عن الإمامِ الحسينِ (عليه السّلام) أنَّهُ قالَ: "خُطَّ اَلْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ اَلْقِلاَدَةِ عَلَى جِيدِ اَلْفَتَاةِ، وَمَا أَوْلَهَنِي إِلَى أَسْلاَفِي اِشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إِلَى يُوسُفَ".
إنَّ في هذهِ الكلماتِ المباركةِ صورةً مهيبةً تُجَسِّدُ فلسفةَ المَوتِ في فِكْرِ الإمامِ الحسين (عليه السلام)، فهو يرى الموتَ بابًا للخلودِ، وجسرًا إلى اللقاءِ الإلهيِّ.
لقد افتتحَ الإمامُ (صلوات الله عليه) كلمتَهَ الجليلةَ بتقريرٍ حاسمٍ لا ريبَ فيهِ، حينَ شَبَّهَ الموتَ بأنَّهُ أمرٌ مكتوبٌ، مقضيٌّ على كُلِّ مخلوقٍ، كما تُكتَبُ الزينةُ وتُخَطُّ القلادةُ على عُنُقِ الفتاةِ.
وما أروعَ هذا التشبيهَ فإنَّ الإمامَ (عليه السلام)، بعينِ الوليِّ العارفِ، يُصَوِّرُ الموتَ على أنَّهُ ليسَ عارًا ولا مهانةً، بل هو زينةٌ تليقُ بأعناقِ المؤمنِينَ، وقلادةُ شرفٍ تُعَلَّقُ على جِيْدِ الأبرارِ المُتّقِينَ.
هذه العبارةُ وإن بدَتْ موجزةً في ظاهرِهَا، إلّا أنَّهَا تحملُ في طيَّاتِهَا أعظمَ دروسِ الإيمانِ، واليقينِ، والفناءِ في سبيلِ اللهِ تعالى؛ فالإمامُ الحسينُ (عليه السلام)، وهو في طريقِهِ إلى كربلاءَ، لا يرى في الموتِ خسارةً، بل يراهُ نُضْجًا في الطريقِ إلى الحَقِّ، وتكليفًا إلهيًّا ساميًا، وَوِسَامًا لا يُمنَحُ إلّا لِمَن صدقَ في عهدِهِ معَ اللهِ (جلَّ وعلا).
يُكمِلُ الإمامُ (عليه السّلام) عبارتَهُ الخالدةَ بقولِهِ: "وما أوْلَهَني إلى أسلافي اشتياقَ يعقوبَ إلى يوسف". ويا لها من كلماتٍ، تَفيضُ بالشَّوقِ النبيلِ، وتحملُ في أنفاسِهَا لَوْعَةَ الفَقْدِ، وحنينَ الأرواحِ الطاهرةِ إلى أصولِهَا العُلْيَا.
لم يصفِ اْلْإمامُ (عليه السلام) اشتياقَهُ بكلماتٍ عامَّةٍ، بل استعارَ أبلغَ مشهدٍ مِن مشاهدِ الشَّوقِ الطاهرِ، وهو شَوْقُ الأبِ المفجوعِ إلى الابْنِ الغائبِ، شوقُ يعقوبَ النبيِّ (عليه السلام) الذي أُظلمَتْ عينَاهُ مِن كثرةِ البكاءِ، وانكسرَ قلبُهُ الطاهرُ مِن شِدَّةِ الفَقْدِ.
لم تكن نفسُ الإمامِ الطاهرةُ (عليه السلام) مُتعلِّقةً بِزُخْرُفِ الدنيا، بل بجمالِ اللقاءِ، وبِأُنْسِ العَودةِ إلى الملكوتِ الأعلى، حيثُ الأرواحُ القُدْسِيَّةُ تنتظرُهُ على أعتابِ الرَّحمةِ، وتتهيَّأُ لاستقبالِهِ بأكاليلِ الرِّضوانِ.
(منقول بتصرّف)







وائل الوائلي
منذ 13 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN