سلسلة مفاهيم في الفيزياء
الجزء السابع والستون: موجات في الفراغ: كيف تصف الكم واقعًا لا نراه
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
12/10/2025
قدّمنا سابقًا بعض الحجج التي تدعم أن الدوال الموجية (wavefunctions) هي جزء من الواقع الخارجي، أو بالأحرى أن الدالة الموجية والتي ينبغي من حيث المبدأ أن تصف العالم بأسره هي جزء من هذا الواقع. وكما رأينا، فإن هذا الاعتقاد يواجه بعض المشكلات. وقد حان الوقت الآن لمراجعة هذا الموقف في ضوء ما تعلمناه من المقالات السابقة حول هذا الشأن.
النقطة الجوهرية التي ينبغي التوقف عندها هي أن جميع حلول مشكلة تفسير نظرية الكم التي ناقشناها حتى الآن تتطلب وجود الدالة الموجية. حتى نظريات المتغيرات المخفية لا تلغي هذا الشرط. يبدو إذًا أن علينا القبول بأن الدوال الموجية كيانات حقيقية، وأن نحاول فهم ما هي، وما الذي يترتب على وجودها.
لنبدأ من البداية: تصورنا البدائي للوجود يشير إلى أشياء لها موقع معين أي أنها موجودة في مكان ما. في العادة، الأشياء لها حجم محدود، لذا فهي تشغل منطقة محددة من الفضاء. ويمكن لتلك المنطقة بالطبع أن تتغير مع مرور الزمن، بما يتوافق مع حركة الجسم. وليس من الصعب أن نمد هذا المفهوم إلى فكرة "الكثافة"، كما في حالة الغاز. هذه الكثافة ليست موجودة في نقطة واحدة، بل لها قيمة عند كل نقطة في الفضاء، وهي تمثل كمية الغاز (أو أي شيء آخر) في تلك النقطة. (وبشكل أدق، تمثل الكمية في منطقة صغيرة حول النقطة). وهذه القيم يمكن أن تتغير مع الزمن كذلك.
في عالم لا يحوي سوى جسيم واحد، تكون الدالة الموجية شبيهة بكثافة: فلها قيمة (مركبة) عند كل نقطة في الفضاء المعني. لذا يمكننا تصوّرها ككيان "منبسط" على امتداد الفضاء، يحمل قيمة محددة عند كل موضع.
لكن، كما رأينا سابقًا، فإن مثل هذا التصور البسيط ينهار عندما يكون لدينا أكثر من جسيم واحد. فمثلًا، إذا اعتبرنا عالمًا يحتوي على جسيمين، نرمز لهما بـ A و B، فإن الدالة الموجية المرتبطة بهذا العالم ينبغي أن تحدد احتمال وجود الجسيم A عند موضع معين، والجسيم B عند موضع آخر. وبالتالي، تصبح دالة تعتمد على موضعين.
يمكننا كتابة الدالة الموجية كـ Ψ(A B)، وهي لا تملك قيمة عند كل نقطة في الفضاء فقط، بل لكل زوج من المواضع. وإذا افترضنا أن الجسيمين غير مرتبطين، يمكن كتابة هذه الدالة كحاصل ضرب دالتين مستقلتين، كل منهما تعتمد على موضع واحد فقط. عندها يمكننا تخيل "شيئين" لهما كثافات مستقلة.
لكن حاصل الضرب هذا يعني ضمنًا أن احتمالية وجود أحد الجسيمين لا تتأثر بموقع الآخر، وهو ما لا ينطبق في الواقع، إذ نادرًا ما تتحرك الجسيمات بشكل مستقل عن بعضها. وحتى في حال عدم التفاعل، فإن شرط التناظر أو التعاكس في التناظر يجعل هذا التبسيط غير دقيق.
تزداد المشكلة تعقيدًا إذا نظرنا في العالم الحقيقي، حيث توجد جسيمات عديدة، أو عند الانتقال إلى توصيف نظرية الحقل الكمومي، حيث تعتمد الدالة الموجية لا على المواضع بل على الحقول نفسها. هنا، تصبح الدالة شيئًا مختلفًا تمامًا عن أي مفهوم مألوف للواقع.
لذلك، يُضطرنا هذا المسار إلى توسيع مفاهيمنا حول ما يعنيه أن "يوجد" شيء ما، وأن نعيد التفكير في طبيعة "الوجود" ذاتها في السياق الكمومي.
يتبع في الجزء 68.







وائل الوائلي
منذ 13 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN