لا تتوقف تداعيات التغير المناخي التي تضرب العراق عند حد، حيث باتت تهدد واحدة من أهم روافد الاقتصاد في بلاد الرافدين، وهي الثروة السمكية والتي يعتمد عليها عراقيون كثيرون في تأمين مصادر رزقهم عبر الصيد والبيع.
فضلا عن أن السمك يتربع على موائد العراقيين كجزء أصيل من موروثهم الثقافي، وخاصة وجبة السمك المسكوف التي تتصدر المطبخ العراقي، حيث تعرضت أعداد ضخمة وصفت بالملايين من الأسماك، للنفوق في نهر العز بمحافظة ميسان شرقي البلاد، والتي ضجت الشبكات والمنصات الاجتماعية بصورها المأساوية.
وعلى إثر ذلك أعلنت دائرة البيطرة في وزارة الزراعة العراقية، عن تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب نفوق الأسماك بقضاء المجر.
شحة المياه وملوحتها
وقال مدير عام الدائرة ثامر حبيب لوكالة الأنباء العراقية، إن "الأسباب الأولية لنفوق الأسماك بقضاء المجر في ميسان، هو قلة المياه وارتفاع نسبة الملوحة"، كاشفا أنه "تمّ تشكيل لجنة لتقصي الحقائق من المستشفى البيطري في العمارة، وسيتم إعلان النتائج قريبا"، مبين أنه "لا توجد أيّ حالة مرضية أدت لنفوق الأسماك".
وكان مرصد العراق الأخضر، وهو منظمة مدنية معنية بحماية البيئة، قد أعلن نفوق ملايين الأسماك في محافظة ميسان، معتبرا ذلك "بداية لتداعيات الصيف الذي سيجفف المياه".
وما يزيد من خطورة تداعيات ما يحدث، وفق الخبراء هو أن الثروة السمكية مصدر مهم من مصادر التنوع الاقتصادي في العراق، في بلد ريعي يسوده الاعتماد المفرط على البترول كمصدر دخل أساسي.
وتواجه الثروة السمكية بحسبهم جملة تحديات، فبالإضافة لانخفاض مناسيب المياه وتلوثها، فإن مشكلة الصيد الجائر والعشوائي وصلت لتهديد أنواع مشهورة على موائد العراقيين بالانقراض من نهري دجلة والفرات والروافد والبحيرات، وأثرت كذلك في نقاوة البيئة المائية، بفعل تلوث المسطحات المائية بالسموم والمخلفات والنفايات وأخطرها مياه الصرف الصحي.
خطر نقطة اللاعودة
يقول الأكاديمي والخبير البيئي العراقي أيمن هيثم قدوري، في حديث مع موقع سكاي نيوز عربية:
لطالما حذرنا كمختصين من أن أزمة شح المياه بالعراق تتجه نحو نقطة اللاعودة، وأنها ستفجر أزمات تطال كافة القطاعات والمرافق الحيوية في البلاد، وتهدد خاصة الأمن الغذائي والأمن القومي العراقي ككل.
نفوق الأسماك في محافظة ميسان بقضاء المجر الكبير، وتحديدا ناحية الخير المحاذية لنهر العز في هذا الوقت من السنة، أي بداية يوليو، علامة على أن أزمة المياه العراقية قد استفحلت، واعلان صريح بأن الأمور قد خرجت عن السيطرة.
الأسباب
بسبب الانخفاض الكارثي في الواردات المائية من دول المنبع الذي وصل لما يقارب 9.5 مليار متر مكعب للعام الحالي، ولكلا النهرين دجلة والفرات، بعد أن كانت الواردات المائية تتراوح ما بين 50 - 77 مليار متر مكعب سنويا في بداية القرن.
مع استنزاف الخزين الاستراتيجي للعراق المحصور في خزانات السدود والوصول إلى الخزين الميت، بسبب سوء التخطيط وعدم التنسيق بين الجهات المتشاركة في ملف المياه، بالاضافة لعدم مراعاة الحفاظ على ما تبقى من مياه عذبة والاستمرار بطرح المخلفات الصناعية والمنزلية والصحية، لمجاري الأنهار، وتزامن هذه الكوارث البيئية بشرية الصنع مع تسارع مراحل عملية التغير المناخي، وارتفاع معدلات درجات الحرارة ومرور العراق بأربع سنوات عجاف تصنف على أنها من أقسى السنوات جفافا من حيث شحة الساقط المطري.
هلكت إثر كل ما تقدم، المجاري المائية العراقية وهلكت معها مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء، وتحولت إلى صحاري مقفرة، وخسر العراق عددا ليس بالقليل من مسطحاته المائية، أبرزها الأهوار بجنوب البلاد.
نفوق الأسماك هو النتيجة الأولى لتعاظم الجفاف والشح المائي، حيث تتناقص الاطلاقات المائية ترتفع نسب الأملاح الذائبة الكلية TDS وترتفع تراكيز العناصر الثقيلة كالكاديميوم والرصاص والنيكل والنحاس، الناتجة من طرح المياه الرمادية والمخلفات الصناعية، بالإضافة لانخفاض نسبة الأوكسجين المذاب DO، ما يعني تحول البيئة المائية لبيئة سامة لا تحتوي على العوامل الرئيسية لعيش الأسماك من غذاء وأوكسجين، مع ارتفاع درجة حرارة المياه ما يؤدي لنفوق هذا العدد الهائل من الأسماك والذي يقدر بالملايين في يوم واحد.
المنطقة المتضررة
ناحية الخير، هي واحدة من النواحي الحديثة التي تشكلت بعد تجفيف الأهوار، وسكانها يعتاشون على صيد الأسماك وتصديرها لباقي المحافظات، خسارتهم لمصدر رزقهم وعدم التحرك العاجل لزيادة الاطلاقات المائية بغية تخفيف أثر التلوث وزيادة نسبة الأوكسجين في مياه نهر العز، سيدفع عوائل ناحية الخير لطريق الهجرة وبالتالي فتفاقم الأزمات البيئية يولد أزمات اجتماعية وأمنية واقتصادية.
ما هي الحلول؟
التعجيل في تدويل ملف المياه والمطالبة بحصص العراق المائية، وبالتوازي تطوير الادارة الداخلية للموارد المائية، بالشروع بتقنين هدر المياه والعمل بقانون حماية وتحسين البيئة المشرع عام 2009، بنتفيذ مواده وضوابطه ومحاسبة كل جهة تتسبب في تلويث ما تبقى من المياه العذبة، خلال طرح المخلفات لمجاري الأنهار من القطاعين العام والخاص، وبسقف زمني قياسي هو الأمل الوحيد لادارة أزمة المياه والخروج بأقل الخسائر الممكنة.