شهد، أمس السبت، حفل افتتاح الشبّاك الجديد لمرقد العقيلة زينب (عليها السلام) في سوريا كلمة للأمانة العامّة للعتبة العباسية المقدّسة ألقاها الأمين العام السيّد مصطفى مرتضى آل ضياء الدين، وهذا نص الكلمة : الحضور الكريم، مع بالغ الاعتزاز وفائق الاحترام للمسميات الكريمة والألقاب الشريفة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها الاخوة الكرام، غير خافٍ إنّ الايمان بالمقدّسات هو أول دافع يجعل المسلم يحافظ عليها ويدافع عنها، مثل ما يحافظ ويدافع عن أرضه وعرضه، لذلك كانت من أولويات مبادئنا التي نؤمن بها ،وصارت أول ما يستهدفه الأعداء والطامعون، ولهذا كان نصب عين خطابات مرجعيتنا العُليا (أدام الله ظل سيّدها الامام علي الحسيني السيستاني)، ووجدناها حاضرةً في خطاباتها التي حافظت بها على أمن العراق وأمانه، لاسيما فتوى الدفاع الكفائي، عندما أفِلت شمس العراق أو كادت، وأستشرى الشر وأحاط به، حيث قال: اجعلوا قصدكم ونيتكم ودافعكم هي الدفاع عن حرمات العراق، ووحدته وحفظ الأمن للمواطنين، وصيانة المقدسات من الهتك. نعم إنّ مقدساتنا جزء لا يتجزأ من هويتنا الإسلامية، والإنسانية وهي من عناوين معتقدنا ووجودنا، ومن المقدّسات في هذا السياق الاضرحة المشرفة لأهل البيت (عليهم السلام)، التي جعل الله أفئدة الموالين تهوي إليها، وأصبحت جزءاً من وجودنا الإنساني، وعنواناً يشدّنا إلى ديننا ويجذبنا إلى فلك رسالاته السمحاء، وترجماناً لانتمائنا لها، وولائنا لنبينا حباً به، وسداداً لأجر رسالاته، التي جعلها الله في مودة أهل بيته (عليه وعليهم صلوات الله وسلامه)، حيث ورد في مروياتنا أنّ النبي (صلى الله تعالى عليه وآله وسلم) قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) عندما سأله عن فضل وأجر من زار قبور أهل البيت (عليهم السلام) وعمرّها وتعاهدها، قال: يا أبا الحسن إنّ الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنة، وعرصة من عرصاتها، وإنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوةٌ من عباده تحنّ اليكم، وتتحمل المذلة والاذى فيكم، فيعمّرون قبوركم، ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله مودة منه إلى رسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي والواردون حوضي، وهم زواري غداً في الجنة، يا علي من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس. ثم أضاف صلى الله عليه وآله "فأبشر وبشّر أولياءك ومحبيك من النعيم وقرّة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". أيها الاخوة عندما يكون الحديث عن مفخرة الإسلام وفخر المخدرات السيدة زينب (عليها السلام) فأنه سيكون شكلاً من أشكال المناجاة المحمدية، نستحضر معه عبق الرسالة مدفوفاً بكلّ ما هو نبيل وأصيل، حيث داهمتها الاحداث الرهيبة المروعة، وما كان من شيء سوى العز والكرامة، وتوالت عليها المحن فتجرعت المصاعب القاسية، فما كان منها سوى الصبر الجميل، واُبتلِيَت بالرزايا الجسام، فما استسلمت وحاصرتها الوحدة وقلة الناصر والمعين، فما استوحشت طريق الحق وشاهدت بطش الظالمين، فما وهن لها ركنٌ، وما ضعفت لها عزيمة، وما خضعت لغير بارئها جلّ وعلا، وفقدت ما فقدت من ما عزّ مثاله وانعدم نظيره، وهي تقول الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه. انّها صوت الإسلام الحق، وترجمانه الخالد، الذي يريدنا أن نعيش أحراراً ونموت أحراراً، ونفهم أنّ نبينا صلوات الله وسلامه عليه نعمتنا الكبرى، وذخيرتنا في دنيانا وآخرتنا، فلنتعلم درسها الخالد وهو" الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه"، الحمد لله على نعمة نبيه، وآله الطيبين الطاهرين. لذلك ندرك تماماً أنّ خدمتها ما هي الا خدمة صالحة في درب خدمة رسالة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، واستعادة لكل كنوزها ومدخراتها، وهي ترديد لدروس الإسلام الخالد، وندرك أنّ في ذلك اجراً وثواباً، وندرك ايضاً أنّ خدمة زائريها الكرام، يصب في الهدف ذاته، وتجعل جذوة الرسالة متقدة ومنيرة. وهذا في صميم عمل العتبة العبّاسية المقدّسة في هذه المناسبة، إذ سعت إلى تقديم هذه الخدمة إلى ضريحها المطهر، من خلال إهداء هذا الشباك إلى حرمها الطاهر، ملتمسة بهذا تجسيد رؤيتها ورسالاتها في تعمير المراقد وتعاهدها طلبا للأجر وترسيخاً لرؤية المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدّسة سماحة السيد احمد الصافي (دام عزه) في إعادة الثقة بالعقل العراقي وقدرته على الابتكار واحياءً لمقولة (صُنع في العراق)، تلك المقولة التي انحسر تداولها بفعل المنتج الأجنبي. أيها الاخوة نقدم لكم اليوم مفخرة جديدة من مفاخر الصناعة العراقية، هذه التحفة البهية " شباك السيدة زينب (عليها السلام)"، مصنوعاً بأياد عراقية وبقدرات عراقية، ومن اخوتكم خدام العتبة العباسية المقدّسة، وكأنّنا نقول: إنّ درس الأخوّة الذي أسّسه مولانا العبّاس (عليه السلام) وأخته السيّدة زينب (عليها السلام)، في تربة كربلاء ازهرت اليوم هنا في الشام بعنوان آخر، لأخوّة العراقيين والسوريين، وهم معاً يجدّدون العهد للعباس وزينب (عليهما السلام) ، بالسير على نهج الرسالة الخالدة، واستعادة دروسها وفهمها وترجمتها بوسائل شتىّ. نشكر هنا إمامنا المرجع الأعلى السيد السيستاني (أدام الله ظلّه) الذي لولا رعايته وثقته بنا لما نجحنا في تجسيد رؤيته الداعية إلى الأخوّة والسلام بين الشعوب وبين بني الانسان، أنّى كان وحيث كان. كما نشكر وكيل المرجعية العليا سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه) الذي تعهدنا بالدعم والرعاية، ونشكر كل من ساهم معنا سواءً بتبرع كريم أو بجهد أو بوقت، أخصّ خدام العتبة العبّاسية المقدّسة في قسم صناعة شبابيك الاضرحة الشريفة، وأبوابها المطهرة، ونشكر أخوتنا الذين سبقونا بالقدوم إلى هنا، لإكمال نصب الشباك الشريف، ومن رافقنا، والشكر موصول إلى جميع الجهات الرسمية والأمنية وغيرها، والتي وقفت لتسهيل مهمة نقل الشباك الشريف، من العراق إلى سوريا. كما ونشكر فرقة العباس (عليه السلام) القتالية، التي تولّت هذه المهمة، بالتنسيق مع الجهات المعنية، وشكرنا الخاصّ إلى السادة الافاضل والمشايخ الكرام من الحوزة العلمية الشريفة والسيد رئيس ديوان الوقف الشيعي في العراق، والسيد محافظ كربلاء المقدّسة، والسادة الأمناء العامين وممثلي العتبات المقدّسة، والهيئات والمواكب الحسينية عامّة، وأهالي كربلاء خاصّة، وكلّ السادة الحضور، وكذلك نشكر إدارة وخدمة العتبة الزينبية المقدّسة على تعاونهم وتفاعلهم، لإنجاز هذا العمل، وفقهم الله لدوام نعمة الخدمة. كما ويجدر بنا أن نسجّل موقفاً مشرفاً، للأحبة الذين تحمّلوا مشقة السفر وطول الانتظار في المنفذ الحدودي البري، ولم ينثنوا، بل اصرّوا على تحمل ذلك من أجل المشاركة في هذا الحدث التاريخي، فالله درّهم، بل وعليه أجرّهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.