بعدمَا رفضَ الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) البيعةَ ليزيدَ بْنِ معاويةَ (لعائن الله عليهما) رفضاً قاطعاً خرجَ (عليه السلام) مِنَ المدينةِ المنوَّرةِ قاصداً مكّةَ المكرّمةَ، وأمَّا خروجُهُ مِنهَا قاصداً العراقَ فكانَ في يومِ الترويةِ أي في اليومِ الثامنِ مِن شهرِ ذي الحِجَّةِ، سنةَ سِتّينَ للهجرةِ.
والمعروفُ أنَّ الإمامَ (عليه السلام) لدى خروجِهِ مِنَ المدينةِ مُتوجِّهاً إلى مكَّةَ كانَ قد أحرمَ لعمرةِ التمتّعِ ثُمَّ عدلَ عنها إلى العمرةِ المفردةِ؛ لِعلمِهِ بأنَّهُ لن يتمكَّنَ مِن إتمامِ حَجِّهِ لِمَا كانَ يواجهُهُ مِنَ التهديداتِ مِن قِبَلِ السلطةِ الأمويّةِ الظالمةِ الفاجرةِ بل ولِعَزْمِهَا على قَتْلِهِ (عليه السلام) ولو كانَ مُتعلِّقاً بأستارِ الكعبةِ، وهذا ما تشيرُ اليه كتبُ المقاتلِ والسِّيَرِ، لكنَّ الصحيحَ الذي تُوَثِّقُهُ الأحاديثُ والرواياتُ الواردةُ عن أهلِ البيتِ (عليهم السلام) هو أنَّ الإمامَ كانَ قد أحرمَ بإحرامِ العمرةِ المفردةِ بعدَ خروجِهِ مِنَ المدينةِ فدخلَ مكَّةَ مُحرِماً بإحرامِ العمرةِ المفردةِ وأتَى بأعمالِهَا وبَقِيَ بمكَّةَ حتَّى أيَّامِ الحَجِّ ثُمَّ غادرَهَا في يومِ الترويةِ.
قالَ السيّدُ محسن الحكيم (قدّس سرّه) في مستمسكِ العروةِ الوثقى: "وأمّا ما في بعضِ كتبِ المقاتلِ مِن أنَّهُ (عليه السلام) جعلَ عمرتَهُ عمرةً مفردةً، مِمَّا يظهرُ مِنهُ أنَّهَا كانَت عمرةَ تمتّعٍ وعدلَ بِهَا إلى الإفرادِ، فليسَ مِمَّا يَصِحُّ التعويلُ عليهِ في مقابلِ الأخبارِ المذكورةِ التي رواها أهلُ الحديثِ".
ومِن تِلكَ الرّواياتِ ما رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) مِنْ أَيْنَ افْتَرَقَ الْمُتَمَتِّعُ وَالْمُعْتَمِرُ فَقَالَ (عليه السلام): ((إِنَّ الْمُتَمَتِّعَ مُرْتَبِطٌ بِالْحَجِّ، وَالْمُعْتَمِرَ إِذَا فَرَغَ مِنْهَا ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ، وَقَدِ اعْتَمَرَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) فِي ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ رَاحَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِلَى الْعِرَاقِ وَالنَّاسُ يَرُوحُونَ إِلَى مِنى، وَلَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ لِمَنْ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ)).

(منقول بتصرّف).