سلسلة مفاهيم في الفيزياء
الجزء السادس والسبعون: كون داخل الكون: العوالم المتعددة ومصير الدالة الموجية
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
11/11/2025
تفسير العوالم المتعددة لنظرية الكم، الذي نوقش سابقًا، أصبح أكثر رواجًا في السنوات الأخيرة. ويرجع ذلك جزئيًا إلى سببين رئيسيين:
أولاً: يُستخدم الاسم لتغطية مجموعة واسعة من المعاني. في الواقع، يمكن اعتباره توصيفًا عامًا لأي تفسير "واقعي" لنظرية الكم لا يعتمد على آليات انهيار صريحة ولا يتضمن متغيرات خفية.
ثانيًا: هناك اهتمام متزايد بما يُعرف بـ"كونية الكم"، أي تطبيق نظرية الكم على الكون بأسره.
بالطبع، مثل هذا التطبيق، الذي يستلزم استقراءً لنظرية تعمل على مقياس ميكروسكوبي إلى نطاق الكون كله، قد يبدو غير معقول. فالتجارب التاريخية لا تعطي سوابق مشجعة لهذا النوع من الاستقراء. ومع ذلك، وبسبب الارتباطات الكمومية، يمكن القول إن الدالة الموجية الوحيدة التي يجوز افتراض وجودها بشكل "فعلي" كجزء من الواقع الفيزيائي، وليست مجرد تقريب حسابي، هي دالة الموجة الشاملة التي تحتوي على كل شيء أي دالة موجة الكون.
أحد التحديات الأساسية في كونية الكم هو غياب أي مراقب "خارجي" للنظام، يمكن وصفه بواسطة فيزياء كلاسيكية ويوفر بالتالي حلًا شبه كلاسيكي لمشكلة القياس. فبحسب تعريف كونية الكم، لا يوجد شيء خارج هذا النظام، وبالتالي لا يمكن التهرب من مشكلة القياس.
لا تُعرف محاولات جادة لتطبيق آليات انهيار صريحة على كونية الكم. ومع أن بعض النتائج المثيرة للاهتمام ظهرت من خلال استخدام نموذج بوم (انظر:
J.C. Vink Nuclear Physics B 369 707 (1992) و
A. Valentini Physics Letters A 158 1 (1991))،
فإن هذه المحاولات لا تزال في بدايتها ولا يمكن اعتبارها بعد من التيارات السائدة. لذلك، يعتمد معظم علماء الكونيات، حتى وإن لم يصرّحوا بذلك، على نسخة من تفسير العوالم المتعددة.
تُشدد إحدى المدارس الفكرية على أن الفروع المختلفة الناتجة عن التوسع في تفسير العوالم المتعددة (كما طُرح في جزء سابق)، تفقد "الاتساق الكمومي" بسرعة (decohere).
ويُقصد بذلك أنه، بسبب التفاعلات مع البيئة المحيطة مثل الإشعاع الخلفي، أو جزيئات الهواء، أو غيرها يصبح من غير العملي إجراء تجارب تميز بين الحالات المختلفة في التراكب الكمي، كما تم نقاشه سابقًا.
وقد أُشير إلى هذه الصعوبة عند الحديث عن تجارب التداخل مع أجسام كبيرة.
في هذا السياق، يُقال إن الوضعين الكموميين، متى أصبحا غير قابلين للتمايز عمليًا، يمكن اعتبارهما فعليًا متماثلين، وبالتالي يتم تجاوز مشكلة القياس.
لكن هذا الرأي تعرّض لنقد قوي. فقد كتب جون بيل في مقالته المعروفة "ستون عامًا من عدم اليقين" (نُشرت في كتاب حرره A.I. Miller، دار نشر بلينم، نيويورك ولندن، 1990، ص. 17، وأُعيد نشرها في Physics World، أغسطس 1990، ص. 33)، مهاجمًا هذا الاتجاه الذي يعتمد على الاعتبارات العملية فقط، وقدَّم المصطلح FAPP، وهو اختصار لعبارة for all practical purposes أي لجميع الأغراض العملية".
وأشار إلى أن مثل هذه الحجج، رغم كونها مناسبة وضرورية في مناقشة التجارب، لا تصلح كأساس لصياغة نظرية فيزيائية أساسية.
ومع ذلك، لا يزال العمل في هذا المجال مستمرًا، ويُعد من أكثر المواضيع إثارة للفضول والاهتمام.
إنها الفيزياء التي نعشقها.
يتبع في الجزء 77...







وائل الوائلي
منذ 13 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN