يُعدّ قسم الشؤون الفكرية والثقافية واحداً من أهمّ الأقسام في العتبة العبّاسية المقدسة، فهو يمثّل ركيزةً أساسية في التوجّه نحو تحقيق الرؤية المتكاملة التي تتبنّاها العتبة العبّاسية، من خلال العمل في عدّة مجالات هدفها السير نحو تحقيق غاية نبيلة، تتمثّل في نشر وترسيخ فكر وثقافة أهل البيت(عليهم السلام)، ودحر الأفكار المتطرّفة التي تظهر بين الحين والآخر، وفي الآونة الأخيرة أخذ القسم يخطو خطواتٍ واثقة نحو الإبحار والخوض في غمار كتابة التاريخ، وتوثيق الأحداث والجرائم التي تعرّض لها أبناء الشعب العراقي على اختلاف طوائفهم وقومياتهم وطباعهم، فضلاً عن اهتمامه بتراث مدينة كربلاء لما لها من إرثٍ كبير ووقع مهمّ، في نفوس أبناء هذه المدينة المقدّسة. للوقوف أكثر على الخطط وآليّة العمل المعتَمَدة، أجرى المركزُ الخبريّ مقابلةً خاصّة مع السيد عقيل الياسري رئيس القسم، دارت حول محاور عديدة وتضمّنت الإجابة عن الأسئلة الآتية: 1ـ العالم يشهد تطوّراً وسرعةً في الوصول إلى المعلومة، أين تجدون أنفسكم في ظلّ هذا التحوّل الإلكتروني؟ *- لا يخفى على الجميع أن التطوّر التقني والتكنولوجي، أصبح اليوم في تسارعٍ وسباقٍ لم يشهده العالم من قبل، ولا نعلم ماذا سيظهر لنا في القابل من الأيّام، وفي ظلّ هذا التقدّم التقنيّ الإلكترونيّ نستطيع أن نقول إنّنا نسير بخُطى راسخة ومتسارعة لمواكبة هذا التطوّر واستثماره وتطويعه، لنشر الفكر السليم والوصول إلى الجهات والفئات التي نستهدفها، من خلال التطبيقات والمواقع الإلكترونية التابعة للقسم، بانتخاب الأشخاص ذوي المهارة والحرفة في هذا المجال، ولم ندّخر جهداً في سبيل تطوير الإمكانيات الفنية أو توفير المعدّات اللّازمة لذلك. 2ـ لماذا التوجّه بحملاتٍ إلى أفريقيا، هل هناك خططٌ استراتيجيّة بعيدة المدى؟ *- القارّة الأفريقية أرضٌ خصبة لنشر فكر أهل البيت(عليهم السلام)، وهم متعطّشون لذلك ولديهم الإمكانيّة الجيّدة على التعلّم والتعليم في نفس الوقت، فاختيارها كان لهذا السبب من جانب، ومن جانبٍ آخر لسهولة وبساطة العيش تمكّن من يريد أن يعمل في هذه القارة، لكون أنّ المؤن تكون أقلّ نوعاً ما، والخطط الاستراتيجية هي فتح مراكز إسلامية ثقافية فكرية تحاكي الآخر بلغة الحوار البنّاء والهادف، واستقطاب الطلبة الأفارقة للدراسة الحوزوية وتمكينهم من التزوّد بعلوم آل البيت (عليهم السلام)، ومن ثمّ عودتهم إلى بلدانهم ليكونوا هم الأساتذة والملتزمين بما سيتمّ فتحه من مراكز، وخدمة أبناء هذه القارّة بما يُمكن تقديمه لهم من خدماتٍ معرفية أو مادّية، من قبيل الزراعة أو حفر الآبار، لتكون صدقةً جارية ينتفع منها المسلمون في تلك الدول. 3ـ البعض يقول إن توجّهكم للتوثيق ناجمٌ من محاولاتكم لكتابة التأريخ كما ترون.. ما ردّكم؟! *- بلا شكّ أنّ الأمم إن لم تكتب تاريخها بنفسها وتدوّن كلّ الأحداث بالدّقة المتناهية، سيحلّ أناس آخرون لكتابة ذلك التاريخ، ولكن سيكون حتماً بما يحلو لهم وبما يلبّي رغباتهم، فالبطولات والتضحيات التي قدّمها أبناء هذا البلد تستحقّ منّا ذلك، ومهما قدّمنا نجد أنفسنا مقصّرين تجاههم، وهناك توثيق آخر وهو للمنجز الثقافي والعمراني، فكلّ هذه المشاريع أيضاً تحتاج إلى التوثيق وكتابة كلّ التفاصيل، لتكون شاهداً للأجيال لما قدّمه خَدَمة العتبات المقدّسة والمخلصون من أبناء هذا البلد. 4ـ يقال إنّ المدن التي تفخر بتأريخها وتراثها لا تموت، ماذا قدّمتم من مشاريع تُعنى بتراث مدينة كربلاء؟ *- مدينة كربلاء المقدّسة من المدن المقدّسة التي لها جذور ضاربة في التاريخ ولها إرثها الحضاري، وتسيّدت هذه المدينة بعد أن تشرّفت باحتضان الأجساد الطاهرة لأهل البيت الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام). هناك جملةٌ من المشاريع الثقافية التي تبنّاها قسم الشؤون الفكرية والثقافية، والتي تخصّ مدينة كربلاء المقدّسة، منها كتابة تاريخ المدينة وتبويبه على المراحل الزمنية، وتحقيق المخطوطات التي كتبت عن المدينة، وكذلك تحقيق المخطوطات التي كتبها علماءُ المدينة، لترى النور بعد أن كانت حبيسة الخزانة، وكذلك للقسم مشفى للمخطوطات يُعنى بحفظ التراث المخطوط، سواء الخاصّ بالمدينة أو بعلماء الطائفة الحقّة، ولم يقتصر عملنا على ذلك فحسب بل تعدّى إلى فهرسة مخطوطاتها وتصويرها، وإتاحتها لطلبة العلم لينتفع منها الطلّاب بحثاً وتحقيقاً، ومن بين المشاريع التي كان للقسم دورٌ مهمّ فيها هو إنشاء مركز تراث كربلاء الذي يهتمّ بتراث المدينة وسماتها ومعالمها، وقد تصدّر المراكز بنشاطاته وتنوّع مهامّه، وانتقل من بعدها للانضواء ضمن مراكز قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية. 5ـ لكونكم أحد أهمّ الأقسام في العتبة العباسية، ما الأشياء التي تفخرون بإنجازها؟ وما خططكم المستقبلية؟ *- هذا من نعم الله سبحانه وتعالى، ونقول: نحن أحد الأقسام الخادمة في العتبة المقدّسة، بلا شكّ أن النجاح لا يأتي من فراغ بل نتيجة جهدٍ وتفكيرٍ وتخطيط وتنفيذٍ مثاليّ لهذا التفكير، ويصحبه دعمٌ وإخلاص في العمل، حتماً سيكون النتاج متفوّقاً ومرضيّاً إن شاء الله، نعتزّ بأنّ قسم الشؤون الفكرية والثقافية منذ تأسيسه يسير بخُطى واثقة ويتقدّم ويحرز الجوائز تلو الجوائز، في مسابقاتٍ ومحافل محلّية وعربيّة وعالمية، وأصبح ولله الحمد اسماً لامعاً بين المؤسّسات الثقافية، وتنوّعت مهامّه ونشاطاته وطبيعة إصداراته وتواصله مع كافة شرائح المجتمع، نعتزّ أيضاً بـأنّ قسم الشؤون الفكرية والثقافية يعتبر مصدراً لكثيرٍ من الأقسام التي انشطرت منه، كقسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية الموقّر، وقسم الإعلام الموقّر، وإنّ كثيراً من باقي الأقسام الأُخَر كانت ضمن تشكيلاته وما يزال القسم ولّاداً للطاقات والكفاءات، لدعم العتبة العبّاسية المقدّسة بكافّة أقسامها. أمّا عن الخطط المستقبلية فهي كثيرة ومتشعّبة، ولكلّ مركزٍ من مراكز القسم وشعبه رؤية سيتمّ تنفيذها إن شاء الله. 6ـ إلى أين وصل المركزُ العراقيّ لتوثيق جرائم التطرّف في مشواره؟ وما هي الأبواب التي فتحها على المستويَينِ المحلّي والدوليّ؟ *- يُعدّ هذا المركز الفتيّ في عمره والكبير في إنجازه، من المراكز المهمّة في القسم، حيث أخذَ على عاتقه توثيق وتدوين كلّ الجرائم التي وقعت على الشعب العراقيّ، بكافّة طوائفه وقوميّاته وطباعتها بمجلدات، لتكون شاهداً حياً على ما عاناه هذا الشعب من ويلاتٍ وأذى على مرّ السنين وإلى يومنا هذا، من قتلٍ وتعذيبٍ وتشريدٍ وسلب حقوق وانتهاكاتٍ شتّى، فقد استطاع لحدّ الآن إصدار (موسوعة سبايكر) التي تضمّ 23 جزءاً تتضمّن ملابسات الحادثة وأسماء الشهداء ومدنهم، وتحصيلهم الدراسيّ وصورهم واعترافات الجناة ومقتبسات الحكم بحقّ المدانين، وتوثيق القنوات والجهات الإعلامية المحلّية العربية والأجنبية التي تناولت الحادثة وكلّ ما يتعلّق بها، وكذلك لدى المركز موسوعة عن المقابر الجماعية التي تمّ الكشف عنها ومحاضر فتح المقابر وعدد الضحايا المدفونين فيها، ولدى المركز عشرات الإصدارات بين كتابٍ وكتيّب، تتضمّن كلّ الانتهاكات التي طالت الشعب العراقيّ. قام المركز بفتح قنوات في دولٍ عربية وعالمية لإظهار مدى الجرائم التي لحقت بالشعب العراقي، وكانت للمركز عدّة مشاركاتٍ في مؤتمراتٍ في الأمم المتّحدة ومنظّمة حقوق الإنسان، وكذلك أقام معارض لصور من الانتهاكات في بلدان أوربية عديدة. 7ـ ما استراتيجية ورؤية مركز مُلتقى القمر تجاه قضايا الشباب ومشكلاتهم، والتحدّيات التي تواجههم؟ *- لأنّ الشباب هم عماد البلد ورصيده الحيّ، ومَن يعوّل عليهم في بناء هذا البلد، سعى مركز مُلتقى القمر إلى عددٍ من المهامّ والخطط التي رسمها وتكفّل بتنفيذها على عدّة مستويات، منها على المدى القصير والمتوسّط والمدى الطويل، فللمركز محاضرات ومُلتقيات مع الشباب بشكلٍ أسبوعيّ في مدنهم أو عبر استقبالهم في مدينة كربلاء المقدّسة، وطبعاً هذه المحاضرات تكون مصنّفة حسب نوعيّة الوفد المُستقبَل وحاجته، فهناك محاضرات عن التقليد ومحاضرات لدفع الشبهات ومحاضرات حول التثبّت في الدين، ولا يخفى عليكم أنّ هناك جهات خطيرة تستهدف الشباب وتحاول أن تزعزع معتقداتهم وتبثّ في أذهانهم شبهات تدفعهم للابتعاد عن الدين، فهنا لا بدّ من إيجاد سبلٍ كفيلة للوقوف بوجه هذه الأفكار وإيجاد طريقة ومنهج يلائم مستوى هؤلاء الشباب، لإقناعهم بزيف ما يُبثّ لهم وإفهامهم بأنّ المعتقدات والقيم يجب أخذها من منابعها الحقيقيّة، وهناك دورات تخصّ الكوادر التربويّة والتعليميّة إذ توضع لها مناهج وحصص ومحاضرات، وهناك دورات لصناعة القادة والنخب ضمن مركز مُلتقى القمر، ليكونوا هم المؤثّرين في محافظاتهم ويعطون المحاضرات لزملائهم.