مبدئي فقط، وقد نضطر لتغييره لاحقًا كلما تقدم فهمنا.
المرشح الطبيعي هنا هو الوعي، كما أشرنا في مقالات سابقة.
لكن، وبخلاف ما قيل من قبل، لا نقترح هنا أن الوعي يؤدي فعليًا إلى انهيار دالة الموجة (أي أن الوعي يُحدث تأثيرًا ماديًا في الفيزياء). بل نقول إن الأحداث الاحتمالية التي تعطي فيها نظرية الكم تنبؤاتها تحدث داخل الوعي، وليس في أي مكان آخر.
بكلمات أخرى، عندما نقول إن نظرية الكم تتنبأ بأني سأصبح مدركًا لنتيجة معينة باحتمالية معينة، فإن هذا هو كل ما يعنيه الأمر لا يوجد حدث مادي فيزيائي يقابل هذه النتيجة في حد ذاتها.
أبسط طريقة لتصوّر هذا المفهوم، هي أن نعتبر الوعي "شيئًا" يختار من بين الاحتمالات المقدَّمة بواسطة دالة الموجة، بطريقة تشبه إلى حد ما اختيار قناة تلفزيونية بالضغط على أحد الأزرار.
بالطبع، هذا الاختيار ليس متعمدًا بل عشوائي. ومن السهل جدًا استنتاج احتمالات الكم الصحيحة إذا افترضنا أن هذه الاختيارات يتم ترجيحها وفق "أوزان" مناسبة للعشوائية.
في تشبيه جهاز التلفاز، سيكون لدينا عدد مختلف من الأزرار لكل قناة، ونفترض أن المستخدم يضغط زرًا عشوائيًا. عندها، يكون احتمال مشاهدة قناة معينة متناسبًا مع عدد الأزرار المخصصة لها.
لقد طورتُ هذه الأفكار، والتي قد تمثل نموذجًا أوليًا لطبيعة الوعي نفسه، في المقالة الموسومة Conscious Mind in the Physical World (IOP، بريستول، 1990)، وكذلك في مقالة نُشرت في Synthese 97 109 (1993) .
إن مثل هذا الحل لمشكلة القياس، والذي يتطلب أن يكون الوعي "شيئًا" خارج الفيزياء، يتضمن شكلًا من أشكال ما يُعرف فلسفيًا بـ"الثنائية".
لكن هنا، تُستبدل المادتان التقليديتان للثنائية بـ:
1. الفيزياء، ممثلة بدالة الموجة
2. العقل الواعي
وهكذا، يُطرح احتمال أن تكون الفيزياء والعقل وجهين لمعادلة لم تكتمل بعد.
يتبع في الجزء 78...







وائل الوائلي
منذ 13 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN